فيلم «السيناريست»..توليفة سينمائية تركية ـ أمريكية بمذاق «الكيان الموازي»!

الاثنين 17 أبريل 2017 11:04 ص

عبر خلط الدين ورموزه من اللحية البيضاء المُهذبة وصاحبها الوسيم الطيب الملامح، إلى التغني بأن المعارضة التركية تقوم بدور «حزب الفضول»؛ الذي شهده «الرسول العظيم» في مكة قبل بعثته؛ وقال، ما معناه، لو إنه كان موجودًا لشارك فيه بعد الوحي؛ ثم بعرض الحقائق مقلوبة؛ وشىء من المُطاردات وإطلاق النيران والغموض..يمكن في النهاية أن يُصنع رأيًا، لدى قليليّ الثقافة، مُناهضٌ للحقيقية تمامًا!

وافق الناخبون الأتراك، أمس الأحد، على التعديلات الدستورية القاضية بالتحول إلى النظام الرئاسية، وبلغت نسبة الموافقين بحسب النتائج النهائية غير الرسمية 51.4% أي 24 مليونًا و763 ألفًا و516 والمصوتين بـ«لا» بلغوا 23 مليونا و511 ألفا و155.

الفيلم التركي «السيناريست» استبق استفتاء الأمس؛ وجاء بعد محاولة الانقلاب التركية الفاشلة في يوليو/تموز الماضي ليُمثل حلقة من حلقات صناعة الرأي العام المُخالفة لسلطة نجحت في الفوز في 12 استحقاقًا انتخابيًا منذ عام 2002م؛ بين تشريعية ورئاسية وبلدية؛ وقبل عرض فيلم اليوم يهمنا توضيح أن من حق كل إنسان أن يُبدي رأيه السياسي وفق إرادته؛ ولكن في المقابل ليس من حق الفن أن يُحرف الواقع وينقله على طريقة المؤامرة المُخالفة للواقع؛ وادعاء أن البطولات والانتصارات ووفاة (الألوف) تصديًا للانقلابات ما هو إلا سعي وراء الوهم ليس إلا..؟

الفن و«الإشارة الحمراء»

يبقى بعض البشر، بخاصة المُقبلين على الحياة؛ أو أولئك الذين تعرضوا إلى ظروف وملابسات خاصة اجتماعية أو وراثية (من الفقراء بوجه خاص أو المُنتمين إلى أقليات كالأكراد مثلًا) يبقون بآراء محصلتها خاصة بهم؛ وإن خالفت إلى حد ما الواقع والعقل، وهنا يلعب، أحيانًا،  الفن دورًا مُكرسًا للأوهام ومُوغلًا في الدفع نحو التطرف بهؤلاء؛ وهو سيناريو غير مُحبب لذويّ النفوس الشفافة التي ترى الفن تعميقًا من الرؤية المُشعة بالخير في الحياة؛ ولكنه سيناريو موجود برر للطغاة والفاشية من أمثال «هتلر» و«موسوليني» وما يزال يُناصر نظامي «السيسي» و«بشار» على سبيل المثال.

بين الإبداع والوهم

فيلم «السيناريست» تقع أحداثه في مدينة قونية في وسط جنوب الأناضول التركي؛ وذات التاريخ ممتد مع السلاجقة إذ كانت عاصمة دولتهم قبل الغزو المغولي؛ فضلًا عن ان بها ضريح الصوفي المعروف «جلال الدين الرومي»؛ وهي مسقط رأس رئيس الوزراء التركي السابق «أحمد داود أوغلو»؛ وهي مُفردات كاشفة نمضي بها نحو سياق الفيلم الفني في الشكل والمضمون.

بطل الفيلم «آدم» أو المُمثل «أيسم تونكاي إينور»؛ كاتب مُتفرغ للرواية ؛ يقيم في فيلا في المدينة البعيدة عن العاصمة ومركز السلطة مع زوجته؛ ويُصوره الفيلم على أنه بارع في عمله؛ لا يحب القرب من السلطة الحالية للبلاد؛ بل يُدمن معارضتها والتعرض للكوارث التي تتسبب فيها؛ دون أن يذكر صُنّاع الفيلم ماهية الكوارث.

ومن هنا تُغلق الأبواب في وجه «آدم»؛ و«الناشر» يرفض النشر له ليتلقى عبرها رشىً من رجال النظام؛ ومن ثم يتم الحجز على فيلته دفعة واحدة؛ وفي نفس الوقت يُصاب بالفتور نحو زوجته التي ليس لها أهل أو عالم في الفيلم إلا «هو»!

وفي ظل هذه الأجواء الكابوسية غير المُتسقة مع المنطق أو حتى تصور الأطفال يلجأ «آدم» إلى صديقيه «كمال» و«شتيل»؛ وهما الواصلان في «الحزب الحاكم»؛ لا يُصرح الفيلم باسمه ويحرف العلم الخاص به من الأحمر إلى البرتقالي؛ فـ«يسكر» معهما (!) ويوصيانه بالتحدث إلى المسؤولين فيصر على الرفض.

