كثير من الصراعات وقليل من الفرص.. توقعات سوداوية للاستخبارات الأمريكية للعالم في عصر «ترامب»

السبت 14 يناير 2017 10:01 ص

نشرت الاستخبارات الأمريكية يوم الاثنين الماضي تقريرها تحت عنوان «التوجهات العالمية: مفارقة التقدم». وصدر التقرير عن «مجلس الاستخبارات الوطنية» هو مركز أبحاث يتبع لسلطة مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، الذي ينسق أنشطة جميع وكالات الاستخبارات الأميركية وعددها 17 وكالة، ويصدر المجلس هذا النوع من التقارير مرة كل 4 سنوات أي مدة الولاية الرئاسية في الولايات المتحدة.

وقد غلبت على التقرير نبرة تشاؤمية واضحة مع صورة سوداوية حول التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية المقبلة في ظل تصاعد التوترات داخل وبين الدول. ويؤكد التقرير أن المشهد الدولي يدفع إلى «نهاية عصر الهيمنة الأمريكية خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة».

وحذر التقرير من أن النموذج الليبرالي السائد عالميا صار مهددا بفعل خطر صعود التيار الشعبوي حول العالم أجمع، سواء أكانت الشعبوية من جهة اليمين أو من جهة اليسار. وتنبأ التقرير بزيادة الصراعات العالمية مع تولي الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» مهام منصبه. وأشار أن العالم سيستمر في تحقيق معدلات ضعيفة من النمو في ظل معاناة الحكومات والشركات من الأزمات المالية.

وأفرد التقرير قسما خاصة للتنبؤ بشأن مسارات السياسات في مختلف مناطق وقارات العالم. وينشر «الخليج الجديد» أهم التنبؤات التي شملها التقرير بخصوص منطقة الشرق الأوسط.

وفق التقرير، تميّزت الخمس سنوات الماضية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالاضطرابات السياسية والحروب الأهلية وبالوكالة، ومن المرجّح أن تستمر في بعض الدول الفاشلة. ومن المرجّح استمرار المنافسة بين القوى الدينية والسياسية واستمرار ضعف المؤسسات بسبب انخفاض سعر الطاقة. ومن المرجّح استمرار المنافسة الأمنية بين إيران والسعودية، وتركيا و(إسرائيل)، وربما مصر، ويمكن أن تشمل الصين وروسيا والولايات المتّحدة.

آفاق اقتصادية أقل

وتتمثّل التحدّيات الرئيسية في المنطقة في تعزيز النمو وتهيئة الظروف السياسية والفرص الاقتصادية لإشراك الشباب من المواطنين في سن العمل. وإذا لم يتم فعل ذلك بالطرق السليمة التي تتماشى مع التقاليد، من الممكن، في الحالات الخطيرة، أن يساهم غياب العدالة في التطرّف الديني، جنبا إلى جنب مع صعود العلمانية، بسبب مواكبة العرب للعولمة.

وقد أسهمت الاضطرابات في السنوات الأخيرة في إيقاف فترة التقدّم في الحدّ من الفقر وتمكين الأفراد. وكانت نسبة الفقر المدقع قد انخفضت تدريجيًا منذ عام 1987، مع وجود التقدّم الأكبر في الجزائر والأردن والمغرب ومصر. وانخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر في مصر، على سبيل المثال، من 12% عام 1981 إلى 2% عام 2005.

لم تكن البلاد تملك الكثير من الموارد الاقتصادية الذاتية، وقد تضرّرت كثيرًا بسبب الثورات والثورات المضادّة في إضافة إلى الحروب الأهلية في ليبيا والعراق وسوريا واليمن. كما أن استمرّار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوّض أي فرصة للسلام أو النمو الاقتصادي في المنطقة.

ويشير التقرير أن غالبية دول المنطقة فقدت أدوات السيطرة على الاستياء العام بأموال النفط والغاز، نتيجة لانخفاض أسعار الطاقة. ومع الوقت يزيد الإفراط في استخدام القمع ضد المعارضة في مصر والأردن ولبنان وتونس. بينما تدخل دول مجلس التعاون الخليجي في اضطرابات اقتصادية خطيرة.

المزيد من العنف

وفي السنوات الخمس القادمة، يتوقع التقرير أن يستمر فشل الدول في تلبية طلبات الشعوب في الأمن والتعليم والعمل، مما يوفر بيئة خصبة للعنف والتطرّف. وقد ينتشر دعم العناصر الدينية والطائفية المتعصّبة بين الناس، وتراجع التسامح التاريخي مع الأقليات، الأمر الذي يهيئ الأرض لمزيد من العنف في المنطقة. لكنّ تصرّفات المتطرفين ستستمر في تشويه سمعة التشدّد وتدفع الناس للاعتماد على مؤسّسات الدولة.

