«فورين أفيرز»: «ترامب» والسعودية .. إعادة تأسيس العلاقات

السبت 18 مارس 2017 11:03 ص

منذ تولّي الرئيس «دونالد ترامب» الرئاسة، لم يضع حتّى الآن إطارا واضحا للسياسة الخارجية في العلاقة بين الولايات المتّحدة والسّعودية. بدلًا من ذلك، يجب أن يخوض المراقبون في مستنقعٍ من التعليقات الخاصّة. وفي هذا الشهر، عرض «ترامب» وجهة نظره بوضوح أنّ الولايات المتّحدة لا ينبغي أن تقدّم حماية مجّانية لدول الخليج. وقال أيضًا أنّ دول الخليج «لا تملك شيئًا غير المال»، وأنّه ينوي أن يجعلهم يدفعون مقابل المناطق الآمنة في سوريا مستقبلًا. وفي الوقت نفسه، عبّر «ترامب» عن رغبته في تحسين العلاقات مع دول الخليج بشكلٍ عام من أجل التصدّي «لأنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار».

ومن جانبهم، وبالرّغم من تصريحات «ترامب»، يرى السّعوديّون في الرئيس الجديد فرصة لتعزيز علاقاتهم مع الولايات المتّحدة ورأب الصدع الذي نتج عن الاتّفاق النووي مع إيران من قبل إدارة الرئيس السابق «باراك أوباما». وقد ابتهجوا، على سبيل المثال، حين وصف «ترامب» إيران بأنّها الراعي الأوّل للإرهاب في العالم وتساءل عن المنطق وراء الاتّفاق النووي. إذا عمل «ترامب» على تقويض الاتّفاق النووي واستمرّ في توسيع العقوبات على إيران، سيرحب السعوديون بذلك. وتضمن مثل تلك الخطوات للرياض بقاءها في قلب السياسة الخارجية للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، بغض النظر عن المسار الذي تتبعه واشنطن مع إيران، يتعيّن على «ترامب» إعادة النظر في العناصر المهمة لما يسمى بـ«العلاقات الخاصّة» مع السعودية. وعلى وجه التحديد، ينبغي ألّا تستمرّ الولايات المتّحدة في تقديم الدعم غير المشروط للنّظام، حيث تغضّ واشنطن الطرف عن ممارسات النظام غير الشرعية وتتّهم على إثر ذلك بدعمها للدكتاتوريات. وبالتأكيد ليس على واشنطن قطع علاقاتها مع الرياض، لكن هناك أسباب معقولة لإعادة تعريف العلاقة بطريقة تحمي الولايات المتّحدة.

تحالفٌ عفا عليه الزمن

منذ التقى الرئيس الأمريكي «فرانكلين ديلانو روزفلت» مؤسس المملكة الملك «عبد العزيز بن سعود»، على متن حاملة الطائرات الأمريكية كوينسي في فبراير/شباط عام 1945، كان النفط والأمن والموقع الاستراتيجي للسعودية، سببًا كافيًا لدعم واشنطن لهذه البلاد رغم كل العقبات. ولأكثر من 7 عقود، ظلّ إطار العمل الأساسي للعلاقة سليمًا.

ولكن ما كان منطقيًا في حقبة الحرب الباردة قد لا يكون مناسبًا اليوم. وبالنّظر إلى الطاقة، فوضع الولايات المتّحدة اليوم لا يجعلها في حاجة للاعتماد على النفط السعودي كما في الماضي. والأسوأ، أنّ السعودية في الأعوام الأخيرة قد حاولت إيقاف شركات النفط الصخري الأمريكي عن العمل بإغراق السوق بالنفط الرخيص، الأمر الذي يجعل مصادر الطاقة البديلة مكلّفة وغير جذّابة في هذه العملية.

وكانت السعودية مفيدة أمنيًا للولايات المتّحدة أثناء الحرب الباردة. وبالإضافة إلى النفط والموقع الاستراتيجي، ساعدت الوهابية السعودية في مواجهة تطرف القومية الشيوعية، لكنّها أنتجت أزمة الجهاد الذي كان يختمر في كهوف أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي، ولا يزال العالم يواجه تبعات ذلك إلى اليوم.

