مصر والسودان.. من برة «رخام» ومن جوة «سخام»

الاثنين 6 فبراير 2017 08:02 ص

«من برة رخام ومن جوة سخام».. مثل دارج يستخدم في الأوساط العربية، هو خير وصف للعلاقات المصرية السودانية، التي تظهر للعيان مدى قوتها وترابطتها وشراكتها الاستراتيجية، في الوقت الذي تفخخها ألغاما من المشكلات، تعصف بهذه العلاقة.

الصور الودودة بين الرئيسين المصري «عبد الفتاح السيسي» والسوداني «عمر البشير»، والزيارات المتبادلة، لا تشير أبدا إلى تهديد سوداني لمصر بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، فيما يتعلق بمثلث «حلايب وشلاتين».

كما أن مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية بين البلدين خلال السنوات الاخيرة، لا تدل أبدا على الهجوم المبطن في الإعلام والاتهامات المتبادلة بإيواء المعارضين، واستغلال «سد النهضة» للمصالح الشخصية.

في هذا التقرير نرصد المفارقة والتناقض بين العلاقات الاستراتجية بين البلدين والازمات التي تفخخها..

علاقات استراتيجية

العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، أظهرتها فاعليات ومشاركات عدة للرئيسين والمسؤولين على مدار السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من عدم حضور «البشير» حفل تنصيب «السيسي»، إلا أنه قدم اعتذرا لأسباب صحية، حيث كان يجرى عملية جراحية في ركبته.

وفي مارس/ آذار 2015، شارك «البشير» في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي عقد في مدينة شرم الشيخ.

وفي يونيو/ حزيران 2015، شارك «السيسي»، في مراسم تنصيب «البشير»، لفترة رئاسية جديدة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت بالبلاد حينها.

وحضر «السيسي»، الجلسة الخاصة التي عقدها البرلمان السوداني لتنصيب «البشير»، وأدائه اليمين الدستورية، واستمع إلى الكلمة التي ألقاها بهذه المناسبة، قبل أن يعقدا جلسة مباحثات ثنائية، مؤكدين حرصهما على الاِرتقاء بمستوى التعاون والتنسيق بين البلدين، ليشهد آفاقا جديدة وغير مسبوقة خلال الفترة المقبلة.

وهي الزيارة التي قال عنها الإعلام المصري إنها تأتي في إطار العلاقات الأخوية المتميزة التي تجمع بين البلدين، ووحدة وادي النيل التي تربط بين مصر والسودان، وتضفي على علاقات البلدين خصوصية وأهمية في نفوس الشعبين المصري والسوداني، اللذين يتطلعان لتعزيز العلاقات الثنائية على كافة المستويات.

وفي أغسطس/ آب 2015، أعلنت السلطات السودانية الإفراج عن 101 صياد مصري محتجز بالسودان بعد اختراق المياه الإقليمية السودانية، في مقابل إصدار «السيسي»، عفوا رئاسيا، عن 44 محتجزا سودانيا في مصر،قبل أن يكلف بنقلهم بطائرة إلى السودان على أن تقل الصيادين المصريين عند عودتها.

وفي فبراير/ شباط 2016، عقد بالعاصمة السودانية الخرطوم، لأول مرة، أولى اجتماعات اللجنة القنصلية المصرية السودانية، وذلك للتغلب على كل المشاكل والمعوقات التي تواجههم، من أجل تحقيق المصالح والمنافع المشتركة لشعبي البلدين الشقيقين، وتسهيل حركة التنقل والسفر، وغيرها من القضايا المطروحة حالياً على الساحة بين الدولتين.

والعام الماضي، استضافت مصر، أعمال اللجنة العليا المشتركة مع السودان، حيث عقدت للمرة الأولى على مستوى رئيسي الجمهورية، بعد أن كانت تعقد على مستوى رئيسي الوزراء في البلدين خلال السنوات الماضية.

وهي الاجتماعات التي قال عنها «البشير»، إنها تظهر مدى رغبة البلدين في تعزيز فرص التعاون والتواصل بينهما، ويؤكد الخصوصية التي ميزت دوما العلاقة بين البلدين الشقيقين.

