«بلومبيرغ»: نجاح سندات السعودية يخفي خطورة وضعها المالي

الجمعة 4 نوفمبر 2016 06:11 ص

أثبتت عملية طرح السعودية لسندات لأول مرة في أسواق الائتمان الدولية نجاحًا كبيرًا بلا شك. لقد كان هناك مشترين بـ 4 مرات أكثر من المطلوب لشراء سنداتها التي بلغت قيمتها 17.5 مليار دولار، والتي تخطت معاييرها أي عملية لطرح سندات في سوق ناشئة قبل ذلك. وقد مثل ذلك نقطة إيجابية في إطار خطة فطم السعودية عن النفط العائدة لولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، والتي تهدف للتوجه نحو اقتصاد أكثر توازنًا تقوده التكنولوجيا.

في الحقيقة، لكن كان بيع السندات نقطة مضيئة وسط العديد من الخطوات الخاطئة للمملكة والتي لم تؤد إلى فوضى في الميزانية فقط، ولكنّها أضعفت من قبضتها أيضًا على أسواق النفط. والسعوديون يدركون ذلك جيدًا، بالنظر إلى إعفاء وزير المالية «إبراهيم العساف» من منصبه هذا الأسبوع، رغم أنّ وزارته قد حققت للتو نجاحًا مبهرًا في عملية بيع السندات الأكبر في تاريخها.

تواجه الرياض عاصفة رملية من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وقد تسبب عامين من انخفاض أسعار النفط في تركها تعاني من عجز ضخم في الميزانية، 89 مليار دولار العام الماضي، و87 مليار دولار متوقعة عام 2016. وقد أجبر ذلك المملكة على السحب من احتياطياتها النقدية، والتي انخفضت من 732 مليار دولار عام 2014 إلى 562 مليار دولار الشهر الأخير. وفي العام الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أنّ السعودية إذا استمرت في نفس مسارها الحالي، فإنّها ستحرق احتياطياتها النقدية بالكامل بحلول عام 2020.

حرق الاحتياطيات

وقد أجبر عجز الميزانية المملكة على السحب من مخزوناتها النقدية.

وقد دفع هذا المملكة نحو التقشف. فقد تم خفض الرواتب الحكومية وإلغاء الإعانات. وخلال الأشهر القليلة الأخيرة، تمّ خفض الإنفاق بواقع 70%. وفي عام 2013، بلغ الدين الحكومي 2.2% فقط، بينما يصل بحلول عام 2017 إلى 22% وفقًا لوكالة موديز، و30% بحلول عام 2020.

وبينما تحاول الحكومة إلقاء اللائمة على قوى السوق الخارجة عن إرادتها، فإنّ الاقتصاد السعودي، بوضوح، كان ضحية لسوء الإدارة والمناورات الجيوسياسية. وبالعودة إلى ديسمبر/كانون الأول عام 2014، كان الاقتصاد الإيراني يئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، وكان يحتاج للحصول على أفضل سعر من كميات النفط القليلة التي يبيعها في السوق. واحتاج العديد من الدول الأعضاء في أوبك من غير الدول العربية ذلك أيضًا، وكانوا يدفعون باتجاه تقليص الإنتاج. لكنّ وزير النفط السعودي في ذلك الوقت «علي النعيمي» رفض ذلك.

كان هناك سببان. الأول يرتبط بإيران، حيث أراد السعوديون الضغط على طهران لتغيير سياساتها الإقليمية تجاه الحرب الأهلية في اليمن وسوريا، وزيادة عزلة الإيرانيين بالاستيلاء على حصتهم في أوبك.

والسبب الآخر يتعلق بشمال أمريكا، فقد أراد السعوديون توجيه ضربة قاضية لإنتاج الصخر الزيتي (النفط الصخري) الأمريكي، والذي يعتمد في المقام الأول على التكسير الهيدروليكي عالي التكلفة. واعتمدت حسابات السعودية ذلك الوقت أنّها إن تمكنت من ضخ المزيد من النفط في السوق بما فيه الكفاية، سيسقط سعر النفط سريعًا، ما يجعل عملية إنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية باهظة التكلفة للغاية. لقد عمل ذلك، ولكن بشكل جزئي.

