4 خرائط ترسم معالم الجغرافيا السياسية لعام 2017

الخميس 26 يناير 2017 06:01 ص

إنّ العلاقات الدولية والجيوسياسية ليست مترادفة، على الأقل، ليس بالطريقة التي نفهم بها الجيوسياسية المستقبلية. «العلاقات الدولية» هي عبارة وصفية تطوف حول الطرق التي تتصرف بها البلاد نحو بعضها البعض. أمّا «الجيوسياسية» فهي افتراض أنّ كافّة العلاقات الدولية تقوم على التفاعل بين الجغرافيا والسلطة.

وفهمنا للجيوسياسية يأخذنا خطوة أبعد نحو فهمٍ أعمق للجغرافيا والسلطة، الأمر الذي يمكنك من فعل شيئين. الأول، يساعدك على فهم القوى التي تشكّل السياسة الدولية وكيف تفعل ذلك. والثاني، يسمح لك بتحديد ما هو المهم وما هو غير ذلك.

وهذا يجعل الخرائط شديدة الأهمية في عملنا. فالكتابة قد تكون وسيلة مثالية لشرح السلطة، لكنّ أفضل كاتب يبقى محدودًا بلغته حين يتعلّق الأمر بوصف الجغرافيا. لذا في هذا الأسبوع، قرّرنا عرض بعض من أفضل الخرائط التي عمل عليها فريق الرسومات لدينا في عام 2016، ليس فقط لأنّ هذه الخرائط جيّدة، لكن لأنّنا نعتقد أنّها تشرح الأسس التي ستنبني عليها أهم التطورات الجيوسياسية في عام 2017.

الخريطة الأولى: الضعف الاقتصادي لروسيا

تغطّي هذه الخريطة تصوّرًا عن 3 جوانب رئيسية لروسيا تعتبر حاسمة في فهم الدولة في عام 2017.أولًا، الحقيقة التي يغفل الكثيرون عنها بأنّ روسيا نظام اتّحادي (فيدرالية). تملك روسيا ثقافة قومية قوية، لكنّها أيضًا كيان سياسي شديد التنوّع والذي يتطلّب حكومة مركزية قوية.

وعلى خلاف غالبية خرائط روسيا، تقسّم هذه الخريطة روسيا تبعًا للمناطق المكوّنة لها. وتوجد 85 من هذه المناطق، أو 87 إذا عددنا شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول. وليست جميعها مناطق ذات صفة موحّدة، بعضها مناطق، في حين البعض الآخر مناطق ذاتية الحكم ومدن وجمهوريات.

والجانب الثاني هو وجود قدر كبير من التنوع الاقتصادي في هذا الاتّحاد الروسي الواسع. وتوضّح الخريطة ذلك ببيان الفائض في الموازنات والعجز في جميع أنحاء البلاد. وتوجد منطقتين تتمتّعان بفائض ميزانية كبير تجاوز الجميع، مدينة موسكو وسخالين. وتوجد 52 منطقة (تشكّل 60 بالمائة من الميزانيات الإقليمية الروسية) تقع في منطقة الخطر الحمراء. وتشكّل المنطقة الوسطى، والتي تشمل مدينة موسكو، أكثر من 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، في حين تتمتّع سخالين وبعض المناطق الأخرى بفائض ميزانية نتيجة تصدير النفط الروسي.

والجانب الثالث يأتي بجمع الاستنتاجات المنطقية من الملاحظتين الأوليين. روسيا شاسعة المساحة، ويعاني الجزء الأكبر منها من وضع اقتصادي صعب. وحتّى إن ظلّ سعر النفط مقاربًا لـ 55 دولار للبرميل خلال عام 2017، لن يكون ذلك كافيًا لحلّ مشكلات العديد من المناطق المتأزّمة في البلاد. ويحكم الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بنمط سلطوي. وهذا بشكل جزئي نتيجة لحكمه لدولة غير عملية. فهو يحتاج لكل القوّة اللازمة لإعادة توزيع الثروة حتّى لا تثور المناطق الريفية في البلاد.

وتتصدّر روسيا الآن عناوين الصحف بسبب أوكرانيا وروسيا والقرصنة المزعومة. لكن يمكن وصف الوضع الجيوسياسي لروسيا بشكلٍ أفضل بدراسة الخريطة أعلاه.