وخلال القمة، وقع الرئيسان، وثيقة شراكة استراتيجية «تجسد العلاقات الوثيقة بين مصر والسودان»، حسب بيان رئاسي مصري.

وحضر الزعيمان العربيان بعد ذلك توقيع وزراء مصريين وسودانيين على اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، غطت مجالات تشمل التعاون السياسي، والأمني، والدبلوماسي، والاقتصادي، بجانب التعليم، والزراعة، والثقافة، والصحة، والرياضة، والسياحة.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، توافقت مصر والسودان وإثيوبيا على توقيع عقود الدراسات الفنية لسد النهضة الإثيوبي مع المكتبين الاستشاريين الفرنسيين والمكتب القانوني الإنجليزي، وذلك في احتفالية أقيمت بفندق في العاصمة السودانية الخرطوم ضمن الاجتماع الثاني عشر للجنة الثلاثية، بحضور كافة أعضائها.

يأتي هذا التوقيع، بعد نظيره في مارس/ آذار 2015، حينما وقعت مصر والسودان وإثيوبيا، وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة، في الخرطوم، وتعني ضمنيا الموافقة على استكمال إجراءات بناء السد، مع إجراء دراسات فنية لحماية الحصص المائية من نهر النيل للدول الثلاث التي يمر بها.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حضر «البشير»، بجانب «السيسي» احتفالات مصر بالذكرى الثالثة والأربعين لانتصارات حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وشهدا عرضاً عسكرياً ضخماً، وتفقدا سويا اصطفاف إحدى التشكيلات المدرعة للجيش الثاني الميداني، قبل أن يمنح الرئيس المصري نظيره السوداني «نجمة الشرف» تقديرا لمشاركته ضمن الوحدات العسكرية السودانية التي خدمت على جبهة القتال في حرب الاستنزاف وحرب 1973.

والشهر الماضي، افتتح «السيسي» عبر تقنية «فيديو كونفرانس»، ميناء «ارقين» البري على الحدود المصرية السودانية، بعد أن افتتح تجريبيا في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث من المتوقع أن يسهم الميناء الجديد، في تعزيز حركة التجارة بين مصر ودول إفريقيا.

وعلى الرغم من الزيارات المتبادلة بين الرئيسين، والمسؤولين الرسميين، إلا أن ذلك لم يمنع عقد لقاءات مشتركة، في دول أخرى على هامش فاعليات دولية، كان آخرها جلسة المباحاثات الثنائية على هامش المشاركة في أعمال القمة الإفريقية الـ٢٨ التي عقدت في أديس أبابا، قبل أيام.

خلافات مكتومة

هذه العلاقات الطيبة، تخفي خلفها، أزمات مكتومة بين البلدين يمكن تلخيصها في 3 ملفات رئيسية، أبرزها حلايب وشلاتين، ثم سد النهضة، فضلا عن الاتهامات المتبادلة بدعم وإيواء المعارضة.

يأتي ذلك في ظل مناوشات بين البلدين، كان من ضمنها قرار السودان في سبتمبر/ أيلول الماضي، إيقاف استيراد الخضروات والفواكه والأسماك من مصر، بشكل مؤقت، لحين اكتمال الفحوصات المعملية والمختبرية لضمان السلامة.

وقالت وزارة التجارة في بيان لها إنها اتخذت قرارها بحسب التشريعات الدولية التي تجيز اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية صحة وسلامة الإنسان فضلا عن المرسوم القاضي بتنظيم وترشيد عمليات الاستيراد والتصدير ورصد حركة التجارة الإقليمية والدولية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اتهمت السودان، قوات مصرية، على منجم للذهب يملكه سوداني، قرب منطقة مثلث «حلايب وشلاتين».

