«فورين أفيرز»: كيف توازن سلطنة عمان علاقاتها بين السعودية وإيران؟

الأربعاء 18 يناير 2017 12:01 م

تفاجأ الكثيرون بالتقارير الأخيرة التي أفادت بأنّ عمان قد انضمّت إلى التحالف الذي تقوده السعودية للحرب على الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة. وفي منطقة الخليج التي تشهد استقطابًا متزايدًا، شهدت العلاقات بين عمان والسعودية بعض الحزازيات على إثر استمرار العلاقة الطيبة بين السلطنة وإيران ورفضها المتكرر للانضمام إلى عدد من الاتفاقات الأمنية الرئيسية بين دول الخليج. وظهر قرار مسقط الأخير بالانضمام إلى التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب كإشارة على استعداد عمان للتحول سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا تجاه جيرانها من ناحية الغرب، وأنّ السعودية تسير بخطىً جيدة لتصبح لها اليد العليا في المنطقة. ومع ذلك، في الحقيقة، لا تمثّل هذه الخطوة تأرجحًا في السياسة العمانية. بل هي فعليًا استمرار للاستراتيجية التي تنتهجها البلاد منذ عقود طويلة بالحفاظ على التوازن بين السعودية وإيران.

وقادت السعودية بإنشاء التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب في ديسمبر/كانون الأول عام 2015. وتشكّل التحالف بعضوية 40 دولة إسلامية، لكنّها استثنت اثنين من الدول التي يسكنها غالبية شيعية في المنطقة، إيران والعراق، بسبب ما تراه الرياض تدخّلًا من إيران في شؤون الدول العربية. وحين تمّ الإعلان عن التحالف في البداية، رفضت عمان الانضمام حتّى تتمكن من الحفاظ على سياستها الخارجية التقليدية المستقلّة، ولكيلا يتغيّر الوضع القائم مع إيران.

وجاء تحرّك مسقط تجاه التحالف مؤخرًا في الوقت الذي تشهد فيه إحباطًا تجاه طهران. فقد توقّعت عمان مكاسب اقتصادية أكبر من إعادة اندماج إيران مع المجتمع الدولي بعد الاتفاق النووي عام 2015. لكنّ العمل كان بطيئًا من قبل إيران، التي فضّلت التركيز على الشركاء الأكثر نفعًا، مثل الاتّحاد الأوروبي. وشعرت السلطنة بتلكؤ طهران في عدد من المشاريع المشتركة، بما في ذلك مشروع مدّ أنابيب الغاز بين البلدين. وفي عام 2013، وقّعت عمان وإيران مذكّرة تفاهم ستبدأ عمان من خلالها باستيراد 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران في عام 2015. لكن تمّ تعديل مسارات الأنابيب عام 2016، وتأخّر موعد تشغيلها لعام 2017.

ومع ذلك، فإنّ العلاقة بين عمان وإيران دائمة وطويلة الأمد. واستفادت مسقط من المساعدة الإيرانية في هزيمة التمرّد الكبير في السبعينات، وهي اليوم شريك سياسي واقتصادي رئيسي لإيران. وبين عامي 2012 و2013، نمت التجارة الثنائية بين البلدين، كما ورد، بما يقارب 70 بالمائة، ووصلت إلى 873 مليون دولار. وبنهاية عام 2015، تجاوز هذا الرقم 1 مليار دولار. ورحّبت عمان أيضًا بالاستثمار الإيراني المباشر في قطاعات الاقتصاد غير النفطية في البلاد. وكانت العلاقة قوية جدًا حتّى مع قطع باقي دول مجلس التعاون الخليجي العلاقة الدبلوماسية أو التخفيض من تمثيلها الدبلوماسي مع إيران بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران في يناير/كانون الثاني عام 2016. وقامت عمان بتوبيخ طهران، لكنّها لم تتبع الإجراءات الأخرى. وبدلًا من ذلك، في فبراير/شباط، ذهب وزير الشؤون الخارجية العماني «يوسف بن علوي بن عبد الله» إلى طهران لمناقشة تعزيز العلاقات بين البلدين. وفي مارس/آذار، أعلنت شركة إيران خودرو لتصنيع السيارات إنشاء مشروع مشترك بقيمة 200 مليون دولار لتصنيع السيارات في عمان. وفي الواقع، دائمًا ما فضّلت السلطنة معالجة الخلافات من خلال المشاركة، بدلًا من السياسات المندفعة والاستراتيجيات التي تحدّد العلاقات السعودية الإيرانية اليوم.

وجدير بالذكر، وجود خلافاتٍ بين مسقط وطهران، بما في ذلك خلافات حول دور القوى الأجنبية في المنطقة. ففي حين تعارض طهران التدخل الغربي، فإنّ مسقط، مثل حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، تعتمد على القوى الأجنبية في المساعدة الأمنية. لكن على خلاف ما يشاع عن رغبة عمان في الانفصال عن مجلس التعاون الخليجي، إلّا أنّ السلطنة لا ترغب في إغضاب حلفائها. ويعدّ السوق الخليجي هو السوق الرئيسي للبضائع العمانية. وبحلول عام 2010، بلغت إجمالي حصّة دول المجلس من الاستثمار الأجنبي المباشر في عمان 25 بالمائة، وهي ترتفع إلى 50 بالمائة إذا تمّ احتساب استثمارات النفط والغاز. وتعتبر عمان دولة صغيرة نسبيًا وهامشية داخل الكتلة، مع موارد محدودة مقارنةً بجيرانها. وهكذا فهي تراهن على العلاقات الودية مع جيرانها المباشرين، ولهذا قاد السلطان «قابوس بن سعيد» محادثات إقليمية أمنية بعد الاستقلال عام 1976 مع كل دول الخليج العربي، بما في ذلك إيران والعراق. وبجانب عدم رغبتها في الانفصال عن مجلس التعاون الخليجي، فهي ببساطة لا يمكنها ذلك.

