«ستراتفور»: حرب السماوات المفتوحة.. أزمة الطيران الخليجي في عهد «ترامب»

الأحد 5 مارس 2017 08:03 ص

(1) في الوقت الذي تتصاعد فيه الحمائية عبر الغرب، قد تستغل خطوط الطيران الأمريكية والأوروبية الفرصة للضّغط على حكوماتها بتطبيق لوائح أكثر صرامة في مواجهة المنافسين الأجانب.

(2) لا يوجد الكثير من الفعل من قبل الغرب، مع ذلك، ستدفع بشكلٍ متزايد بالطبع لإخراج الخطوط الجوية الخليجية من المنافسة.

(3) ستبذل الإمارات وقطر جهدًا أكبر لتأمين نجاح خطوطها الجوية في الأعوام القادمة في الوقت الذي تحاول فيه تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط والغاز الطبيعي.

تحليل

إنّ صناعة الطيران واحدة من أكثر الصناعات المحمية في العالم، لكن ظهر منافس جديد يهدّد هيمنة الغرب التي استمرّت طويلًا على السماء، وهي خطوط الطيران القادمة من شبه الجزيرة العربية.

خلال الـ 15 عامًا الماضية، شهدت الخطوط الجوية في الإمارات وقطر نموًّا كبيرًا. وعلى سبيل المثال، أصبحت خطوط طيران الإمارات بدبي مؤخرًا أكبر خطوط جوية خارج شمال أمريكا، حيث حملت 51.8 مليون راكب لمسافة 255.3 مليار كيلومتر في العام المالي 2015-2016، وهو نمو هائل من 5.7 مليون راكب و20.5 مليار كيلومتر في العام 2000-2001.

والخطوط الجوية القطرية وخطوط الاتّحاد الجوية التابعة لأبوظبي، والتي لم تكن قد ظهرت حتّى في بداية الألفية الجديدة، قد شهدت معدّلات نمو مشابه. ومعًا، استطاعت الشركات الثلاثة قلب سوق الطيران التجاري العالمي في حين كان يكافح مع مشاكل أخرى مثل ارتفاع أسعار وقود الطائرات.

وبشكلٍ لم يكن مفاجئا، لم تكن الشركات الأخرى المنافسة والأكثر رسوخًا مسرورة من هذا الصعود للشركات الخليجية. واعتمادًا على حماية حكوماتها من المنافسة الأجنبية، بدأت العديد من الشركات الكبرى في الولايات المتّحدة وأوروبا بالضّغط على المسؤولين للتحقيق في ممارسات الشركات الخليجية الثلاثة الكبرى، زاعمةً أنّها تلقّت تسهيلات من حكوماتها بقيمة 42 مليار دولار خلال سنوات. ومع ارتفاع نبرة الحمائية الآن في الغرب، قد تصل تلك الشركات لتحقّق أمنيتها. لكن بغض النظر عن الإجراء الذي ستتخذه الولايات المتّحدة وحكومات أوروبا للدفاع عن شركاتها، أثبتت الخطوط الجوية الخليجية أنّها وجدت لتبقى.

الغرب يؤمّن هدفه

التقى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع الرؤساء التنفيذيين لشركات الخطوط الجوية الأمريكية وخطوط دلتا الجوية والخطوط الجوية المتحدة، أكبر ثلاثة خطوط جوية للركاب في العالم، في 9 فبراير/شباط، وتعهّد بمساعدتها في معركتها ضدّ منافساتها الأجنبية التي تحصل على مساعدات من دولها. وتستعد بروكسل لتحذو حذوه. ومن المتوقّع أن تنشر المفوضية الأوروبية مشروع قانون في أبريل/نيسان والذي قد يمكّنها من فرض رسوم على خطوط الطيران الأجنبية أو تعليق حقوقها للطيران إلى المطارات الأوروبية إذا وجدت اللجنة أنّها قد أضرّت بشركات خطوط الطيران في القارّة.

وعلى الرغم من عدم ذكر «ترامب» أو بروكسل للشركات الخليجية الثلاثة بالاسم، فمن الواضح أنّها الهدف الأساسي للنية المستمرة للغرب بتنظيم هذه الصناعة. وقد دعت شركات الخطوط الجوية في الولايات المتّحدة على وجه الخصوص مرارًا إلى اتّخاذ خطوات عقابية ضدّ الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات وطيران الاتّحاد. وقد اختار الرئيس السابق «باراك أوباما» عدم الاستجابة لتلك الدعوات على الرغم من التقرير الطويل الذي نشرته الشركات الأمريكية عام 2015 والذي اتّهمت فيه الخطوط الجوية الخليجية بالحصول مجتمعة على 39.2 مليار دولار في صورة دعم و3.1 مليار دولار في صورة فوائد أخرى، مثل استثناءات ضريبية، وقروض بدون فوائد وحظر الاتّحادات، منذ عام 2004 من حكوماتها.