وذكر المركز السوداني للخدمات الصحفية «إس إم سي» القريبة من السلطات الأمنية السودانية، أن «قوات مصرية قوامها 25 فردًا، يقودها ضابط برتبة رائد، برفقته ثلاث سيارات لاندكرزور وشاحنة، قامت بالاعتداء على منجم للتعدين التقليدي (الأهلي) يتبع لأحد المعدنيين السودانيين، بوادي العلاقي التي تقع بمنطقة ثريره، في ولاية البحر الأحمر السودانية، والحدودية مع دولة مصر من جهة أقصى الشمالي الشرقي للسودان».

«البشير»، أمس في حواره مع فضائية «العربية» لخص العلاقة مع مصر بالقول: «العلاقة الشخصية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي متميزة جدا، وهو رجل صادق في علاقاته، وهذا لا يمنع وجود بعض القضايا العالقة».

حلايب وشلاتين

وتعد أهم هذه القضايا العالقة، هو مثلث حلايب وشلاتين، وهي المنطقة التي تطل على ساحل البحر الأحمر، وتقع على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني، وتبلغ مساحته الإجمالية 20.5 ألف كيلومتر مربع.

ويطلق على هذه المنطقة اسم مثلث؛ نظرا لأنها تضم ثلاث بلدات كبرى هي «حلايب» و«أبوالرماد» و«شلاتين»، ويتوزع سكانها بين عدة قبائل، أشهرها «البشارية» و«العبابدة».

في أواخر يناير/ كانون الثاني 1958، بدأ النزاع المصري السوداني بشكل فعلي على «مثلث حلايب وشلاتين»، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الخرطوم على خلفية إجراء الانتخابات البرلمانية في السودان في 27 فبراير/ شباط 1958، محتجة على أن الجهة السودانية المشرفة على هذه الانتخابات «خالفت» اتفاق عام 1899 بشأن الحدود المشتركة بين الدولتين؛ وذلك لإدخالها المثلث ضمن الدوائر الانتخابية السودانية.

وطالبت المذكرة بـ«حق» مصر في استعادة المناطق الواقعة تحت الإدارة السودانية شمال دائرة عرض 22 شمالا إلى سيادتها.

ومع ذلك استمرت المنطقة مفتوحة أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود من أي طرف حتى عام 1995؛ حيث دخلها الجيش المصري، وأحكم سيطرته عليها.

وكانت خطوة الجيش المصري رد فعل على محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، «حسني مبارك»، في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، والتي اتهمت القاهرة الخرطوم بالضلوع فيها.

ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر؛ حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة علي هذه المنطقة.

وتفرض السلطات المصرية قيوداً على دخول السودانيين من غير أهل المنطقة إليها، سواء من داخل مصر أو الحدود السودانية.

ومنعت السلطات المصرية في ديسمبر/ كانون أول 2009 مساعد رئيس الجمهورية السوداني «موسى محمد أحمد» من دخول المنطقة، وفعلت نفس الأمر مع وفد يضم وزراء وبرلمانيين في مايو/ أيار 2012.

وأثار قرار القاهرة ضم المنطقة لدوائرها في الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في مايو/ أيار 2014، ردود أفعال غاضبة في الأوساط السودانية.

وبين فترة وأخرى، تطلق السودان دعوات للمطالبة بحل النزاع حول «حلايب وشلاتين»، كان آخرها أمس، عندما قال «البشير»، إن «مثلث حلايب سيظل مثلثا سودانيا، لأنه في أول انتخابات أجريت تحت الحكم الثنائي البريطاني المصري، أجريت أول انتخابات في السودان ومن ضمنها حلايب، التي كانت دائرة من الدوائر السودانية».

وأضاف «البشير»: «الانتخابات هي عمل سيادي من الدرجة الأولى»، في إشارة إلى سودانية مثلث «حلايب» الذي يشكل نقطة خلاف رئيسية بين البلدين.

وفي أول تهديد رسمي بالتصعيد ضد القاهرة، أكد «البشير» أن بلاده ستلجأ إلى مجلس الأمن إذا رفض المصريون موضوع التفاوض.

وفي أبريل/نيسان من العام الماضي، رفضت القاهرة، طلب الخرطوم التفاوض المباشر حول منطقة حلايب وشلاتين، المتنازع عليها بين البلدين منذ عقود، وهو الطلب، الذي لوّحت خلاله السودان باللجوء إلى التحكيم الدولي.

