«ستراتفور»: «حفتر» يواصل إفشال جهود السلام في ليبيا لحماية نفوذه الشخصي

الأحد 18 سبتمبر 2016 11:09 ص

ببساطة، تنقسم ليبيا بين شرق وغرب. في الفترة من أغسطس/آب 2014 إلى أبريل/نيسان 2016، انقسمت ليبيا بين المؤتمر الوطني العام والذي يعمل في المدينة الغربية طرابلس، ومجلس النواب الذي يدير عمله من المدينة الشرقية طبرق. وخلال العام الماضي، حاولت الأمم المتحدة تشكيل حكومة موحدة، حكومة الوفاق الوطني، في محاولة لتوحيد مركزي القوة. وتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في وقت مبكر هذا العام، ووصل إلى طرابلس في مارس/أذار، لكنها لم تحصل على موافقة حتى الآن من مجلس النواب، لتظل البلاد ممزقة بين حكومات متنافسة في الشرق والغرب.

وفي الوقت نفسه، تتقاتل الجماعات المسلحة التي تغير تحالفاتها باستمرار، من أجل السيطرة على الأراضي. وواحد من أقوى هذه الفرق، الجيش الوطني بقيادة اللواء «خليفة حفتر»، والذي هزم مؤخرًا منافسه في شرق ليبيا واستولى على 4 نقاط رئيسية لتصدير النفط. وهذه الخطوة بالتأكيد ستزيد من قوة «حفتر» عند حكومة الوفاق الوطني التي يعارضها. «حفتر»، الذي يتحالف مع مجلس النواب في طبرق، سيستغل تحكمه في نقاط تصدير النفط، ليحصل على مكاسب سياسية وتنازلات من حكومة الوفاق الوطني، وخاصة ضمان دور له على رأس قيادة الجيش الذي يتبع الحكومة الموحدة. وسينبغي على «حفتر» ومجلس النواب التعامل بعد ذلك مع شركة النفط الوطنية لكي تمكنهم من تصدير النفط.

تحليل

تحرك جيش «حفتر» يوم 11 سبتمبر/ أيلول ليسيطر على 4 محطات رئيسية لتصدير النفط في خليج سرت، وهي موانئ رأس لانوف والسدرة وزيتونة ومرسى البريقة، والتي كانت تخضع لسيطرة ميليشيا مسلحة منافسة، موالية لـ«إبراهيم الجضران»، هرب العديد منها والبعض الآخر انضم للعمل تحت إمرة قوات «حفتر».

العداوة بين «حفتر» و«الجضران» شخصية. حتى 2014 كان الاثنان يدعمان حكومة طبرق. ولكن بدأت العداوة بين الاثنين عندما دعم «الجضران» حكومة الوفاق الوطني، وعارضها «حفتر». وعندما هاجمت قوات من تنظيم الدولة (داعش) المحطات النفطية في رأس لانوف والسدرة، لم يوافق «حفتر» على دعم «الجضران»، وهو ما دعى «الجضران» لاتهام «حفتر» بالتواطؤ مع الجهاديين.

ومنذ ذلك الوقت سعت قوات «الجضران» بمساعدة ميليشيا مصراتة لاستعادة سرت من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية. وأبرم «الجضران» عددا من الاتفاقات مع عديد من المجموعات عندما يكون ذلك في صالحه. وفي 27 يوليو/ تموز، اتفق مع حكومة الوفاق الوطني على إعادة فتح محطات رأس لانوف والسدرة في مقابل حصة من المال لقواته. ولعب وزير دفاع حكومة الوفاق الوطني، «المهدي البرغثي»، وهو منافس آخر لـ«حفتر»، دورًا كبيرًا في إنجاز هذا الاتفاق.

كلفة التعاون

إجراء «الجضران» للصفقات لا يتم بدون ثمن. فتعاونه مع حكومة الوفاق الوطني وإن كان ملحًا، إلا أنه أفقده الكثير من الشعبية بين العائلات والقبائل شرق البلاد والتي كان يعتمد عليها في دعمه للسيطرة على المناطق النفطية. كما أكدت الصفقة أن تواجده شرق البلاد هو للمكاسب الشخصية فقط، وليس من أجل حماية حدود ليبيا أو مصلحة القبائل.

استطاع «حفتر» سحب البساط من تحت أقدام «الجضران»، وقام باتصالات مع القبائل لتعيين شقيق «الجضران»، «سالم الجضران» ليكون حاكمًا لأجدابيا، كما استطاع سحب ولاء قوات حرس المنشآت النفطية التابع للجضران، حيث تعتبر تلك القوات جزءًا في الأساس من قوات الجيش الوطني التابعة لحفتر.

