«فورين أفيرز»: المحاولة الروسية الفاشلة للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية

الأحد 23 أكتوبر 2016 10:10 ص

لم يكن شهر أكتوبر/ تشرين الأول هادئًا أبدًا في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ولكن في هذه المرة، شهد الشهر السابق للانتخابات مناوشات عالية الخطورة بين واشنطن وموسكو. وخلال الصيف، دأبت روسيا على محاولة عرقلة الحملة الانتخابية للمرشحة «هيلاري كلينتون»، وقد رسبت روسيا عدة رسائل إلكترونية من الحزب الديمقراطي، أدّت إلى استقالة رئيس الحزب «ديبي واسرمان شولتز» إثر ضجة كبيرة حول الرسائل. ولأجل إحداث ضجة أخرى، سلمت روسيا بعد ذلك مجموعة أخرى من الرسائل الإلكترونية لموقع ويكيليكس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. ولكن أكثر ما أثار استياء موسكو، أنّ واشنطن كانت قادرة على سلب موسكو عنصر المقاجأة، وتلاشت «مفاجأة أكتوبر» الخاصة بروسيا.

وقبل ظهور التفريغات على ويكيليكس مباشرة، أصدر البيت الأبيض بيانًا يتهم فيه روسيا بشكل مباشر لأول مرة باختراق البريد الإلكتروني الخاص بالحزب الديمقراطي وأعضائه، وهو ما سيطر على عناوين الصحافة الرئيسية، تاركةً محاولات روسيا وويكيليكس لإظهار كلينتون كمحتالة ومقربة من الوول ستريت لتصبح عرضًا ثانويًا.

في اليوم نفسه، ظهر تسجيل مصور سيء السمعة يعرف الآن بشريط «غرفة خلع الملابس»، والذي يتفاخر فيه المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» باعتدائه الجنسي على النساء. انكشفت هذه الفضيحة، وأصبحت موضوعًا للتركيز عليه في المناظرة الرئاسية الثانية، والتي أخذت الاهتمام بعيدًا عن تسريبات ويكيليكس. وفي المناظرة الرئاسية الثانية، استغرق النقاش حول شريط «غرفة خلع الملابس» على 23 دقيقة، بينما لم يتخط الحديث عن تسريبات ويكيليكس بضع دقائق. وإذا جاز التعبير، يمكننا القول أنّ «مفاجأة أكتوبر» قد غطتها مفاجأة أخرى.

ويبدو أن فشل روسيا في الخطة التي أعدت لها طويلًا قد أثار غضب موسكو التي خططت للقضاء على فرص «كلينتون» في الفوز بالرئاسة. وبينما ظهرت الأخبار عن اختراق البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي لأول مرة في يونيو/ حزيران، وتم تسريب الرسائل الإلكترونية في يوليو/ تموز مباشرة قبل المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، رحب «ترامب» صراحةً باختراق روسيا وتسريب رسائل البريد الإلكتروني في 27 يوليو/ تموز. وعندما فشلت هذه التسريبات في الحصول على الانتباه المطلوب، شعر داعمو «ترامب» بخيبة أمل شديدة. وغردت زميلة «ترامب»، «روجر ستون»، قائلة بأنّ هناك سبب وجيه للاعتقاد أن المخترقين الروس ورعاتهم قد شعروا بنفس خيبة الأمل عندما ارتفعت أسهم «كلينتون» بعد التسريبات، بينما أصاب «حملة ترامب» الحظ السيء.

ربما توضح خيبة أمل روسيا وغضبها بعد تسريبات ويكيليكس سبب تغير موقفها من الولايات المتحدة وتصاعد حدة الكلام من موسكو تجاه واشنطن حول قضية سوريا. فبعد التسريبات بأيامٍ قليلة، أطلقت روسيا قصفًا كلاميًا حادًا بتهديد الولايات المتحدة بعد انسحابها من مفاوضات وقف إطلاق النار في سوريا. وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول على سبيل المثال، قال مسؤول الدعاية الروسي، «ديمتري كيسليوف» أنّ تصرف الولايات المتحدة «الوقح» تجاه روسيا قد ينتج عنه تداعيات «نووية» وأنّ هناك «تغييرا جذريا» في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في الأسابيع الأخيرة. وقام «فلاديمير جيرينوفسكي»، وهو رجل آخر من رجال الرئيس «فلاديمير بوتين»، بتقديم النصيحة للأمريكيين بالتصويت لصالح «دونالد ترامب»، وإلا ستتعرض الولايات المتحدة لخطر الوقوع في حرب نووية. وفي نفس الوقت، وضعت روسيا صورايخ نووية في كلينغراد التي تقع على الحدود مع بولندا وليتوانيا، وقامت باختبار 3 صواريخ باليستية في مكان آخر، وهو ما يوضح أن الحرب الكلامية جاءت مصحوبة بتهديد عسكري.

