سلاح «التسريبات» في مصر.. المعركة تحتدم بين المعارضة والنظام

الخميس 2 فبراير 2017 11:02 ص

ارتفعت وتيرة التسريبات في مصر في سنواتها الستة الأخيرة منذ ثورة يناير/كانون ثان 2011، وطالت مسؤولين بارزين، بينهم رئيس البلاد، وسياسيون مؤيدون ومعارضون، بشكل عده البعض «قصفا متبادلا» يستهدفه مؤيدو النظام للمعارضة والعكس.

خبراء في الإعلام والقانون والسياسة وعلم الاجتماع، تحدثت إليهم «الأناضول» بشكل منفصل اعتبروا التسريبات «ظاهرة» و«سلاحا» يستهدف شعبية واستقرار طرفيها سواء النظام أو المعارضة، مطالبين بالعمل على وقفها على وجه السرعة خاصة لمخالفتها القانون.

تسريبات وثائق ومكالمات

وعلى مدار السنوات الستة الماضية، شهدت التسريبات وجهين أحدهما مكتوب في صورة وثائق، والآخر مسموع في صورة تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية، فيما يشبه قصفا وقصفا مضادا، بين النظام والمعارضة وفق مراقبين وقتها.

ففي مارس/آذار 2011، قام متظاهرون باقتحام مبنى جهاز أمن الدولة (بمثابة جهاز استخباراتي داخلي) وسلبوا محتوياته ولم يتركوه حتى نشب حريق بالمبنى؛ الذي اعتبره البعض، وقتها، أن النظام الأمني للرئيس الأسبق «حسنى مبارك» سقط تماما بسقوط هذا الجهاز.

وإثر ذلك، انتشر سيل من الوثائق الحقيقي منها والمزيف، استخدمها نشطاء فيما بينهم، منها وثائق زعمت تلقى قائمة كبيرة من الإعلاميين لرواتب من جهاز أمن الدولة، أو التي زعمت تجنيد عدد من الشيوخ والقضاة لصالح الجهاز فضلا عن تشويه بعض النشطاء لبعضهم.

ولعل أبرز تلك الوثائق هي التي استخدموها لإدانة وزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلي» في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية (شمال) ليلة رأس السنة 2011.

وتضمنت الوثائق وقتها معلومات في غاية الخطورة منها تكليف ما أسموه بالقيادة رقم 77 بتاريخ 2 ديسمبر/كانون أول 2010 حول بحث إمكانية إرهاب الأقباط (الأرثوذكس)، وتهدئة نبرة البابا الراحل شنودة الثالث (3 أغسطس/آب 1923: 17 مارس/آذار 2012) في خطابه مع النظام.

وخرج حينها المجلس الأعلى للقوات المسلحة محذرا في بيان له من تداول وثائق أمن الدولة لخطورة ذلك على الأمن القومي.

وعقب أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، انتقلت التسريبات من المكتوب إلى المسموع، لتظهر تسجيلات صوتية أذاعها إعلامي مؤيد للنظام المصري عبر مكالمات هاتفية بدأت بنشطاء ثورة 25 يناير (كانون ثان 2011) المناوئين للنظام الحالي وأعضاء بحركة 6 أبريل المعارضة أبرزهم «أسماء محفوظ» و«أحمد ماهر».

وتزعم التسجيلات الصوتية بالمكالمات ما يبدو ارتباطا لبعض الناشطين بعلاقة أمنية مع ضباط في أمن الدولة قبل الثورة وكذلك حصولهم على تمويلات من جهات أجنبية، فضلا عن محاولات بعضهم تشويه البعض الآخر.

ولم تقف التسريبات المتداولة بشكل واسع عند حد الشباب، بل طالت أيضًا كبار الشخصيات بالدولة سواء المناوئين للنظام أو المؤيدين له من بينهم «محمد البرادعي» نائب الرئيس السابق، و«أحمد شفيق» آخر رئيس حكومة في عهد «حسني مبارك»، وحتى قيادات الجيش لم تسلم منها حيث تم تسريب مكالمة هاتفية لرئيس أركان الجيش الأسبق «سامي عنان»، الشهر الماضي، عبر فضائية مصرية خاصة.

