المشروع الوطني الفلسطيني.. هل لا يزال حل الدولتين ممكنا؟

الثلاثاء 3 يناير 2017 01:01 ص

يتصدر حل الدولتين فيمل يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني عناوين الصحف مرة أخرى حيث تقوض سياسة (إسرائيل) في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية فرص إقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، فإن المشكلة الأكبر هي عدم وجود إجماع فلسطيني حول طبيعة هذه الدولة. حيث أن تفتيت المشهد السياسي الفلسطيني تحت ضغوط الجغرافيا السياسية الإقليمية الأوسع يجعل حل الدولتين غير قابل للتحقيق.

وبعد أسبوع من تمرير الولايات المتحدة لمشروع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أدان الاستيطان، حذر وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» في خطاب 28 ديسمبر/كانون الأول (إسرائيل) من أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية يهدد أمن الشرق الأوسط. وقال الدبلوماسي الأمريكي الكبير أن حل الدولتين (إسرائيل و دولة فلسطينية جنبا إلى جنب) أصبح في خطر.

وقال «كيري»: «تشير الاتجاهات إلى وجود جهد شامل لإسرائيل للسيطرة على أراضي الضفة الغربية، ومنع أي تطور للفلسطينيين هناك». وقد جاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتأكيد أن تصريحات «كيري» منحازة ضد بلاده، مشيرا  أن «كيري» ركز على المستوطنات وتجاهل المعارضة الفلسطينية لوجود دولة يهودية.

سبقت فكرة قيام دولة إسرائيلية جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية تأسيس (إسرائيل) في عام 1948. وكان هذا يقوم على فكرة تقسيم فلسطين تحت الانتداب، وقد جاء ذلك لأول مرة عبر لجنة بيل عام 1937 من الحكومة البريطانية وبعد ذلك بحوالي عقد من الزمن جاء في شكل خطة الأمم المتحدة للتقسيم لعام 1947.

خفوت وظهور حل الدولتين

رفض الفلسطينيون كل الخطط لأنهم سعوا إلى دولة فلسطينية واحدة من شأنها أن تغطي كل الأراضي، في حين قبل اليهود خطة 1947. وقد أدى انهيار تلك الجهود إلى الدخول في الحرب. بعد إعلان دولة (إسرائيل) في عام 1948. واشتعلت أول حرب عربية إسرائيلية في العام نفسه وبعدها أصبحت الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية وقطاع غزة تحت السيطرة المصرية. وفي أعقاب حرب عام 1967، استولت (إسرائيل) على كل هذه الأراضي وسيطرت على كل ما كان يسمى فلسطين الانتدابية.

على الرغم من الخسارة، واصلت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة «ياسر عرفات» طريق الكفاح المسلح لإقامة دولة فلسطينية. ونتيجة لذلك، بقيت منظمة التحرير الفلسطينية مستمرة في الصراع مع (إسرائيل) وكذلك الدول العربية المجاورة (الأردن ولبنان وسوريا)، والتي لم تكن مهتمة بإقامة دولة فلسطينية. وبقي حل الدولتين فقط في مختلف المبادرات الدبلوماسية وقرارات الأمم المتحدة. ولم يكن قائما حتى بعد الانتفاضة الأولى في عام 1987 إلا بعد قرار منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بالاعتراف بحق (إسرائيل) في الوجود لتبدأ مفاوضات جادة نحو حل الدولتين.

الانقسام الفلسطيني

ولكن بعد هذا الوقت، كانت منظمة التحرير الفلسطينية فقدت مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وبعد عقود في المنفى ضعف نفوذها في الأراضي الفلسطينية. والأهم من ذلك أن حماس، التي كان مقرها في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، برزت كمنافس رئيسي لحركة فتح التي هيمنت طويلا على منظمة التحرير الفلسطينية. وترتدي حماس عباءة الرفض وتعارض حل الدولتين. وفي الوقت نفسه، خلص اتفاقات أوسلو بعد عام 1993 إلى خلق السلطة الوطنية الفلسطينية، التي هي الهيئة الانتقالية التي من شأنها أن تسبق إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بعد انتهاء المحادثات النهائية.