بدء النزيف يضر بالاقتصاد السعودي أكثر مما كان متوقعًا. ولم تتغير سياسات إيران الإقليمية. فلم توقف مساعداتها للحوثيين في اليمن أو «بشار الأسد» في سوريا. وعلى الرغم من المشاكل المالية التي تعتري المملكة، فقد تجاوزت الرياض روسيا العام الماضي لتصبح ثالث أكبر المنفقين على التسليح في العالم.

علاوة على ذلك، مع وصول إيران لاتفاق نووي مع الغرب، لم تستطع فقط استعادة حصتها من السوق، ولكنّها أيضًا وصلت لمستويات إنتاج لم تصل لها في الـ 5 سنوات الماضية. وفي تبادل للأماكن، فإنّ السعودية الآن هي التي تسعى لإقناع إيران للموافقة على تقليص الإنتاج عندما تجتمع أوبك في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، والإيرانيون والعراقيون الآن هم من يتمنعون.

إيران تعكس الضربة

تقترب إيران من العودة لمستويات إنتاج ما قبل العقوبات وتسعى للزيادة.

في الوقت نفسه، حتى مع كون سياسة السعودية قد أضرت بمنتجي النفط الصخري في شمال أمريكا، فمع عودة الأسعار للتعافي فإنّ منتجي النفط الصخري يستعدون لاستئناف العمل. ويبدو أنّ السعودية قد لعبت بكارت الطاقة، وهي تدفع الثمن مقابل ذلك الآن.

وكان كثير من الاقتصاديين قد أكدوا أنّها فقط مسألة وقت قبل أن تبدأ السعودية سلسلة من الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد والمجتمع. ومع سوق للنفط متقلب سنويًا، وسوق عالمية تتغير باستمرار، شرع «محمد بن سلمان» في خطة لفتح بلاده للاستثمار الأجنبي، وتخفيف القيود الاجتماعية، وتحويل السعودية إلى دولة ذات اقتصاد قائم على المعرفة. ومحور هذه الخطة يستند على بيع ما بين 1% إلى 5% من شركة أرامكو السعودية، واستخدام العائد لصناعة أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم.

 ولكن مع كل هذه الضجة حول «رؤية 2030»، لا يزال من غير الواضح كيف ستعالح مشكلة البطالة الأكثر إلحاحًا للسعوديين. فثلثا السكان تحت سن 30 عامًا. وتحتاج الرياض لخلق 3 ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020. والبطالة بين الشباب حاليًا تبلغ 30%. وقد يكون عدد كبير من الشباب العاطل عن العمل عرضةً للتطرف.

وتراهن الحكومة على إزالة الروتين والبيروقراطية لجعل اقتصادها أكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي مع تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحفيز ريادة الأعمال. والسؤال هو ما إذا كان مثل هذا التحول قد يتحقق بدون اشتعال اضطرابات اجتماعية وسياسية والتي من الممكن أن تهدد استقرار المملكة.

ولا يقدم بيع السندات وحده رؤية واضحة. ففي عالم يعاني من قلة العوائد وبطئ النمو، يبحث المستثمرون دائمًا عن العوائد. ولقد وفّرت لهم السندات السعودية ذلك، بشرائح 5 سنوات و10 سنوات و30 سنة، بفوائد 2.6% و3.41% و4.63% على الترتيب. بالرغم من ذلك، من الصعب أن نجد من مديري الاستثمار من يقول أنّه قد اشترى تلك السندات لثقته في قدرة الرياض على التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد سوق مفتوح. وعلى الأرجح، أنّ السبب وراء شراء تلك السندات هو الاطمئنان لاحتياطات المملكة النفطية التي تملكها تحت الأرض.

وتواجه المملكة تحديات هيكلية شاقة. فمع انتظار طرح الاكتتاب العام في أرامكو وصفقات بيع سندات أخرى العام القادم، يرغب كل من المستثمرين والنخبة العالمية في رؤية الرياض تنجح. وإذا كان الأمر كذلك، ستنفتح الشهية لاستثمارات أكبر وهو ما سيدفع إلى نمو كل من الناس والاقتصاد. ولكن الوقت وغضب الناس ليس في صالحها.

المصدر | بلومبيرغ

  كلمات مفتاحية

السعودية الإذاعة الإيرانية رؤية 2030 السندات السعودية