وفي هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فإنّ 15 من بين 19 شخصًا نفّذوا الهجمات، كانوا مواطنين سعوديين. ومنذ ذلك الحين بدأت الولايات المتّحدة التساؤل عمّا إذا كانت المملكة صديقا أم عدوا. وللأسف، لم تنظر الإدارات المتعاقبة في إعادة تعريف العلاقة غير المشروطة مع المملكة، ولا تزال السعودية ترى نفسها الحليف الأفضل للولايات المتّحدة في حربها على الإرهاب.

سجل حقوقي غاية في السوء

وفقًا لمنظّمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ومنظّمات حقوق الإنسان العربية، سجن النظام السعودي مئات نشطاء السلام والمدونين والمحامين والقضاة والصحفيين والأكاديميين الدينيين منذ الربيع العربي عام 2011. وعلى سبيل المثال، إذا انتقد شخصٌ ما سياسات الملك في الصحافة أو على موقع تويتر، يعدّ هذا جرمًا يمكن أن يؤدّي به إلى السّجن. كذلك فإنّ إنشاء حزب سياسي، والتوقيع على عريضةٍ تدعو للإصلاح السياسي، وكتابة أو حتّى قراءة شيءٌ ما ضدّ سياسات المملكة، كل ذلك يقع في دائرة الأعمال الإجرامية.

في الوقت نفسه، تم إطلاق على نشطاء السلام السعوديين والمتظاهرين من قبل القوّات الأمنية (منذ عام 2011، قتل أكثر من 25 سعوديًا شيعيًا في المنطقة الشرقية) أو واجهوا عقوبة الإعدام في السجن. وفي ليلة رأس السنة عام 2016، أعدمت السعودية 49 سجينًا في ليلةٍ واحدة. ولأنّ الحكومة لا تسمح بأيّ نوعٍ من الاحتجاج السلمي أو المظاهرات أو الاعتصامات أو الالتماسات، ينجذب بعض الشباب السعودي نحو التطرّف. وفي سوريا والعراق وحدهما، بحلول عام 2013، كان 2500 من السعوديين قد انضمّوا للمتمردين المتشدّدين، وهو أكبر عدد من المقاتلين الأجانب بعد التونسيين.

ولا تزال حقوق المرأة محدودة في المملكة. ولدى الدولة واحدةً من أسوأ الفجوات بين الجنسين في العالم، في الترتيب 134 بين 145 دولة وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي. وتتعرض النساء للتمييز فيما هو أبعد من عدم السّماح لهنّ بقيادة السيارة. وبغض النظر عن السن، تحتاج المرأة السعودية للإذن من ولي أمرها من الذكور من أجل الدراسة أو السفر أو البحث عن الوظيفة أو الزواج أو فتح حسابٍ بنكي. وكذلك لا يستطعن الحصول على رعايةٍ طبية دون إذن الولي. ولا تتجاوز مشاركة المرأة في سوق العمل 20%، بالرّغم من تمتّع النّساء هناك بمستوىً عالٍ من التعليم.

النساء السعوديات محرومات من حقوقهنّ تمامًا. وقد أخّر النظام مشاركتهنّ بالانتخابات البلدية حتّى عام 2015، على الرغم من عدم خضوع المجالس البلدية للحكومة. وقد يكون الملك السابق «عبد الله» قد عيّن 30 امرأة في مجلس الشورى (وهي السياسية التي استكملها الملك سلمان)، لكنّها كانت خطوة رمزية إلى حدٍّ كبير وليس تمكينًا حقيقيًا.

تقويض الاستقرار الإقليمي

سببٌ آخر لإعادة النّظر في العلاقة مع السعودية هو طموحات وحروب البلاد الإقليمية. وفي اليمن، استخدم السعوديون القوّة العشوائية ضدّ المدنيين في حملتها على الحوثيين الشيعة. وحتّى الآن، قتل أكثر من 10 آلاف مدني في الصراع، العديد منهم بأسلحة صنعتها الولايات المتّحدة واشترتها الرياض. وقد ساعدت تلك الحرب القاعدة وتنظيم الدولة، حيث تريد الجماعتان أيضًا تدمير الحوثيين.

