عودة «التجنيد» بالكويت.. حماسة شبابية وعسكرية وتخوف اقتصادي واجتماعي

الثلاثاء 9 مايو 2017 09:05 ص

تدخل الخدمة العسكرية الإلزامية في الكويت، غدا الأربعاء، حيز التنفيذ، وسط حماسة شبابية بعودة التجنيد بعد 16 عاما من التوقف، وتخوف من تأثيره على الاقتصاد باعتباره أمر يضر أكثر مما يفيد.

وتبدأ المرحلة الأولى من الخدمة، بتسجيل الشباب الكويتيين ممن بلغوا سن الـ18 عبر الموقع الالكتروني لوزارة الدفاع، على أن يتم إلحاق الدفعة الأولى بمراكز التدريب في شهر يوليو وبعد عيد الفطر المبارك مباشرة.

ودعت السلطات العسكرية الكويتيين الذكور الذين سيبلغون سن 18 ابتداء من تاريخ 10 مايو/ أيار الجاري، إلى التسجيل في الخدمة العسكرية خلال 60 يوما.

وسيتم منح المتقدم مهلة لمراجعة مراكز الخدمة الوطنية بحسب العنوان الذي يحدد له، وإلا اعتُبر المكلف متخلفاً عن تأدية الخدمة الوطنية وتنطبق عليه العقوبات التي حددها القانون ولائحته التنفيذية للمتخلفين.

ويعود التجنيد العسكري الإلزامي إلى الكويت بعد توقف دام 16 عاما، مع إعطاء الجيش الكويتي إشارة البدء بتسجيل الملتحقين بالدورة الأولى، غدا، حيث يبلغ عددهم 13 ألفا و217 شابا يكملون الثامنة عشرة في هذا اليوم.

وتنضم الكويت بذلك إلى قطر والإمارات جارتيها في الخليج العربي اللتين تطبقان نظام التجنيد الإجباري.

ويبلغ عدد المواطنين الكويتيين قرابة مليون و300 ألف، بحسب أحدث الإحصاءات الرسمية.

و«الخدمة الوطنية العسكرية»، وفق المادة الأولى من الدستور الكويتي، واجبة على كل كويتي من الذكور أتم الـ18 من عمره عند العمل بهذا القانون، ويعفى من تجاوز هذا العمر من أدائها، وهي خدمة عاملة وخدمة احتياطية.

وتسعى مديرية الخدمة الوطنية في وزارة الدفاع الكويتي، إلى استكمال استعداداتها من خلال تجهيز ميادين التدريب والمدربين والمهاجع والإمداد والتموين ومراكز المحافظات، لبدء استقبال أول دفعة من الشباب الذين تنطبق عليهم شروط تأدية الخدمة الوطنية «التجنيد الإلزامي».

ومن المقرر افتتاح 6 مراكز في محافظات البلاد يطلق عليها مراكز الخدمة الوطنية، بهدف استقبال المكلفين الذين يتم استدعاؤهم، وتعبئة النماذج الخاصة المعدة بالخدمة الوطنية، وإرفاق البيانات والمستندات المطلوبة، وتقديم ما يفيد حول الوضع العام للمتقدم.

نصوص القانون

ونص قانون الخدمة الوطنية العسكرية، على أن تكون الخدمة واجبة على كل كويتي من الذكور أتم الـ18 من عمره، ولم يتجاوز الـ35 عند العمل بالقانون، ويعفى من تجاوز هذا العمر من أدائها.

وتبلغ مدة الخدمة العامة 12 شهرا، هي 4 أشهر للتدريب و8 أشهر خدمة، بحسب القانون، إضافة إلى خدمة احتياطية على كل من أنهى الأولى مدتها 30  يوما في السنة، ولمدة 10 سنوات أو حتى بلوغه سن 45 عاما، أيهما أقرب.

