«بروكنغز»: الرياض وواشنطن ليستا حليفتين.. ولكن شيطنة السعودية لا تخدم المصالح الأمريكية

السبت 29 أبريل 2017 08:04 ص

كيف سيتعامل «دونالد ترامب» مع السعودية؟ تدهورت العلاقات مع المملكة العربية السعودية خلال إدارة «أوباما»، وهو ما يتطلب الكثير من العمل لإصلاحها. ولكن السؤال الأول الذي سيتعين على الإدارة الجديدة إجابته هو إلى أي مدى ترغب في ذلك. فمن ناحية، تعتبر العلاقة الأمريكية السعودية حيوية للحفاظ على سعرٍ منخفض أو على الأقل مستقر للنفط، وهي المصلحة التقليدية لواشنطن في المنطقة. وتعد الرياض أيضًا زعيم المعسكر «المعتدل» أو على الأقل المؤيد نسبيًا للغرب بين الدول العربية، حيث تعارض الأنظمة المارقة، مثل إيران، التي ترعى الإرهاب. وعلى وجه الخصوص، تعتبر المملكة شريكًا متكاملًا في مكافحة الإرهاب، وتلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة تمويل الإرهاب والتهديد اليومي من قبل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية والجهاديين بشكلٍ عام.

من الشائع القول بأنّ البلدين يحتاج كل منهما إلى الآخر، وأنّ الضرورة ستبقي على العلاقة بينهما وثيقة، لكنّ المصالح المشتركة، وإن كانت لا تزال حقيقية، فقد تضاءلت. وعلى الرغم من أنّ الرئيس «أوباما» قد باع للمملكة أسلحة بأكثر من 100 مليار دولار، إلا أنّ وسائل الإعلام السعودية كثيرًا ما صورت إدارته بالإدارة غير الموثوقة والمعادية. وأسعار النفط اليوم هي نصف ما كانت عليه في عام 2014. وتحول الصخر الزيتي في الولايات المتحدة إلى مصدرٍ رئيسيٍ للنفط، وبالتالي منافسًا للمملكة. وكان القادة السعوديون غاضبين من تخلي الولايات المتحدة عن نظام «حسني مبارك»، ثم دعموا الانقلاب في مصر، في مواجهة السياسة الأمريكية. وعلى الرغم من أنّ الجهود الدبلوماسية قد تكون قد أزالت مخاوف إيران النووية في الوقت الراهن، إلا أنّ السعوديين عارضوا الاتفاق، خوفًا من وجود علاقةٍ أوثق بين واشنطن وطهرانولا يشارك معظم السعوديين الولايات المتحدة قيمها فيما يتعلق بحقوق المرأة والمثليين والحريات الدينية والحريات الأساسية الأخرى، والتي تعتبر أساسية لدى المجتمع الأمريكي، إلا أنّ إدارة «أوباما» كانت قد تخلت إلى حدٍ كبير عن انتقاد النظام السعودي لأسبابٍ تتعلق بحقوق الإنسان.

واليوم، ما يبقي على العلاقة بين البلدين هو مكافحة الإرهاب، حيث تلعب السعودية دورًا رئيسيًا في تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة تمويل الإرهاب ودعم العمليات العسكرية الأمريكية. وكتب عددٌ من كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب والأمن الوطني رسالةً مفتوحةً في الخريف، حيث أعلنوا أنّه «مع مرور الوقت، تطورت المملكة لتصبح واحدة من أهم شركاء واشنطن الموثوق بهم في مكافحة الإرهاب، على الصعيدين العالمي والإقليمي».

لكنّ العلاقة المبنية على مكافحة الإرهاب مضطربة هي الأخرى. ففي عام 2016، تغلب الكونغرس على فيتو الرئيس «أوباما»، واعتمد قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، والذي يحد من نطاق الحصانة السيادية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ويمكن ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وغيرهم من مقاضاة السعودية على أي دعمٍ قد قدمته للإرهابيين. وقال السيناتور «تشاك شومر»، وهو أحد مؤيدي جاستا، أنّ السعوديين قد "قدموا دعمًا ماليًا للعمليات المرتبطة بالإرهاب. ووجه السيناتور «كريس ميرفي»، وهو مؤيدٌ آخر للقانون، انتقادًا أوسع للمملكة قائلًا: «لقد سمحنا للسعوديين بخلق نسخة من الإسلام أصبحت لبنة أساسية لإنشاء الجماعات التي نقاتلها اليوم. ولقد استغرقنا معهم كل الوسائل، وطلبنا منهم التوقف، وتشير الأدلة إلى أنّهم لم يفعلوا ذلك».