سياسة مستقلة

وبفضل سياستها الخارجية الحيادية والمستقلة، تلعب عمان غالبًا دور الوسيط. وخلال الحرب بين إيران والعراق، كانت عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقتها مع إيران. وفي النهاية، ساعدت بالتوسط في وقف إطلاق النار. وفي عامي 2010 و2011، تفاوضت عمان وسهّلت إطلاق سراح 3 طيارين أمريكيين كانوا محتجزين في إيران. وفي عام 2012، استضافت أولى المحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتّحدة، والتي قادت في نهاية المطاف إلى المفاوضات حول البرنامج النووي والاتفاق النووي الإيراني عام 2015. كما حافظت على علاقات فعالة بكل أطراف الصراع السوري، واستضافت المحادثات بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وحكومة الرئيس «عبد ربه منصور هادي» ومتمرّدي الحوثي المدعومين من إيران.

لكنّ دور الوسيط الذي تلعبه مسقط لم يعجب دائمًا حلفاءها من دول الخليج العربية. فهي الدولة الوحيدة في المجلس التي رفضت تعزيز المؤسسات القائمة للمجلس، وظلّت خارج التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن. وأدّى هذا الرفض إلى انتقادات لها خلف الأبواب المغلقة، من الرياض على وجه الخصوص.

وفي ضوء هذا، يحل بعض الشعور للقول بأنّ عمان، بانضمامها للتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، تقترب أكثر من السعودية على حساب إيران. ومن الحقيقي أن نقول أنّ تباطؤ إيران في قرارات المشاريع المشتركة مع عمان قد أحبطها. لكنّ الوضع قد تحسّن، وذلك جزئيًا بسبب بطء وتيرة تخفيف العقوبات عن إيران، واستمرار العلاقة المتوتّرة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. وبدءًا من بدايات عام 2016، أصبحت مسقط من أولويات إيران مرّة أخرى، وبدأت إعادة التركيز على إنهاء تفاصيل مشروع مد أنابيب الغاز ومصانع صناعة السيارات. واليوم، ترى إيران أنّ عمان وأرمينيا هما أهم شريكين لها في المنطقة.

وسياسيًا، لا تزال عمان محافظة على سياستها النفعية (البراغماتية). وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، اعترف «بن علوي» أنّ طهران لديها دور مشروع لتقوم به في المنطقة، مضيفًا أنّه ليس في مصلحة باقي دول المجلس أن تتّحد ضد دولة مثل إيران. واعترف المسؤولون في عمان أنّ الصراع الطائفي القائم ليس في مصلحة السلطنة. ولا يرون أنّ عزل إيران عن المنطقة خيارًا قابلًا للتطبيق. وبالنسبة لمسقط، فإنّ طهران ليست فقط جزءًا من المنطقة، لكنّها أيضًا قوّة لا يستهان بها، ودولة ذات أراض كبيرة وعدد سكان كبير، وموارد واسعة. وقد لا تكون قدراتها العسكرية بنفس القوة التي كانت عليها قبل ثورة عام 1979، لكنّها لا تزال قادرة على التأثير عبر المنطقة، بما يشمل مضيق هرمز، الذي تتشارك فيه عمان مع إيران. وهكذا فإنّ عمان مستمرّة في الدعوة إلى حوارٍ بين طهران والرياض من أجل تخفيف الاحتقان.

ولا تستطيع عمان، في الوقت نفسه، إهمال علاقاتها بدول المجلس. وعلى عمان أن تكون حذرة من خرق السفينة. وفي الواقع، ليس من المفاجئ أنّ قرار عمان بالانضمام للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يأتي بعد شهرين فقط من اتّهامها علنًا بالسماح لإيران بتهريب السلاح إلى الحوثيين، الأمر الذي أدّى إلى انتقاداتٍ لاذعة من قبل حلفائها من دول المجلس.

ولعشرات السنين، حافظ السلطان «قابوس» على الحياد والتوسّط والتوازن في السياسة الخارجية لبلاده. وتمتّع بالدعم العسكري الإيراني، والدعم الأمني السعودي، والعلاقات التجارية مع كليهما. والانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري قد يضمن له المثل. وحتّى مع ذلك، وبسبب التوتّرات في المنطقة، قد يزيد الأمر من التنافس بين السعودية وإيران لتعويض أثر هذا الإعلان. لم يحدث ذلك حتّى الآن، وهذا دليل على نجاح سياسة التوازن العمانية.

  كلمات مفتاحية

السعودية سلطنة عمان إيران التحالف الإسلامي اليمن