وبين القانون أن خدمة الاحتياط هي الخدمة الواجبة على كل من أنهى الخدمة العاملة وتكون مدتها 30 يوما في السنة، كما نصت المادة 27 من القانون على أن «ينقل المجندون إلى الاحتياط لمدة 10 سنوات أو حتى بلوغهم سن الـ45 أيهما أقرب بعد انتهاء خدمتهم العاملة».

ويلتحق الشباب، في التجنيد لمدة سنة كاملة، يتخللها خلال الأشهر الأولى دورة تدريبية على استخدام الأسلحة والذخيرة، وبعدها يتم توزيع الدفعة على القطاعات لإكمال بقية مدة التجنيد.

ويرتبط تأجيل الخدمة، بوجود عذر قانوني يتيح إعفاء المتقدم أو تأجيل خدمته، بحسب ما نصت عليه قوانين الخدمة الوطنية، كأن يكون وحيد والديه، أو المعيل الوحيد لهما، أو يكون لديه عذر دراسي أو طبي، وهذا يتقرر وفق ما يتقدم به من مستندات.

أما الفئات المستثناة من التجنيد فهي، أبناء أسرى الحرب، والمصابين، والمسرحين من الخدمة العسكرية بسبب الإصابات، على أن تكون الإعفاءات عن طريق اللجان الطبية المعتمدة في المستشفى العسكري دون غيرها، بينما سيتم إعفاء المتحولين جنسيا من تأدية الخدمة العسكرية، إذا حصلوا على حكم قضائي.

وينص قانون الخدمة الوطنية، على أن «من يستكمل تأدية الخدمة الوطنية يستدعى كل عامين لمدة شهر في الوحدة التي فرز لها كنوع من التواصل والإعداد الجيد للشباب، وتحديث معلوماتهم العسكرية كل حسب اختصاصه، لا سيما أن التوزيع سيكون حسب الشهادة والاختصاص، فمنهم من سيوزع بالخدمات الطبية، وبعضهم في الخدمات الهندسية، والبقية في كل القطاعات العسكرية المقاتلة المتنوعة».

وبحسب القانون، يشترط للتعيين بأي من الوظائف الحكومية أو غير الحكومية أو منح ترخيص مزاولة مهنة حرة تقديم شهادة أداء الخدمة العاملة أو تأجيلها أو الاستثناء أو الإعفاء منها وفقا لأحكام هذا القانون وتكون الأولوية في التعيين لمن أدى الخدمة العاملة.

ووافق مجلس الأمة على توصية تقدم بها عدد من النواب، لاحقا، بأن يكون العاملون في القطاع الخاص مستثنين من الخدمة الوطنية العسكرية وفقا للمادة (11) من القانون وذلك تشجيعا للكويتيين على العمل في القطاع الخاص وهو ما يؤدي إلى تخفيف العبء عن القطاع الحكومي، وبالتالي عن الباب الأول من الميزانية، وهو ما يتماشى مع الأهداف التي تسعى إليها خطة التنمية.

بعد إنساني

من جانبه، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي الكويتي «فهد الشليمي»، أن الخدمة العسكرية في الكويت ستساهم في زيادة عديد المؤسسة العسكرية من 6 آلاف إلى 8 آلاف عسكري سنويا.

ونقل موقع «الجزيرة نت» عن «الشليمي»، قوله تشديده على الحاجة لتجنيد يحاكي البعد الإنساني للشباب ويختلف عن ذلك التقليدي القائم على إعطاء الأوامر.

وأضاف أنه «على الدولة رفع معنويات الشباب من خلال حملات توعية تشجيعية تسير بالتوازي مع تعامل قادة محترفين مع المجندين».

وأعرب «الشليمي» عن رجائه بـ«الابتعاد عن المحسوبية في تطبيق الخدمة العسكرية، فالجميع سواسية ويجب أن لا يكون هناك أي تمييز بين الشباب الكويتيين في خدمة وطنهم».

وعن حماسة الشباب للالتحاق بالخدمة، قال إنها «ستقرب المسافة بين جميع أبناء المجتمع»، مستندا إلى إحدى الدراسات التي بينت أن 68% من الشباب أبدوا حماسة للالتحاق بالتجنيد الإلزامي.

