«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: الاستفتاء التركي ديمقراطي.. وسلطة «أردوغان» ستظل خاضعة للتوازنات

الأربعاء 12 أبريل 2017 09:04 ص

تجرى تركيا يوم الأحد استفتاءً حول التعديلات الدستورية التي من شأنها تعزيز سلطة الرئيس. وتزعم وسائل الإعلام أنّ التصويت لصالح التعديلات يعني موت الديمقراطية التركية. بل إنّ البعض قد زاد بأنّ الديمقراطية التركية قد ماتت بالفعل وأنّ الاستفتاء هو المسمار الأخير في نعشها. ويعتقد معارضو التعديلات أنّ التصويت بـ«نعم» سيرفع الرئيس «رجب طيب أردوغان» إلى منصب الرئيس الديكتاتور، وأنّ تركيا ستدخل بذلك في نفقٍ مظلم تمامًا.

لكنّ هذا الخط من التفكير لديه مشكلة صغيرة واحدة. سيستند قرار تغيير هيكل الحكومة التركية إلى تصويتٍ ديمقراطي. ويأتي الديكتاتوريون والسلطويون في العديد من الأشكال والأحجام، وقد وصل البعض إلى السلطة بالوسائل الديمقراطية قبل سحق كل المعارضة. ولكن نادرًا ما يكون الديكتاتوريون معنيون بالنقاط الدقيقة للقانون الدستوري والشرعية الديمقراطية. وإذا صوت المواطنون الأتراك لصالح التعديلات المقترحة، فإنّ البرلمان التركي سوف يحتفظ بالحق فى طلب استجواب الرئيس بأغلبية الثلثين. ولن يكون تصويت «نعم» يوم الأحد بمثابة تتويج. وسيكون تعبيرًا ديمقراطيًا عن إرادة الأمة التركية، أو على الأقل الجزء الذي يقرر التصويت.

قد لا يحب الناس ما يقوله «أردوغان»، لكنّه يناضل من أجل الشعب التركي، ولا يجبرهم على الذهاب إلى التصويت تحت تهديد السلاح. هذا تصويت حقيقي، وليس هناك مؤشر أفضل على ذلك من حقيقة أنّ استطلاعات الرأي تنقسم على الجانب الذي سيفوز. وذكرت «رويترز»، على سبيل المثال، الشهر الماضي، أنّ استطلاعًا للرأي أظهر أنّ نحو 55% من الناخبين الأتراك سيصوتون لصالح التعديلات. وقال معهد جيزيسي لاستطلاعات الرأي، لـ«رويترز»، أنّ أيًا من استطلاعات الرأي الـ 16 لم تشهد انتصارًا للتعديل المقترح. والشيء الوحيد الذي يمكن قوله بشكلٍ مؤكد، هو أنّ نتيجة التصويت ستكون متقاربة. إذا لم تكن هذه هي الديمقراطية، فمن غير الواضح إذًا ما هي.

وفي نهاية المطاف، يدور هذا الاستفتاء حول السياسة. ويمر مجتمع تركيا بمرحلة انتقال وتعدّ تركيا بلدا ناشئا كقوة إقليمية. ولا تتكشف هذه العمليات بسلاسة. وارجع بتفكيرك إلى فرنسا في بدايات الثورة الفرنسية. كان اقتصادها في حالة من الغموض، وكانت قد خسرت مؤخرًا حرب السنوات السبع (ومعظم ممتلكاتها الاستعمارية في أمريكا الشمالية). لكنّ المجتمع الفرنسي كان يتحول من الداخل بينما كانت التحديات الأجنبية تضغط عليه من الخارج. وكانت النتيجة ثورةً دمويةً أظهرت دعاية جميلة حول حقوق الإنسان إلى جانب الاستخدام الليبرالي للمقصلة. أولئك الذين ينتقدون تركيا للتخلي عن الديمقراطية الليبرالية عن طريق التصويت لإعطاء رئيسها المزيد من السلطة يريدون الديمقراطية الليبرالية التي تخرج فقط بالنتيجة التي يفضلونها. وهم ينسون كيف جاءت الديمقراطية الليبرالية إلى الغرب في المقام الأول.

سيقول البعض أنّ هذه قراءةٌ خاطئة عن انتهاك تركيا للمبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية. وسوف يشيرون إلى الصحفيين المسجونين والأكاديميين الذين فصلوا من أعمالهم ووضع الأكراد في الجنوب الشرقي كدليل على سقوط تركيا. قد تكون بعض هذه المخاوف صحيحة. ومع ذلك، فإنه صحيح أيضًا أنّه منذ عام، كان فصيل كبير في الجيش التركي يخطط للانقلاب ضد «أردوغان» والحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. وإذا حاول الجيش الأمريكى الانقلاب على الرئيس الأمريكي، فإنّ سلسلة من الاعتقالات والتحقيقات ستتبع ذلك دون شك لحماية مؤسسات الدولة. وقد يستغل «أردوغان» محاولة الانقلاب لتوطيد قواعد سلطته وإعادة بناء مؤسسات تركيا مع أشخاص يستطيع الوثوق بهم. لكنّ هذا لا يجعله شريرًا، ولا يجعل تركيا نظامًا استبداديًا ناشئًا.