وتتمادى أحداث الفيلم غير المنطقية الأقرب إلى الأوهام؛ فإن فريقًا من مرتديي القبعة اليهودية الشهيرة والمعاطف السوداء الأمريكية المعروفة؛ بالإضافة إلى الشوارب التركية المعهودة يبدأون في مطاردة «آدم» بلا سبب يعرفه؛ بالإضافة إلى آخرين مدنيين (ماسح أحذية؛ فتاة جميلة؛ عالم دين عجوز).

وتبلغ الأحداث ذروتها لما يستوقف قائد الفريق المجهول «هاليس بايراكت رولو»؛ وهو بلا اسم في الفيلم؛ ولكي يقنع البطل بأهمية دوره يُشير إلى عابر إشارة عابرة فيموت العابر مقتولًا بالرصاص ثم يخبر القاتل آدم بإنه المقتول كان إرهابي في إشارة إلى التهم المُلفقة الجاهزة.

نحن إزاء مجموعة من الأوهام تختزل الإنجازات الحضارية التي شهد بها حتى أعداء تركيا؛ والتقدم الاقتصادي وبراعة أداء «العدالة والتنمية» في منظومة من السخافات المُصورة على الطريقة الحديثة الأمريكية؛ وعبر موسيقى تصويرية معروفة في أفلام الحركة الغربية؛ بلا مراعاة لمؤثرات صوتية أو ديكور.

وتتطور الأحداث حتى يجد «أدم» نفسه لدى «إيدن»؛ عالم الدين الذي ينقذه من قتل الفريق الذي يطارده ليموت عوضًا عنه؛ وفي المقابل فإن «هوريل» أو المُمثلة «ديلارا» تقتل قائد الفريق الذي قتل رئيس منظمتها المعارضة وأغلب أعضائها وتبحث عن سر «السيناريست» الذي يريد الفريق جعل «آدم» مكانه.

قبل وفاة قائد الفريق المُطارد يخبر الرجل «آدم» بالحقائق التالية: الناس في بلاده واهمون لأنهم جوعى يبحثون عن الطعام؛ مليار شخص ماتوا في العالم بلا سبب سوى أن الأنظمة تخدع الناس (!)، ليست الحقيقة ما تراه أو تعتقده بل ما تريد المخابرات أن تريك إياه؛ زوجتك تخونك مع «شتيل» مسؤول الحزب الحاكم في قونية.

وبناء يفشل «آدم» في قتل «شيتل» في مؤتمر جماهيري؛ ثم يذهب الفرد الباقي من المجموعة المُخابراتية الغريبة إلى القائد العسكري لها؛ الذي يصطاد في الغابة ليطلب منه تعديل «السيناريو» الخاص بقصة الفيلم!

توليفة قائمة على استبعاد الإنسان

بعد نهاية تتر الفيلم الذي آخره مخرجه ومؤلفه ومنتجه «خلوصي أوركين إلى نهاية الفيلم يظهر البطل ثانية ليكتب في عمله الذي قال عنه في لقاء تلفزيوني أنه ليس رواية؛ وأنه ليس من تأليفه وإن نسبه إليه؛ يكتب أن كل شىء في العالم ليس في موضعه وأن الملايين تموت من أجل نضال موهوم.

فيما تبدو زوجته قريبة من أحضان «كمال» صديقه الآخر أو مسؤول الحزب الثاني في قونية!

لو أن حزبًا حاكمًا مُعارضًا للأنظمة الغربية كتب مثل هذا الفيلم مُدعيًا أن معارضيه ما هم إلا مجموعة من الزناة السكيرين المُتاجرين بالدين وبرموزه من الحجاب الواضح في لقطات الفيلم من جانب أنصار الحزب الحاكم؛ إلى رئيس الحزب نفسه وهو يقول في التلفزيون إن «أعداءنا يوججون الناس بالكراهية ضدنا».. لو أن أحد صُنّاع الأفلام المُوالين لنظام يرفع راية (الإنسانية ولا نقول الإسلام) ضد الغرب فعل هذا؛ على افتراض إمكانية ذلك وهو مستحيل؛ لتحول الفيلم إلى حديث تلوكه أجهزة الإعلام العالمية للتنديد بالفاشية والحكم على الناس دون بينة وبحسب المزاج لا الإنجاز..ولكن أن يصر الفيلم ويُمول من قبل مجهولين ويعرض بكل هذه الاتهامات الجُزافية في عهد الذين تصدى الفيلم لسبه ووصفه بأقذع الصفات..فهو ما لا ينتبه إليه أحد أو يمدح حزب «التنمية والعدالة» لأجل سماحه بالرأي الآخر، أيًّا ما كان؛ بالإضافة إلى إنجازات الحزب على مختلف المجالات التي دفعت به وببلاده وما تزال نحو الصدارة!

المصدر | الخـــليج الجــــــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم تركي مذاق الكيان الموازي توليفة سينمائية