وفي الناحية الأخرى، لم تقف المعارضة مكتوفة الأيدي حيث أذاعت قنوات محسوبة عليها كقناة «أحرار 25» (توقفت عن البث) و«مكملين» تسريبات طالت رأس النظام الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي».

وجاءت التسجيلات المنسوبة لـ«السيسي» تارة عبر حوار صحفي مع رئيس تحرير جريدة «المصري اليوم» حينها، «ياسر رزق»، مرورا بتسجيل آخر مع مدير مكتبه، اللواء «عباس كامل»، انتهاء بخمسة تسجيلات أذيعت أمس الأول الثلاثاء.

وتناولت تسريبات «السيسي» المنسوبة له مناقشة عدة قضايا متعلقة بالشأن الداخلي والعلاقات المصرية العربية والدولية.

وفي أحدها، صدرت إساءات من «السيسي» (خلال توليه وزارة الدفاع) لدول خليجية خلال حوار مع مدير مكتبه اللواء «عباس كامل»، ورئيس أركان الجيش المصري «محمود حجازي».

إذ حمل التسجيل إساءة لبعض دول الخليج، بوصفها «أنصاف دول»، ووصف للأموال التي لديهم بأنها «زي الرز» (الأرز - أي كثيرة).

فيما أظهرت 5 تسجيلات صوتية مسربة لمكالمات هاتفية منسوبة لـ«السيسي»، ووزير خارجيته، «سامح شكري»، أمس الأول مناقشة عدة قضايا متعلقة بالعلاقات المصرية العربية والدولية أبرزها يؤكد وجود «خلاف» و«توتر» مع السعودية، بخلاف تنويه عن نقل وكالة الأناضول للأنباء خبرا عن التليفزيون الإثيوبي الرسمي يظهر اتهام أديس أبابا للقاهرة بدعم معارضين إثيوبيين، وفق ما نقلت قناة «مكملين».

فوضي إعلامية

ووفق «صفوت العالم»، أستاذ الإعلام المصري، فإن التسريبات هي «مشهد من مشاهد الفوضى الإعلامية في مصر التي تفقد المواطن المصداقية وتضعه في مأزق الخوف على حياته الخاصة».

وأضاف: «عندما يجد المواطن أن الرئيس ورئيس أركان الجيش وكبار رجال الدولة في غير مأمن من تسريب مكالماتهم يجعل هناك ثقافة خوف مع المكالمات خاصة مع الجهل بمن يقف وراء تسريب هذه المكالمات».

ووصف العالم، التسريبات بـ«الممارسات الإعلامية المعيبة»، مطالبا السلطات المصرية والإعلاميين بالتوقف عن هذا السلوك الذي لا يليق بدولة مواد الدستور فيها تدعو إلى احترام الحرية والديمقراطية وسماع الرأي والرأي الآخر.

وأوضح أن كل طرف يوظف التسريبات التي وصفها بـ«حمالة الأوجه» في السياق والرسالة التي يعمل لأجلها، لافتا إلى أن مكالمة واحدة كل قناة تستطيع أن توجهها بطريقة تختلف تماما عن الأخرى طالما هناك اجتزاء وانتقائية.

وأضاف: «أصحاب التسريبات يحتاجون إلى تقنين أدائهم المهني فمن يريد إذاعة تسريب عليه إذاعته كاملا دون حذف أو حتى تعليق عليه، يجب أن يترك الحكم للمشاهد دون توجيه منه الذي اعتبره يصنع حالة من الاستهواء».

ومضى قائلا: «الاجتزاء له عيوب كثيرة جدا فهو يبحث وينتقي الخطأ فقط، ومن منا لا يملك مكالمات سب فيها هذا أو لعن ذاك».

