«طوارئ مصر».. تفاقم أزمة الاقتصاد وتطرد الاستثمارات والسياحة وتزيد من الاقتراض

الاثنين 10 أبريل 2017 09:04 ص

«رأس المال جبان.. ويحتاج إلى اﻷمن.. والبعد عن العمليات الإرهابية والإجراءات الاستثنائية».. هكذا أجمع خبراء اقتصاديون مصريون، ردا على العمليتين الإرهابيتين اللتين شهدتهما كنيستي في طنطا والإسكندرية، وما تبعه من إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر.

الخبراء أكدوا أن «فرض حالة الطوارئ في مصر لمدة 3 أشهر، سيكون له عوامل سلبية فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الخارجية والتوسع في الاستثمارات المحلية»، مشيرين إلى أن «القطاع السياحي سيكون احد أكبر الخاسرين بسبب فرض حالة الطوارئ».

وأشاروا إلى أن البورصة المصرية ستكون أكبر المتأثرين سلبيًا بالقرار الذي سيجهض جميع محاولات إعادة السياحة في الوقت الحالي.

وأمس، أعلن الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» حالة طوارئ لمدة ثلاثة أشهر، لحماية البلد ومنع المساس بمقدراتها، وذلك بعد مقتل 46 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين في انفجارين وقع أولهما في كنيسة بطنطا وسط الدلتا، والثاني أمام كنيسة بالإسكندرية ثانية كبرى المدن المصرية بعد العاصمة القاهرة، وأعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن التفجيرين.

هروب السياحة

وجاء فرض الطوارئ في مصر، ليزيد أزمة ومعاناة السياحة، في بلد، كان مصدر دخلها الرئيسي منها.

ولعل رفع ألمانيا اليوم، خطر الإرهاب على الأجانب في مصر، وتأكيدها أن «هناك خطورة مرتفعة في كافة أنحاء مصر من وقوع هجمات إرهابية بالإضافة إلى خطر اختطاف (رهائن)،  قد تستهدف على وجه الخصوص أهدافا ومواطنين أجانب»، دليل على تراجع مرتقب للسياحة.

لم يتوقف الأمر على ألمانيا، بل أصدرت (إسرائيل)، دعوة هي الثانية لمواطنيها خلال أسبوعين، لمغادرة سيناء فورا، فضلا عن إغلاقها معبر طابا البري، اليوم، ليعقد أزمة السياحة في مصر.

جاء ذلك، تزامنا مع تأكيد «أحمد شكري» رئيس قطاع السياحة الدولية بهيئة تنشيط السياحة في مصر، أن الهجومين الإرهابيين اللذين استهدفا كنيستي طنطا والإسكندرية سيكون لهما تداعيات سلبية على القطاع السياحي.

وأضاف «شكري»، في تصريحات صحفية أنه لا يمكن قياس ردة الفعل على الحادث خارجيا إلا بعد مرور 3 أيام حتى تتضح الرؤية كاملة، وتكون لدينا مؤشرات أولى يمكن البناء عليها، وتحديد آليات المعالجة على المستوى الداخلي والخارجي، مشيرا إلى أنه تم تكليف مديري المكاتب الخارجية التابعة للهيئة، برصد ردود الأفعال في وسائل الإعلام، وصناع القرار السياحي بالخارج.

وأيدى رئيس قطاع السياحة الدولية، عن أمله في ألا يؤثر تفجيرا طنطا والإسكندرية، على زيارة البابا «فرانسيس» بابا الفاتيكان لمصر، المقررة في 28 و29 أبريل/ نيسان الجاري، لافتا إلى أن بابا الفاتيكان أدان بشدة هذين الحادثين في ختام عظته بمناسبة أحد الشعانين.

وكان محافظ البنك المركزي المصري «طارق عامر» قد أعلن في وقت سابق من العام الجاري، أن إيرادات بلاده من النقد الأجنبي في قطاع السياحة انخفضت إلى 3.4 مليار دولار في عام 2016 وهو ما يقل 44.3 % مقارنة عن مستواها في 2015.

وتعاني السياحة المصرية، من أزمة حادة منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، بسبب الاوضاع الأمنية في البلاد، حتى تراجع إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة 42% خلال 2016 مقارنة بالعام 2015، حسب «المركز المصري للإحصاء» (حكومي)، متأثرا بتحطم طائرة روسية يوم 31 أكتوبر/ تشرين 2015، ومصرع 224 شخصاً كانوا على متنها.

وعقب ذلك، علقت روسيا وبريطانيا الرحلات الجوية إلى مصر، وفرضت الولايات المتحدة تدابير أمنية جديدة على رحلاتها الجوية، كما اتخذت دول أوروبية قرارات بوقف رحلاتها المنتظمة إلى مطار شرم الشيخ.

