«ضوء القمر»..«هوليود» تودع «أوباما» بفيلم عن علاقة السود بالشذوذ والمخدرات

الخميس 2 فبراير 2017 09:02 ص

فيلم «ضوء القمر Moonlight» صدر عن السينما الأمريكية «هوليود» في 16 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليصبح اليوم الفيلم الرابع المُرشح، بحصوله على 8 جوائز مؤهلة للحصول على جائزة «الأوسكار» التي ستعلن في 26 من فبراير/شباط الجاري في لوس أنجلوس.

ميزانية الفيلم تعتبر ضعيفة مقارنة بمنافسيه (5 ملايين دولار أمريكي)، وقد نجح الفيلم في أن يعوضها بجلب أكثر من 3 أضعافها عبر شباك التذاكر الأمريكي حسب ما هو مُعلن، مع أن عرض الفيلم في ألمانيا سيبدأ ف 17 من مارس/أذار المقبل، وكذلك فإنه لم يعرض بعد في أوربا.

قصة الفيلم المهترئة دعمها بقوة بناؤوها على رواية «تحت ضوء القمر.. الأشخاص السود يبدو لونهم أزرقًا»، وهي  من تأليف «تارل ألفين مكرايني»، وإن لم يلتزم مخرجه وكاتب السيناريو له، ببنية الرواية، إن لم يكن «باري غينكيز» أفسدها في المجمل، مستنداً على إنتاج عمل درامي تسودها الأجواء البالغة الكآبة (الميلودراما) من حيث المضمون، ومُكثفاً من رؤية سردية تفكيكية لمجتمعات الزنوج وأشباههم في ميامي وغيرها من الولايات المتحدة، مما يجعل الـ111 دقيقة، مدة عرض الفيلم، أقرب إلى لوحة تكعيبية يقرأه كل مشاهد بحسب ثقافته، من حيث الشكل، وإن كانت تُرضي الطبقة السطحية الثقافة، كدأب «هوليود» حينما تريد النجاح التجاري، مع تعمد إيجاد عمق للفيلم يخص المهرجانات، عبر سياق للجمع بين سينما جذب المشاهد ورضا النقاد، بخاصة حينما يكون للفيلم استدعاء سياسي واضح يخص مغادرة رئيس «باراك أوباما» لرئاسة الولايات المُتحدة، ومجىء آخر «دونالد ترامب»، بعد شهرين تقريباً من صدور الفيلم.

العبث المُطلق البطل الحقيقي

تقوم بنية الفيلم على فكرة عبثية الحياة، فالسود في ميامي، فترة الحرب على المخدرات، عقب أحداث سبتمبر/أيلول 2001، والتي امتدت إلى حكم «أوباما»، بخاصة في يناير/كانون أول 2012 لما رشح الرئيس السابق، قائد سلاح مشاة البحرية الأميركية الفريق «جون ف. كيلي» لتولي رئاسة القيادة الجنوبية، مُتخذاً من ميامي في ولاية فلوريدا مقراً للعمليات العسكرية في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ، والأخيرة بمنزلة «محارب المخدرات» الرئيسي لدى الولايات المتحدة في المنطقة، وبحسب مواقع في تلك الفترة، فإن الولايات المتحدة لم تعد أكبر مستقبل لتهريب المخدرات في العالم عبر مثل هذه المجهودات، وسواء أصدق قول تلك المواقع أم لا، فقد تم استدعاء تجارة المخدرات في ميامي لـ«أوباما» في فيلم يطرح خلال فترة وداعه لمنصبه.

وعبر 3 فصول، تدور قصة الفيلم، في استدعاء لآلية المسرح، وعمل على المزيد من تفكيك بنية الفيلم الشكلية، إذ إن كل فصل يكاد يكون فيلماً بمفرده، وفي الفصل الأول نتعرف إلى (الصغير)، الذي لايُنادى إلا بصفته (القليل)، في إشارة إلى ضآلة الزنجي حتى في مجتمع السود، أو ذوي الألوان المائلة إلى السواد.