وفي خطابٍ سري تم تسريبه عام 2013، أعلنت «هيلاري كلينتون» أنّ «السعوديين قاموا بتصدير أيديولوجية أكثر تطرفًا من أي مكانٍ آخر على وجه الأرض، على مدى الأعوام الثلاثين الماضية».

والحقيقة هي أنّ مكافحة الإرهاب أمرٌ معقد يتجاوز المسميات المبسطة. وقد أحرزت المملكة تقدمًا كبيرًا في الأعوام الخمسة عشر الماضية. لكن لا يزال أمامها طريقٌ طويلٌ لتقطعه. وقبل الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، وحتى بدأ تنظيم القاعدة في الهجوم على المملكة مباشرةً في مايو/أيار عام 2003، لم تكن السعودية متعاونة إلى حدٍ كبير، وغالبًا ما كانت جزءًا من المشكلة أكثر من كونها جزءًا من الحل. ومنذ عام 2003، برز النظام السعودي كشريكٍ حاسم في مكافحة الإرهاب، وساهم في العديد من النجاحات الهامة ضد تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإنّ ما يعقد هذه الصورة هو مجموعة من الدعاة والمنظمات غير الحكومية، التي يساهم بعضها في دعم شرعية النظام. حيث يسهم الدعم الحكومي لهذه الجهات في خلق مناخٍ عام من التطرف، الأمر الذي يزيد من صعوبة القضاء على التطرف العنيف. نتيجةً لذلك، لا يزال الخطاب المعادي للسامية والخطاب الطائفي يخرج من المملكة، وغالبا ما تمجد المملكة الصراعات التي يلعب فيها الجهاديون دورًا نشطًا.

يتعين على «دونالد ترامب» إدراك أنّ قدرة واشنطن على التأثير على المملكة محدودة، نظرًا للحساسيات المحلية. وفي نهاية المطاف، من المفيد أن يتذكر واضعو السياسات أنّ السعودية شريكٌ رئيسي، لكنّها ليست صديقًا. وتشترك واشنطن والرياض في العديد من المصالح المشتركة، لكنّهما لا تشتركان في قيم مشتركة ولا تملك نظرة عامة مشتركة.

البحث عن نفوذ «إسلامي»

كانت السعودية دائمًا دولة مسلمة محافظة، لكن عندما أخذت المملكة شكلها الحديث عام 1932، كانت طاقتها الدينية تركز في البداية على الداخل. وفي الستينات من القرن الماضي، سعى الملك «فيصل بن عبد العزيز» إلى تشكيل تحالفات على أساس الهوية الإسلامية المشتركة. وكان القصد من الدين أن يحبط القومية العربية المتطرفة للرئيس المصري «جمال عبد الناصر»، والتي كانت تهدد الشرعية الملكية في جميع أنحاء المنطقة. وكان الهدف من هذه الهوية توحيد الدول ضد الشيوعية الدولية التي عارضها «فيصل» والقيادة السعودية بشدة، بالإضافة إلى دعم الاستقلال الفلسطيني. وقد لعبت السياسة الداخلية دورًا أيضًا، فقد انتزع «فيصل» العرش من أخيه سعود ضعيف الكفاءة، وكان الدعم من المؤسسة الدينية أساسيًا لضمان شرعيته. وتحقيقًا لهذه الغاية، أنشأ «فيصل» منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، وتبنى مجموعة من القضايا الدينية في الخارج.

وقد مكنت زيادة أسعار النفط، بسبب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وما نجم عن ذلك من حظر النفط وخفض الإنتاج، المملكة من المساهمة بمبالغ هائلة في القضايا الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وفي عشرات الأعوام التي أعقبت ذلك، دعم «خلفاء» فيصل بناء المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس بالآلاف في جميع أنحاء العالم. وتولى «فهد بن عبد العزيز» السلطة رسميًا عام 1982. ويدعي موقعه على الإنترنت أنّ العلماء السعوديين قد ساعدوا في إنشاء وإدارة 200 من الكليات الإسلامية، و 210 من المراكز الإسلامية، و1500 مسجد و2000 مدرسة للأطفال المسلمين في البلدان غير المسلمة. وقال «ديفيد أوف هاوزر»، المسؤول السابق بوزارة الخزانة، أنّ الرقم الإجمالي للإنفاق على هذه الأمور «يفوق 75 مليار دولار».

