«1984»: فيلم يؤرق منام «ترامب» بعد أيام مثلما صدمت أحداثه العالم منذ سنوات!

الخميس 30 مارس 2017 07:03 ص

إذا احتدمت المعركة بين الفرد المواطن، والدول ذات النظم الفاشية؛ أيًّا ما تكون ماهيتها وموقعها في العالم، فإن الغلبة، إذا انعدمت المقاومة والثورة، ستكون للدولة الظالمة تلك التي تستطيع افتعال المعارك في مُختلف أرجاء العالم كي تدفع مواطنها بعيداً عن الحرية، أو مجرد إعمال فكره.

تلك وصفة شمولية استبدادية عانت البشرية منها بخاصة في ظل الأنظمة الحديثة الغربية، تلك التي تنهض بجناح واحد من أجنحة الحضارة أو المادية الرخيصة البحتة، تلك التي تجعل الفرد يعمل وينهمك في العمل ليصنع التقدم الذي تضيعه الحكومات المستبدة على أحلامها العسكرية الفاشلة المستبدة.

الفيلم البريطاني «1984» للمخرج الهندي ـ الأمريكي «مايكل رادفورد» مأخوذ عن رواية بنفس الاسم ألفها الأديب «جورج أورويل» عام 1949م، فأحدثت ضجة كبرى في بريطانيا لم تلبث حتى انسحبت على العالم كله، إلى حد ما أعلنته مجلة «فارايتي» الأمريكية المُتخصصة في السينما، أمس الأربعاء، عن أن 180 دور عرض أمريكية ستنتظر عرض النسخة الثانية من الفيلم، التي نتعرض الليلة لها بالتحليل والنقد الفني، لتُعرض في 165 مدينة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كندا وإنجلترا والسويد وكرواتيا، بحسب «الجزيرة نت»، وذلك في 4 من أبريل/نيسان الحالي ذكرى كتابة بطل الفيلم لمذكراته!

احتجاجًا على سياسات «ترامب»

لم يجد القائمون على السينما الأمريكية والعالمية خيرًا من هذا الفيلم لتعرضه دور العرض احتجاجًا على سياسات «ترامب» العنصرية التي تعيد العالم عشرات السنوات إلى الخلف، فتعيد بث ماكينة الكراهية والتفرقة الرهيبة بين أفراد المجتمع، وفي نفس الوقت يعرض الغرب الفيلم في دول مختلفة للتذكير بمصير العالم كله إن تمادى القادة من أمثال «ترامب» في كراهية الآخر في الهند كما في إفريقيا، وأن الفاتورة لن يدفعها الشرقيون، الأقل حضارة وإمكانيات مادية بل سيدفعها المواطن في جميع انحاء العالم.

«إيرستريبا 1» وعودة الظلام

في قالب ميلودرامي مكثف يعرض الفيلم لما أسماه بـ«الاشتراكية الإنجليزية»، وقد حمل الفيلم قدراً من المصطلحات السياسية المبتكرة يُحسد عليها، أما «الاشتراكية الإنجليزية» عبارة عن دولة «إيرستريبا 1» أو الإمبراطورية الإنجليزية المُعدلة، والتي كانت مُسيطرة على أجزاء واسعة من العالم حتى لا تغيب الشمس عنها، ولكن في أجواء بالغة القتامة والسواد هذه المرة، أو «الخيال العلمي الديستوبي» بحسب مصطلح جديد من مصطلحات الفيلم، أو خيال نهاية العالم العلمي السياسي بمعنى أدق.

تواجه دولة «إيرستريبا 1» الاشتراكية الفاشية العسكرية خطر إفاقة المواطن على نهب ثرواته من جانب الحزب الحاكم الفاسد المُسيطر، وهكذا ببساطة يتم إقرار منظومة حربية عبر 3 سنوات تقتضي وجود حرب على جبهتين مع «أوراسيا» في الهند، ومع «يورشانيا» في إفريقيا، وتارة تسمى الهند بالهند في الفيلم، وإفريقيا باسمها، وتارة أخرى يتم تبادل الأسماء مع الأسماء الرمزية في إطار من رمزية عصف الخيال بالواقع.