ويتطلب التحكيم الدولي أن تقبل الدولتان المتنازعتان اللجوء إليه، وهو الأمر الذي لم تعلن مصر في أي وقت الموافقة عليه بشأن حلايب وشلاتين.

والشهر الماضي، كشفت مصادر إن مسؤولين مصريين طلبوا من نظرائهم السعوديين مؤخرا القيام بدور لدى السودان لوقف المطالبة بضم «حلايب وشلاتين».

وأضافت المصادر: «مصر طلبت توسط السعودية لدى السودان لوقف مطالبته بحلايب وشلاتين، لعدم إثارة الشارع المصري أكثر من اللازم إلى حين الخروج من مأزق تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض، والتي تنازلت مصر بمقتضاها عن سيادتها على الجزيرتين للسعودية».

وأوضح المصادر أن الخرطوم خاطبت الجانب المصري على مدار 6 أشهر بثلاث مراسلات رسمية بشأن الحقوق السودانية في منطقة المثلث الذهبي في «حلايب وشلاتين»، دون تلقي رد من الجانب المصري، مضيفًا: «الجانب المصري يتعامل مع الخرطوم في هذا الشأن بنوع من الاستخفاف، إلا أننا نملك كثيرًا من أوراق الضغط التي يمكن أن نستخدمها لاسترداد حقوقنا، لكننا نقدر العلاقة التاريخية بين شعبي وادي النيل».

وسبق لـ«البشير»، أن طلب تدخل السعودية لحل النزاع القائم بين القاهرة والخرطوم حول مثلث «حلايب وشلاتين» الحدودي.

سد النهضة

كما يعد «سد النهضة» الإثيوبي، أحد أهم الخلافات المكتومة بين البلدين، رغم التوافق المعلن بين المسؤولين الرسميين حول هذه القضية.

فعلى الرغم من احتضان الخرطوم، توقيع مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة مبادئ سد النهضة في مارس/ آذار 2015، وتوقيع العقود الفنية للمكاتب الاستشارية في سبتمبر/ أيلول 2016، إلا أن اتهاما مصريا مبطنا للسودان بالوقوف بجانب إثيوبيا على حساب مصر.

فيتهم خبراء مصريون، الخرطوم، بأنها تقف بجانب إثيوبيا بشكل يضر القاهرة، فيما يتراجع التنسيق بين البلدين على مستوى الدور الذي يمكن أن يؤديه السودان لضمان عدم الإضرار بحصة مصر من المياه.

يأتي ذلك، في ظل تصريحات لـ«البشير»، أن موافقة بلاده على إنشاء «سد النهضة» الإثيوبي لم يأت لأسباب سياسية فقط، وإنما اقتصادية.

وقال إن السودان سيحقق مكاسب اقتصادية كبرى من قيام السد، معتبرا أن السد سيكون له فوائد كبرى ستعود على دول المنطقة، نافيا ما تردد حول وجود مضار له على الدول المحيطة به.

كما ذكرت الخارجية السودانية، في بيانات لها، إن تحويل إثيوبيا لمجرى نهر النيل «لا يسبب أي أضرار» للسودان، وذلك قبل أن يتفق مع إثيوبيا على قيام منطقة تجارية حرة في الحدود المشتركة في منطقتي القلابات والمتمة، ويفتتح مشروع ربط كهربائي بين البلدين في منطقة القضارف حيث تبيع أديس أبابا الكهرباء للخرطوم بأسعار تفضيلية.

وفي تصريحات الشهر الماضي، لـ«البشير»، قال إنه «ليس هناك مبرر لقلق مصر من بناء سد النهضة الإثيوبي، لأن حصتها من المياه مؤمنة»، مضيفا: «سد النهضة له إيجابيات كبيرة على تنمية السودان، فإذا كانت المشكلة في حصة مصر في مياه النيل أقول إنها مؤمّنة تماماً، لأن سد النهضة هو سد لتوليد الكهرباء فقط أي ليس هناك أي استغلال لمياه السد للري».