وقد نشرت هذه المنشآت التعليم الديني خارج السعودية عن طريق الجمعيات الخيرية المختلفة التي قدمت تعليمًا ورعاية صحية وقدمت خدمات أخرى كجزء من مهمتها. وقد ادعى تقريرٌ برلمانيٌ أوروبي أنّ السعوديين أنفقوا 10 مليارات دولار لتعزيز السلفية والوهابية، من خلال الجمعيات الخيرية مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية، ومؤسسة الحرمين، والجمعية العالمية للشباب الإسلامي. ويقال بأنّ رابطة العالم الإسلامي قد مولت معسكرات تدريب ومدارس دينية في باكستان وأفغانستان. وسجلت مؤسسة الحرمين حضورًا في 50 دولة تقريبًا، وأنفقت عشرات الملايين من الدولارات. وذهب معظمها في الدعوة إلى الإسلام والعمل الإنساني، ولكن ذهب بعضها إلى الشبكات الجهادية.

المملكة والحركة الجهادية

وكانت المملكة بطيئة في الاعتراف بتهديد الإرهاب وترددت في التعاون مع الولايات المتحدة. وبعد تفجير أبراج الخبر عام 1996، والذي أسفر عن مقتل تسعة عشر جنديًا أمريكيًا متمركزين على أرض السعودية، لم تشارك الرياض المعلومات الحيوية مع المخابرات الأمريكية. وتمتعت العديد من الجهات المرتبطة بالحركة الجهادية العالمية، مثل القتال في كشمير والشيشان، بشرعية واسعة داخل المملكة. وبدا أنّ دعم المواطنين لهذه الصراعات لا يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن السعودي. وكان وزير الداخلية في التسعينات من القرن الماضي، نايف بن عبد العزيز (والد ولي العهد الحالي)، قد اعتبر أنّ سمعة «أسامة بن لادن» الإرهابية كانت نتاج دعاية أمريكية، وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تم الادعاء في البداية أنّها كانت «مؤامرة صهيونية».

ولم يستغرق تغير الوضع فترة طويلة. ففي 14 فبراير/شباط عام 2003، أصدر «بن لادن» رسالة تعلن الحرب ضد آل سعود. وبدأ تنظيم القاعدة بمهاجمة المملكة بشكل مباشر، واستهدف المغتربين وقوات الأمن على حدٍ سواء. وبين عامي 2003 و2006، وصل الضحايا إلى المئات. وقاد ولي العهد الحالي وقيصر مكافحة الإرهاب منذ فترة طويلة، «محمد بن نايف»، الحملة ضد تنظيم القاعدة، وأدى في نهاية المطاف إلى القضاء على التنظيم داخل المملكة.

وفي عام 2008، وقعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اتفاقًا ثنائيًا بشأن التعاون الفني لمكافحة الإرهاب. وبموجب الاتفاق، قدمت واشنطن المستشارين، بتمويل من الرياض، للمساعدة فى القيام بالإجراءات الأمنية. كما عمل الجيش الأمريكي على تدريب القوات السعودية.

ويمكن رؤية التحول في النهج السعودي وأهمية الدور السعودي في مكافحة الإرهاب في العديد من النجاحات ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكان من أبرز الأمثلة على هذا الدور المتزايد، الأهمية التي لعبتها المملكة في إحباط القنبلة التي كان تنظيم القاعدة باليمن قد وضعها على متن طائرة متوجهة إلى شيكاغو عام 2010. وطبقًا لصحيفة «نيويورك تايمز،» فقد قدم مسؤولو المخابرات السعودية معلوماتٍ سرية إلى نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين، الأمر الذي سمح لأفراد الأمن البريطانيين والإماراتيين باعتراض القنابل الخفية التي كانت بالفعل في طريقها إلى الولايات المتحدة. وكانت معلومات اللحظات الأخيرة نتاج عمليات استخباراتية سعودية استمرت لفترة طويلة باختراق تنظيم (القاعدة في جزيرة العرب). وربما كان الاتصال السعودي حاسمًا، حيث كانت المتفجرات المخبأة قد اجتازت بالفعل عدد من النقاط الأمنية قبل أن يأتي الإنذار في الوقت المناسب. وبالإضافة إلى هذه القدرات الاستخباراتية البشرية القادرة على التسلل إلى الأوساط الجهادية (والتي لا تنجح فيها المخابرات الغربية بسهولة)، تلعب المملكة العربية السعودية أيضًا دورًا محوريًا في الحملة الأمريكية ضد القاعدة في جزيرة العرب، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية.