وفي عام 2011، حرّكت السعودية العديد من قوّاتها إلى البحرين لدعم حكام آل خليفة في سحق الحركة الموالية للديمقراطية في البلاد. وبين عام 2011 وعام 2013، قتل أكثر من 122 بحرينيًا برصاص القوّات الأمنية للنظام. وقد حدث ذلك على بعد أميالٍ قليلة من الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية المتمركز في الجزيرة الصغيرة.

وعلى الرغم من زعم السعودية دعم المعارضة المعتدلة في سوريا مثل الجيش السوري الحر، فإنّ الأسلحة التي ذهبت إلى هذه الجماعات قد وجدت طريقًا إلى الجماعات المتطرّفة مثل أحرار الشام وجبهة النصرة. وقد عزّز التدخّل السعودي قوّة «المتشددين الإسلاميين» على حساب القوّات الموالية للديمقراطية. وفي سوريا، كان الهدف الأساسي للسعودية هو الفوز بحربها بالوكالة مع إيران وليس جلب الديمقراطية إلى الشعب السوري.

تشكيل مستقبل العلاقات

لا ينبغي لواشنطن أن ينظر إليها في صورة الداعم دعمًا غير مشروطٍ لقوّةٍ معادية للثورات مثل النّظام الملكي السعودي. وهؤلاء الذين يجادلون أنّ الولايات المتّحدة لا تملك خيارًا سوى الاستمرار في دعم النظام في المنطقة العربية التي تشهد عنفًا وعدم استقرار، يعانون قصر النظر. ومثل إيران، فالسّعودية ليست قوّة استقرار، لكنّها ملكية رجعية تسعى لبقاء الأنظمة الاستبدادية الأخرى المتحالفة مع العالم العربي. ولقد ساهمت تدخّلاتها في المنطقة في فشل التحرّك الحقيقي نحو الديمقراطية الذي بدأ عام 2011.

يجب أن يكون دعم الولايات المتّحدة مشروطًا بإصلاحات حقيقية في النظام وليست شكلياتٍ تجميلية. وينبغي على واشنطن الضّغط على الملك «سلمان» وخليفته لوضع البلاد في طريق الحرية والحكومات المنتخبة. وفقط الإصلاح السياسي يمكنه فتح المجال العام وخنق التطرّف. ويمكن للحكومة المنتخبة استيعاب الدوافع الجهادية وإلهام الشباب المهمّش والغاضب، ومن شأنها وضع السّعودية في المسار الصحيح لدخول القرن الحادي والعشرين على أساسٍ متين باعتبارها دولة قومية حديثة. وعلى واشنطن أيضًا جعل مبيعات الأسلحة والتجارة مع السّعودية مشروطة بانفتاح النظام على هذا النوع من الإصلاح السياسي.

وإجبار السّعوديّين على الدفع مقابل الحماية، كما اقترح «ترامب»، ليس حلًّا. وفعل ذلك لن يظهر الولايات المتّحدة فقط كمرتزقة، لكن سيسمح أيضًا للمملكة بالاستمرار في الابتزاز الجيوسياسي. وفكرة «إمّا نحن أو الإرهابيين» ليست رواية منطقية للنّظام. يقوّض مثل هذا الخطاب من قدرة السّعودية على قيادة مستقبل بلادهم سلميًا إلى مصاف البلاد التي تحترم مواطنيها وتندمج في المجتمع الدولي. ولدى «ترامب» الآن الفرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتّحدة والسّعودية بطريقة تحمي المصالح القومية للولايات المتّحدة. وبهذه المناسبة، فإنّ الاستمرار في العمل كالمعتاد قد يكون في الواقع السياسة الأخطر بين الخيارات المتاحة.

المصدر | مضاوي الرشيد - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

اسعودية الولايات المتحدة العلاقات السعودية الأمريكية