«ستراتفور»: السعودية تسعى لإصلاح سوق النفط قبل طرح اكتتاب أرامكو

الأربعاء 23 نوفمبر 2016 07:11 ص

بعد عامين من رفض السعودية وشركائها من دول الخليج طلب أوبك بالتدخل في سوق النفط لمواجهة انهيار الأسعار، تجمع الرياض الدعم من أجل إجراء جماعي. وفي يوم 28 سبتمبر/ أيلول، وافق أعضاء أوبك مؤقتًا على تخفيض إنتاج النفط ليصبح ما بين 32.5 إلى 33 مليون برميل يوميًا. ومع ذلك، استمر الإنتاج في الارتفاع، الأمر الذي يعني تطلب مستويات جديدة للخفض عمّا أعلن من قبل للوصول إلى هذه القيمة. وستأتي لحظة الحقيقة في الاجتماع نصف السنوي لأوبك في فيينا، حيث ستسعى الدول الأعضاء لإنهاء اتفاق خفض الإنتاج. وعلى الرغم من السعي الحثيث للمملكة السعودية لإقناع باقي الدول الأعضاء لدعم الاتفاقية، ظلت الكتلة منقسمة حول قيمة الخفض الكلي، وحول ما سيتحمله كل عضو من هذا الخفض. ولابد من إجابة هذه الأسئلة هذا الأسبوع، لوضع اللمسات النهائية للاتفاقية قبل الحدث الرئيسي الأسبوع القادم.

ويبدو أنّ إيران والعراق ستكونان العقبة الأكبر أمام خفض الإنتاج. ولا تعارض أيًا منهما الفكرة نظريًا، ولكن لا يوافق أيًا منهما على التضحية بجزء كبير من إنتاجه لصالح طرف آخر. ومع كونهما ثاني وثالث أكبر منتجي النفط في أوبك بعد السعودية، فلا يمكن تجاهلهما على الإطلاق. ومع هذا الانقسام لا يبدو أن الاتفاقية ستخرج بأكثر من تخفيض محدود لمستويات كانت موجودة قبل أشهر قليلة. ستؤثر على أسعار النفط لوقت محدود، ولا يبدو أن الاتفاقية ستستمر لأكثر من 6 أشهر.

تحليل

وفقًا لآخر بياناتها الشهرية، أنتجت أوبك ما يقارب 33.64 مليون برميل يوميًا في أكتوبر/ تشرين الأول، أكثر بـ 410 ألف برميل يوميًا عن إنتاج أغسطس/ آب، على الرغم من خروج إنتاج من 160 ألف إلى 200 ألف برميل يوميًا في أنجولا للصيانة. نتيجةً لذلك، يبدو أنّ التخفيض الذي كان مطلوبًا في سبتمبر/ أيلول، أصبح مطلوبا ضعفه الآن بعد شهرين فقط. علاوة على ذلك، جاءت الحصة الأكبر من الزيادات من نصيب اثنين فقط من المنتجين، ليبيا ونيجيريا، اللتين سيتم استثناؤهما من أي اتفاق نهائي، الأمر الذي يعني أن عبء تخفيض الإنتاج يقع بالكامل على باقي الدول الأعضاء في أوبك.

ومن المتوقع أن تؤثر الهوة المتسعة بين الأعضاء على النقاشات داخل أوبك حول كيفية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في سبتمبر/ أيلول. ومن بين التحديات الأخرى التي تعطل إنهاء الاتفاقية هو غموض بيانات الإنتاج. فعلى سبيل المثال، تختلف كلًا من العراق وإيران مع السعودية حول أي من البيانات يجب الأخذ بها في صياغة الاتفاق. وتستند تقارير أوبك على الأرقام الأولية من الدول والأرقام الثانوية من 6 مصادر خارجية. وبسبب احتمال تقديم الدول بيانات مضللة، تصر السعودية على استخدام البيانات من مصادر ثانوية فقط. لكنّ إيران والعراق تؤكدان أنّ هذه البيانات لا تقدم أرقامًا دقيقة عن إنتاجهما. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن أعضاء أوبك إنتاج أعلى بمليون برميل يوميًا، عمّا أعلنته المصادر الثانوية. وتخشى العراق وإيران أنّه إذا ما تم اعتماد المصادر الثانوية فقط، فسيكون التخفيض المطلوب أكثر حجمًا.

ممانعة إيران والعراق

تجادل كلًا من إيران والعراق حول أحقيتهما بالاستثناء من أي تجميد أو تخفيض للإنتاج، لكن لا بغداد ولا طهران تسعى لمنع اتفاقية أوبك تمامًا. وفي 20 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، صرّح وزير النفط العراقي جابر اللعيبي أنّ دولته ستقدم ثلاث مقترحات في محادثات فيينا. وبالنظر إلى أزماتها المالية المستمرة، تحتاج بغداد لارتفاع أسعار النفط أكثر من أي منتج رئيسي في المجموعة. وفي يوليو/ تموز، أنهت العراق اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 5.4 مليار دولار مقسمة على 13 دفعة لمدة 3 سنوات (استلمت الدفعة الأولى ذلك الشهر)، وتتوقع الحكومة مواجهة عجز موازنة يبلغ 14.1% هذا العام.

