فيلم «فتاة القطار» غفل عنه نقادنا..رغم طرحه علاقة اليهود بالإلحاد

الاثنين 17 أكتوبر 2016 06:10 ص

مر هذا الفيلم بهدوء على سلام على متابعيَ الأفلام الأمريكية من النقاد العرب وغيرهم، ولإننا كعرب، غير مهتمين لا بالنقد السينمائي الغربي لليهود، أو برصد رؤية صُنّاع الأفلام الغربية عن أعدائنا متى يمدحونهم ولماذا؟.. ومتى، أيضاً؟ تنال سهام النقد القاسية منهم دون وعي أو حتى متابعة منا.. لإننا نفتقد هذه المؤسسة، بل قل النظرة المؤسسية حتى في مشاهدتنا للأفلام الغربية..فقد مر فيلم «فتاة القطار» في نسخة 2013 بهدوء وسلام على متابعيّ الحركة الفنية لا الأفلام الغربية وعلى رأسها «هوليود» فقط.

وجه الفيلم نقداً قاسياً إلى اليهود في عالم اليوم، وهو النقد الذي يحفل الصهاينة به كثيراً، بل إنه من المعلوم أن اللوبي الخاص بهم في الولايات المتحدة يضغط بقسوة لكيلا يمر نقد مشابه فضلاً عن أن يتكرر.

التفكيكية بطلة الفيلم:

(The Girl on the Train) الفيلم القائم على بطولة القصة المفككة، أي أنك كمشاهد تلمح البطولة الآسرة المطلقة فيه لا لنجم أو صورة أو حتى موسيقى تصويرية بل لقصة، هذا على مستوى الشكل السينمائي المباشر، أما على مستوى المضمون أو المحتوى فإن القصة البالغة الغموض بل التفكك والاختلاف طوال أغلب مدة عرض الفيلم (80 دقيقة)، وهو الغموض الذي يجعل الأحداث مفتوحة على احتمالات غير محدودة أمام المشاهد، بحيث يُصعب عليه قراءة ما يراه، أو حتى جمع المشاهد إلى جوار بعضها البعض فضلاً عن إيجاد خيط درامي يربط بينها.

 يتماهى ويرتبط الأمر مع التعبير عن الضياع الفكري والنفسي بل الإلحاد الغربي والكفر بكل منجزات الحضارة على أرض الواقع؛ ووجود إله على النقيض في الروحانيات؛ ليضرب الفيلم بعمق في عنصريّ وجناحيّ طائر الحضارة المعروفين: الروحي والمادي.

بداية الفيلم لقطات مركزة على بطله «داني هارت» محبوساً، لا يُرى وجهه، إثر صدمة عاطفية يخاطب المكان الذي ألتقى فيه حبيبته (الجسر الرابط بين المدينة الأمريكية وخط سير القطار) قائلاً: «إنه من العبث أن نحيا مستخدمين 5% من عقولنا، ولا يمكننا التحكم في زمام الأمور».

وفي نفس الوقت يتخيل السماء ليقول: «أنت غير موجود وإنما وجدت من الأساس لإثبات شىء ما في الحياة».

يبدأ الفيلم مباشرة عقب ذلك من بداية القصة الممزقة، بطل الفيلم يبحث عن شىء ما يتعلق به؛ وجه ما، ولذلك يتعمد تصوير الناس في الشوارع، ثم هو يجد زوجين يهوديين (آل هيدسون) يريدان إنتاج فيلم وثائقي عن حياتهما؛ وفي قطع متوازٍ مع الاحداث يتحدث (الممثل ستيفن لانج/هيدسون) عن الجحيم في معسكر «هتلر» النازي؛ كيف عرفه ونجا وزوجته منه، في نفس الوقت الذي يجد «هارت»، صانع الأفلام، فتاة بعينها في عدة أماكن آخرها القطار، شىء ما يشده إليها لا يعرف التعبير عنه، (في ترميز إلى غربة روح الغربي عن الواقع والحضارة والعلاقات الاجتماعية المهلهلة)، وتقود «أليكسي» البطل إلى المتاهة بهدوء، تحدثه عن الحياة من وجهة نظرها بعمق شديد حتى ليقول لها: «إنك لتفكرين في الكلمات لأسابيع وأيام حتى إذا نطقت بها.. فشلت في التعبير عنها»!

القطار والطائرة

لأن أرواح الرجال في  الفيلم تفتقد بريق الشعور بالحياة أو القيمة منها، أو الهدف.. فإنهم متورطون في حب «أليكسي» على نحو (هلامي)؛ وهي إذ تجيد التلاعب بهم، ولديها مبررها فأمها ماتت مقتولة على يد رجل غير أبيها، وقد أقسمت ألا تكون (ضحية) مثلها؛ ورغم مرور سنوات على الحادثة إلا أنها لا تنساها، وتتورط مع متشرد «سبيدر» في الإتيان بزوج أمها إلى غرفة معزولة، وهناك يتفنان في تعذيبه حتى الموت، دون أن يتذكرها الرجل حتى في لحظات الموت، ولكن الفضول يقود «هارت» إلى المكان نفسه  لتبدو «إليكسي» أمامه على وجهها الحقيقي تقتل «سبايدر» رغم قتله قاتل أمها؛ وتعترف بمحبة «هارت»، في وقت واحد!