ويعتبر تنظيم الدولة الإسلامية، مثل تنظيم القاعدة، تهديدًا أمنيًا كبيرًا ضد النظام السعودي. وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية السعودية كعدوٍ له، ويظهر في بعض الدعاية صورًا لعلمه الأسود مرفوعًا على مكة المكرمة. وهاجم إرهابيو الدولة الإسلامية المساجد الشيعية والمسؤولين الأمنيين في المملكة، وطالبوا المواطنين باغتيال كبار القادة السعوديين. وعلى نطاقٍ أوسع، يهدد تنظيم الدولة الإسلامية شرعية النظام، مدعيًا أنّه وحده يجسد إقامة الدولة وفقًا للشريعة. وقد وصف التنظيم العائلة المالكة بـ «عبيد الصليبيين وحلفاء اليهود»، وندد بهم لتخليهم عن المسلمين في جميع أنحاء العالم.

تضييق الخناق

واتخذت الرياض خطواتٍ من شأنها تضييق الخناق على تدفق السعوديين إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وقد ألقت القبض على أكثر من 1600 من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية المشتبه بهم، وأحبطت عدة هجمات. وأعلن مسؤولون بوزارة الخزانة الأمريكية أنّ السعوديين يبحثون مع الولايات المتحدة وقف التمويل الذي يحصل عليه تنظيم الدولة الإسلامية، وقد كثفت المملكة رصدها لوسائل التواصل الاجتماعي. كما ندد كبار المسؤولين الدينيين الذين لهم علاقات وثيقة مع العائلة المالكة بتنظيم الدولة الإسلامية (وتنظيم القاعدة). وأعلنت المملكة أنّها تشكل تحالفًا إسلاميًا عسكريًا، يكون مقره في السعودية، لمكافحة الإرهاب.

وقد أصبحت المملكة أكثر فعالية بكثير في منع تمويل الإرهابيين. واعتمد تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة على الممولين السعوديين، وكانت استجابة الرياض الأولية باهتة. وكان جزء من المشكلة يرجع إلى أن السعودية لا تمتلك نظاما ضريبيا متطورا، وبالتالي تفتقر الحكومة غالبًا إلى معرفة كمية المال التي يحملها مواطنوها أو كيفية إنفاقها. واستثمرت المملكة بكثافة في مكافحة تمويل الإرهاب، بمساعدة كبيرة من الولايات المتحدة. وفي عام 2014، كانت الأموال التي توجه للمقاتلين في سوريا غالبًا ما توجه عبر الكويت لتجنب التدابير السعودية المضادة.

وعلى الرغم من هذه التدابير العدوانية، لا يزال الدعم المالي للجماعات المتطرفة السنية من قبل السعوديين يمثل مشكلة كبيرة. وكما قال «بروس ريدل»، وهو مسؤولٌ سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: «لا تزال المصادر السعودية تمثل التمويل الرئيسي لمجموعات مثل حركة طالبان الأفغانية ولشكر طيبة في باكستان. وتشير بعض الحسابات إلى أنّ أموالًا سعودية كبيرة قد ذهبت إلى الفرع التابع لتنظيم القاعدة في سوريا، وهي جبهة النصرة». لكن من الواضح أنّ هناك مجالٌ للتحسن.

وبدأت السعودية أيضًا برنامجًا للإصلاح، خاص بالإرهابيين، ممولًا تمويلًا جيدًا، يتيح للمتشددين السابقين فرصةً لإعادة الاندماج في المجتمع. ويشارك الزعماء الدينيون في ردع المشاركين عن الآراء المتطرفة. ويحصل المشاركون على عمل ودعم للأسرة. ومع ذلك، فإنّ بعض من خضعوا للبرنامج انتكسوا، بما في ذلك العديد من الأعضاء المهمين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. لكنّها خطوة في الاتجاه الصحيح.

تعقيدات السياسة

وترتبط سبل التقدم بشكلٍ أكبر بمسائل السياسة السعودية الأوسع نطاقًا من العمليات اليومية. وعلى الرغم من أنّ الرياض تعارض تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنّها تجد أنّ النظام السوري، بعلاقاته الوثيقة مع إيران، أكثر تهديدًا. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المملكة للحد من تدفق المقاتلين إلى الخارج، لا يزال من السهل انضمام السعوديون إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، فهم يشكلون نسبةً مقلقة من المقاتلين الأجانب داخل التنظيم.

