لا تنوي إسقاط «الأسد».. ملاحظات حول الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا

الأربعاء 19 أبريل 2017 10:04 ص

قامت الولايات المتحدة بقصف قاعدة جوية سورية ردا على هجوم كيماوي سوري على قرية «خان شيخون». ويثير الهجوم عددا من الأسئلة وملاحظة عامة حول استراتيجية الولايات المتحدة في ظل الرئيس «دونالد ترامب».

السؤال الأول هو لماذا نفذ النظام السوري الهجوم. ويبدو أن التفسير الذي قدمه النظام وهو أنه كان يهاجم منشأة لتخزين الأسلحة تابعة للقاعدة مما أدى إلى انتشار الغاز، ليس مستحيلا تماما، ولكن هذا من المستبعد جدا حيث يلزم لتفجير غاز السارين حدوث درجات حرارة مرتفعة، وهذا يمكن أن يحدث خلال انفجار. ومع تفرق الغاز في القرية فهذا احتمال ضعيف.

وهناك تفسيران آخران معقولان أيضا. أولا، هناك احتمال أن القائد المحلي قد أخذ على عاتقه استخدام المواد الكيميائية. هذا ممكن ولكنه غير مرجح، فمن المرجح أن السوريين يضعون ضوابط مشددة على الأسلحة. التفسير الثاني هو الأكثر احتمالا. فبعد أن استعادت الحكومة السورية، وبمساعدة روسية، السيطرة على جزء كبير من سوريا بقي هذا الجزء مضطربا و أراد السوريون أن تكون هذه المنطقة مثالا لما يمكن أن يحدث للأماكن المضطربة. في هذا السيناريو، كان القصد من هذا الهجوم تخويف المعارضين داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وبما أن نظام الرئيس «بشار الأسد» لا يحتمل أبدا أن يكون محبوبا في المناطق المستعادة، كان القصد من الهجوم هو التخويف.

وهناك مجموعة ثانية من الأسئلة تدور حول السلوك الروسي. لقد تدخل الروس في سوريا لإنقاذ «نظام الأسد» (وإظهار القوة الروسية لعامة الناس). وكان لديهم بعد التدخل، قدر كبير من السيطرة على «الأسد»، وينبغي أن تكون أجهزة الاستخبارات الخاصة بهم في وضع يمكنها من معرفة حيثيات الهجوم الكيميائي. وروسيا تتعرض بالفعل لانتقادات خارجية لدعم «الأسد». فكلما كان سلوك النظام أكثر وحشية، كلما كان الأمر أكثر صعوبة للدفاع عن الدعم الروسي له. ليس لروسيا مصلحة استراتيجية في بقاء «الأسد»، والحجة القائلة بأن روسيا تريد مرفأ بحريا في سوريا لا تصمد، فتوريدات هذه القاعدة تعتمد على الأتراك الذين يسمحون بالمرور، والقاعدة ستكون عرضة للهجوم الأمريكي، والروس لديهم مشاكل أكثر أهمية من خيال أن يصبحوا قوة البحر الأبيض المتوسط.

وكان الهدف من التدخل هو إظهار القوة الروسية والحكمة الروسية مقارنة بالفوضى الأمريكية في العراق. وإذا كان هناك هجوم كيماوي آخر من قبل السوريين فإنه سيجعل الروس يظهرون كشركاء «الأسد» الوحشيين، أو الغير قادرين على معرفة نوايا «الأسد» أو السيطرة عليها.

إن فشل الروس في السيطرة على وكلائهم يقوض مهمتهم في إعادة تشكيل تصورهم. ويترك الاعتراض الروسي على الضربات الأمريكية، بعد فشلها في السيطرة على النظام الذي نجا فقط بسبب التدخل الروسي، يترك الروس في موقف غير مريح. لم يكن عليهم أن يكونوا هناك، لكنهم اختاروا ذلك، ومن غير الواضح لماذا لم يكن الروس في وضع يسمح لهم بمنع الهجوم الكيميائي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الضربة تقدم لمحة عن سياسة الأمن القومي لإدارة «ترامب». ويبدو أنها أكثر تقليدية بكثير مما تشير إليه الضجة حولها. مع مرور الوقت، وضعت الولايات المتحدة استراتيجية لاستخدام الضربات الجوية لمواجهة الإجراءات التي لا تحبها. يمكن أن تسبب الغارات الجوية ألما، ولكن من غير المرجح أن تتسبب على المدى الطويل في تغيير سياسات الخصم. وبالعودة إلى إدارة الرئيس السابق «بيل كلينتون»، عندما استخدمت هذه الضربات ردا على الهجمات التي شنتها القاعدة في شرق أفريقيا وعلى المدمرة كول، وقد أدى هذا الأمر إلى إلحاق الألم بالخصم دون إظهار الرغبة أو القدرة على التصرف بحسم.

إجراءات حاسمة؟

وفي الوقت الحالي، من المستحيل اتخاذ إجراءات حاسمة في سوريا. حيث يوجد لدى الولايات المتحدة حاليا نحو ألف جندي في البلاد. وسيلزم أكثر من مائة ضعف لهذا العدد للإطاحة بنظام الأسد ومحاولة تهدئة البلاد. وكما تعلمت الولايات المتحدة في العراق، فمن الصعب تهدئة بلد ما بعد تدمير جيشه ونظامه. ليس لدى الولايات المتحدة قوات كافية في المنطقة لإسقاط نظام آخر ومحاربة التمرد هناك، إن التدخل في سوريا إلى حد تغيير النظام ليس عمليا.

ببساطة لقد رأى «ترامب» أنه لا يستطيع تجاهل ما حدث. وكما هو الحال دائما مع الرؤساء، كان لديه أسباب متعددة للشعور بهذه الطريقة. أولا، تزايد انتشار الأسلحة الكيميائية على مستوى العالم والتهديد الذي يشكله الإرهاب في الولايات المتحدة أيضا. ثانيا، لم يبد التجاهل وعدم القيام بشيء خيارا مناسبا. وأخيرا فإن قرار الرئيس السابق «أوباما» بعدم الرد على هجوم كيميائي مماثل أجبر «ترامب» على تمييز نفسه.

يضع جميع الرؤساء سياسات ويتحدثون عنها. ولكن في التحليل النهائي، فإن الرؤساء مقيدون بالواقع. إن عدم القيام بشيء على الإطلاق من شأنه أن يفتح الباب أمام الخصوم الذين يعيدون حساب أفعالهم على أساس أن الولايات المتحدة لن تتصرف. وكان «ترامب» قد أشار إلى وجود انزعاج من طريقة تعرض الولايات المتحدة الواسع للصراعات الجارية. ولكنه في النهاية كان مضطرا إلى القيام بما فعله الرؤساء الآخرون في حالات مماثلة: القيام بعمل بالحد الأدنى دون التوسع على الأرض. لقد أثبت للجميع القوة الأمريكية وحدودها. كما أثبت استحالة التقاعس عن العمل، واتبع مسارا جيدا.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

أمريكا روسيا سوريا بشار الأسد الأسلحة الكيميائية