«واشنطن بوست»: تركيا بين إرث «أتاتورك» وطموحات «أردوغان»

الاثنين 2 يناير 2017 08:01 ص

يعد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» هو الرجل الأكثر نفوذًا في تركيا خلال ما يقارب القرن من الزمان، ولا ينافسه إلا أتاتورك، مؤسس الجمهورية العلمانية. وتولّى «أردوغان» السلطة لأول مرة رئيسًا للوزراء عام 2003، وفاز بانتخابات الرئاسة عام 2014. وبعد سيطرته على مقاليد البلاد لما يقارب 14 عامًا، يرغب «أردوغان» في تعديل الدستور التركي، ليصبح رئيسًا للدولة ورئيسًا للحكومة ورئيسًا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ليستحوذ على قدر من السلطة لم يستحوذ عليه «أتاتورك».

ويعد «أتاتورك» القائد الذي حرّر تركيا بنهاية الحرب العالمية الأولى، ثمّ أنشأ الجمهورية من رماد الإمبراطورية العثمانية بعد ذلك. وقد حكم تركيا بقبضة من حديد بين عامي 1923 و1938. وكسياسي (يعقوبي)، شكّل «أتاتورك» تركيا في خياله كمجتمع علماني غربي. والأهم، لم يقض أتاتورك على الدين. وبدلًا من ذلك، ابتدع نظامًا علمانيًا سيطر بشكل أساسي على الدين وهمش المواطنين الذين عرفوا هويتهم قبل كل شيء من خلال الدين.

ولقد أزال «أردوغان» علمانية «أتاتورك» فيما لا يزيد إلا قليلًا عن عقد من الزمن وفعل ذلك مع أقل قدر من الرحمة تجاه خصومه. فقد أغرق النظامين السياسي والتعليمي في البلاد بالإسلام المحافظ الصارم. وبعد التغييرات التي طرأت على نظام التعليم العلماني التركي، اضطر العديد من التلاميذ الدراسة في المدارس الثانوية الإسلامية الممولة من القطاع العام. ولم يكن أحد بمنأى عن ذلك، ولا حتّى حفيد الحاخام الأكبر في تركيا. ولم يعد وضع الطلاب في المدارس الإسلامية بالاختيار، بل أصبحت الولاية في ذلك تعود للدولة.

وبعبارة بسيطة، كما قام «أتاتورك» بهندسة المشهد السياسي الاجتماعي في تركيا، فإن «أردوغان» أيضًا يرغب في تحويل تركيا من أعلى إلى أسفل، ولكن لتصبح مجتمعًا مسلمًا بعمق. ومع ذلك، فإن «أردوغان» يواجه مشكلة. ففي حين أتى «أتاتورك» إلى السلطة كجنرال عسكري، جاء «أردوغان» إلى الحكم بتفويض ديمقراطي. وكانت تركيا أتاتورك ريفية، ولا يشكّل المتعلّمون منها سوى 10 بالمائة، مع دعم غالبية المتعلّمين لأجندته. بينما تركيا «أردوغان» حضرية بنسبة 80 بالمائة، وما يقارب 100 بالمائة من الشعب يستطيعون القراءة والكتابة، والعديد من مرتفعي مستوى التعليم يعارضون أجندته.

مجتمع منقسم

والأهم من ذلك، في حين يعشق نصف البلاد «أردوغان»، فالنصف الآخر يكرهه. وقد فاز «أردوغان» مرارًا بانتخابات ديمقراطية عبر حزب العدالة والتنمية، لكن في الوقت نفسه قد بنى عن نفسه صورة سلطوية صورًا نفسه كضحية، اضطر لاتّخاذ هذه الإجراءات الصارمة لمواجهة «المؤامرات» التي تحاول تقويض سلطته.