الأهم من ذلك، أنّ السعودية هي موطن العديد من الدعاة والمنظمات الدينية التي تعارض الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. ويدين بعض الدعاة السعوديين البارزين المسلمين الشيعة بانتظام. ويحث العديد من كبار الزعماء الدينيين السعوديين على الامتناع عن الخضوع للتجنيد في النزاعات الخارجية، بدعوى أنّ الاستجابة أولى أن تكون من قبل المسلمين المحليين أو سلطات الدولة.

ويزيد التنافس السعودي مع إيران من استقطاب المنطقة. ومن خلال تصوير إيران كمصدر لجميع مشاكل المنطقة، يمنح الدعاة في المملكة الشرعية لأولئك الذين يقاتلونها، بمن في ذلك الجهاديين. ولتعزيز موقفها، دعمت إيران الميليشيات الشيعية في أفغانستان والعراق وحزب الله اللبناني، ويستخدم كل من البلدين وكلاءً محليين لتقويض الآخر، مما يؤدي إلى تصاعد التهم المتبادلة على طول الطريق.

وتعتبر المملكة القاعدة عدوًا مميتًا، إلا أنّ حملتها العسكرية في اليمن، وبدعمٍ كبير من دولة الإمارات، قد مكنت التنظيم بشكل غير مباشر. فمن خلال استهداف الحوثيين، الذين تعتبرهم الرياض قطعة شطرنج في يد طهران، أعطت السعودية متنفسًا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. غير أنّ السعودية والإمارات قد أعادا ترتيب أولويات القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي أجبر التنظيم على التراجع.

وحين بدأت السعودية حربها في اليمن، فعلت ذلك دون تنسيق مع أي طرف. وعلى الرغم من صد الحوثيين، لم تفرض الرياض هيمنتها، الأمر الذي أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين وإنفاق مليارات الدولارات في هذه العملية. وتابعت المملكة الحرب على الرغم من انتقاد إدارة «أوباما» لمقتل المدنيين، ولكن لا تزال قواتها تعتمد على واشنطن في الاستخبارات والخدمات اللوجستية.

سياسة مضطربة

وتمثل السياسة السعودية لمكافحة الإرهاب مزيجًا من الأيديولوجيا والسياسة الداخلية والبراغماتية الباردة. ويعد معظم السعوديين، ومن بينهم الكثيرون في الحكومة، مؤيدين قويين للوهابية، ويعتبرون غير المسلمين (ومعظم غير السلفيين) معادين، وينظرون إلى محاربة (إسرائيل) والهند، وفي بعض الأحيان، حتى الولايات المتحدة، كقضية عادلة. ويمثل نشر صحيح الإسلام أمرًا شعبيًا بشكلٍ خاص.

وبالنسبة للأسرة المالكة، يختلط هذا الدعم المحلي العام بالحاجة إلى الشرعية. ولا تخضع الأسرة المالكة للانتخاب، وهناك خلط في سجلاتها للخدمات الاجتماعية  والنمو الاقتصادي. وقد أدى انهيار سعر النفط إلى كشف نقاط ضعف مثيرة للقلق. حيث أنّ عجز المملكة في الموازنة اليوم هو الأكبر في تاريخها. وعلى هذا النحو، تعتمد العائلة المالكة بشكلٍ كبيرٍ على اتفاقها مع المؤسسة الدينية لتنفيذ الشريعة الإسلامية والدفاع عن الإسلام بشكلٍ عام. وبالتالي، فإنّ رفض العمل الدعوي والتعليم الديني لا يمكن الدفاع عنه. وقد اقترب الملك «سلمان» من المؤسسة الدينية بشكلٍ أكبر منذ توليه السلطة عام 2015. وقد أقال المرأة الوحيدة في الحكومة، وهو على اتصالٍ دائمٍ بكبار رجال الدين المحافظين.

لكنّ العائلة المالكة السعودية براغماتية أيضًا. وهي تقدر علاقتها مع الولايات المتحدة، وقد تعلمت من هجمات عام 2003 أنّ المشاكل البعيدة يمكن أن تجد طريقها إلى ديارها بسرعة وبشكلٍ غير متوقع. ويتحسس النظام بشكلٍ خاص أي شيءٍ قد يشكك في شرعيته، ولم يتردد في إسكات أو سجن رجال الدين الشعبيين عند الضرورة.