الخريطة الثانية: القفص الصيني

إن الخرائط التي تحوّل المنظور تكون مربكة، لكنّها من المفترض أن تكون كذلك. فعقولنا تعوّدت على رؤية العالم بطريقةٍ واحدة، تظهر معها الآراء المختلفة غريبة. لكنّ هذا سبب آخر يدفعنا للخوض في هذا الأمر. وتحاول الخريطة أعلاه فعل ذلك عن طريق النظر إلى المحيط الهادئ من منظور بكين.

أثارت تحرّكات الصين جنوب بحر الصين الكثير من الانتباه. ففي جلسة استماع الكونغرس في 12 يناير/كانون الثاني، وصف المرشّح لمنصب وزير الدفاع، «جيمس ماتيس» العدوانية الصينية بأنّها واحدة من أهم أسباب اعتقاده بأنّ النظام العالمي يتعرض لأكبر هجوم منذ الحرب العالمية الثانية. لكننا نعتقد أنّ التهديد الصيني مبالغ فيه. وتساعد هذه الخريطة على بيان السبب.

ويتقيّد وصول الصين للمحيط الهادئ باثنتين من العقبات. الأولى هي سلاسل الجزر الصغيرة في بحري جنوب وشرق الصين. وعندما ننظر إلى هذه الخريطة، يصبح من الواضح الدافع وراء محاولات الصين للسيطرة على هذه الجزر. فإذا لم تنجح الصين في السيطرة على هذه الجزر والمياه الضحلة، يمكن لأي جهة استخدامها ضد الصين في أي صراعٍ عسكري. (إذا وضعت الولايات المتّحدة في نفس الموقف ووجدت أمامها سلسلة من الجزر في المحيط الهادئ أو الأطلسي، لكانت تعاملت بنفس الواقعية).

والعقبة الصينية تتمثّل في أنّ الصين محاطة بحلفاء الولايات المتّحدة. مثل اليابان وكوريا وتايوان، والتي تتمتّع بقوّة عسكرية كبيرة، واليابان على وجه الخصوص، للدفاع عن نفسها ضد التعدّيات الصينية.وتعدّ الصين حاليًا في موضعٍ جغرافي غير مواتٍ في المياه التي تقع على سواحلها.

ومع ذلك، لا تكشف هذه الخريطة عن قطعة ثالثة مفقودة من هذا اللغز، وهي أنّ البحرية الأمريكية تتفوّق على البحرية الصينية في كل شيء تقريبًا، بالرغم من محاولات الصين الدؤوبة لزيادة قدراتها. لكن بالنظر إلى هذه الخريطة، يمكننا رؤية لماذا ترغب الصين في إحداث ضوضاء في المياه الساحلية وكيف أنّ الصين محدودة بقوس من حلفاء الولايات المتّحدة في الجانبين. وبالتالي، فإنّ تحرّكات الصين بشأن الفلبين تتطلّب مراقبة حذرة ووثيقة في عام 2017.

إعادة رسم الشرق الأوسط

لقد أصبح من الكليشيهات المعتادة أن نشير إلى الحدود السياسية الحالية للشرق الأوسط ونقول بأنّها ناتجة عن تقسيمات الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية مثل فرنسا والمملكة المتّحدة، وأنّ الحروب المستعرة مؤخّرًا في الشرق الأوسط قد أحالت تلك الحدود إلى سراب. لكنّنا قد رسمنا خريطة جديدة للشرق الأوسط بناءً على من يسيطر حاليًا على الأراضي، على عكس الحدود الرسمية المعترف بها من قبل الأمم المتّحدة.

وتوضّح الخريطة أعلاه كيف يبدو الشرق الأوسط اليوم. سيعترض الكثيرون على الحدود لأغراضٍ سياسية، لكنّ هذه الخريطة بالتأكيد ليست محاولة لإصدار بياناتٍ سياسية. وبدلًا من ذلك، فهي محاولة لإظهار من يملك السلطة جغرافيًا في الشرق الأوسط.

