«ريتشارد هاس»: سقوط حلب كتب شهادة وفاة «المجتمع الدولي»

الأحد 25 ديسمبر 2016 07:12 ص

لا يعد سقوط حلب في يد القوات الموالية للرئيس السوري «بشار الأسد» بداية نهاية الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات ونصف في سوريا،والتي هي حرب إقليمية بالوكالة، وتعبر إلى حد ما عن الصراع العالمي الشامل. وبالتأكيد بعد حلب سيتم خوض المعركة الكبرى القادمة في محافظة إدلب ويبقى السؤال الوحيد هو متى ستكون هذه المعركة. وحتى بعد ذلك، فإن الحرب سوف تستمر في التفاقم في أجزاء مختلفة مما سيتبقى من بلد منقسم.

ويعتبر الوقت الحالي هو الوقت المناسب لإجراء التقييم والتركيز على ما تم تعلمه من مأساة حلب، وعلى أي حال فإن النتيجة في سوريا هي حصيلة ما تختار الحكومات والجماعات والأفراد القيام به أو عدم القيام به. وفي الواقع، فإن عملية عدم التصرف أو الامتناع عن القيام بالفعل في سوريا ثبت أنها مثل عملية التصرف أو القيام بالفعل.

وقد كان هذا واضحا جدا عندما لم تف الولايات المتحدة بتهديدها لحكومة «الأسد» عند استخدامها الأسلحة الكيميائية. لقد ثبت أنها كانت فرصة ضائعة ليس فقط من أجل تغيير زخم الصراع، ولكن أيضا في موضوع التأكيد على مبدأ أن أي حكومة ستستخدم أسلحة الدمار الشامل سوف تندم. إن إنفاذ التهديدات هو أمر أساسي لفعالية الردع في المستقبل.

ولعل استنباط دروس إضافية يتطلب العودة إلى عام 2011، عندما استقبل «الأسد» المحتجين السلميين بالقوة المميتة، مما أدي حينها إلى أن يطالب الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» وآخرون بتنحي «الأسد». وهذا أيضا جاء دون أي إجراء يؤيد الخطاب القوي. ويبدو أن ظهور مثل هذه الفجوة الواسعة بين الخطاب و الوسائل ينتهي دائما بالفشل.

هذا هو الحال خصوصا عندما يكون الهدف هو تغيير النظام، وعندما يمثل النظام الحالي أقلية من السكان المقسمين فإن هذه الظروف تجعل المنتصر يحرص على أن يأخذ كل شيء والخاسر يفقد كل شيء. وليس من المستغرب أن يتجه أولئك الذين لديهم الكثير ليخسروه مثل النظام لخوص المعركة بكل قدراتهم وبمثابرة كبيرة.

لقد كتب علماء العلاقات الدولية في كثير من الأحيان عن حدود النظر إلى جدوى القوة العسكرية. لكن سوريا تدل على أن القوة العسكرية يمكن أن تكون حاسمة خاصة عندما يتم تطبيقها بجرعات كبيرة، في هذا فإننا نرى بعض الدول وبدون اهتمام يذكر لعدد المدنيين الذين قتلوا أو شردوا قد طبقت القوة. مثلما أظهرت روسيا وإيران و«الأسد» ذلك على نطاق واسع وأثبتت أن استخدامها العشوائي في كثير من الأحيان للقوة العسكرية يمكن أن يحقق إنجازات.

يوجد ضحية أخرى من ضحايا نزاع سوريا وهو مصطلح «المجتمع الدولي». وفي الواقع، ليس هناك سوى القليل من المجتمع العالمي كما يرجى أن يكون. ومع أكثر من 500 ألف قتيل وعشرة ملايين من النازحين في سوريا، فقد كثر الكلام عن قرار الأمم المتحدة بخصوص «مسؤولية الحماية».

لقد اتخذ القرار بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 (وذلك ردا على الإبادة الجماعية في رواندا قبل عشر سنوات)، وقد استند قانون مسؤولية الحماية على فكرة أن الحكومات ملزمة بحماية مواطنيها من الأذى الجسدي. وعندما تكون غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك، فإن الحكومات الأخرى وفقا لقانون الحماية ملزمة بالتدخل لحماية المواطنين من التعرض للإيذاء.

وقد فشلت أي حكومة في تلبية معايير الحماية في سوريا. بل إن التدخل الدولي الذي جاء لم يكن مصمما لحماية أرواح الأبرياء أو لإضعاف قبضة الحكومة على السلطة بل تم تصميمه لضمان سيادة الحكومة السورية، وقد نجح.

لقد كان رد فعل المجتمع الدولي جيدا فقط نوعا ما عندما استجاب لأزمة اللاجئين الهائلة الناجمة عن الحرب. مع وجود حقيقة هي أن كثيرا من البلدان لم تكن راغبة في فتح حدودها لأعداد كبيرة من طالبي اللجوء فإن ذلك يسلط الضوء على حقيقة أخرى وهي أن أفضل سياسة للتعامل مع اللاجئين هو أن يجنب الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال من أن يصبحوا لاجئين في المقام الأول.

لقد فشلت الجهود الدبلوماسية في تحقيق الكثير في سبيل إنقاذ حلب أو سكانها، ومع ذلك، قد يكون من الدبلوماسيين الملتزمين، من يميل للتفكير أن الدبلوماسية لن تخلق حقائق على الأرض كما أن الجهود الدبلوماسية في المستقبل لوضع حد للقتال أو للتوصل لنتيجة سياسية معينة لن تنجح إلا بالقدر الذي تتوازن فيه مع الاتجاهات العسكرية.

واستشرافا للمستقبل، سوف تظل حكومة «الأسد» تسيطر على جزء كبير من سوريا ولكن ليس كل البلاد. فهناك العديد من القوى من مختلف المجموعات السنية المتشددة والثوار السنة الأقل تشددا، وقوات بالوكالة مثل حزب الله والجيش التركي، القوات الكردية السورية، وغيرهم يتنافسون على السيطرة على مناطق معينة. الغرباء، مثل الولايات المتحدة، يستحسن أن يتقبلوا هذا الواقع في المستقبل القريب ولابد أن يعملوا على تركيز طاقاتهم على تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من الدولة الإسلامية، وحماية السكان المدنيين، وتطوير العلاقات السياسية والعسكرية مع الجماعات السنية «غير الإرهابية»، وتحقيق وقف إطلاق النار محلي لمنع تكرر مأساة حلب.

ينبغي الحفاظ على هدف تحقيق التحول إلى حكومة متعددة واسعة ولكن هذا مشروع طويل الأجل. وعلى كل حال يجب أن تؤخذ العبرة من الخمس سنوات ونصف الماضية ومن ذلك: أن أولئك الذين يشاركون في سوريا بإرادة محدودة ووسائل محدودة يجب أن يضعوا أهدافا محدودة إذا أرادوا حتى أن يحققوا كمية محدودة من الخير.

  كلمات مفتاحية

حلب سوريا المجتمع الدولي بشار الأسد

بعد تهجير أهالي حلب .. قوات «الأسد» تنهب البيوت