استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إلى أي مدى تذهب روسيا في سورية؟

الاثنين 16 يناير 2017 02:01 ص

كان تحقيق وقف شامل لإطلاق النار في سورية هدفا مركزيا لكل مبادرة دبلوماسية تهدف إلى إغلاق صفحة النزاع هناك، منذ أن أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا رئاسيا في مارس/آذار 2012 ساند فيه ما بات يعرف بـ"خطة كوفي أنان". بيد أن دفع المتقاتلين إلى الالتزام بوقف النار، لم يكن قط بالأمر السهل، على الأقل لأن داعميهم الخارجيين لم يكونوا بعد مستعدين للقيام بما يلزم لحملهم على ذلك.

والأرجح الآن ألا يكون الأمر مختلفا مع اتفاق وقف النار الراهن الذي تم بواسطة روسية وتركية. لكن هذه المرة الرهان قد يكون أكبر بالنسبة إلى روسيا، ماقد يجبرها على المضي قدما فيه. وهذا قد يشرع الأبواب أمام دبلوماسية أكثر فعالية، وأن كان سهمها سيوجه هذه المرة نحو هدف أكثر تواضعا من فكرة التوصل إلى صفقة سلام شامل.

لقد سعت روسيا، رغم عدم اقتناع الكثيرين بذلك، إلى إيجاد تسوية سياسية منذ اللحظة الأولى لبدء تدخلها العسكري في سورية، كوسيلة لضرب عصفورين بحجر: ضمان عائدات سخية لاستثمارها في نظام الأسد، وتعزيز مطالبتها بوضعية الدولة الكبرى. والآن، ومع انضمام تركيا إلى الركب جالبة معها معظم المعارضة السورية المسلحة والسياسية، تبدو العقبة الكأداء الرئيس أمام الأهداف الروسية هي نظام الأسد ومن ورائه إيران. لماذا؟

لأن النظام السوري، الذي انتشى من نجاحه في السيطرة على شرق حلب، مصمم على إخضاع بقية جيوب المعارضة حول دمشق. وهذا ما حفز مجموعات المعارضة المسلحة التي وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار على الإعلان عن انتهائه في 9 يناير/كانون الثاني 2017، ومن جهتها، امتنعت إيران عن رعاية وقف النار، على رغم أنها انضمت إلى روسيا وتركيا قبله بتسعة أيام في التوقيع على "إعلان موسكو" الذي دعا إلى هدنة وبدء محادثات السلام.

هل في حوزة روسيا مايكفي من النفوذ للتأثير على حلفائها؟ وإذا لم يك الأمر على هذا النحو، هل تستطيع ببساطة تحمل مواصلة نهجها الراهن في سورية، أي توفير الدعم القتالي إلى ما لانهاية لهذا النظام غير القادر، حتى ولو حقق النصر الكاسح النهائي الذي يتبجح به عبر الوسائل العسكرية، على مواجهة التحديات الجسام المتمثلة بتحقيق الاستقرار السياسي وتوليد النهوض الاقتصادي؟

يمكن القول هنا أن تركيا وروسيا، وعلى عكس اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، سلحت نموذجها الخاص من الاتفاق ببعض الأسنان، من خلال دعم مبدأ فرض العقوبات على الأطراف التي تخرقه. بيد أن الشكل المحدد للعقوبات لايزال قيد البحث بين هذين الطرفين الضامنين، كما أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 5 كانون الثاني/يناير، و قد يكون الأمر عصيا على الانجاز. وعلى أي حال، من غير المحتمل أن تقبل روسيا بمطالب تركيا والمعارضة بأن يكون جيش النظام عرضة للعقوبات على قدم المساواة مع جماعات المعارضة المسلحة، ناهيك عن عدم قبولها أيضا اقتراح جاويش أوغلو الخاص بالسعي إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن لاسباغ الصفة الرسمية على العقوبات.