ووراء الاتّهامات بالحصول على المنح المالية السّخية، وجّهت الخطوط الجوية الأمريكية والأوروبية الاتّهامات لمنافساتها الخليجية باستغلال اتّفاقيّات السماوات المفتوحة. وعلى سبيل المثال، تمّ انتقاد طيران الإمارات لاعتمادها كثيرًا على «حرية الطيران الخامسة» والتي تسمح بأن تشمل الرحلة الجوية بلادا أخرى غير بلد الوجهة النهائية طالما هذه البلاد من البلاد الموقّعة على اتّفاقية السماوات المفتوحة. وكانت رحلات مثلًا مثل الرحلة من دبي إلى نيويورك والتي تتوقف في ميلان، تسمح للركاب بالخروج دون الوصول إلى بلد الوجهة، الأمر الذي جعل الخطوط الجوية الأمريكية والأوروبية تشتكي بانّ هذه الرحلات غير عادلة، وخصوصًا مع استخدام طيران الإمارات لطائرات A380 التي تتسع لعدد كبير من الركاب.

ولم يمضِ وقتٌ كبير على نشر تقرير 2015 حتّى أعلنت شركة خطوط دلتا الجوية إلغاء رحلاتها بين دبي وأتلانتا، زاعمةً أنّها لم تتمكن من منافسة الرحلات المباشرة للخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات على نفس المسار.

بالطبع ليست كل الشركات الأمريكية مشاركة في الحملة التي تشنّها الشركات الكبرى في البلاد. وفي الواقع، لقد طلبت الشركات المحلية الأصغر مثل خطوط ألاسكا الجوية وخطوط جت بلو الجوية وخطوط ساوث ويست الجوية، واشنطن بعدم الانخراط في هذا النزاع. وقد وقفت شركة فيدكس أيضًا ضدّ الحمائية لأنّها تتمتّع بمميزات اتفاقات السماوات المفتوحة لتسيّر عملها بسلاسة. ويدل ذلك على اختلاف الظروف بين الشركات الصغيرة والكبيرة. وليس هذا في الولايات المتّحدة فقط بل في أوروبا أيضًا، والتي تواجه منافسة قوية من الشركات التي تحفر مكانها في السوق العالمية من الخليج وأستراليا وسنغافورة والصين.

ولم تهدر شركات الطيران الخليجية أيّ وقت في الاعتراض على الادّعاءات الموجّهة من قبل منافساتها في الولايات المتّحدة. ونفت طيران الإمارات بشكلٍ قاطع المزاعم بحصولها على الدعم الحكومي، وقامت بالردّ سطرًا بسطر، على ما جاء في تقرير عام 2015. ودعمت الشركة بياناتها أيضًا بنشل سجلّات مالية مفصّلة تمّ تدقيقها عن طريق أطراف ثالثة. بل وألمحت إلى استفادة الشركات الجوية الأوروبية من مساعدات حكومية في العشرين عامًا الماضية، واستخدام كثيف من الشركات الجوية الأمريكية لقانون حرية الطيران الخامس في رحلاتها الخارجية إلى اليابان، واستغلالها العمالة الرخيصة في آسيا. وردّت الخطوط الجوية القطرية وطيران الاتّحاد بردود مماثلة، رافضةً محاولات منافساتها الغربية بإلقاء اللوم في مكانٍ آخر بعد فشلها في مواكبة الميزات التنافسية لها.

الخليج يحافظ على مسارٍ ثابت

لا شك أنّ الشركات الجوّية الخليجية ستستمر في جني المكاسب من وراء سخاء الأسر المالكة، لكن في الحقيقة، تتجاوز القدرات التنافسية العالية لشركات الخليج السياسة إلى الجغرافيا. فالموقع الجغرافي المميز للخليج يجعله محطة جوية تربط الطيران في أوروبا وآسيا وأفريقيا. وهذا ما جعل بريطانيا العظمى تنشئ مطارًا بإمارة الشارقة في الثلاثينات، والتي تقع اليوم في الإمارات العربية المتّحدة، للربط بين إمبراطوريتها الممتدة وممتلكاتها البعيدة في سنغافورة وأستراليا. ولاحقًا بعد بضعة عقود، أصبحت طيران الخليج، الشركة التي تديرها البحرين وعمان وأبوظبي وقطر، لاعبًا إقليميًا مهيمنًا في رحلات الركاب والرحلات التجارية عبر الشرق الأوسط.

