سياسة «ترامب» في سوريا: كيف يمكن لواشنطن الوصول إلى حل؟

الخميس 1 ديسمبر 2016 05:12 ص

عندما يبدأ الرئيس «ترامب» فترته الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني، سيكون ملف السياسة الخارجية الأكثر تعقيدًا أمامه هو ما يتعلق بسوريا. في عهد إدارة «أوباما»، ركزت واشنطن على قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ولكن بينما كان التنظيم يتراجع، اكتسب «بشار الأسد» أرضًا، وزاد نفوذ إيران وروسيا في المنطقة.

ولكي تنجح الولايات المتحدة في اجتثاث التطرف الذي نتج في المنطقة نتيجة للحرب الأهلية السورية، تحتاج واشنطن المساعدة على الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والضغط على روسيا وإيران من أجل قبول تسوية ما.

التوازن الهش

يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» و«الأسد» اليوم على ما يقارب ثلث الأراضي السورية. وبفضل روسيا وإيران والميليشيات الشيعية، يسيطر نظام «الأسد» اليوم على ما يعرف بـ «سوريا الأساسية»: وهو الخط الواصل بين جنوب البلاد وشماله، بين دمشق ومدينة حلب. ويدّعي الرئيس السوري نيته استعادة كامل الأرض، لكنّه يفتقر للموارد البشرية اللازمة لذلك.

وباقي سوريا مقسم بين فصائل متعددة من فصائل المعارضة، سواءً كانت إسلامية سنية أو كردية أو قومية.

ومثّل تدخل تركيا النقطة الأهم وربما في سوريا منذ ظهور تنظيم الدولة في سوريا عام 2014. وتهدف تركيا إلى القضاء على عدوين في وقت واحد. أولًا، ترغب أنقرة في منع تقدم قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذين تعتبرهم تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الإرهابي. وثانيًا، تريد تركيا الحصول على منطقة مستقرة، يمكن أن تكون نقطة انطلاق لعمليات جديدة ضد تنظيم الدولة. لذا فقد أعلنت القوات التركية أكثر من مرة نيتها تحرير الرقة. وكذلك أعلنت قوات الحماية الشعبية الكردية.

السيناريو الأفضل سيكون نجاح أى من تركيا أو قوات الحماية الشعبية باستعادة الرقة، حيث ستكون ضربة قوية لتنظيم الدولة. وتملك القوات الكردية ميزة الدعم الأمريكي، لكنّها تفتقر للعدد اللازم والإصرار على العملية. لكنّ درع الفرات الذي تدعمه تركيا لديه ميزة الأعداد من الجنود المشاة من العرب السنة، ويدعمه جيش الناتو، لكنّه لم يتلق الدعم الكافي من «أوباما» وإدارته.

تقسيم آخر

وفي غرب البلاد، يحدث تقسيم مماثل، ولكن هذه المرة بين نظام «الأسد» ومجموعة متنوعة من المتمردين من غير تنظيم الدولة. يسيطر الثوار على إقليم غرب إدلب ومناطق من محافظة حلب، وكانتونات في محافظات درعا والقنيطرة الجنوبية. ولعلّ أبرز المجموعات الجهادية المسيطرة في هذه المنطقة هي جبهة فتح الشام، التي كانت جبهة النصرة سابقًا.

وتسبب النمو السريع لجبهة فتح الشام في جعل الكثيرين، ومن بينهم «جون كيري» وزير الخارجية الأمريكي، يدافعون عن الحاجة لاتفاق يشمل ضربات متزامنة من الولايات المتحدة وروسيا للجبهة. وإن تمّ تنفيذ ذلك، سيكون بلا شك لصالح «الأسد». لكنّ «نظام الأسد» لا يمتلك سوى ما بين 20 إلى 25 ألف جندي للانتشار في حلب، وهو ما سيضطره للاستعانة بالعديد من الميليشيات الشيعية من حزب الله والعراق وأفغانستان، من أجل استكمال سياسة الحصار والتجويع، والتي ستؤدي بدورها لتدفق مزيد من اللاجئين إلى دول الجوار.

استخدام العصا الغليظة

ظلت الولايات المتحدة حتى الآن ملتزمة بوحدة الأراضي السورية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. لكنّ سوريا مقسمة فعليا منذ 5 سنوات، وتحتاج الولايات المتحدة لاجتثاث المتطرفين من الأجزاء المختلفة للبلاد، ثمّ العمل على جعلها موحدة مرة أخرى.

