«فورين أفيرز»: قراءة في سياسة «ترامب» في الشرق الأوسط

السبت 19 نوفمبر 2016 04:11 ص

تسابق زعماء الشرق الأوسط في تهنئة «دونالد ترامب» على فوزه المفاجئ في الانتخابات. ونظرًا لخطاب ترامب العدائي ضد المسلمين، ربما يبدو ذلك مفاجئًا. لكن ينبغي ألا يكون كذلك، وخاصةً مع التكهنات حول استمرار «هيلاري كلينتون» على خطى إدارة «أوباما» تجاه إيران وسوريا في حال نجاحها. وفي الوقت نفسه، لا يزال زعماء المنطقة غير أكيدين حول توجهات ترامب في الشرق الأوسط، وما إذا كان سيغير من السياسة الحالية للإدارة الأمريكية أم سيستمر بها.

ويأمل العرب المحافظون والإسرائيليون على حد سواء أن تسير حكومة «ترامب» القادمة على عكس سياسة فترة «أوباما» التي اعتمدت على القيادة من الخلف. وبالأخص، يريدون إشارات واضحة على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين. أمّا إذا بدأ «ترامب» بالتركيز على الداخل الأمريكي لتنفيذ وعده بجل أمريكا «عظيمة مرة أخرى»، سيضطر الأصدقاء الإقليميون للبحث من جديد عن شركاء آخرين لحماية مصالحهم.

التحوط .. أسلوب الشرق الأوسط

من الصعب قراءة تفضيلات سياسة «ترامب» في الشرق الأوسط، نظرًا لحديثه المحدود عن السياسة الخارجية أثناء حملته الانتخابية، باستثناء انتقاد سياسات «أوباما» و«هيلاري كلينتون» في سوريا والعراق وليبيا وإيران وغيرها. ويخشى الزعماء العرب أن يفضل فريق سياسة «ترامب» المضي قدمًا في تقليل الدور الدبلوماسي والعسكري للولايات المتحدة في المنطقة. وربما يبدأ العديد من رؤساء هذه الدول بتشجيع لاعبين من خارج المنطقة العربية للعب دور أكبر مثل الصين أو الهند أو روسيا أو تركيا، للعب دور أكبر، وبالتالي زيادة زعزعة توازن القوى حول العالم.

ومنذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي، دأبت أنظمة الشرق الأوسط المحافظة والموالية للغرب، مثل الأردن والسعودية على سبيل المثال، على النظر إلى الولايات المتحدة كركيزة دفاعية جديرة بالثقة. ولكن بدأت تلك الثقة في الاهتزاز خلال سنوات فترة «أوباما»، بعد أن تراجع عن تهديده للنظام السوري عام 2012 إذا ما تخطى «الخطوط الحمراء» باستخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري. ومع غياب عدالة الولايات المتحدة، بدأ حكام العرب البحث عن بديل للدعم السياسي والدبلوماسي، عند موسكو بشكل أساسي.

خلال العام الماضي، دخل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى الحرب الأهلية في سوريا، وشرع في هجوم كبير في الشرق الأوسط. ويهدف الكرملين لبسط سيطرته ونفوذه الدبلوماسي والعسكري في المنطقة الاستراتيجية شرق المتوسط، في الوقت الذي يعمل فيه على إضعاف الكتلة الداعمة للولايات المتحدة. وبفضل تواجده وغياب الولايات المتحدة، فتحت دول مثل مصر و (إسرائيل) والسعودية وباقي دول الخليج العربي اتصالات مع موسكو. وسيكون على إدارة «ترامب» الجديدة العمل لاسترجاع الثقة والتعاون مع تلك الدول، وممارسة ضغط أكبر على إيران.

في الوقت نفسه، تظهر رغبة «ترامب» في تحسين العلاقات مع روسيا. وفي عالم غير مثالي، ما زالت دول الشرق الأوسط تفضل التعامل مع واشنطن، ويفضلون مما لا شك فيه تراجع الولايات المتحدة عن التعاون مع روسيا. ويشجع «ترامب» روسيا على المضي قدمًا في حربها ضد «الدولة الإسلامية»، والتي يعتبرها أساس عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن لم يتضح بالنسبة لـ«ترامب» ما هي الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة في حالت رفض روسيا لعب هذا الدور.

مخاوف العرب

لا يزال زعماء العرب يشعرون بالقلق بسبب خطاب ترامب المعادي للمسلمين خلال حملته الانتخابية ووعوده بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. ولكن من المعروف أنّ خطابات المرشحين عادةً ما تحمل سياسات تختلف بعد الفوز. ويتوقع المحللون أن يختلف خطاب الرئيس «ترامب» عن خطاب المرشح «ترامب». ولكن سيتعين عليه العمل بجد لتخفيف حساسية العرب والمسلمين.