بعد المزيد من المحادثات، وخاصة في كامب ديفيد في عام 2000، فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق. وكان حل الدولتين أمرا من الصعب تنفيذه لأن (إسرائيل)، لأسباب أمنية، لا يمكنها العودة إلى حدود عام 1967، وبدون هذا، فإن الفلسطينيين لن يحصلوا على دولة قابلة للحياة. ولكن الأهم من ذلك، أن حركة فتح بقيادة «عرفات» قد ضعفت وكان المشهد السياسي الفلسطيني منقسما للغاية. وأصبح هذا واضحا تماما عندما فازت حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، والذي أدى في نهاية المطاف إلى حرب أهلية فلسطينية في عام 2007 ومن ثم الانقسام الجغرافي بين غزة تحت سيطرة حماس، والضفة الغربية تحت سيطرة فتح. وقد استمر هذا الانقسام منذ ذلك الحين.

وكان الافتراض الأساسي لحل الدولتين مبني على تحقق تسوية عن طريق التفاوض، وأن الجانب الفلسطيني سيكون مستعدا لإنشاء كيان سيادي. ومع ذلك، لا يوجد اتفاق من جانب الفلسطينيين بشأن دولة ذات سيادة. يبقى الفلسطينيون منقسمين بشدة على نوع الدولة المرتقبة. فتح، التي تشهد الآن انشقاقات داخلية بسبب شيخوخة القيادة، لا تزال تتبنى تصور الدولة القومية العلمانية الفلسطينية. ومع ذلك، تقتصر سلطتها على الضفة الغربية، و لا تسيطر فتح على قطاع غزة، الذي تحكمه منافستها الرئيسية، حماس. وبما أن رؤية الحركة الفلسطينية الإسلامية الرئيسية حماس للحكومة الفلسطينية أنه ينبغي أن تكون دولة إسلامية. فإن حماس على المدى القصير، مستعدة لقبول قيام دولة فلسطينية ضمن حدود الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، فإن الرؤية النهائية لها هي دولة فلسطينية ذات سيادة تشمل كل الأراضي «الإسرائيلية».

تعدد الهويات

إن التنافس متجذر بين فتح وحماس في هذه القضية بشكل عميق، وقد كتب المؤرخ الفلسطيني الأمريكي البارز «رشيد الخالدي» أن الفلسطينيين خلال فترة ما بين الحربين تحت الحكم البريطاني كان لديهم هويات متعددة. وقد بنيت هذه الهويات في جميع أنحاء المجتمعات المحلية التي كانوا يعيشون فيها في بلاد الشام، فضلا عن الهوية العربية، المسلمة والفلسطينية ثم تم اعتماد المفاهيم الأوروبية القومية والدولة القومية في الشرق الأوسط بطرق معقدة و متعددة.

على أعلى مستوى، كان هناك شعور القومية العربية، الذي لم يكن مرتبطا بدولة قومية معينة بل كان تصورا لنظام سياسي كبير يشمل كل العرب بغض النظر عن الدين. وفي الوقت نفسه، ظهرت الدول القومية مع الحدود الجغرافية التي تم تحديدها من قبل البريطانيين والفرنسيين. وتم ربط الدولة القومية بشكل محدد من أشكال القومية التي تحددها المنطقة وليس بالضرورة العرق.

وفي الوقت نفسه، كما يشير المؤرخ البارز في الشرق الأوسط «ألبرت حوراني» أن الفكر السياسي الأوروبي الحديث تفاعل مع وجهات النظر الإسلامية التقليدية في الهوية وبناء الدولة. وكانت إحدى النتائج الرئيسية لهذا ظهور الإسلام على أنه تحد للقومية العلمانية. وهذا الصراع بين الإسلامية والعلمانية قد لعب دورا رئيسيا في تقويض الدول القومية العربية، كما رأينا منذ بدية الربيع العربي في عام 2011. وفي حالة الفلسطينيين، فقد ضعف مشروعهم الوطني. الدولة القومية في العالم العربي هي في طريقها إلى الانهيار. وصعود الدولة الإسلامية التي تسعى للتخلص من الحدود الوطنية، يمثل تحديا ليس فقط لتلك السلطة التي تسعى للحصول على دولة فلسطينية علمانية، ولكن أيضا لحماس.

إن الأزمة المتفاقمة في العالم العربي تضيف مشاكل للصراع الداخلي الفلسطيني. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يعد يدور حول دولة واحدة أو دولتين. في الوقت الذي تنهار فيه الدول العربية، فإن ظهور دولة فلسطينية غير محتمل. فمع الأزمات ذات الاتجاهات المتعددة من حيث الهوية والعقيدة أيضا، لا يمكن للفلسطينيين التوقع أن يبقوا في مأمن من الاضطرابات التي تدور رحاها بسبب الفراغ في العالم العربي.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

فلسطين (إسرائيل) حل الدولتين السلطة الفلسطينية حماس