وأشار إلى أن «التجنيد هو تسخير الإمكانيات الشبابية والمتوسطة في العمر لدعم القوات المسلحة في الدولة بغرض دعم النقص المتوقع في القدرات البشرية عبر إلحاق الشباب لفترة محددة بها. وهو أمر مهم للدولة من جهة وللشباب أيضاً الذين يتعلمون الاعتماد على أنفسهم خلال فترة التجنيد».

وأضاف، لصحيفة «العربي الجديد»: «الأخطار العسكرية تحيط بالكويت من كلّ جانب مع انقسام العراق إلى دويلات طوائف ووجود الحشد الشعبي ومليشيات (داعش) فيها، والتي سبق لها القيام بأعمال إرهابية داخل البلاد».

حماسة

وقد أعرب عدد من الشباب المدعوين للالتحاق بالخدمة العسكرية مستقبلا عن استعدادهم المطلق للتجنيد عقب الانتهاء من الدراسة الجامعية، وتحدثوا عن فوائد الخدمة من النواحي الاجتماعية والسياسية لجهة معالجة بعض السلوكيات الخاطئة من جهة، وتوفير شباب مدربين على حمل السلاح في سبيل الدفاع عن الوطن من جهة أخرى.

وقال الشاب «حسين القلاف» إن التجنيد شرف كبير لشباب الكويت ويمنحهم القوة والشجاعة والانضباط، فهم الذين يجب أن يحملوا لواء حماية الوطن والدفاع عنه.

وأيده في الرأي زميله «برجس العازمي»، الذي قال إن «التجنيد يجعل الشباب أكثر صلابة وتحملا للمسؤولية، ويصنع من المجندين رجالا أقوياء يستطيعون الدفاع عن البلاد».

بينما قال طالب كلية الهندسة والبترول «عبدالله العلي»: «أرى أهمية كبيرة لعودة التجنيد الإلزامي بالنسبة للكويت، لتوفير شباب مدرب على حمل السلاح ومستعد للدفاع عن الوطن في وقت الخطر، وهو ما تحتاجه بلادنا خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث وتهديدات خطيرة»، بحسب صحيفة «القبس».

بينما رأى زميله «سعد العنزي»، أن منطقة الخليج تمر بظروف أمنية حرجة تهدد الاستقرار، وذلك يستدعي جهوزية شباب الكويت وتدريبهم على الشؤون العسكرية استعدادا للأخطار المحدقة، وذلك لا يتحقق إلا بالتجنيد الإلزامي.

تقييد حرية

في الجانب الآخر، اعتبر طالب كلية الآداب «خالد الشمري»، أن «التجنيد الإلزامي يقيد حرية الشباب»، لا سيما أنه يبدأ بسن مبكرة، يكون الطالب قد أنهى الثانوية ومقبل على الدراسة الجامعية.

واتفق معه زميله الطالب «حمد الغازي»، الذي قال إن «تشجيع الشباب على الدراسة والعمل والإنتاج، يتعارض مع قانون التجنيد الإلزامي»، مضيفا: «كنا نأمل ألا تزيد المدة الإلزامية للخدمة العسكرية على 6 أشهر كحد أقصى، حتى لا تسبب للشباب مشاكل دراسية أو عملية أو اجتماعية».

فيما شكا «حمد السعيد» من القرار، وقال: «ليس من العدل استثناء الأشخاص الذين يكبروننا سناً واستثناء الإناث من هذا القانون، بينما يجري الزج بنا فيه. وفق تجربة من سبقنا فإنّه غير مفيد ويضيّع أوقاتنا».