وانطلاقًا من وجهة النظر هذه، نجد أنّ دول سوريا والعراق واليمن وليبيا لم تعد قائمة. ومكانها توجد الآن دويلات صغيرة متحاربة على أساس الهويات العرقية والقومية والطائفية. وتعكس حدود دول أخرى (مثل لبنان وإسرائيل) حدود السلطة الديناميكية الفعلية. وهنا، تكون الخريطة الدقيقة عمليًا وغير السليمة سياسيًا أكثر فائدة من خريطةٍ سليمة سياسيًا لكنّها غير دقيقة عمليًا.

ولا يقل أهمية عن إعادة رسم حدود الدول التي لم تعد كما هي، ملاحظة أي الدول لا تحتاج أن تعدّل حدودها، وهي ثلاثة دول من القوى الأربع الرئيسية في المنطقة، تركيا وإيران والسعودية. والدولة الرئيسية الأخرى هي (إسرائيل) لكن تمّ تعديل حدودها قليلًا. (تعدّ مصر سلّة اقتصادية وليست قوّة رئيسية، حتّى وإن كانت تتمتّع بالتّماسك الاجتماعي الأقوى في العالم العربي).

ويعرف الشرق الأوسط بديناميكيتين رئيسيتين، الحروب المشتعلة في قلب العالم العربي، وتوازن القوى بين الدول المحيطة بهذا الصراع.

الخريطة الرابعة: تخيّل بريكست عام 2017

يبدأ تحليل هذه الخريطة مع تنويه يقول: هذه أولًا وقبل كل شيء، أداة تحليل ووسيلة للتفكير في مستقبل أوروبا. إنّه تفكير واقعي وليس توقّع لما ستكون عليه حدود أوروبا في المستقبل.

تحدّد الخريطة المناطق ذات النزعات القومية القوية في أوروبا. ولم يتمّ تحديد الحركات الانفصالية النشطة. والمناطق المحدّدة هي تلك التي تطالب بالحكم الذاتي وليس الاستقلال. وفي العديد من هذه المناطق، فإنّ الحركات الانفصالية تكون مفضّلة لدى أقلية من السكان. وليس المقصود هنا هو حجمها، لكن توجد في جميع هذه المناطق درجة من الوعي الوطني يتنافر مع الحدود الحالية للدول القومية الأوروبية.

ويعدّ الاتّحاد الأوروبي مؤسسة معيبة، نظرًا لأنّ أعضاءه لا يستطيعون تحديد ما يريدون. وأعطت الدول القومية الأوروبية بعض السلطة لبروكسل، لكن عندما أتّى الجدّ للتعامل مع قضايا كبرى مثل الأزمة العالمية عام 2008 أو أزمة اللاجئين السوريين، تصرّفت كل دولة تبعًا لمصالحها الخاصة، ولم يعمل الاتّحاد الأوروبي كما كان مقرّرًا له.

وكان البريكست قد تسبّب في صدمة للاتّحاد الأوروبي عام 2016. وستتجدّد الصدمات مع الانتخابات التي ستجري في فرنسا وألمانيا، وعدم الاستقرار الداخلي في إيطاليا، في عام 2017. لكنّ البريكست قد فتح الباب أيضًا لسؤالٍ أعمق، كيف سيتم تحديد المصير القومي في القرن الـ21؟ فليست كل الدول القومية الأوروبية تقف على أرضٍ ثابتة. وقد تنتهي العواقب الأكثر خطورة للبريكست بتأثيرات على المستقبل السياسي للمملكة المتّحدة. وأعلن إقليم كتالونيا في إسبانيا بالفعل أنّه سيعقد استفتاءً على الاستقلال هذا العام.

وقد تحاول بروكسل الحفاظ على التحدّث بصوتٍ واحد. لكنّ هذه الخريطة توضّح مدى صعوبة ذلك، ليس فقط للاتّحاد الأوروبي، ولكن أيضًا لبعض الدول القومية الأوروبية.

خاتمة

يقول المثل أنّ الصورة تساوي ألف كلمة. والخرائط تساوي أكثر بكثير. ويأتي منظورنا للعالم في إطار نهج موضوعي وغير متحيّز لدراسة الجغرافيا والسلطة. وتعتبر الخرائط مثل هذه مكونات أساسية لبناء هذا المنظور. وهذه الخرائط الأربعة، على وجه الخصوص، مفيدة في فهم القوى الجيوسياسية التي ستشكّل العالم في العام الجديد.

  كلمات مفتاحية