وأشار إلى أن «المنطقة التي يوجد فيها السد على بعد 20 كيلومتراً من الحدود السودانية، وهي منطقة جبلية لا توجد فيها أراض صالحة للزراعة أو الري، وبالتالي لن يؤثر السدّ على حصة السودان ومصر في مياه النيل».

في المقابل، يثير إنشاء السد مخاوف شديدة في مصر من حدوث جفاف مائي محتمل، يؤثر سلبا على الزراعة والصناعة ومياه الشرب.

وبدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل/ نيسان 2011، ويفترض الانتهاء من تنفيذه في 17 يونيو/ حزيران 2017.

وتبرر إثيوبيا وبقية الدول الموقعة على اتفاقية «عنتيبي» تمسكها بالاتفاقية، التي تعيد توزيع حصص مياه النيل، بأن الاتفاقية الأولى الموقعة في 1959، تمنح مصر والسودان، حق السيطرة على أكثر من 90% من مياه النيل.

وتمنح اتفاقية 1959، مصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب.

دعم المعارضة

أزمة مكتومة أخرى بين البلدين، تتلخص في اتهامات متبادلة، بدعم المعارضة في البلدين.

والشهر الماضي، ادعت نيابة أمن الدولة العليا في مصر أن تشكيل «حركة سواعد مصر» (حسم) المعارضة، تلقوا تدريبات في دولة السودان.

جاء ذلك على خلفية تحقيقات تجريها مع العشرات من المتهمين بالانضمام إلى حركة «حسم»، وشن 14 هجوماً مسلحاً تضمنت ارتكاب محاولات اغتيالات لشخصيات عامة وقضائية واستهداف تمركزات أمنية شرطية.

ورغم النفي الرسمي المتكرر من «جماعة الإخوان المسلمين» لأي علاقة لها بحركة «حسم»، المعارضة للانقلاب العسكري في مصر على الرئيس «محمد مرسي»، وتأكيدها على التزامها السلمية في مواجهة الانقلاب، زعمت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا أن «جماعة الإخوان عقب فض اعتصام رابعة (في 14 أغسطس/آب 2013) والقبض علي عدد كبير من القيادات قرروا عودة التنظيم المسلح وإنشاء جهاز استخباراتي خاص بالإخوان، أنشئ تسكيلا مسلحا تلقى تدريبات خارجية، شملت دورات عسكرية واستخباراتية، تحت إشراف كتائب عز الدين القسام في دولة السودان بعدة أحياء فيها منها حي البربري وحي الرياض».

يشار إلى أن هذه الاتهامات نفتها السفارة السودانية بالقاهرة، وقالت إنها غير صحيحة.

وكانت السودان فور الانقلاب على «مرسي»، قد استقبلت مجموعة من أعضاء الجماعة الفارين من هناك، حيث كانت بمثابة نقطة انطلاق لأعضاء هذه الجماعة للسفر لدول آسيوية وأوروبية.

بيد أن الرئيس السوداني نفى أمس، احتضان بلاده لقيادات من الإخوان، قائلا: «نحن لم نأوِ أي قيادات إخوانية في السودان.. لأن سياستنا مبنية على عدم إيواء أي نشاط معاد لأي دولة».

وفي المقابل، تتهم السودان مصر، بدعم المعارضة.

وأمس، قال «البشير» إن «النظام يأوي معارضين سودانيين تدعمهم المخابرات المصرية».

ويعتبر مكتب القاهرة الذي افتتحته قوى تحالف المعارضة السودانية، قبل عام ونصف، لإدارة نشاطاتها السياسية هناك، المكتب الثاني الذي افتتحه التحالف خارج البلاد، بعد مكتبه في الولايات المتحدة الأميركية

وقد إحتضنت القاهرة لسنوات عدة زعيم حزب «الأمة» المعارض «الصادق المهدي»، الذي اختار مصر كمنفى اختياري منذ خروجه من البلاد.