وما يعقد هذه التعميمات، هو أنّ المملكة الآن في خضم تغيير عميق. ويعتبر الملك «سلمان» هو آخر جيله. وقد نشأ كل القادة السعوديين في المستقبل (والغالبية العظمى من السعوديين) في بلدٍ ذا ثروة كبيرة. وفي العامين الماضيين، كانت المملكة، التي فضلت تاريخيًا التحرك خلف الكواليس، قد رسمت لنفسها بالفعل مسارًا مستقلًا بشكلٍ متزايد. وقد هز الملك «سلمان» خط الخلافة، وذهب إلى الحرب في اليمن على الرغم من المعارضة الأمريكية الأولية، وانتقد علنًا ​​إدارة «أوباما» بسبب اتفاق إيران، وعزز العمل في سوريا، ويلعب دورًا أكثر نشاطًا في المنطقة. وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كان تعيين «محمد بن نايف» وليًا للعهد واعدًا على الأقل، فهو مؤيدٌ للولايات المتحدة ومعروفٌ بعدوانيته ضد تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى. ومع ذلك، فإنّ «محمد بن سلمان»، من الناحية الشكلية هو ولي ولي العهد، لكنّه ابن الملك ووريثه المفضل كما يبدو، وهو الذي يظهر على الساحة في كثير من المحافل. ويبدو أنّهما يحاولان تهميش الأمير «محمد بن نايف».

إعادة هيكلة

وقد بدأت المملكة أيضًا، إعادة هيكلة اقتصادية ضخمة. لكن لا يزال اقتصادها يعتمد على النفط، كما يعاني القطاع العام من التضخم، ويحتاج نظامها التعليمي إلى المزيد من المعرفة العملية والتأهيل لسوق العمل، وقد اعتاد السعوديون على الاستفادة من الإعانات الحكومية الضخمة، ويمثل كل هذا تحدياتٍ معقدة. وقد اقترح الملك الجديد وابنه مجموعةً طموحةً من الإصلاحات للقضاء على إدمان المملكة للنفط. وتشمل التغييرات المحتملة خفض الدعم، وبيع الأراضي العامة، وفرض ضريبة القيمة المضافة. إلا أنّ وتيرة الإصلاحات السعودية غالبًا ما تكون بطيئة للغاية. وبقدر ما تكون مشاكل التطرف في المملكة مدفوعة بالعلل الاقتصادية والاجتماعية، فمن المرجح أن يحرز تقدمًا ضئيلًا على المدى القريب، أو قد تزداد الأمور سوءًا.

وقد ساعد الضغط الأمريكي على النظام على تحويل إمكاناته نحو مكافحة الإرهاب. وحتى لو كان الدافع الرئيسي هو تجنب التهديد المتصور للمملكة نفسها، وليس النفوذ الأمريكي، فهي نجاحاتٌ حقيقية تستحق التقدير.

ويعتبر تغيير السياسة السعودية هدفًا صعبًا. ويجب على الرياض أن تتجاوز التعريف الضيق لمكافحة الإرهاب. فالعديد من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، خاصةً «تعزيز التطرف» في الخارج عن طريق الطائفية وانتقاد غير المسلمين، تلمس قضايا سياسية داخلية جوهرية تتعلق بشرعية النظام وبقائه. وستأتي الإصلاحات في هذه المجالات ببطء، في أحسن الأحوال، وينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع انحدارًا في حالة ما واجه النظام تحديًا وجوديًا خطيرًا.

ولا تأبه الدائرة الصغيرة من صناع القرار في السعودية كثيرًا للرأي العام، وهي تؤمن بقوة بقيمة العلاقات الشخصية الوثيقة. ولكي تكون الضغوط الأمريكية فعالة، يجب أن تشمل كبار المسؤولين، ومن بينهم الرئيس. وإلا فسيتم تجاهلها ببساطة أو قد تأتي بنتائج عكسية.

وينبغي أن تدرك إدارة «ترامب» أنّ السعودية عنصرٌ حيوي في جهود قتال تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات الجهادية الأخرى. لكنّها ليست صديقًا. ولا تساعد شيطنة السعودية على خدمة المصالح الأمريكية، ولا ينبغي فصلها عن الروابط التي تخدمها. ولكن لا ينبغي أيضًا للإدارة الجديدة أن تظهر واشنطن والرياض على نفس الخط تمامًا، نظرًا للاختلاف العميق في القيم بينهما.

  كلمات مفتاحية

ترامب السعودية العلاقات السعودية الأمريكية

«ترامب» يعاود ابتزاز السعودية: المملكة لا تعاملنا بشكل عادل.. ونتكبد أموالا باهظة للدفاع عنها