ربما ترى الدول العربية السنية فائدة من فوز «ترامب»، فبعد تخوفهم الشديد من اتفاق إيران النووي، تأمل هذه الدول في أن تكون الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة أكثر حزمًا تجاه إيران.

وعلى الرغم من توقع المحللين أن يكون الاتفاق النووي مع إيران هو أول ضحايا «ترامب»، إلّا أنّه من الصعوبة بمكان أن ينسحب «ترامب» من اتفاق متعدد الأطراف، وسيؤثر ذلك على علاقة الولايات المتحدة بحلفائها في أوروبا. وفي الوقت نفسه، سيحاول «ترامب» ترضية الحلفاء التقليديين. ومع ذلك، ظهر «ترامب» متناقضًا باتجاه قضايا أخرى مثل قضية «الدولة الفلسطينية، فمن جانب، قال أنّه سيكون محايدًا نحو عملية السلام، وبعد ذلك صرّح أنّه لن يضغط على (إسرائيل).

وهذا يترك (إسرائيل) تعدّ خططها الخاصة لما بعد 20 يناير/ كانون الثاني. ويرى سياسيون يمينيون في (إسرائيل) نعمة كبيرة في فوز «ترامب»، حيث لن تمثل العملية الدبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين جزءً هامًا من أجندته. ولكن في دوائر حكومية أخرى، ترى أنّ هناك شكوك حول قدرة «ترامب» على تجاوز سياسات واشنطن، وخاصةً في تنفيذ وعده بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس.

كل الأنظار تتجه ناحية واشنطن

ما تزال معالم السياسة الخارجية لـ«ترامب» غير محددة. وينتظر بعض شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ما ستسفر عنه الأمور. ويستعد البعض الآخر لاستمرار الولايات المتحدة في الابتعاد عن دورها في الشرق الأوسط بالاعتماد على النفس، مثل تركيا بطول حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق وإيران، والسعودية في اليمن. بينما سعت دول أخرى مثل مصر لتعزيز أمنها بتحسين علاقاتها مع الصين وروسيا في تحدٍ واضح للولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يستمر ذلك، رغم أنّ «التحوط» ليس الخيار المفضل لدى غالبية الدول والزعماء. وسيستمرون في تفضيل تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، مع حساسية أكبر تجاه مصالحهم. فهم يرون «ترامب» شخصية قوية قادرة على عقد صفقات مع شخصيات قوية مثلهم. وعلى سبيل المثال، فقد أصدر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» بيانًا هنأ فيه «ترامب» بالفوز وقال أنّه يثق في أنّ ترامب سيضخ «حياة جديدة» في العلاقات المصرية الأمريكية. ومن جانب «السيسي»، فحياة جديدة تعني تجريف كامل لإرث «أوباما» و«كلينتون»، حيث يرى أنّهما قد دعما جماعة الإخوان المسلمين على نطاق واسع.

ويوجد أيضًا هؤلاء الذين يعتقدون أنّ رغبة ترامب في إبعاد نفسه عن الشرق الأوسط قوية لدرجة لا يمكن تجاهلها. وقد أثبت الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط قدرتها على الاعتماد على نفسها. ولكن ستظل مشاكل مثل منع انتشار السلاح ومحاربة الإرهاب قضايا جوهرية في الشرق الأوسط. ومن الممكن أن تنتشر عدوى السلاح والإرهاب من الشرق الأوسط لبقية العالم خلال فترة من 4 إلى 8 سنوات. وستجبر هذه القضايا الرئيس على توجيه الدفة قليلًا ناحية الشرق الأوسط وإن كان ذلك ضد رغبته وأولوياته التي تقول «أمريكا أولًا».

ويعدّ الشرق الأوسط من بين أقل المناطق استقرارًا في العالم. ولن يؤدي غياب الولايات المتحدة لمزيد من الاستقرار، وأي تغير كبير في التزامات تحالفات الولايات المتحدة، سيكون له على المدى الطويل تبعاته السلبية على الحلفاء الإقليميين وعلى الولايات المتحدة وعلى النظام العالمي. ومع تفكك العالم العربي، وأطماع روسيا والصين، واشتعال 4 حروب في وقت واحد في المنطقة، يواجه الرئيس الـ 45 بالفعل مجموعة رهيبة من القرارات المصيرية في مواجهة اختلال الشرق الأوسط.

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب الانتخابات الأمريكية الشرق الأوسط السيسي

الشرق الأوسط بين «أوباما» و«ترامب»