توقعات «ستراتفور»: الخليج يواجه موازنات متعثرة وحرب باردة بين إيران وتركيا في العراق

الاثنين 10 أكتوبر 2016 02:10 ص

نشر مركز «ستراتفور» الشهير تقريره الذي يرصد الاتجاهات المتوقعة للسياسات العالمية خلال الربع الرابع من العام الحالي. يستعرض الخليج الجديد في السطور القادمة أهم ما شملته توقعات المركز الشهير بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط.

السلام يفلت في سوريا

سوف تتباعد مصالح القوى المتحاربة في سوريا وداعميهم الخارجيين بشكل ملحوظ في الربع الرابع. ورغم انسحاب واشنطن من المفاوضات مع روسيا على المستوى الاستراتيجي، فإن واشنطن سوف تحافظ على خطوط اتصال مفتوحة مع روسيا إضافة إلى التنسيق العسكري الوثيق مع تركيا لتجنب وقوع حوادث كبيرة على ساحة المعركة السورية يمكن أن تشتت الانتباه عن معركتها ضد الدولة الإسلامية. سوف تعمل روسيا رغم ذلك من أجل أن تثبت للولايات المتحدة تكلفة تخفيض مستوى محادثاتها مع موسكو بسبب تصاعد دعمها العسكري للنظام ومحاولتها معارضة العمليات الأمريكية والتركية. وفي الوقت الذي ستندفع فيه أنقرة بعمق أكبر في الشمال السوري لمنع التوسع الإقليمي للأكراد، فإنها سوف تسعى للعمل بشكل وثيق مع موسكو خلال هذا الربع لتجنب الاشتباك مع القوات المدعومة من روسيا. سوف يواصل مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية تعزيز جهوده في دعم المقاتلين السنة مستفيدا من التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. بالنسبة للمقاتلين على الأرض، فإن عواقب التدخل من قبل القوى الأجنبية ذات الأجندات المتنافسة سوف تعزز عدم الثقة في محادثات السلام التي تجري بوساطة دولية وسوف تقوض المحاولات الدورية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

سوف تستمر محافظة حلب لتكون محور الصراع. سوف تبذل القوات النظامية كل جهدها من أجل دفع المعارضين السوريين من مدينة حلب، في حين سوف تركز المعارضة جهودها على كسر الحصار. وفي حال فشلت جهود المعارضة وبقي الحصار، فإن القوات النظامية سوف تتمتع ببعض الحرية في توجيه بعض الاهتمام نحو الدولة الإسلامية في مدينة الباب، التي سوف تمثل هدفا لجميع الأطراف خلال هذا الربع. في الشمال، سوف تصعد المعارضة المدعومة من تركيا تقدمها نحو الباب على الرغم من المقاومة من الدولة الإسلامية وقربها من خطوط الموالاة. وسوف يمنع هذا التقدم وحدات حماية الشعب الكردي من الاقتراب من المدينة. وفي الوقت نفسه، فإن واشنطن سوف تسعى لإعادة توجيه انتباه القوى الديمقراطية السورية من الباب إلى الرقة. بطبيعة الحال، لن تكون حلب وحدها مسرح الصراع في ذلك الربع، حيث يرجح أن تكون حماة هي الأخرى مسرحا لعمليات عسكرية واسعة النطاق مع اقتراب العام من نهايته. سوف تبذل القوات النظامية أقصى مساعيها لإحباط خطط الثوار للاستيلاء على مدينة حماة وخطوط الاتصال الحيوية حولها.

تركيا تتوغل إلى العمق في حلب

توغل تركيا في سوريا ونحو الباب سوف يجبرها على الحفاظ على علاقة عمل مع القوى العسكرية الأخرى العاملة في المنطقة وهي الولايات المتحدة وروسيا. من غير المرجح أن تجد أنقرة تأييدا دوليا لخططها الرامية إلى إنشاء منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، ولكن ذلك لن يمنعها من السعي وحدها. سوف توظف تركيا الحد الأدنى من قواتها جنبا إلى جنب مع حلفائها في الجيش السوري الحر لبدء نحت محيط أمني وبناء مساكن مؤقتة للاجئين على المناطق الحدودية.