أمر عبثي

فيما نقلت صحيفة «العربي الجديد»، عن خبراء عسكريين، تأكيدهم أنّ التجنيد في دولة صغيرة مثل الكويت هو «أمر عبثي»، إذ إنّ عدد المؤهلين للتجنيد لا يتجاوز بحسب القانون الجديد الذي سيبدأ تطبيقه على مواليد 1999 (في السنّ الأصغر) أكثر من ربع مليون مواطن وهو عدد صغير مقارنة بالجيوش المحيطة بالمنطقة.

وقالوا إن التنظيمات الإرهابية لا تُحارَب بالتجنيد، بل تُحارَب بمحاربة الفقر، وتشديد الرقابة على المشتبه بهم، وعلى العكس من ذلك، فإنّ التجنيد من الممكن أن يفيد المنظمات الإرهابية كونه يقدم لها أشخاصاً سبق لهم استخدام السلاح والتدرب عليه تحت رعاية الحكومة، بحسب قولهم.

فيما قال الخبير الاقتصادي «سلطان العجمي»: «هذا القانون يتعارض بشكل كبير مع الدعوة لأن تكون الكويت مركزاً تجارياً واقتصادياً، لأنّه يزج بآلاف المواطنين الذين هم عماد الأيدي العاملة في هذه السوق داخل التجنيد الوطني».

وأضاف: «هذا سيؤخر حركة السوق، ويجعل الأمور مرتبكة وغير متزنة تماماً بالنسبة لهم، ويقضي على حرية التفكير والإبداع والتي هي شرط أساسي من شروط الاقتصاد الحر».

الشباب الكويتي كذلك بحسب مراقبين، لم يعتد ظروفاً عسكرية قاسية كتلك، لأن نشأته منذ البدء في عائلته، ودراسته في المدارس والجامعات، أفهمته، أو زرعت فيه بالأحرى أن دولته «نفطية»، وليست من دول المُواجهة، وسياساتها سلمية في العُموم، وبالتالي ربّما تطول مُدّة تقبّل الشباب لفكرة الالتحاق بالمُعسكرات طوعاً واختياراً، فبالنسبة لهم الأمن مُستتب حالياً.

إقرار القانون

يشار إلى أنه في 25 مارس/آذار 2015، وافق مجلس الأمة الكويتي على قانون «التجنيد الإلزامي»، وأحاله إلى لجنة شؤون الداخلية والدفاع في المجلس، لبحث تعديلاته قبل مداولته الثانية، التي أقرها البرلمان أيضا في 8 أبريل/ نيسان من ذات العام.

وتعتبر الخدمة الوطنية العسكرية، وفق المادة الأولى من القانون، هي «الخدمة الواجبة على كل كويتي من الذكور أتم الـ18 من عمره عند العمل بهذا القانون، ويعفى من تجاوز هذا العمر من أدائها وهي خدمة عاملة وخدمة احتياطية.

ونص القانون على أن مدة الخدمة العاملة 12 شهرا تشمل فترة تدريب عسكري وفترة خدمة وفي حال عدم اجتياز فترة التدريب العسكري بنجاح تكون مدة الخدمة العاملة 15 شهرا على أن يوزع المجندون على الوحدات، وفقا للأوامر التي تصدر عن رئيس الأركان العامة للجيش أو نائبه.

وجرى إقرار التجنيد الإلزامي في الكويت عام 1980، غير أن العمل به توقف عام 2001، بقرار من مجلس الأمة الكويتي، بسبب الثغرات الكثيرة التي كانت تعتري ذلك القانون، والسلبيات التي نتجت عنه آنذاك، على حد زعم بعض المسؤولين الكويتيين.

وكانت كل من الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والمملكة العربية السعودية، قد أعلنت تطبيق الخدمة الإلزامية للذكور في سن الثامنة عشرة في 2014، وقامت بجعلها اختيارية للإناث، عدا المملكة السعودية التي تحظر خدمة الإناث في السلك العسكري.

ويأتي فرض الخدمة العسكرية في عدد من دول الخليج، في سياق التوتر المتزايد في المنطقة، حيث تتهم إيران بأن لديها طموحات إقليمية على حساب جاراتها في الخليج.

  كلمات مفتاحية