غياب الاستثمارات

ويؤكد مراقبون وخبراء، أن هناك علاقة عكسية بين عدم الاستقرار الأمني والسياسي وبين الاستثمار، فكلما زادت العمليات الإرهابية وارتفع معدل عدم الاستقرار الأنمني والإجراءات الاستثنائية، هربت الاستثمارات المحلية والدولية من البلد.

وقال الخبير الاقتصادي «رشاد عبده»، إن العمليات الإرهابية واليد المرتعشة هي من تدمر الاستثمار في مصر، والمستثمرين سواء مصرين أم أجانب تهرب من الضعف الأمني، مشيرا إلى أن «الأمن والأمان جزء مهم جدا من المنظومة الإقتصادية».

واتفق معه الخبير الاقتصادي «إيهاب الدسوقي»، حين قال إن «إعلان حالة الطوارئ سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد المصري، سواء عبر المستثمرين المصرين أو الأجانب، وخاصة الأجانب».

وتوقع الدكتور «شريف الدمرداش» الخبير الاقتصادي، من أن تؤدي التفجيرات ومن ثم حالة الطوارئ، إلى الحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية التى تعمل الحكومة حاليا على جذب المزيد منها.

وأشار إلى أن الاقتصاد يحتاج إلى الاستقرار واﻷمن، ولن يأتى إلينا المستثمرون، طالما أننا دولة غير مستقرة نتيجة مثل هذه التفجيرات التى يقوم بها الجماعات اﻹرهابية.

وأضافت الدكتورة «نادية النمر» أستاذة الاقتصاد بجامعة بنها، أن «التفجيرات وما تبعها من إجراءات ستؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات الأجنبية والمحلية معا».

وتابعت: «لو كان فيه فرصة لانفراجة في الاستثمارات الخارجية.. بعد اللى حصل المستثمرين هيخافوا.. حتى المستثمر المحلي هيقلل من توسعاته الاستثمارية».

أما «محمد جنيدى»، نقيب المستثمرين الصناعيين، فقال إن الاقتصاد المصرى سيخسر نتيحة فرض حالة الطوارئ، موضحا أن الاقتصاد لا يزال طاردا للاستثمار.

وأرجع ذلك إلى السياسات الحكومية وغياب الرقابة على الأسواق بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة على تطوير التشريعات والقوانين لتكون قادرة على مواجهة الأزمات وحسم الملفات الاقتصادية المهمة في أسرع وقت.

كما وصف «محرم هلال» نائب الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، حالة الطواريء بأنها «شر للمستثمر».

وتسعى الحكومة المصرية، من خلال برنامجها الذي عرضته أمام مجلس النواب قبل نحو عام، إلى زيادة معدل الاستثمار إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2017/2018، مقابل 14.4% في العام المالي 2014/201.

خسائر بالبورصة

وفى أول رد فعل على التفجيرات، تراجع مؤشر البورصة المصرية الرئيسي خلال جلسة تداولات أمس لينخفض السوق مدفوعا بقيمة تداولات 875.11 مليون جنيه (48.4 مليون دوار)، متأثرا بالتفجيرات الإرهابية.

وخسر رأس المال السوقي للبورصة المصرية نحو 6.9 مليار جنيه (381 مليون دولار) في ختام تعاملات جلسة الأمس حيث بلغ 657.42 مليار جنيه (36.3 مليار دولار)، وانخفض السوق بضغط مبيعات المصريين والأفراد، فيما اتجهت تعاملات الأجانب والمؤسسات والعرب للبيع.

وأغلق المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية «EGX30» لأكبر 30 شركة من حيث الوزن النسبي، على انخفاض بنسبة 1.55% في ختام التداولات ليغلق عند مستوى 12895.12 نقطة.

ارتفاع الأسعار

وتترقب مصر، التي ستطبق حالة الطوارئ في الربع الأخير من العام المالي الجاري 2016/2017، وصول بعثة صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري، للإطلاع على مجرى الإصلاحات الاقتصادية، وفقا لنائب وزير المالية المصري «أحمد كوجك».

المحلل الاقتصادي «إبراهيم الطاهر»، علق على فرض حالة الطوارئ بالقول: «فرض طوارئ يعني زيادة تكاليف النقل، وبالتالي ارتفاع في الأسعار، ما يعني ركود في الأسواق، ثم توقف في الإنتاج، وتسريح عمالة، ما يؤدي إلى بطالة وفقر».

وتباطأ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 3.8% خلال الربع الثاني (أكتوبر/ تشرين الأول – ديسمبر/ كانون الأول 2016)، من العام المالي الجاري، مقابل 4% في الفترة المقابلة من العام المالي 2015/2016.

ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو/ تموز حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفقاً لقانون الموازنة المصرية.