وفي «إيرستربيا 1»، التي دمرها حكم العسكر الباطشين يسير الناس في مواعيد محددة بنفس الثياب (الإيفرول الأزرق الغامق علامة العمل في المصانع الجميع يرتديه بلا ملابس داخلية فلا إطار من الخصوصية لأحد في هذه الدولة)، كما أن الشاشات المُختلفة الإعلامية تعرض طوال الوقت لبيانات عسكرية خارجية حول انتصارات الدولة والبرليتاريا، وهي قادرة على إيقاظ الناس من نومهم، وفي نفس الوقت فإن «شرطة التفكير» تلاحق جميع العاملين في الدولة..بالاتهامات وبالتالي الإعدامات!

والجميع يُراقب عبر شاشات التلفزيون، في إشارة إلى سطوة الإعلام، والجميع من مواطنيّ الدولة أعضاء خارجيين في الحزب الحاكم يأكلون طعاماً

 كالطعام وليس طعاماً، وفي النهاية فإن القهوة واللحوم والشاي والمربى والجبن والنبيذ الحقيقيون مقصورون على أعضاء الحزب الحاكم فحسب، كما تتعهد الدولة بصرف شفرات الحلاقة ونسخاً تحديثية من اللغة (في إشارة ذكية من صناع الفيلم للغة التركية الجديدة التي اعتمدها مصطفى كمال أتاتورك عوضاً عن التركية التي كان معمولاً بها في الدولة العثمانية!).

«وينستن» و«جوليا»

ولأن «إيرستربيا 1» (في إشارة إلى وجود حضارات أخرى موازية ظالمة في الغرب في نفس الوقت) تُحرمُ العلاقات الجنسية، وتستهدف القضاء على الزواج المسيحي المعروف، عبر إلغاء التواصل بين الرجل 

والمرأة لتفريغ الطاقات للحرب فحسب، وتجهز لذلك 10 آلاف محاربة يُخصبن آلياً بحيوانات الرجال المنوية، لذلك فإن «وينستن سميث» (جون هارت)، البالغ من العمر 39 عاماً يشهد كيف تخلصت الدولة من أمه وأخته، فالمنظومة العسكرية لم تسعهما فألقيتا للجرذان أو الفئران، فيما جاءت «جوليا» (سوزان هاملتون) إلى أفق حياته متمردة على ابتعاد الرجل عن المرأة، والأكل الشبيه بالطعام والسينما الشاحنة للناس إلى الحروب.

يعمل «وينستن» صحفيًا في وزارة الحقيقة أو الإعلام في ترجمة بعض دول فاشية أخرى، ومهمته إخراج آناس مبدعين من دائرة الحياة إلى الموت، وهم أحياء، وإحلال أبطال من الحزب فاشلين مكانهم، مع أخذ أسمائهم وصفاتهم، مع تغيير الصورة ليس إلا، ورغم نجاحه في عمله إلا أنه يكره الحزب ورمزه «الآخ الأكبر»، ويقع في غرام «جوليا»، فيلتقيان في «لندن القديمة» ذات الغابات المُبهجة.

ولأن الفن مُحرم هو الآخر في «إيرستريبا 1» يلجأ «وينستن» إلى الأرمل البائع للتحف «شيرمن جون» أو «سيريل كوزاك»، وهناك يؤجر منه سرير زوجته المقتولة من قبل السلطات ليستضيف «جوليا» ليحلما بتحرير وطنهما، إلا أن الأرمل المكلوم ذا الملامح الطيبة يُبلغ عنهما.

حتى مفردات قصة الحب التقليدية الإباحية في مجتمع القهر يلفها اليأس، إذ إن صورة الزعيم أو (الآخ الأكبر) بحسب مصطلح جديد للفيلم تشي بهما.

وفي السجن بلتقي «وينستن» بـ«رسوتر» أو «جرنجورفيشر» المُغفل المُطيع للحزب لكن ابنته اكتشفت أنه «مجرم تفكير»، وهو معجب بابنته رغم إبلاغها عنه.

وفي غرفة التعذيب يلتقي «وينستن» بزعيم الحزب المٌكلف به «براين» أو «ريتشارد برتون»، والأخير يبالغ في سحقه حتى ليتمنى الموت، وبعدها يدعه حيًا مع حبيبته لكن

 مع محو اسمه من جميع سجلات الدولة وحجزه في بار قديم، وهو مشوش مغيب العقل تزوره أحياناً حبيبته فيعترف بينه وبين نفسه بأنه رغم القهر يحبها!