تضغط الصراعات الأهلية وعائدات النفط المنخفضة على الهياكل الحكومية في المنطقة. وفي ضوء العيوب التي ظهرت للحكم المركزي وصعود قوّة صوت القبائل والعائلات في النقاش السياسي، فقد يتجسّد هذا الاتجاه في تشكيل الحومات والمجالس المحلية في دول مثل سوريا وليبيا.

الوضع الجيوسياسي في المنطقة في الخمس سنوات القادمة سيخضع للمزيد من المنافسات. وفي أفضل الحالات، توجد محدودية لإمكانية التقدّم باتّجاه إطار أمني إقليمي، مع تصاعد حجم العنف والحروب الأهلية وفراغ السلطة والكوارث الإنسانية لسنوات عديدة. وبالمثل، ستتشكّل المنطقة عن طريق الجهات الفاعلة من غير الدولة والتي تبحث عن أفضلية سياسية واستراتيجية لأيدولوجيتها الدينية الخاصة.

يهدّد نشاط حركات العنف في منطقة الشام وشبه الجزيرة العربية بانتشار العدوى إلى الصحراء الكبرى وإفريقيا وآسيا وأوروبا من خلال الأفكار الدينية المتطرّفة لعدد من الحركات الإسلامية المتشدّدة.

وستظل المنطقة معرضة بشكلٍ خاص لضغوط المياه والتوتّرات المحلية والوطنية والدولية حول الوصول إلى موارد المياه. وحتّى أغنى الدول في المنطقة التي تستخدم تكنولوجيا محطات تحلية المياه، تواجه نقاط ضعف وجودية في حالة اختراق أو الإضرار بتلك المحطّات.

تحديات داخلية وصراعات إقليمية

وفقا للتقرير، من غير المرجّح احتواء علل المنطقة، الأمر الذي يضمن استمرار نمو الكوارث الإنسانية والضحايا من المدنيين تقويض حالة حقوق الإنسان الدولية. ترويج الغرب لهذه المعاني دون الدعم الكافي يحط من قدر الغرب في عيون العرب. وأصبحت الولايات المتّحدة شريكًا غير موثوقًا في المنطقة من الجانب الأمني الجيوسياسي، وحلّت محلّها روسيا وربّما الصين. وتستمر تدفّقات اللاجئين، على الرغم من أنّ البعض منهم سيضطر للبحث عن مناطق أخرى أقل قسوة من أوروبا.

قد تبقى دول مثل إيران و(إسرائيل) والسعودية ومن المحتمل تركيا بنفس القوّة والتأثير بالنسبة لدول المنطقة التي تصارع عدم الاستقرار، لكنّها ستكون على خلاف مع بعضها البعض بشأن عدد من القضايا، وسيواجه أغلبها التحدّيات الداخلية المتزايدة، والتي من المرجّح أن تؤثّر على طموحاتها الإقليمية.

ستستمر على الأغلب مخاطر عدم الاستقرار الداخلي في مصر والجزائر والسعودية طالما ظلّت أسعار النفط منخفضة. وقد شرعت الرياض في مجموعة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية، ومجموعة أقل بكثير من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية. وقد تحقّق هذه الإصلاحات خلق المزيد من الوظائف للشباب، لكنّها قد تأتي متأخرة جدًا لتلبية التوقّعات الشعبية. علاوة على ذلك، قد تصطدم الإصلاحات السعودية بقوى التصدير الناشئة في أفريقيا وأسيا كجهات أقل تكلفة، أو بالاقتصادات المتقدّمة التي تقدّم خدمات أفضل وأقيم.

ترى (إسرائيل) والسعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، أنّ إيران ستستثمر أموال خطة العمل المشتركة الشاملة في تعزيز نفوذها وتقويض الاستقرار الإقليمي. كما تخشى تلك الدول على المدى الطويل استغلال إيران لرفع العقوبات عن برنامجها النووي في التمكّن من صناعة أسلحة نووية.

كما ستؤثّر سياسة القوى العظمى في المنطقة مع عودة روسيا، في الديناميكيات المستقبلية. ومنذ قدومه إلى السلطة عام 2000، سعى الرئيس «بوتين» لإظهار قوّته في المنطقة وتعزيزها، كما رأينا مؤخّرًا في التواجد العسكري الروسي القوي في دمشق.

لاعتبارات أخرى، سيستمر الضغط الديموغرافي والاقتصادي على دول المنطقة، مثل ذلك الذي تسبّب في ثورات الربيع العربي. وستستمر هجرة العقول بسبب البطالة بين الشباب وسوء بيئة العمل. ومع غياب التنويع الاقتصادي ستظل معضلة الاقتصاد مستمرة في دول المنطقة. وستتفاقم أزمة المياه والموارد مع الزيادة السكانية وتغير المناخ.