وبتشجيع من مصر في الأسابيع الأخيرة، قام «حفتر» بشكل مفاجئ بتجنيد أعضاء من حركة العدل والمساواة. وببعض الحسابات، نجد أن سيطرة «حفتر» على رأس لانوف قد تمت بمساعدة كبيرة من ميليشيات حركة العدل والمساواة. وهكذا قد أفلحت استراتيجية «حفتر» في النهاية.

مفاوضات لا تنتهي

تأتي تحركات «حفتر» في وقت لا تنقطع فيه المفاوضات بين الحكومات المتنافسة في ليبيا. وفي الاتفاق الجديد الذي ترعاه الأمم المتحدة، يمثل مجلس النواب الجهة التشريعية في حكومة الوفاق الوطني، لكن لم ينجح حتى الآن في الوصول للنصاب القانوني لإجراء تصويت، وكان «حفتر» عاملًا كبيرًا في هذا الفشل، حيث أقنع حلفاءه داخل المجلس ومن بينهم المتحدث باسم المجلس، «عقيلة صالح»، بمنع التصديق على حكومة الوفاق الوطني، وهو ما جعل الولايات المتحدة توقع عقوبات على «صالح».

وبعد أن ظهر جليًا أن العدد الأكبر من أعضاء مجلس النواب يوافق على حكومة الوفاق الوطني، ورغم فشلهم في الوصول إلى نصاب قانوني للتصويت، قرر المجتمع الدولي تمرير حكومة الوفاق الوطني على أي حال. أصبحت حكومة الوفاق الوطني على رأس السلطة في مارس/ أذار، واعتلى «فايز السراج» منصب رئيس مجلس الوزراء. وفي أغسطس/ آب، اكتمل النصاب القانوني للمجلس أخيرًا، ولكنه رفض تشكيل حكومة الوفاق الوطني. وشكا عدد من النواب بعد ذلك، أن «صالح» قد غير جدول أعمال المجلس في اللحظات الأخيرة للتصويت على حكومة الوفاق، حين أدرك أنه يملك العدد الكافي من الأصوات للرفض.

وأجبر التصويت حكومة الوفاق الوطني على تشكيل مجلس وزراء جديد، ولكنّ هذا فتح مجالًا جديدًا للتفاوضات حول هيكل المجلس وحصص أصحاب المصالح، وماهية دور الحكومة الجديدة. وكان «البرغثي» قد سمي وزيرًا للدفاع في مجلس الوزراء المرفوض، وهو المنصب الذي أراده «حفتر» لنفسه.

والمشكلة هي أنه على الرغم من تحالف «حفتر» مع القوات الغربية ضد القوات الجهادية، فإنّه يعتقد أن قوات غربية ومحلية ومن بينهم قوات مصراتة متعاطفين مع الجماعات الإسلامية، ليس فقط الجهاديين والسلفيين، ولكن مع جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين. وكان «حفتر» قد تصادم مع هذه الجماعات، حتى قبل حكومة الوفاق الوطني، في سرت وحول محطات النفط. وجرى في الوقت الأخير طرح اسم «حفتر» بقوة، ووجوب وجود مكان له في الحكومة الجديدة، وذلك في اجتماعات لقوى غربية وللأمم المتحدة. وطرحت فكرة إنشاء مجلس قيادة يجمع كل القوات العسكرية المتواجدة في الأراضي الليبية يتشكل من 5 رجال وهم، «السراج» و«حفتر» و«صالح» ورجلان من المجلس الرئاسي من المحتمل أن يكون من بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء «أحمد معيتيق». وفي 14 سبتمبر/ أيلول طرح «صالح» اسم «حفتر» ليكون مشيرًا للجيش الوطني الليبي.

ويجتمع العديد من هؤلاء الممثلين في القاهرة هذا الأسبوع، ربما في محاولة لإبرام صفقة كبرى. ربما يتمكن مجلس مثل هذا من اكتساب قوة، لكن إعادة ربط شرق وغرب البلاد سيكون أمرا صعبًا.

سؤال النفط

والآن، ومع سيطرة «حفتر» على عدد مهم من محطات النفط في ليبيا المركزية، ومع نفوذه في شرق ليبيا، يكون لديه وحلفاءه قدرة على المساومة السياسية. وليس للجيش الوطني الليبي ولا مجلس طبرق أي مصلحة فعلية في تشغيل المحطات. ولكن السؤال هو، إلى أي جانب ستذهب محطات النفط، فسلطة النفط، مثل كل المؤسسات الليبية، قد انقسمت إلى شطرين.

وقبل الانقسام، كانت الشركة الوطنية للنفط تقع في الغرب في مدينة طرابلس. وبقيت هذه الشركة بعيدة عن الخلافات السياسية واكتسبت اعترافًا دوليًا. لكن يوجد الآن الفرع الشرقي من الشركة والذي أسسه مجلس النواب في البيضاء والذي عمل بعد ذلك كأداة للحكومة، ولكن هذا الفرع قد فشل في اكتساب شرعية دولية، وتدخلت البحرية الأمريكية لمنع عملية بيع يقوم بها هذا الفرع من الشركة. وفي يوليو/ تموز، وصلت الشركتان لاتفاق لإعادة التوحد، ولكن تبدو العملية بعيدة عن الإتمام.