لا نريد الإنسان

جملة الفيلم المحورية يقولها «وينستن» لـ«جوليا» (الأخيرة اجتزأت اسم جولييت شكسبير) إنه ليس من المهم أن نعيش بل أن نبقى آدميين، فتقول الأخيرة له قد يجبرونك على التلفظ بكرهي لكن أعماقك لن تعترف بذلك!

أما في غرفة التعذيب، بحضور طبيب رسمي من الدولة، فيقول «براين» لـ«وينستن» لا نريد العقل ولا الإبداع، لانريد الإنسان فحسب نريد الخلية المُكونة للدولة، والقوة تُذيب الفكرة!

إنه نفس غرض نظام الحكم في سوريا، كما في مصر، كما العراق، كما الخليج العربي، كما يُريد «ترامب» اليوم، وأراد «تشرشل» و«هتلر» و«موسيليني» وجميع طغاة العالم الأحياء والأموات، كي ينشغل الناس بالعودة إلى الحياة فلا يتذكرون حقوقهم فيها، وكي تلهيهم الحرب الوهمية عن سيء واقعهم المُميت.

الفيلم معزوفة سياسية من دراسة أحوال العالم، ليكتشف المُشاهد أن تفاصيله تخص مؤلم واقعه المُضني المرير، ولكن فترات الإظلام فيه تشعره بأنه لا أمل في 

النجاة، كما أن أداء الأبطال المُذهل وذوبانهم في الشخصيات في محاولة لتبسيط مفردات الفيلم على المُشاهد من الدولة المتخيلة بأكملها تحمل جميع المنتجات شعارها، (الآخ الأكبر) يزيد من معاناة المُشاهد ويجعله 

يكتشف حماقة واقع الحكام الظلمة أكثر.

وصف «أورويل» خطايا الطغاة في حق الشعوب، والرواية التي أحرزت تصنيفاً عالمياً واقع عام 1949م، وتحولت  إلى فيلم عام 1954م أخرجه وشارك في إنتاجه «ردود لف كارتر» في نسخة أولى، وترجمت الرواية إلى 60 لغة عبر العالم، واعتبرت من أهم مائة رواية في العالم، وكان النص في أوانه توقعًا من الكاتب لما سيجري في المستقبل بعد 35 عاماً من زمانه، وفي عام (1984) اختاره عادياً جداً بلا رقم مميز، ولم يكن يخطر له على بال أنه بعد 37 عاماً أخرى على العام الذي تخيله سيتم الاحتفاء في أمريكا ضد عهد رئيس فاشي جديد (ترامب) بفيلم يُنتج في عام 1984م الذي تخيل فيه «أورويل» شكل العالم، والفيلم يتم الاحتفاء به على هذا النحو السياسي والتكنولوجي، إذ إن «آبل» في عام 1984 طرحت جهاز «ماكنتوش»الجديد عالمياً، وأعلنت عنه في إطار سيناريو الفبلم وكأن «الآي بي إم» الخاص بالجهاز يُطارد المشاهدين، عبر إعلانه معلناً أنه «الآخ الكبير»!

وفي الأشهر الأخيرة من عام 2014م قبضت الشرطة المصرية على طالب في جامعة القاهرة في محيط الجامعة يحمل الرواية المأخوذ الفيلم عنها، مما جعل عشرات المواقع العربية تحلل الرواية وتسأل هل تعرف الشرطة المصرية شيئاً عنها أو عن جرائم الفكر بها أو القبض على الناس وفق الإشاعات.

يبدو أن الحقيقة هي أن «أورويل» توقع بالفعل بفوضى العالم ونظمه السياسية الفاشية المدنية أو العسكرية شرقاً وغرباً منذ 68 عاماً وما زالت نبؤوته تؤرق جبين العالم إلكترونياً (عبر أجهزة آبل)، وسياسياً وعسكرياً في مصر كما في أمريكا!

 

 

المصدر | الخـــليج الجــــــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم يؤوق منام ترامب صدمة أحداث العالم

فيلم Gloria Bell يواجه أزمات المرأة عند بلوغها الخمسين