وعلى الرغم من أن تركيا وروسيا سوف يكونان حذرين في التعامل مع بعضهما البعض في ساحة المعركة السورية، فإنهما سوف يتعاونان بشكل أكثر أريحية في المجال الاقتصادي. سوف تستأنف الرحلات بين البلدين مع زيادة تدريجية في حجم التجارة بنهاية عام 2016. سوف تواصل تركيا تسليط الضوء على مزايا خط أنابيب «ترك ستريم» طمعا في أسعار أكثر مناسبة لعقود الغاز الطبيعي مع روسيا.

في أعقاب انقلاب تركيا الفاشل، سرعت أنقرة من جدولها الزمني في تضييق الخناق على المسلحين الأكراد وممثليهم السياسيين بدعاوى الأمن القومي. عندما ينعقد البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول، سوف يسعى الحزب الحاكم في تهميش الكتلة المؤيدة للأكراد (حزب الشعوب الديمقراطي) في الوقت الذي يستعد فيه النواب لمناقشة مجموعة من التعديلات لدستورية المقترحة تهدف إلى تقويض السلطة السياسية للجيش. (هناك بعض التسويات يمكن التوصل إليها بشأن السلطة القضائية وسوف يتجنب المشرعون مناقشة التحول إلى النظام الرئاسي في الوقت الراهن). وفي مواجهة تصاعد القمع السياسي، سوف يسعى حزب الشعوب إلى إحياء محادثات السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. من المرجح أن ينخرط الحزب الحاكم في الحوار فقط بشكل سطحي لتحسين صورته في الخارج وتعزيز موقفه في المفاوضات مع بروكسل. ولكنه من غير المرجح أن يغير بشكل جوهري في سياسته تجاه الأكراد الذين لن يستجيبوا بدورهم لدعوات إلقاء السلاح كشرط مسبق للمحادثات.

في هذه الأثناء، سوف تتواصل مفاوضات تركيا مع أوروبا على الرغم من الضغط المتزايد على اتفاق الهجرة. سوف تواصل بروكسل معاقبة تركيا بدعوى تجاهل حقوق الإنسان، في حين سوف تشكو تركيا من تلكؤ أوروبا في تحرير تأشيرات المواطنين الأتراك. وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن ترفض تركيا طلبات أوروبا بإصلاح قوانين مكافحة الإرهاب، فإن المفاوضات حول تحرير التأشيرات من المرجح أن تؤجل إلى عام 2017. سوف يواصل الاتحاد الأوروبي تقديم المال لتركيا لدفعها تخفيف عبء المهاجرين إلى القارة، في حين ستواصل تركيا التذمر من طريقة تقديم هذه الأموال.

الطريق إلى الموصل

إلى الجنوب، سوف يبدأ العراق في محاولاته لاستعادة الموصل من الدولة الإسلامية بشكل جدي في نهاية العام. وكما هو الحال في سوريا، فإن القوى ذات المصلحة ستشكل الطريقة التي يسير بها الصراع. تركيا وإيران والولايات المتحدة، يدركون جميعا تمام الإدراك أن أي بلد تشارك بقوات في المعركة سوف يكون لها مقدرة على التأثير على المستقبل السياسي والاقتصادي للموصل بعد انتزاعه من قبضة تنظيم الدولة. تحقيقا لهذه الغاية، سوف يحرض الجميع على المشاركة بقوات ضمن الوحدات العراقية إضافة إلى تقديم الدور الاستشاري. ستعمل إيران بشكل وثيق مع وحدات الحشد الشعبي وقوات الأمن العراقية، في حين ستقدم تركيا دعمها لوحدات الحشد الوطني السنية وقوات البيشمركة الكردية. سوف يقوم التحالف الدولي بضخ مساعداته إلى الجيش العراقي الذي سيتقدم نحو الموصل من الجنوب والجنوب الغربي. وبينما تكافح الدولة الإسلامية من أجل الصمود ضد الهجمات على الموصل والرقة، فإن دعواتها لأتباعها للقيام بهجمات إرهابية في الخارج سوف تصبح أعلى صوتا في محاولة لإثبات بقاء التنظيم.