ولم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن يقوم ولي عهد دبي الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» باتّخاذ قرار لتحويل الإمارة إلى مجمع نقل. وتطلّبت خطّته إنشاء خطوط جوية في دبي تجعلها تتحرر من الاعتماد على شركات الطيران الأخرى خلال نموّها وتطوّرها. لكن على الرغم من أنّه منح طيران الإمارات في البداية 10 ملايين دولار كاستثمار من خزائن عائلته الخاصة، فقد حذّر فريق بدء إنشاء الشركة من توقّع أيّ أموال إضافية. وحتّى الآن، أصبحت طموحات الزعيم الإماراتي بتحويل طيران الإمارات إلى مؤسّسة ربحية واقعًا.

مواعيد رحلات الطيران وتجمّعات المطارات

تحتاج دبي اليوم فقط إلى الإشارة إلى الحقائق لإظهار قدراتها التنافسية الدولية. يعيش ثلث سكّان العالم على بعد رحلة طيران من أربع ساعات من الإمارة، ويعيش الثلثين على بعد رحلة من ثمان ساعات من الإمارة. وعلى الرغم من أنّ الدوحة وأبوظبي قد تدّعي نفس الادّعاء، فلا يوجد مكان آخر لديه مثل هذا الموقع المثالي. علاوة على ذلك، استخدمت شركات الخطوط الجوية الخليجية موقعها لتشكيل استراتيجياتها على أحسن وجه، بشراء الطائرات ذات الجسم الكبير والقدرات الاستيعابية الكبيرة والكفاءة العالية في استهلاك الوقود لتحصل على ميزة في خدمة الأسواق التي تحتاج للإقلاع من 5 إلى 10 ساعات، بما يشمل بعض أكبر الأسواق الاستهلاكية في شرق آسيا وأوروبا. ويتمتّع المسافرون على هذه الرحلات كذلك بوسائل راحة أكثر ممّا توجد على الرحلات المنافسة، الأمر الذي يمكّن الشركات الخليجية من جذب المزيد من العملاء الذين يفضّلون الحصول على قدر أكبر من الراحة. وعلى الرغم من أنّ الطائرات ذات الجسم الكبير لا تفيد في الرحلات أقل من 5 ساعات، ركّزت شركات الخطوط الجوية الخليجية جهودها على الأسواق المتخصّصة حيث تتفوّق بشكلٍ روتيني.

وبينما تحاول دول الخليج تنويع وتحديث اقتصاداتها، سيصبح الفضاء والطيران وما يتعلّق بهما من صناعات حاسمًا بشكلٍ أكبر في مستقبلها. وخلال الخمس أعوامٍ الماضية، أصبحت هذه القطاعات أكثر أهمية مع تجدّد جهود الدوحة وأبوظبي للتحوّل عن الاعتماد التاريخي على النفط والغاز الطبيعي. ومع كون الطيران سيكون جزءًا واحدًا من هذه المحاولة، فإنه بالتأكيد جزءًا حاسمًا.

وبالرغم من انتقادات المنافسين، ستضغط شركات الخطوط الجوية الخليجية للصعود مع خطط لتوسيع خدماتها حول العالم. وقد وعد «ترامب» بوضع أمريكا أولًا ودعم الوظائف الأمريكية، وهو الأمر الذي قالت شركات الخطوط الجوية الأمريكية أنّ شركات الخليج تدمّره، لكنّ فرض إجراءاتٍ عقابية ضدّ الشركات الإماراتية والقطرية لن يكون سهلًا. وسيتعيّن على «ترامب» الاعتماد على الإمارات وقطر في كثير من أهداف سياسته الخارجية، بما في ذلك احتواء نفوذ إيران في الشرق الأوسط ومكافحة الجماعات الجهادية مثل الدولة الإسلامية. لذا، بدلًا من استهداف شركات الخطوط الجوية الخليجية بشكلٍ مباشر، فقد يعتمد «ترامب» على إعادة هيكلة نظام الضرائب على الشركات والتغييرات التنظيمية الداخلية الأخرى لجعل شركات الطيران الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة.

وفي الوقت نفسه، توجد حدود لما يمكن أن تصل له شركات الطيران الخليجية من حجم. فمع توسّع الشركات الثلاثة الأكبر في المنطقة، فإنّ التنافس بينها سيزداد بالتأكيد. ويبقى أن نرى إذا ما كانت الولايات المتّحدة وأوروبا ستستفيد من هذا التنافس الإقليمي المتصاعد وكيف. لكن على الرغم من أنّ قوانين الحمائية الغربية قد تصعّب الأمور، أثبتت شركات الخطوط الجوية الخليجية بالفعل أنّها قادرة على التحمّل.

  كلمات مفتاحية

ترامب الحمائية التجارية الطيران الخليجي

«أسوشييتد برس»: اتفاق الطيران القطري الأمريكي.. الكل يرى أنه ربح