وبحسب صحف سودانية، لعبت مصر دوراً محورياً في تغذية المعارضة السودانية، إذ أوت جزءاً كبيراً من المعارضين.

وأكدت مصادر أن هناك تركيزاً مصرياً على الحزب «الاتحادي الديمقراطي الأصل» بزعامة «محمد عثمان الميرغني»، شريك الحكومة السودانية في الحكم، لا سيما أنه يمثل حليفا تاريخيا للقاهر، والهدف المصري يتمثل في التأثير عليه وإعادته لصفوف المعارضة لتقويتها شعبياً، نظراً لقوة هذا الحزب وتمدده في الأوساط الشعبية السودانية.

وذكرت المصادر أن الخرطوم على علم بتحرك النظام المصري وتحاول إغلاق أي ثغرة قد يستغلها لإنجاح مساعيه.

وقد ظلت مصر تأوي المعارضة السودانية منذ وصول النظام الحالي إلى الحكم، في العام 1989، حيث أوت «التجمع الوطني»، الذي ضم الأحزاب التاريخية واليسارية واليمينية المعارضة، فضلاً عن الحركات المسلّحة، وأكبرها «الحركة الشعبية» بقيادة الراحل «جون قرنق» ولكن سرعان ما تضعضع التحالف، بخروج حزب «الأمة» منه، وميول «الحركة الشعبية» إلى قيادة مفاوضات ثنائية مع الحكومة بعد الضغوطات الدولية التي فرضت عليها، ليكتب بنفسه شهادة وفاته بتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية «اتفاق القاهرة».

العلاقة مع جوبا

كما يراهن النظام المصري على تقاربه مع أوغندا وجنوب السودان من أجل تحقيق حزمة من الأهداف، تبدأ بالضغط على أديس أبابا لحل مشكلة «سد النهضة» الإثيوبي، وقد تنتهي بتدخل مصري ممنهج لإزعاج نظام «البشير».

ومؤخرا، بدأ التقارب المصري الأوغندي الجنوب سوداني يثير جدلا واسعا لدى أوساط سياسية إفريقية، لا سيما في السودان.

وبرز هذا التقارب مع زيارة قام بها «السيسي»، إلى عاصمة أوغندا، كمبالا، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وزيارة رئيس جنوب السودان، «سلفاكير ميارديت»، إلى القاهرة الشهر الماضي، في ظل تواتر المعلومات بشأن اتفاق أمني بين الدول الثلاث.

وأثرت التطورات في علاقة القاهرة وكمبالا وجوبا، بشكل أكبر على علاقة حكومة جوبا مع كل من الخرطوم وأديس أبابا، فبعدما كانت العلاقات الإثيوبية-الجنوب سودانية قد شهدت تطورات إيجابية سابقاً، أتت ردة فعل أديس أبابا بطلب استفسار من جوبا بشأن زيارة «سلفاكير» إلى القاهرة، لتعكس عدم ارتياح إثيوبي، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة.

ذات المصادر أضافت أن الطرف الجنوب سوداني حاول تطمين الإثيوبيين بهذا الصدد.

وأعرب مراقبون عن اعتقادهم بأن تمسك «الحركة الشعبية – قطاع الشمال» المسلحة بمواقفها بشأن عملية التفاوض مع الحكومة السودانية وتحفظاتها على مقترحات المبعوث الأمريكي السابق، «دونالد بوث»، حول التسوية، يشير إلى أن «الحركة» باتت تستند إلى دعم جديد من قوة إقليمية بارزة، لا سيما بعد تراجع الدعم الدولي ومحاصرة جوبا دولياً وإقليماً.

ورجح مراقبون دخول مصر بقوة إلى المشهد السوداني، مرتكزين على التحرك المصري تجاه كمبالا وجوبا. ورأى هؤلاء أن هذا التطور سيؤثر على الخرطوم وأديس أبابا، وسيحقق للرئيس الأوغندي، «يوري مسوفيني»، مكسبا يتمثل بالحد من الثقل الإقليمي والدولي لإثيوبيا.