بيد أن روسيا ألمحت إلى احتمال حدوث تحول مهم في موقفها، من خلال تأييدها لفكرة انفاذ الاتفاق فرضا، وكذلك الموافقة على قيام مراقبين روس وأتراك برقابة مشتركة على الأرض. وما لايقل أهمية هنا كان الضربات الجوية التي نفذتها روسيا لدعم وحدات "درع الجزيرة" المدعومة من تركيا والتي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية في منطقة الباب في 30 ديسمبر/كانون الأول 2014. إذ أن هذه الغارات، وعلى رغم أنها كانت مجرد بادرة حسن نية تجاه تركيا، كانت المرة الوحيدة طيلة النزاع السوري التي تتلقى فيها المعارضة المسلحة السورية دعما جويا من أي دولة خارجية. ثم أن روسيا بعثت رسالة إلى النظام من خلال الإعلان عن سحب مجموعة حاملة طائراتها من المياه السورية في 6 يناير/كانون الثاني 2017 بذريعة أنها أنجزت مهمتها، تشير إلى استعدادها لخفض العمليات القتالية في سورية.

لدى روسيا خيارات أخرى غير فتاكة لرفع وتيرة ضغطها السياسي على الأسد. إذ سبق لها أن حسنت وضعية أهم الجماعات المسلحة المعارضة حين عاملتها بوصفها قيادة للمعارضة بدعوتها إلى محادثات السلام المزمع عقدها في نهاية الشهر الحالي، وحين سحبت رفضها السابق للعديد منها بدعوى أنها "منظمات إرهابية". ثم أن روسيا تعاطت بإيجابية مع اقتراحات المعارضة وتركيا حول الانخراط مع المجالس المحلية الإدارية في المناطق الخاضعة للمعارضة، وهي الاقتراحات التي تتقاطع مع المبادرة الروسية الداعية إلى تطبيق مبدأ لامركزية السلطة في سورية والتي طرحت في مارس/آذار الماضي. وفي حال طبقت هذه التوجهات، سيمهد هذا الطريق أمام توفير مساعدات إنسانية وأخرى اقتصادية لإعادة البناء في تلك المناطق مستقبلا.

بالطبع، قلة من هذه الخطوات يمكن أن ترى نور الشمس، إذا ما واصل الأسد رفض هذه الاقتراحات جملة وتفصيلا. لا بل الأرجح أنه يتوقع الآن أن تطلق يده حالما يتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب زمام السلطة، ما سيسقط أي سبب يحدوه إلى الرضوخ إلى الضغوط الروسية. وبالدرجة نفسها، تتوقع إيران أن تستهدف من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، ولذا ستكون هي الأخرى أقل استعدادا للتخلي عن مواقعها الراهنة في سورية. وهكذا يبدو أن كلا هذين الحليفين، السوري والإيراني، يعتبران أن الوقت نفد من روسيا ولم يعد في مقدورها حصد الحصيلة التي تشتهي.

باختصار، روسيا ستواجه لحظة الحقيقة في العام 2017. وسيتعين عليها، تبعا لذلك، أن تكون مستعدة إما للذهاب بعيدا إذا ما أرادت إجبار نظام الأسد على الانخراط في العملية السياسية، أو لحمل عصاها على كاهلها والعودة إلى بلدها. صحيح أن المرجح ألا تفعل لا هذا ولاذاك، لكنها في الوقت نفسه لاتستطيع تحمل أن تبقى عالقة في قبضة التزامات عسكرية ستكون غير مترافقة مع استراتيجية سياسية، طالما أسلمت هذه الأخيرة إلى الأسد وإيران.

البديل الأكثر عقلانية سيكون التركيز على إعادة تثبيت وقف النار وفرض آليات مراقبة فعالة، علاوة على زيادة الاتصالات مع الأجنحة السياسية والعسكرية في المعارضة السورية، ومساعدة تركيا ووكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين على توفير الخدمات الأساسية وإصلاح البنى التحتية في المناطق الخاضعة للمعارضة. وهذا قد يرقي فرص صنع السلام، وفي أسوأ الأحوال لن يضر بها.

* د. يزيد صايغ - باحث كبير بمؤسسة كارنبغي

  كلمات مفتاحية

سورية روسيا إيران الأسد

سوريا الروسية: توجهات المستقبل الإقليمي