سوف تجبر عملية الموصل حكومتي بغداد وإقليم كردستان على تنحية الخلافات جانبا. ولكن مع تقدم الربع، فإن الجهود المبذولة للتخلص من تنظيم الدولة الإسلامية سوف تجدد الصراع على طول حواف كردستان العراق. سوف يسهم التدخل الإيراني والتركي في عملية صناعة القرار في كردستان في زيادة عدم الاستقرار. وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا لإقحام نفسها في معركة الموصل على غير هوى من بغداد وطهران، فإنها سوف تعتمد بشكل كبير على علاقتها مع الحزب الحاكم في حكومة إقليم كردستان. سوف تسعى طهران إلى اختراق حكومة إقليم كردستان في إطار مساعيها لاحتواء التهديد المتزايد لحركات التمرد الكردية داخل حدودها.

التشابكات السياسية بين إيران والولايات المتحدة

وفي الوقت نفسه، فإن الجمهورية الإسلامية تستعد لإجراء الانتخابات الرئاسية في النصف الأول من عام 2017 وهو اقتراع سوف تلقي الانتخابات الأمريكية القادمة بظلالها الكثيفة عليه. سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران لن تتغير كثيرا خلال هذا الربع، ولكن المحافظين المتشددين في طهران سوف يسلطون الضوء على الخطاب السياسي للمرشحين وخاصة فيما يتعلق الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والتهديدات بفرض عقوبات جديدة، وذلك سعيا لتقويض معسكر «روحاني». سوف يواصل الحرس الثوري الإيراني استخدام إطلاق الصواريخ والعمليات العسكرية والتدريبات في مضيق هرمز لتذكير السياسيين الإيرانيين عبر الطيف الأيديولوجي بمدى نفوذه في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع على مقعد الرئاسة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الفصائل الإيرانية لتشويه سمعة بعضها البعض من خلال الحملات المتعارضة، فإن أحد عوامل الحسم سوف تكون درجة الإصلاح الاقتصادي وإعادة الارتباط مع المستثمرين الأجانب الذي تسعى إليه إدارة «روحاني». سوف يسعى المتشددون الإيرانيون لحماية مصالحهم الخاصة في مواجهة المنافسة الخارجية في الوقت الذي سوف تتخذ فيه إيران خطوات ملموسة لفتح قطاع الطاقة في الربع الرابع. تخطط إيران لعقد المناقصات الجديدة للنفط والغاز في وقت مبكر من أكتوبر/تشرين الأول على الرغم من أن الاتفاقات النهائية مع المستثمرين لن يتم التوصل إليها قبل نهاية العام في أفضل الأحوال.

الخليج يصارع الميزانيات والحرب

خلال أول شهرين مع الربع، سوف يستمر أعضاء أوبك من دول مجلس التعاون الخليجي في التفاوض مع باقي أعضاء المجموعة بشأن كيفية تنظيم قطع الإمدادات قبيل اجتماع 30 نوفمبر/تشرين الثاني في فيينا. لن تستجيب إيران وليبيا ونيجريا لدعوات التخفيض، وفي الوقت الذي ستعود فيه صادرات ليبيا ونيجريا إلى الأسواق، فإنها سوف تجدد النزاع بين إيران والمملكة العربية السعودية حول من يجب أن يتحمل تكلفة خفض الإنتاج وعند أي مستوى ينبغي أن تجمد إيران إنتاجها. وسواء تم التوصل إلى اتفاق في أوبك أم لا، فإن السعودية من المرجح أن تخفض إنتاجها عن ذروة الصيف، حيث كانت توجه نسبة من إنتاجها الإضافي لتغذية توليد الطاقة محليا.