ولم يستبعد الخبراء أن يساهم التقارب السياسي بين مصر وأوغندا وجنوب أفريقيا في دعم القوى المعارضة في كل من الخرطوم وأديس أبابا.

وذكرت مصادر أن مصر بدأت تساهم بتدريب وتجهيز معارضين في الخرطوم وأديس أبابا، فضلاً عن تقديم دعم لوجستي إلى جوبا لإعانتها في حربها ضدّ المعارضة المسلحة بقيادة نائب رئيس جنوب السودان السابق، «رياك مشار».

وهذه المعارضة اتهمت أخيراً مصر بقصف مواقع لها في مدينة ملكال بولاية أعالي النيل خلال تجدد القتال فيها.

ونشرت صور لطائرة عسكرية تحمل العلم المصري قالت إنها شاركت في الهجوم على قواتها إلى جانب قوات حكومة جوبا، لكن القاهرة نفت ذلك، وأكدت أنها لم تنفذ أي هجوم على قوات «مشار» في ملكال وأن المعارك المندلعة هناك منذ يوم الجمعة الماضي تدور بين فصائل المعارضة المنشقة على نفسها.

الإعلام

قبل أيام، كشف «البشير»، عن أزمة أخرى بين مصر السودان، لخصها حين قال في حواره مع صحيفة «الشرق الأوسط»: «العلاقات مع القاهرة ليست مصابة إلا بمرض الإعلام الذى يتعامل بصورة غير موفقة، ولكننا تعودنا عليه».

واتهم «البشير» الإعلام أنه سببًا أساسيًا في تصدير الخلافات بين مصر والسودان.

هجوم الرئيس السوداني على الإعلام المصري، لم يكن الأول من نوعه، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2015، وخلال لقائه مع فضائية «سكاي نيوز عربية»، وصف «البشير» الإعلام المصري بأنه «رديء ويؤجج الصراعات، ويخلق المشاكل»، معربًا عن انزعاجه الشديد لأنه روج للإنتخابات البرلمانية في «حلايب» بشكل مستفز للشعب السوداني، مؤكدًا أنه تسبب له بإحراج شديد كرئيس، الأمر الذي اضطره لأخذ موقف من أجل حق شعبه في قضية «حلايب».

كما نفي «البشير» خلال اللقاء أن يكون للإخوان المسلمين في السودان أي انتماء للتنظيم العالمي لهم، أو للجماعة بمصر، بحسب ما تقول الصحف المصرية، مشددًا على أن بلاده تتعامل مع الحكومات في القاهرة على اختلافها.

يشار إلى أن الإعلامية «لميس الحديدي» في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، حاولت أن تستفز وزير الري السوداني «معتز موسى» خلال حوار معه ببرنامجها «هنا العاصمة» المذاع عبر فضائية «CBC»، وطرحت عليه أسئلة توحي بارتشاء السودان من قِبل أثيوبيا للموافقة على «سد النهضة» مقابل الحصول على الكهرباء بسعر تفضيلي، فأجابها قائلًا إن «محاولة تصوير السودان على أنه موقف مرتشي هذا موقف غير مقبول ومرفوض وشاهدناه بالإعلام المصري، وموقفها من سد النهضة ليس للشراء والبيع».

الحادثة الأكبر والتي لاقت هجومًا حادًا من قبل السودان على الإعلام المصري، كانت في أعقاب المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر، بأم درمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، في التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 2010، والتي انتهت بفوز ثعالب الصحراء بهدف دون رد.

ففي هذا الوقت صور الإعلام المصري الوضع للمشاهدين بأن هناك تعديًا من قبل بلطجية الجزائريين على الجمهور المصري، وتحرشوا بهم، فاستدعت الخارجية السودانية آنذاك سفير القاهرة لديها، وأبلغته احتجاج بلادها على نهج أجهزة الإعلام المصرية في الإساءة للخرطوم والنيل منها بطريقة غير مقبولة، مؤكدة استتباب الأوضاع الأمنية عقب المباراة وعدم تعرض المصريين لأية اعتداءات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السودان حلايب وشلاتين السيسي البشير سد النهضة علاقات استراتيجية خلافات المعارضة