ومع جيل جديد ضائع من الأطفال الذين مزّقتهم الصراعات، المفتقرين للنشأة الجيّدة والسليمة، ربما ننتظر جيلًا جديدًا من المتطرّفين. وستتحول ظروف النساء من سيءٍ إلى أسوأ بالنظر إلى أرقام زيادة التحرّش والإيذاء البدني للنساء في المنطقة في الأعوام الأخيرة. وتستمر الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة أكبر دافع للشباب للتطرّف، حيث أظهر المسح السنوي لـ«بيرسون مارستيلر» في عام 2016 إلى رفض الأغلبية الساحقة من الشباب صعود «الدولة الإسلامية»، لكنّ واقع الأرقام يقول أنّ نقص الوظائف والفرص الوطنية قد دفع العديد من الشباب للتجنيد بالتنظيم.

وفي ضوء هذه الديناميكيات، تبقى قضية مصير الضفة الغربية وقطاع غزّة محركًا رئيسيًا بين السكان العرب. وقد أثّرت الأحداث الأخيرة، بما في ذلك صعود «الدولة الإسلامية»، إلى انشغال العرب قليلًا عن الفلسطينيين. وتشير الأرقام إلى أنّ غزّة لا تزال بحاجة إلى 3.9 مليار دولار لإعادة إعمار الدمار الناتج عن الحرب مع (إسرائيل) عام 2014. وقد أظهر استطلاع للرأي عام 2011 بين 16 ألف عربي، أنّ 80% يعتبرون القضية الفلسطينية قضية كل العرب وليس الفلسطينيون وحدهم.

الأزمات البيئية والصحية

ستستمر الأزمات البيئية مثل درجات الحرارة القصوى والجفاف، وستبقي معا نسب التلوث مرتفعة. وتشهد الأراضي والموارد المائية أزمة حرجة بالفعل، وستصبح أسوأ مع الزيادة السكانية وتأثيرات تغيرات المناخ.

وفي اليمن، تسبّب الصراع، وارتفاع أسعار المياه، ودمار البنية التحتية، في ترك أكثر من 80% من السكان دون القدرة على الوصول إلى مصادر من المياه العذبة. ومع الافتقار للبنية التحتية المناسبة لحفظ الماء للاستخدام المنزلي، يتعرض الماء للتلوث والبعوض، وتظهر أمراض الملاريا وحمّى الضنك والكوليرا.

وفي الأردن، أجبرت تدفقات اللاجئين من سوريا الحكومة على ضخ مزيد من المياه الجوفية. وستواجه مصر تحدّيات مائية شديدة الصعوبة مع انتهاء بناء سدّ النهضة الإثيوبي العظيم، الذي قد يؤثّر على حصّة مصر من المياه.

ويبقى تلوث الهواء في المناطق الحضرية في المنطقة من بين الأسوأ في العالم، لا سيما في إيران والسعودية.

وستكون قضايا الصحّة العامة في المنطقة حرجة أيضًا. فمصر واحدة من البلاد التي تعاني من انتشار إنفلونزا الطيور المتوطّن في الدواجن والطيور ويشكّل خطرًا على البشر. ومنذ عام 2012، تتعامل السعودية مع تفشّي مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسّية (MERS)، ويوجد قلق متزايد من أن يتحور المرض ويصبح معديًا بشكل متزايد. وإذا تفشّى المرض بشكل أوسع وتمّ التعامل معه بشكل سيء، فإنه سيؤثّر على الاستقرار الداخلي.

سيناريو ضعيف

ومع ذلك، رغم كلّ هذه الضغوط، يوجد احتمال ضعيف، أن ينشأ سيناريو أفضل للمنطقة إذا تعافت أسواق النفط وبدأ سعر النفط في الارتفاع. وسيشعر المسؤولون في السعودية وإيران بضغطٍ أقل بشأن المنافسة الصفرية بينهم، مع تركيزهم بشكلٍ أكبر على المنافسة على حصّة سوق النفط، الأمر الذي قد يدفع إلى تدنّي نبرة الخطاب الطائفي بينهم. ويمكن مع تحسّن العلاقات الثنائية بين البلدين أن ينزع فتيل الأزمة والحروب بالوكالة ويدعم استقرار المنطقة، ممّا قد يساعد على ظهور حركات معتدلة بديلة لـ (داعش) وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرّفة. ويمكن مع فتح حوار عام حقيقي ووجود تنمية اقتصادية تنسجم مع المعايير الدينية والثقافية الأخرى، التغلّب على الإحباطات التي قادت لاندلاع الربيع العربي عام 2011

المصدر | تقرير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية - يناير/كانون الثاني 2017

  كلمات مفتاحية

الاستخبارات الأمريكية الشرق الأوسط مصر السعودية إيران