وفي نهاية يناير/ كانون الثاني 2016، خفضت مصر توقعاتها لمعدل النمو الاقتصادي إلى 4% خلال العام المالي الجاري 2016/2017.

يأتي ذلك، في ظل الإعلان اليوم، عن ارتفاع معدل التضخم في البلاد، لأعلى مستوى له منذ 30 عاما، ليسجل في مارس/ آذار المنصرم 32.5%، حسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وهذا الرقم هو الأعلى منذ يونيو/ حزيران 1986، عندما بلغ معدل التضخم نحو 35%.

وهذا الشهر الخامس على التوالي الذي يرتفع فيه التضخم بعد بلوغه في فبراير/ شباط 30.2%.

ويواجه المصريون ارتفاعا كبيرا في الأسعار، بعد قرار الحكومة المصرية تحرير صرف الجنيه ورفع أسعار المحروقات، في إطار خطة إصلاح اقتصادية مرتبطة بقرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.

إيرادات القناة

يأتي هذا، تزامنا مع كشف إحصائيات رسمية، عن تراجع معدلات عبور السفن السياحية بقناة السويس.

وأكدت إحصائيات الملاحة لهيئة قناة السويس، خلال شهرى يناير/ كانون ثان، وفبراير/ شباط الماضيين، أن قناة السويس شهدت عبور سفينة ركاب واحدة بحمولة 73 ألف طن، مقابل عبور 3 سفن ركاب خلال الفترة نفسها للعام الماضي بحمولة 129 ألف طن، بنسبة تراجع 66%.

وكانت هيئة قناة السويس منحت تخفيضا للسفن السياحية بنحو 25 إلى 50% من رسوم العبور الأصلية، لكن القرار لم ينجح في رفع معدلات العبور.

وتراجعت حركة السفن السياحة بـ 47% فى موانئ البحر الأحمر خلال عام 2016 ليتم استقبال 88 ألف سائح، مقابل 166.236 ألف سائح خلال عام 2015، وفى ميناء بورسعيد تم استقبال 5 سفن سياحية العام السابق، مقابل 13 خلال عام 2015، بحسب صحيفة «المال» المصرية.

زيادة الاقتراض

ومع تراجع مصادر الدخل القومي، وفي ظل أزمة بتوفير العملة الصعبة بعد تدهور حال السياحة، وتراجع إيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين من الخارج، وعدم زيادة الإنتاج والتصدير إلى الخارج والاعتماد على الاستيراد بشكل كبير، لم يبق لمصر، في ظل هذه الإجراءات الاستثنائية إلى مزيد من الاقتراض، سواء عبر سندات محلية أو دولية أو اقتراض مباشر.

وهو ما اكده الخبير الاقتصادي «إبراهيم الطاهر»، حين قال: «إذا حضرت الطوارئ.. نقضيها قروض!».

يأتي ذلك، في ظل تقدير اقتصاديين مصريين، أن الحكومة المصرية، ملزمة بسداد مليار و43 مليون جنيه (نحو 60 مليون دولار) يوميا، لمدة 365 يوما خلال العام المالي المقبل، للوفاء بالتزامات فوائد الديون بمشروع الموازنة العامة الجديدة والتي تبلغ نحو 381 مليار جنيه (21.1 مليار دولار).

وكان وزير المالية المصري «عمرو الجارحي»،  ذكر في وقت سابق، أن حجم الديون التي اقترضتها مصر من 2011 وحتى الآن وصل إلى 104% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تضاعف من تريليون جنيه (55.4 مليار دولار) عام 2011، إلى 3.2 تريليون جنيه (177.2 مليار دولار) العام المقبل، مشيرًا إلى أن الدول التي يصل فيها حجم الدين إلى 110 و120%‏ من الناتج الإجمالي تدخل في مشاكل كبيرة.

ومن المقرر أن تسدد مصر ديونا خارجية وفوائدها بقيمة 12.9 مليار دولار خلال العام المقبل 2018.

وتتضمن الديون المستحق سدادها خلال العام المقبل، قيمة الوديعة التى حصلت عليها مصر من الممكلة العربية السعودية بقيمة 2 مليار دولار خلال عام 2013، و2 مليار دولار وديعة من الإمارات العربية المتحدة، و2 مليار دولار وديعة من الكويت، بالإضافة إلى وديعة بقيمة 2 مليار دولار أيضا حصلت عليها من ليبيا عام 2013.

وتشير وثائق قرض صندوق «النقد الدولي» لمصر، إلى أن القاهرة مطالبة بتدبير 20.4 مليار دولار، خلال 5 سنوات لخدمة الدين الخارجي سواء فوائد أو أقساط مستحقة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السياحة الاستثمارات مصر حالة الطوارئ اقتصاد مصر تفجيرات الاقتراض