لتحقيق ذلك، على إدارة «ترامب» سلوك 5 مسارات أساسية تكتيكية: أولا: تحديد مناطق حظر جوي محدود/ آمنة، وهو الخيار الذي لقي حتى الآن دعمًا من «ترامب» ونائبه المنتخب «مايك بنس». ويجب في هذا الخيار التعامل بكل الحذر لكيلا تنشب مواجهات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، والعمل على تنصيب قوة أرضية للدفاع الجوي بصواريخ كروز لحماية المناطق الآمنة. ثانيا: تسليح المعارضة التي تمّ التوافق حولها. وثالثا: فرض وقف إطلاق النار. رابعا: وضع نظام للعقوبات والجزاء لا يستثني أحدًا. خامسا: الاستمرار في الجهود الدبلوماسية.

ولا بد خيار عسكري لفرض وقف إطلاق النار، بضربات جوية طويلة المدى تجبر الأطراف على قبول التفاوض. فحتى الآن كان النظام وروسيا قادرين على معاقبة المعارضة، وليس العكس. وعلى الولايات المتحدة إحداث هذا التوازن لأنّ الجميع لا يجلس إلى طاولة المفاوضات دون توازن القوى. كما أنّ تغليظ العقوبات وتوسيعها يضمن للولايات المتحدة نفوذًا تحتاج إليه بشدة في المفاوضات المستقبلية. كما أن هذا الردع يمثل حاجة ملحة وضرورية لإجبار «الأسد» على التنحي. فالقوة العسكرية ستكون المسار الذي تسلكه الولايات المتحدة لتعزيز يد المفاوضين، والدبلوماسية ستكون الخيار لكسب الحلفاء.

فن التفاوض

كجزء من تبعاته الإنسانية الكارثية، أعطى قرار واشنطن بالتركيز على تنظيم الدولة وليس «نظام الأسد» مطلق الحرية لروسيا وإيران لتغيير موازين القوى في المنطقة. ومن جانب آخر، فإن شركاءنا العرب والإسرائيليين، قد أصبحوا يتشككون في مدى اهتمام الولايات المتحدة بالصراع على السلطة بين إيران ودول الخليج العربي، الذي اختارت فيه موسكو صفّ طهران. والاستمرار في هذه الصورة السلبية من قبل إدارة «ترامب» سيعزز صورة الإذعان من الولايات المتحدة للخطط الإقليمية التي تتبناها روسيا وإيران. وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة إقناع شركائها السنة بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة الذي يعتبرونه تهديدًا سهلًا مقارنةً بإيران الشيعية.

ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ ببعض النفوذ، لأنّها الوحيدة القادرة على إعادة توحيد سوريا. وتأمل روسيا بإعادة قصف حلب أن نجح في إجبار المتمردين على قبول تقسيم البلاد، الأمر الذي يبقي على «الأسد» في السلطة. يجب أن تفهم روسيا أنّ الولايات المتحدة جادة في هذا الشأن، وأنّها لن تقبل سوى بانضمام جميع الأطراف لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بقبول «الأسد» فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا، مع رفع كل الحصارات، وإنشاء ممرات إنسانية، وصياغة دستور جديد. لكن على «بوتين» أن يفهم أنّه إذا ما انتهك «بشار الأسد» هذه المبادئ، فإنّ الولايات المتحدة ستكون على استعداد لتوجيه ضربات عسكرية عقابية. وهذا فقط ما سيعطي انطباعًا أنّ إدارة «ترامب» جادّة فيما تفعله في المنطقة.

ومع كل شيء، ينبغي أن يرسل «ترامب» رسالة واضحة لـ«بوتين»، تفيد بأنّه إذا ما استمرت روسيا في دعمها للأسد، حتى مع فشله في الوفاء بالتزامات قرار مجلس الأمن رقم 2254، فمن الممكن أن تنزلق روسيا في حرب مكلفة لا يمكنها الفوز بها. ومع تقديم هذا العرض، ينبغي أن تفهم روسيا أنّه لا حل سياسي باستمرار «الأسد»، بعد أن أراق كل هذه الدماء، وارتكب جرائم الحرب في حق شعبه، وأنّ المعارضة ومؤيديها الإقليميون قد دفعوا كثيرًا من الألم على قبول مثل تلك النتيجة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

الأسد الدولة الإسلامية روسي إيران ترامب تركيا