بلا شك، سوف تكون عودة إيران إلى سوق الطاقة العالمي في أذهان دول مجلس التعاون أثناء استعراض ميزانيات عام 2016 وصياغة موازناتها للعام المقبل. من بين دول الخليج، فإن المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين تعاني من أكبر الضغوط المالية، على الرغم من أن السعودية قد تنجح في تقليص نسبة العجز في موازنتها هذا العام. سوف تستمر المملكة العربية السعودية في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، في الوقت الذي سيتم فيه كشف النقاب عن المرحلة الثانية من السعودة في ديسمبر/كانون الأول. الرياض، جنبا إلى جنب مع سائر أعضاء مجلس التعاون الخليجي، سوف يبحثون عن السبل المتاحة لخفض النفقات ربما عبر دمج بعض الوزارات. ومن المنتظر أن تقوم المملكة العربية السعودية بإصدار 10 مليارات دولار من السندات الحكومية لشحذ خزائنها خلال الربع الرابع.

الضغوط الاقتصادية لن تكون المصدر الوحيد للتوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي. سوف تضع الحرب في اليمن العلاقات داخل المجلس على المحك. محاولات نقل المؤسسات اليمنية إلى عدن سوف تعزز الانفصاليين الجنوبيين وهو ما سيزيد الخلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث تبدو أبوظبي أكثر ارتياحا ليمن منقسم. سوف تكون المملكة العربية السعودية مترددة في تقديم تنازلات إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، والذين سوف يرفضون بدورهم التخلي عن أسلحتهم أو الأراضي التي سيطروا عليها، ما سيمنع أي تقدم حقيقي للمحادثات الدائرة في البلاد.

العنف يهدد صادرات النفط الليبية

إلى الغرب، يظهر الصراع الدموي طويل الأمد مؤشرات قليلة على قرب وصوله إلى قرار. خلال الربع الثالث، خطى المشير الليبي «خليفة حفتر» خطوات واسعة في تأمين محطات تصدير النفط في الشرق، وتعزيز موقفه في المحادثات مع حكومة الوفاق الوطني. سوف تستمر المحادثات بين الفريقين إلى نهاية العام محرزة القليل من التقدم في توحيد مؤسسات الحكومات المتنافسة. ولكن المحادثات لن ترقي إلى مستوى خلق حكومة موحدة. هشاشة عملية السلام من شأنها أن تضمن أن اشتباكات متقطعة بين الميليشيات سوف تتكرر خلال الربع الرابع. وفي الوقت الذي تقاتل فيه ميليشيات مصراتة بجانب حكومة الوفاق الوطني ضد الدولة الإسلامية في سرت، فإن تنظيم الدولة سوف يرد على خسائره من خلال إطلاق المزيد من الهجمات الإرهابية ضد المدن الليبية.

حقول النفط في وسط ليبيا يمكن أن تستمر في زيادة إنتاجها هذا الربع، على الرغم من أن توقعات الشركة الوطنية للنفط في طرابلس بزيادة الإنتاج إلى مليون برميل يوميا مفرطة في التفاؤل. الاشتباكات بين الميليشيات المتناحرة، أو فرار مقاتلي الدولة الإسلامية من سرت، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الهجمات على البنية التحتية للنفط والغاز الطبيعي في البلاد، وتقلب في صادرات النفط في ليبيا.

تحول اقتصادي في مصر

هناك ربع اقتصادي مشحون ينتظر في مصر في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتحصين دفاعاتها في مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الفارين من ليبيا. القاهرة بالفعل الآن في المراحل النهائية لتأمين أكبر شريحة من المساعدات صندوق النقد الدولي في تاريخ الشرق الأوسط. كما ستسعى إلى كسب المزيد من الأموال من البنك الدولي، دول مجلس التعاون الخليجي والصين. تخطط مصر لاستخدام المال لتقليص مخططها المكلف للدعم في عام 2017. المعارضة الجماهيرية لتدابير التقشف الوشيكة سوف ترتفع خلال الربع الرابع، ولكنها ستبقى ضمن مستويات محتملة في الوقت الذي ستسعى فيه الحكومة لاستعادة توازنها المالي.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

توقعات ستراتفور السعودية تركيا حلب معركة الموضل الانتخابات الإيرانية