حتميات الطبيعة الجيوسياسية

وبالطبع، في بلدٍ مثل الولايات المتحدة، لم يحاول الجيش قط الانقلاب على الحكومة المدنية. والفرق بين بلد مثل الولايات المتحدة وتركيا هو الطبيعة الجيوسياسية. وتأسست الجمهورية التركية الحديثة عام 1923. وكانت قوةً ضعيفة وريثة لتاريخٍ إمبراطوري مجيد ومتميز، اشتعلت فيها النيران بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وفقدت بعض أراضيها السابقة. وقد تركزت السلطة السياسية في شبح البلاد الذي ظهر عام 1923 في إسطنبول، حتى وإن كانت العاصمة أنقرة، وكانت الأناضول ضعيفة ومتخلفة وممثلة تمثيلًا ناقصًا. وأصبح الضابط العسكري «مصطفى كمال أتاتورك» زعيمًا للبلاد. ولفترة طويلة، كان الجيش هو القوة المهيمنة على السياسة التركية، وكان يتدخل دائمًا عندما يرى ضرورة لذلك.

ويعدّ صعود «أردوغان» وحزب العدالة والتنمية جزءًا من تطور تلك الدولة الضعيفة المهزومة التي نشأت عام 1923. ويرجع الدستور الحالي، الذي يحدد إطار الحكم التركي، إلى عام 1982، حيث اعتمد في ظل نظام عسكري استولى على السلطة في انقلاب الثمانينات. وخلال هذا العقد، شهدت الأناضول، التي لم تكن أولوية رئيسية في العهد العثماني أو في العقود الأولى من وجود الجمهورية التركية، فوائد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية للحكومة التركية. وأدى تدفق رؤوس الأموال والصناعة إلى الأناضول إلى خلق فئةٍ جديدة من المواطنين الأتراك، الذين نشئوا محافظين ومتدينين أكثر من النخب في إسطنبول، لكنهم فضلوا اتباع نهجٍ اقتصادي أكثر تميزًا. وواجهت مراكز السلطة القديمة ضغوطًا لم تواجهها من قبل. وقد غير هذا الاختلاف بين المجموعتين السياسة التركية وهو مستمر في تشكيلها إلى اليوم.

ومع حدوث هذا التحول الداخلي، ازدادت قوة تركيا كدولة أيضًا. ولدى تركيا أكبر ناتج محلي إجمالي في الشرق الأوسط. ولا يمكن مقارنته سوى باقتصاد المملكة العربية السعودية فقط، وتعاني السعودية من مأزقٍ عميق. وقد كتبت «جيوبوليتيكال فيوتشرز» حول ضعف النظام السعودي العام الماضي، واصفةً إياها بأنّها «تقريبًا وحرفيًا قلعة مصنوعة من الرمال المبنية على أساسٍ من النفط».

ووفقًا لآخر أرقام البنك الدولي، فإنّ اقتصاد تركيا يكاد يكون ضعف حجم اقتصاد إيران، إلا أنّ طهران لا تزال تحظى بمستوىً مرتفع من الاهتمام العالمي بسبب قوتها. ومن الناحية العسكرية، تمتلك تركيا واحدًا من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ الجيش كان بحاجة إلى إصلاح وتحديث حتى قبل محاولة الانقلاب، إلا أنّ قدرة تركيا على ممارسة القوة العسكرية تبقى أكبر من معظم جيرانها. وتتجاوز إمكاناتها إمكانات بلدانٍ أخرى في المنطقة.

ولفترة طويلة بعد عام 1991، كانت تركيا تتطور ببطء وبمنهجية. وقد اتبعت سياسة «صفر مشاكل» مع جيرانها. لكنّ الشرق الأوسط عاد إلى وضعه الطبيعي، في مكانٍ ما بين الحرب الأهلية والفوضى العامة. ولا تعدّ الحرب الأهلية السورية وعدم الاستقرار في العراق قضايا مجردة لتركيا، فهي تحدث على حدود تركيا. ويعدّ العنف غير المشروع واقعًا في حياة البلاد، وكذلك الملايين من اللاجئين الفارين من العراق وسوريا. وتحاول إيران تعزيز مصالحها بقدر ما تستطيع، وتلعب روسيا، إحدى أعداء تركيا التاريخيين، في المنطقة بقوة محدودة، ولكن في معارضة مباشرة لمصالح تركيا.

قرار جماعي

عندما يذهب الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد، سوف يتخذون قرارًا جماعيًا حول نوع الحكومة التي يريدونها. قد يعني التصويت بـالموافقة أنّ «أردوغان» سيصبح رئيسًا قويًا على النمط السلطوي حتى عام 2029. وفي هذا التوقيت، سيتعين عليه أن يتنحى جانبًا بسبب انتهاء المدة أو عجزه عن الاستمرار في الحكم أو أن يقوم بتغيير الدستور مرةً أخرى. وقد يعني التصويت بـ «لا» أنّ قوة «أردوغان» سوف تنهار، ولكن يمكن أن يعني أيضًا أنّه سيبقى قويًا في سياق النظام الحالي أو أنّ بعض القوى الجديدة سوف تصعد في السياسة التركية. لا تتعامل الجيوسياسية بعاطفة تجاه الشخصيات. لكنّ مهمتها أن ترتفع تركيا، وليس اسم الشخص الذي سيقودها.

وبغض النظر عمّا إذا كان «أردوغان» سيبقى في السلطة أو سيتولاها زعيمٌ آخر، ستستمر تركيا في النضج كدولة وتصبح قوة إقليمية تحيط بها تهديداتٌ لا تحسد عليها من جميع الأطراف تقريبًا. وإذا تمّ تمرير الاستفتاء، فإنّ سلطة «أردوغان» ستظل خاضعة للضوابط والتوازنات، ولكن لا شيء سيكون محددًا ومباشرًا مثل القيود الجيوسياسية التي تجبر تركيا على العودة إلى قمة القوى الكبرى في العالم. وفي ذلك، لا تملك تركيا رفاهية التصويت، وستشكل قوتها المتزايدة مستقبل البلاد أكثر من أي استفتاء كان.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان استفتاء النظام الرئاسي