بطل الفيلم مُطارد منذ الصغر، فهو ابن غير شرعي لأم بلا اسم (الممثلة ناعومي هاريس)، ولأن العبث بطل الفيلم على مستويي الشكل والمضمون، فإن الأم بلا اسم، وكذلك بائع المخدرات، ورئيسه، وهؤلاء أكثر نبلاً من إدارة المدرسة التي يتعلم فيها (ليتل/البطل)، وتستدعي له الشرطة لما يرد على عنف زملائه بما هو أعنف، عقب فشل الإدارة المدرسية في حمايته، إلا أن الأكثر شراً من زملائه في المدرسة لهم أسماء.

يظل البطل الزنجي مُنسحباً من الحياة، تلفظه أمه، فليجأ دون وعي إلى تاجر المخدرات الأكبر في المنطقة (المُمثل ماهر شالا علي)، وهو يعرف نفسه إلى أم البطل الصغير المُطارد على أنه «لا أحد»، ولا نعرف له اسماً طول وقت وجوده في الفيلم.

يساعد «لا أحد» «شايرون»، بطل الفيلم العابث بانسحابه من الحياة، وهو نفسه «لا أحد» يبيع المخدرات لأم  «شايرون» لتغرق في الجنس أكثر أمام طفلها، لينشأ منعدم النخوة والضمير (أشتون ساندز أدى الدور في مرحلة المراهقة)، تتهمه أمه بفعل «قوم لوط»، ولا ينكر عليه تاجر المخدرات وزوجته أن يكون «شاذاً جنسياً»، فقط ألا يكون من «قوم لوط» في أحد مفارقات الفيلم غير القليلة!

الرجل «الأزرق» الشاذ

كما ظهر تاجر المخدرات غفلة في الفيلم انسحب غفلة، دون توضيح لسبب من موت أو حتى قبض عليه، ويستسيغ المشاهد الأمر بسهولة لأجواء التوتر المُكثفة التي كثفها الفيلم، وعززتها موسيقى «نيكولاس بريتيل» التصويرية مع تكثيفه لاستخدام الوتريات في محاولة لاستدعاء شجن المُشاهد، مع جودة تصوير «جيمس لاكستون».

وتبقى زوجة تاجر المخدرات تفتح بيتها لـ«الأزرق» أو «شايرون» في النهاية، ويعايره الزملاء بعلاقة بينهما، لا يُثبتها الفيلم، لكنه يفسح المجال لقول تاجر المخدرات قبل غيابه بأن الزنجي الباحث عن مجرد حذاء ليرتديه في ضوء القمر يتحول إلى «إنسان أزرق»!

أما ماهية «الإنسان الأزرق» فلا يتركنا الفيلم طويلاً ليفسرها بالشذوذ الجنسي بين البطل وزميله الأقرب إلى الأبيض «كيفن»، وتحت ضوء القمر، وفي لقطة مقززة يُرسي الفيلم في عقل المُشاهد أن متع الحياة الحقيقة في مخالفة كل ما هو مُسلم به، والعبث.

حاول المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو والحوار إبراز الفقد في حياة الزنوج، فنجح عبر براعة التصوير إلى حد ما، لكن تركيزه على العلاقات غير السوية، ومنها لحظة مسح يد البطل المحملة بنتاج العلاقة الآثمة الشاذة مع صديقه على رمال البحر، ولمعان الرمال المسموحة عليها (الحيوانات المنوية) باللون الأزرق مما يثير ما هو أكثر من الغثيان لدى المُشاهد السوي، أضاع محاولة جعل الفيلم إنسانياً!