وقد جلبت استراتيجية «أردوغان» الانتقائية الاستقطاب إلى تركيا. وتبلغ قاعدته المحافظة ما يقارب من نصف البلاد، وقد تجمّعت حوله للدفاع عنه بحماسة، لكنّ النصف الآخر من البلاد، بما في ذلك اليساريين والديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والعلمانيين والعلويين والأكراد، يكنّون استياءً كبيرًا منه. وعلى نحو متزايد، تتناقص الأرضية المشتركة بين هذه الدوائر.

وهنا تكمن أزمة دائمة ألقيت فيها تركيا بسبب أجندة «أردوغان». فمع تحرك «أردوغان» لجعل نفسه رئيسًا تنفيذيًا في نظام رئاسي، لن يحتضن نصف المجتمع أجندته أبدًا. وممّا يثير القلق في هذه الأزمة، أنّ البلاد ممزقة، مع ما يضمره داعمو ومعارضو «أردوغان» لبعضهم البعض من الكراهية، في ظل الخوف من الهجمات الإرهابية التي تقوم بها «الدولة الإسلامية» أو حزب العمال الكردستاني.

ومع كلّ هجوم جديد للدولة الإسلامية أو حزب العمال الكردستاني تتفاقم المشاكل في المجتمع التركي. فعندما يهاجم حزب العمال الكردستاني، يلوم داعمو الحكومة المعارضة، وعندما تهاجم «الدولة الإسلامية»، يلوم المعارضون الحكومة. وعلى سبيل المثال، بعد هجوم لحزب العمال الكردستاني على مجموعة من الجنود خارج وقت الخدمة، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصًا في وسط الأناضول، قام مجموعة من الموالين للحكومة بإلقاء قنابل حارقة على فروع في كل أنحاء البلاد لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد. وبالمثل، في أعقاب هجوم «الدولة الإسلامية في يوليو/ تموز عام 2015 في سروج، والذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا، لام المحتجون على الحكومة بسبب الفشل في إيقاف ذلك. وقد أعلنت «الدولة الإسلامية» وحزب العمال مسؤوليتهما عن التفجير المزدوج في إسطنبول يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول، والذي راح ضحيته 29 شخصًا على الأقل، مستفيدين من هذه الأزمة.

خيار «أردوغان»

وستمتد الحرب في سوريا إلى تركيا، كما يتضح من اغتيال السفير الروسي في أنقرة، يوم الإثنين، على يد ضابط شرطة مفصول من الخدمة، والذي صرخ «لا تنسوا حلب.. لا تنسوا سوريا». وتواجه الدولة مزيجا ساما من الاستقطاب السياسي والتهديدات العنيفة والتي قد تتحوّل إلى كارثة. لقد كنت متفائلًا تجاه تركيا بشكل عام، لكن هذه الأيام، يعتريني القلق.

أنا أصدق «أردوغان» في رغبته لجعل تركيا قوّة عظمى. وقد كانت استجابة «أتاتورك» لفقدان عظمة الإمبراطورية العثمانية، العلمانية السلطوية. وقد جعل من تركيا دولةً أوروبية أكثر من أوروبا نفسها ليقدم دولته كأمّة مرنة. أمّا «أردوغان» فقد كانت استجابته باستخدام الإسلام والسلطوية، وهي الاستراتيجية التي تهدّد مستقبل تركيا الحديثة.

ومع ذلك، من خلال سعيه لتحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق دخل لتركيا من خلال الوصول إلى داخل أوروبا، أصبح «أردوغان» أقرب إلى حلم أتاتورك من أي زعيم آخر. وإذا تمكّن من تخفيف أجندته السياسية، سيدرج اسم «أردوغان» في التاريخ، كواحد من أكثر زعماء تركيا تميّزًا وتأثيرًا. وإذا لم يفعل ذلك، سيذكر بوصفه الزعيم التركي الذي جلب الخراب إلى بلاده. والاختيار يعود لـ«أردوغان».

المصدر | سونار كابتاجي - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان أتاتورك حزب العمال الدولة الإسلامية