ولما يهرب الأخير إلى المحقق لا نرى أجواء تحقيق على الإطلاق بل حديث ودي مسجل بكاميرا معلقة قرب السقف، (كاميرا أخرى إلى جوار كاميرا «هارت» التي تصور طوال الفيلم الأحداث وتعرضها بالتوازي مع أحداث الفيلم)، في إشارتين إلى التمزق من ناحية، الذي يعانيه الغربي، والتفكك الذي يحاول الفيلم النجاح فيه؛ ولكن المحقق يطلب من زملائه إطفاء الكاميرا ليتحدث بعفوية إلى (المتهم) فلا يفعلون؛ فلا احترام هنالك للخصوصية، ليبوح إليه بسر هو أن زوجته غالباً هي «إليكسي» القاتلة والتي صدمتها سيارة منذ فترة بسيطة، وأن بركاناً بداخله يتحكم فيه لكن يوشك على الانفجار.

إنك لا ترى أجواء (تحقيق أو حتى حياة) على الإطلاق في الفيلم لأن صُنّاعه مشغولين بما هو أهم ..التعبير عن متاهة الحياة في رأيهم.

وسط تشابك الأحداث وتعقدها تقول «إليكسي» لـ «هارت»: «هل تعرف الفارق بين الطائرة والقطار؟ في الاخير يمكنك أن تغير رأيك وتنزل المحطة القادمة، وتبدأ صفحة جديدة مع آناس آخرين، فيما في الأولى لا تستطيع أن تفعل»!

منذ البداية، ومع كلمات «هيدسون» (اليهودي) أو «ستيفن لانج» كان القطار هو الجحيم نفسه، في إشارة إلى حرية الاختيار في الحياة، على أن تبقى الطائرة حلم الراحة الأبدي، أي اتخاذ صاحب الإرادة العليا (الله)، المفتقد في الفيلم، القرار بالنيابة عن الإنسان.

الصليب والصدأ

آخر 7 دقائق في الفيلم تتجمع خيوطه بين يديّ المشاهد الذي يبقى 73 دقيقة يشاهد عملاً احتمالياً، فالفيلم أضواء ألوانه، أغلب الوقت، خافتة باهتة، وموسيقاه التصويرية محيرة، وحتى شخصيته الرئيسية «هارت» لا يحمل ذكريات يحبها أو حتى يفهم شيئاً عن واقعه.

والقصة هي إن «هيدسون» الذي جاوز السبعين أحب هو الآخر «إليكسي» أو شبيتها (الترمزية في الفيلم)، بصليبها الصدأ، الذي تهديه عشاقها، وقد كانت صبية حينما كان شاباً يافعاً؛ ثم «هيدسون» دلّ «إليكسي» على «هارت» لتتعمد إثارة انتباهه فيما هو يظنه «محض صدفة»، ومن هنا حاولت استغلاله بإلصاق جريمة قتل زوج أمها به، لولا أنه هرب، وأنها أرسلت له عبر زوجها «المحقق» رسالة حب قالت فيها إن الصليب الصدأ قد يجرح روحك؛ وأتمت كلماتها عن «المسيح» المخلص بأنه لن يفعلها لو أن مصيرك كان إلى الجحيم منذ القدم، في تأكيد على عدمية الحياة من وجهة نظر مخرج وكاتب الفيلم.

عبر الفيلم عن رؤية فلسفية للحياة نجح إلى حد ما في إيجاد تعبير عنها، إلى حد ما مقارنة بأفلام تنتمي إلى نفس النظرة الفلسفية، كما نجح في استفزاز المشاهد إلى محاولة فهم الأحداث، وإن سقط في فخ الرتابة بخاصة قبل أن تتكشف الأحداث، لكنه من ناحية أخرى عبر عن المكر واللؤم اليهوديين في التحكم في مجريات الحياة عبر الأفراد البسطاء التفكير (هارت صانع الأفلام الوثائقية) أي الإعلامي الذي يفشل في فهم خيوط المهزلة التي تنسج حوله؛ وهو ما غفل عنه نقادنا العرب من آسف.

أما الأكثر تعبيراً عن الفشل الغربي الذي يحاول استنطاق النجاح في الأعمال الدرامية السينمائية؛ فوجود فيلم بنفس الاسم بدأ عرضه في الولايات المتحدة الامريكية في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري .. وهو يناقش نفس الفكرة المرأة التي تلتقي بالأقدار في قطار فتنقلب حياتها، والفيلم ثالث الأفلام إيرادات في أمريكا، بعد ان تصدر المشهد السينمائي هناك منذ أسبوعين!

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيلم فتاة القطار نقاد مناقشة اليهود الإلحاد