ويأمل «حفتر» ومن معه تسليم محطات النفط لشركة نفط وطنية موحدة، ولكن في الوقت الراهن، فهم يتعاملون مع الشركة الواقعة في طرابلس في مقابل تنازلات من حكومة الوفاق الوطني. وأعرب «صالح» أيضًا رغبته في التعامل مع الشركة الوطنية الواقعة في طرابلس، آملًا تسليم المنحطات في وقت قريب لشركة نفط وطنية موحدة. وقد قرر رؤساء الشركتين الاجتماع الأسبوع المقبل لوضع اللمسات الأخيرة لإنهاء العملية.

ومع تحويل السيطرة على تشغيل المحطات النفطية لتصبح مع الشركة الوطنية للنفط بشكل سلمي، فإن ذلك سيصب في صالح «حفتر»، بإظهاره كمتفاوض عقلاني يعمل لصالح البلاد، وليس رجلًا متهورًا يبحث عن المكاسب المادية الشخصية. ولكن في حال انهارت المفاوضات، يمكن لـ«حفتر» بقوته العسكرية منع الشركة الوطنية للنفط من دخول المحطات في المستقبل. وبالنسبة لـ«حفتر»، فإن النفط ليس هو القضية، ولكن التحدي هو إقتاع البلاد أن الجيش الوطني الليبي يقاتل لأجل ليبيا والليبيين وليس لأجل «حفتر» شخصيًا. وسيساعد دخل النفط في تحسين هذه الصورة، حيث سيصب مباشرة في البنك المركزي الليبي في طرابلس. وهذه المؤسسة قد بقيت إلى حد ما بعيدة عن الانقسام.

هل يمكن إحلال السلام؟

إذا تحدثنا عن حل وسط بين حكومة طرابلس وخكومة طبرق مع وجود «حفتر» فبالتأكيد سيكون الأمر صعبًا. وبوجود مناطق السدرة وبن جواد تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة «حفتر»، فإنّه قريب الآن من قوات مصراتة أكثر مما كان عليه في عام 2015، حين كانا يقاتلان بعضهما البعض. ويملك «حفتر» خياران في الوقت الراهن: يمكنه الاستمرار بالتوجه غربًا نحو سرت، وهو ما سيجهد قواته حتى مع دعم حركة العدل والمساواة. أو يمكنه تثبيت أركان موقعه الحالي حول محطات النفط واستكمال المفاوضات. وحتى الآن يبدو أنه يميل للخيار الثاني، حيث أن الخيار الأول يعني احتمالية الصدام مع قوات مصراتة التي تقاتل قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو ما سيشعل من جديد فتيل الحرب بين الشرق والغرب ويهدم كل المفاوضات.

وبالطبع فإن القرار لا يعود لـ«حفتر» وحده. قوات مصراتة هي داعم رئيسي لحكومة الوفاق الوطني. وبقتالهم تنظيم الدولة (داعش)، فإنّهم يقدمون الحماية الأمنية داخل وحول طرابلس لحكومة الوفاق الوطني. قوات مصراتة أيضا هي مأوى الكثير من الميليشيات التي حاربت ضد «حفتر». والآن هم منشغلون بمعركتهم في سرت، لكن ربما إن انتهت المعركة، فسوف يلتفتون من جديد لقتال «حفتر». وكما قوى «حفتر» وضعه من أجل مكاسب أكبر خلال التفاوضات، فإنّ قوات مصراتة قد فعلت المثل بقتالها قوات تنظيم الدولة (داعش).

ومن الواضح أن المرحلة الثانية من الصراع الليبي قد بدأت، ويعمل أصحاب المصالح على تثبيت مكتسباتهم. وعلى الرغم من رفض مجلس النواب لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتمكن «حفتر» من السيطرة على 4 محطات رئيسية للنفط، فإنّ الأمل لازال موجودًا بالنجاح في الوصول إلى حكومة موحدة. ولكن إن كنّا تعلمنا شيئًا خلال الخمس سنوات الماضية منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق «معمر القذافي»، فهو أنّ المفاوضات في ليبيا دائمًا ما تكون هشّة. ومع وجود «حفتر» في موقف قوي الآن أكثر من أي وقت مضى، يظل شخصية مثيرة للخلاف. وبسبب هذا، ربما يضطر للاستمرار في استخدام القوة. ومع ذلك، من الخطير أن «حفتر» الآن يملك أوراقًا تفاوضية أقوى من أوراق العديد من منافسيه.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

ليبيا حفتر الانقلاب النفطي حكومة الوفاق قوات مصراتة النفط الوفاق الوطني طبرق