ولكن العراق تجادل حول أحقيتها بالحصول على نفس الاستثناءات المقدمة لإيران ونيجيريا وليبيا، كونها تحتاج إلى أموال إضافية في حربها ضد «الدولة الإسلامية». وتقول بغداد أنّها ترغب على الأقل في تجميد إنتاجها عند 4.7 مليون برميل يوميًا، ولكن يعتمد الاتفاق حول ذلك على أي البيانات سيتم اعتمادها. فهذا المستوى أعلى بنحو 140 ألف برميل يوميًا من البيانات الصادرة عن المصادر الثانوية، وأقل بـ 75 ألف برميل يوميًا من الأرقام التي تقدمها العراق نفسها.

وإيران، في الوقت نفسه، تركز على الاستفادة من المنافع الاقتصادية للاتفاق النووي الذي أبرمته عام 2015 بوساطة من القوى الغربية في موسم يتسم بارتفاع الحساسيات السياسية. ومع استثناء إيران من أي اتفاقية، لا يزال باقي أعضاء أوبك يدفعون باتجاه تجميد إيران لإنتاجها عند 3.92 مليون برميل يوميًا وهو المستوى الذي أقرته إيران في أكتوبر/ تشرين الأول. لكنّ طهران تجادل كثيرًا حول ضرورة السماح لها بالاستمرار في زيادة الإنتاج بسبب استمرار تعافيها الاقتصادي بعد رفع العقوبات الغربية في يناير/ كانون الثاني. وفي الواقع، فقد افتتحت إيران مؤخرًا 3 حقول جديدة للنفط، ما زالت تزيد من إنتاجها. ويتعرض الرئيس روحاني ووزير النفط زنجنه بالفعل لانتقادات من منافسيهم المتشددين بسبب تحركاتهم التي فتحت قطاع الطاقة الإيراني أمام الشركات الغربية والاستثمار. كما أن خنق الإنتاج الإيراني سيحمل مخاطر سياسية خطيرة.

الأهداف السعودية

ومع كل ذلك، أصبح من الواضح في الشهور القليلة الماضية أنّ السعودية وحلفاءها في الخليج يرغبون بشدة في عقد صفقة ما، وربما يكون حجم الصفقة غير مهم. وكما تفعل كل عام، رفعت السعودية من إنتاجها خلال الصيف لتلبية الطلب الموسمي، لكن عليها الآن خفض الإنتاج. ويظل إنتاج السعودية اليوم أعلى بـ 400 ألف برميل يوميًا عن مستوى الإنتاج خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2016. وتريد الرياض استغلال هذا الفائض كعربة مفاوضات لدفع باقي المنتجين لتحمل حصة أكبر من الاتفاقية. وفي هذا التوقيت، يمكن للسعودية وباقي دول الخليج تقليص الإنتاج بقيمة 500 ألف برميل يوميًا بدون تخفيض الصادرات. وإذا فشلت اتفاقية أوبك، يمكن للسعودية استغلال هذا الفائض في التصدير، أو خفض إنتاجها على أي حال.

ولا تركز الرياض الآن على الحفاظ على معدلها المتزايد في حصة السوق. بدلًا من ذلك، فإنّ هدفها الآن دعم تعافي سوق النفط قدر الإمكان قبل الاكتتاب العام لجزء من شركة أرامكو السعودية للنفط، والمزمع طرحه عام 2018. وفي الوقت الذي ستصل فيه أوبك لاتفاق، من الممكن أن يتسبب ذلك في ارتفاع الأسعار إلى 55 دولارا للبرميل، وهذا بدوره يجعل إنتاج النفط الصخري أكثر ربحية، وعدم الوصول لاتفاق في أوبك سيضغط بشكل أكبر على الأسعار، وخاصةً إذا استمرت السعودية في زيادة إنتاجها، الأمر الذي سيضيف من تخمة المعروض من النفط، ويعيق تعافي السوق.

يبدو أنّ السعودية تلقي بثقلها خلف تأمين اتفاق أوبك. ولا شك أن الرياض وباقي دول أوبك يعلمون أن تعافي السوق بشكل مستمر في مهب الريح، حتى إذا عقدت الصفقة في فيينا. بالرغم من ذلك، تأمل السعودية أنّ الصفقة ستحد من فرص انهيار جديد في الأسعار في الـ 18 شهرًا المقبلة وستبني أرضية سعرية تستند على مستويات الإنتاج الحالية. وربما تكون هذه الأهداف المتواضعة كافية بالنسبة للسعودية للنظر إلى ما وراء خلافاتها مع إيران والعراق، وتأمين صفقة طويلة وقوية في أوبك.

  كلمات مفتاحية

السعودية أوبك أسعار النفط سوق النفط إيران أرامكو

«الفالح»: اكتتاب «أرامكو» مطلع 2018 وسنتوسع في الطاقة البديلة