فإذا أضيف إلى الأمر ابتعاد «شايرون»، البطل الذي صار تاجراً للمخدرات، بطلاً لكمال الأجسام، عن النساء، على جميع المُستويات، بما فيهن أمه، وبحثه عن شريك العلاقة الآثمة معه في سن البلوغ، ورغم تزوج الأخير، وإنجابه، وعمله كطاهٍ، إلا أنه حينما يصل إليه يجد منزله فارغاً من أسرته، فيما رسومات ابنه على الجدران، فقد اختفى وأمه ضمن أجواء الفقد التي أجادها الفيلم للقيم، على جميع المستويات، بما فيها تهيئة الوقت لأبطاله وقت ممارسة الشذوذ، وفي تحبيب الأمر إلى المشاهد بلقطة النهاية إذ إن البطل يُفيق عقب الفعل القبيح غير الآدمي على هدير البحر واللون الأزرق.

الدين حاضراً كـ(تمائم)

أما تمام العبث فالصليب في صدر البائع المُساعد لتاجر المخدرات، منذ مشاهد الفيلم الأولى، وتمثال العذراء المشهور فوق الرف في حين تسحب الأم عشيقها إلى غرفة النوم في حضور الابن، مشاهد تكررها «هوليود» على مشاهديها لتؤكد لهم أن العقيدة ما هي إلا (تمائم) لجلب البركة، وأن على الأمريكي من جميع الألوان ألا يستحي من السرقة وبيع المخدرات وممارسة الشذوذ في حضور (التمائم)!

سينما «الاستدعاء والإسقاط السياسي»

استحضر المخرج وكاتب السيناريو «باري غينكيز» كل هذه المعاني، المُغلفة بالقراءة المُتعددة، وعلى رأسها الظاهرية للفيلم، في وقت وداع «أوباما»، وهو ما يُعرف لدى النقاد السينمائيين بسينما الاستدعاء والاسقاط السياسي، وهو ما عُرفته السينما المصرية بصورة أكثر فجاجة في التصريح، ورقة في الأدوات الفنية المُستخدمة من مثل  أفلام «شروق وغروب»، «رد قلبي»، «الأيدي الناعمة»، «في بيتنا رجل»، و«ألمظ وعبده الحامولي»، وهلم جراً، عقب يوليو/تموز 1952، و «الكرنك»، و«إحنا بتوع الأتوبيس»، وغيرهما عقب وفاة «جمال عبد الناصر»، و«كتيبة الإعدام» وغيره عقب وفاة «أنور السادات»، وكان كل فيلم، في سياقه، ينقض عهد الحاكم السابق من ملكي وجمهوري ليثبت العدالة للاحق، عبر غوص في النفاق لكن بمقومات وتقنيات مختلفة بمراحل عن «ضوء القمر».

أما «ضوء القمر» فكان فيلما استدعائياً للإساءة إلى السود بامتياز، ومنهم الرئيس «أوباما»، وفسر غرض الفيلم بوضوح طرحه إبان رحيله، لتذكير المشاهد أن حرب المخدرات التي شارك فيها «أوباما»، ماتزال مستمرة، والأمريكي الأسود أفضل ما يمكنه القيام به هو أن يكون مفعولاً به في علاقة مع آخر أكثر بياضاً، والفيلم مرشح لـ«الأوسكار» من بعد، مع سابق نيله لـ8 من الجوائز منها أفضل طاقم تمثيل لجمعية «بوسطن» لنقاد السينما، مع افضل ممثل مساعد لـ«ماهر شالا علي»، بالإضافة لترشيحات متعددة لجوائز «أكتا» و«غولدن غلوب»..فهل تنصف جائزة «الأوسكار» مثل هذا العمل نكاية في الرئيس الأمريكي السابق، ولو لم تنله الجائزة الأولى لها؟ كم من مفآجأت ربما تحملها الأيام لنا!

المصدر | الخـــليج الجــــــــديد

  كلمات مفتاحية

هوليود أوباما السود المخدرات الشذوذ