وحول تأثير التسريبات على الرأي العام، قال أستاذ الإعلام إنها في بدايتها بالفعل أحدثت ضجة، لكنه مع الفوضى الإعلامية التي تعيشها البلاد وتسابق الفضائيات حول التسريبات رغم عدم شرعيتها المهنية، وأصبحت تذاع بكثرة فلم تعد بذات الصخب من قبل المواطن الذي فقد الثقة وأصابته حالة من الاكتئاب تجاه الإعلام.

الأسماء والتوقيت

«طارق فهمي»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال من جانبه معلقاً: «التسريبات يجب أن تفهم في سياقها، فهي محاولة لإظهار أن الدولة مخترقة ولإرباكها وتستهدف العلاقات المصرية سواء مع الخليج أو القضية الفلسطينية أو الداخل المصري».

ومن حيث الأسماء التي شملتها التسريبات، وفق «فهمي»، فهي قسمان، بعضها مسؤولون وسياسيون سابقون كـ«البرادعي» والناشطين، والجزء الآخر حالي، كمثل وزير الخارجية المصري، «سامح شكري»، والرئيس المصري.

وأوضح أن التوقيت الزمني لتلك التسريبات يكشف أنها ظاهرة تتكرر سواء في البث في فضائيات مصرية خاصة أو معارضة محسوبة على «جماعة الإخوان المسلمين».

وحسب «فهمي»، فإن هذه التسريبات «يقف وراءها أكثر من جهة وليس جهة واحدة (دون تحديد)».

ولفت إلى أن هذه الظاهرة اتسعت بصورة مبالغة بها ولها تأثير سلبي خارجيا، مؤكدا أن الدولة لديها الإمكانيات للتعامل بجدية معها وهو ما يجب أن تُفعل حتى لا نصل أن توصف الدولة بالمخترقة، وفق قوله.

ويتفق معه «سعد الدين ابراهيم»، أستاذ علم الاجتماع السياسي، قائلا إن ظاهرة التسريبات وراءها جهة أمنية (لم يحددها)، مشيرا إلى أنها تقوم على الوقوف ضد شخصيات أو هز صورتها مجتمعيا.

وقال «إبراهيم»: «ليست صدفة ما يحدث؛ فهذا أمر مقصود ومكرر ليرسخ هذه الصورة السلبية في المجتمع المصري سواء بخلخلة صورة المسرب لهم في نظر الشعب أو تأثيرها سلبا على العلاقات خارجيا أو محاولة للتأثير على خطواتها السياسية المستقبلة سواء الترشح أو البقاء في العمل العام».

القانون ضد التسريبات

من جانبه، قال «جمال جبريل»، أستاذ القانون الدستوري بجامعة حلوان (جنوبي القاهرة)، إن التسريبات جميعا أيا كان مصدرها محل تجريم ويضع صاحبها تحت طائلة القانون والدستور، مشيرا إلى أن الدستور والقانون لا يسمح بتسجيل مكالمات خاصة أو بثها ويحال من ارتكب ذلك إلى المحاكمة.

ورفض «جبريل» قول البعض بأن تسريبات المسؤولين شأن عام لا يجب أن يجرم، مؤكدا أن الشأن العام هو تسجيل لحديث في اجتماع عام كندوة وغيرها أما حديث خاص عبر مكالمة هاتفية أو غيرها فهو محل تجريم.

وأكد أن «القانون لا يعرف أي تبرير حول التسريبات إلا بإذن قضائي مسبق للتسجيل ووقتها يكون الأمر قانونيا».

وهناك دعاوى وبلاغات وقضايا في مصر، حول التسريبات بعضها قدمها محامون وناشطون وشخصيات عامة ضد إعلاميين مصريين، والجانب الآخر من الأجهزة الأمنية التي قدمت تحرياتها قضايا ضد إحدى قنوات المعارضة بالخارج تحمل اسم «مكملين»، ولاتزال تحت قيد التحقيقات القضائية.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

مصر تسريبات سلاح المعارضة السيسي شكري