ربما تظن روسيا أنّ سلوكها العدائي سوف يحمل الأمريكيين على دعم «ترامب» الذي يدعو لعلاقات جيدة مع روسيا. لكن في الواقع، لقد أتت جهود موسكو بنتائج عكسية.

وتظهر الانخفاضات المتتالية لشعبية «ترامب» في استطلاعات الرأي في أكتوبر/ تشرين الاول أنّ استعراض روسيا للقوة لم يأت بتأثير يذكر على الانتخابات الأمريكية. ومالا تفهمه روسيا أنّ الناخب الامريكي لا يأبه كثيرًا للعلاقات الخارجية، بقدر ما يهتم بالداخل.

علاوة على ذلك، تضررت بشدة سمعة روسيا في دول أوروبا بسبب حملة القصف المستمرة لروسيا على حلب، والتي تزامنت مع سلوكها العدواني. وقد أقدم وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون»، والرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند»، والحكومة الأسبانية على إدانة روسيا عن قصفها للمدنيين في حلب. ومع زيادة الوعي حول الأدوار التي تلعبها روسيا في أوروبا كما تلعبها في أمريكا بمحاولة التأثير على الانتخابات الداخلية عن طريق الاختراقات والتسريبات وتمويل أحزاب سياسية بعينها، بدأت الدول الأوروبية المواجهة ضد الحرب المعلوماتية التي تشنها روسيا.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن البنك البريطاني إغلاق حسابات بنكية مقرها المملكة المتحدة لقناة روسيا اليوم الموالية للكرملين. وعلى الرغم من أنّ هذا الإجراء لن يمنع القناة من العمل داخل أوروبا، إلا أنّ هذا التضييق قد يجعل من الصعب على الشبكة استمرار ممارسة عملها داخل المملكة المتحدة. وتعدّ هذه هي المرة الأولى التي تتدخل حكومة غربية مباشرة في عمل وسيلة إعلامية للتضييق على المحطات الروسية الناطقة بالإنجليزية. يأتي هذا في الوقت الذي تنتظر فيه فرنسا وألمانيا انتخابات هامة العام القادم، ويعتقد بأنّ روسيا قد قامت أيضًا باختراقات للبريد الإلكتروني الخاص بالحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، وتستعد لإطلاق تسريبات انتقائية للتأثير على الحزب في انتخابات العام القادم لصالح اليمينيين المتطرفين الموالين لروسيا.

وربما ينبغي أن يقرأ خبر قطع الإكوادور للإنترنت عن مؤسس ويكيليكس «جوليان أسانج» في نفس السياق. وعلى الرغم من أنّ ظروف قرار الإكوادور لا تزال مجهولة، إلا أنّه من المتوقع أن يكون ناتجا عن ضغط من حكومات غربية، ولا سيما في التوقيت الحساس لتورط «أسانج» في الحملة الانتخابية الأمريكية. بعد كل شيء، فإنّ الجهود الخارجية لتقويض الانتخابات الديمقراطية وجدت صدى سيئًا في أمريكا اللاتينية.

إجمالًا، يبدو أن مفاجأة روسيا في أكتوبر/ تشرين الأول قد فشلت بشكل كبير. لذا ماذا ستحاول موسكو بعد ذلك؟ بالنظر إلى شغف الرئيس «بوتين» بإلقاء القنابل حقيقةً ومجازًا، ينبغي أن نتوقع استمرار الهجوم الروسي، ويتعين على الولايات المتحدة ودول أوروبا ولاسيما (فرنسا وألمانيا) أخذ الحيطة والتدابير الوقائية ضد حملات دعائية روسية جديدة تستهدف الانتخابات الديمقراطية.

في الوقت نفسه، يجب على صناع القرار في الولايات المتحدة الحفاظ على هدوئهم وعدم الوقوع في فخ الرد المبالغ على التصعيد الروسي خلال الحملة الانتخابية. تحاول روسيا خلق نوع من الفوضى في الشؤون العالمية، وربما أقدمت على إسقاط طائرة أمريكية أو القيام بأي عمل استفزازي آخر قريب من مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول، ويتعين على واشنطن تجنب إشعال هيستيريا قد تؤثر على نتائج العملية الانتخابية.  ويجب أن يخرج رد فعل المسؤولين الأمريكيين بطريقة محسوبة وبخطاب مدروس من أجل حماية سلامة العملية السياسية، وتأجيل رد الفعل المناسب لما بعد الانتخابات.

  كلمات مفتاحية

بوتين ترامب هيلاري كلينتون انتخابات الرئاسة الأمريكية

الكرملين: نتعرض لهجمات إلكترونية دائما ولا نوجه الاتهامات للحكومات

مدير «أف بي آي» يرفض التعليق على إقالته ويطالب بوقف الجدل حول القرار

سفير روسيا بحث حملة «ترامب» مع وزير العدل الأمريكي