السعودية وروسيا ومعضلة الدائرة المفرغة لأسعار النفط

الأربعاء 10 مايو 2017 09:05 ص

بدا قبل بضعة أشهر فقط، أنّ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لديها خطة لرفع أسعار النفط، حيث وافقت دول أوبك إلى جانب عددٍ من الدول غير الأعضاء في أوبك، في ديسمبر/كانون الأول، على خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا. وفي الربع الأول من عام 2017، حققت أوبك إلى حدٍ كبير تعهداتها. وانخفض إنتاجها بواقع 1.1 مليون برميل نفط يوميًا في الربع الأول من العام عما كان عليه في الربع الأخير من عام 2016. وتحملت السعودية، أكبر منتجٍ للنفط في أوبك، 55% من حصة التخفيض.

لكن في يوم 4 مايو/أيار، وصلت أسعار النفط إلى قاع سعري جديد خلال العام، حيث انخفضت إلى ما يقرب من 48 دولارًا للبرميل، ويتم تداولها حول هذا المستوى منذ ذلك الحين. ولم يكن الاتفاق الأصلي يهدف إلى إعادة أسعار النفط إلى مستوياتها المرتفعة التي كانت معهودة في السابق. بل كان الغرض منها فقط منع الأسعار من الانهيار تمامًا. ومع ذلك، يبدو أنّ الخطة قد فشلت، ويعد فشلها خبرًا سيئًا بالنسبة للسعودية، وبالنسبة لروسيا كذلك، والتي كان دورها مخادعًا بعض الشيء بخصوص مدى تأثير مساهمتها في خفض الإنتاج على الأسعار.

ويمكن للسعودية أن تتحمل الكثير من عبء تخفيض الإنتاج، وذلك لأنّها تعتمد، على عكس معظم البلدان الأخرى، على ما يقرب من 500 مليار دولار من الاحتياطيات. وببساطة، يمكنها تحمل خسائر قصيرة الأجل، لا يمكن للبلدان الأخرى تحملها. وعندما تكون الأسعار في حدود 50 دولارًا للبرميل، كما كان الحال بالنسبة لمعظم عام 2017، لن تضطر الرياض إلى الأخذ من احتياطياتها لتغطية العجز في ميزانيتها.

ولكن احتمال انخفاض الأسعار، ناهيك عن إعادة الإنفاق الحكومي على رواتب ومكافآت القطاع العام، يعني أنّ الرياض ستشعر قريبًا بالألم الذي شعرت به الكثير من البلدان الأخرى لبعض الوقت. وبالتالي فإنّ البلاد بحاجة إلى أن تفعل ما بوسعها لرفع الأسعار الآن، قبل أن تتراجع قدرتها على التأثير على السوق، حين تستثمر المزيد من الأموال لتنويع اقتصادها.

وتوجد بالطبع أسباب خارجة عن سيطرة الرياض في انخفاض أسعار النفط. فعلى سبيل المثال، زادت الولايات المتحدة من الإنتاج، وهو أمرٌ تميل إلى القيام به عندما تصل الأسعار إلى نقطة التعادل في تكلفة الإنتاج لديها في نطاق 50 دولارًا للبرميل الواحد. وقد أشارت تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في أواخر عام 2016، إلى أنّ الولايات المتحدة ستنتج 8.7 مليون برميل يوميًا في عام 2017. وقد بدأت بالفعل في تحسين توقعاتها التصاعدية، والتي تشير في تقديرات جديدة إلى أنّ البلاد ستنتج نحو 9.2 مليون برميل يوميًا في عام 2017 ، وربما ما يصل إلى 10 ملايين برميل يوميًا في عام 2018. وإذا استمرت هذه المعدلات، فإنّ الولايات المتحدة سوف تنتج المزيد من النفط الخام لتتخطى ما تنتجه المملكة، إذا حافظت الأخيرة على معدلاتها الحالية.

ثم هناك روسيا، والتي يقال بأنّها قد حرفت أرقامًا حول مدى التزامها باتفاق ديسمبر/كانون الأول، وذلك لأنّ روسيا ببساطة لا تستطيع خفض الإنتاج. وقال وزير الطاقة الروسي، «ألكسندر نوفاك»، أنّ روسيا قد حققت ما وعدت به من تخفيض في الإنتاج بلغ 300 ألف برميل يوميًا. وتشير إحصاءات وزارة الطاقة الروسية إلى أنّ التخفيض قد يصل إلى 400 ألف برميل.

لكنّ هذه الأرقام مضللة. فقد كان هناك انخفاض حاد مماثل في الإنتاج الروسي، وصل إلى 432 ألف برميل يوميًا، في هذا الوقت عام 2016، مما يثير مسألة ما إذا كان هذا مجرد تعديل موسمي. وقد التزمت روسيا فنيًا بخفض 300 ألف برميل يوميًا، إذا كان معيار مقارنة التخفيض هو إنتاج شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2016. لكن إذا كان المعيار هو المقارنة على أساس سنوي، فإنّ روسيا لم تلتزم بشيء. فقد رفعت روسيا إنتاج النفط الخام في يناير/كانون الثاني ومارس/آذار عام 2017 مقارنةً بالعام السابق.

وتصل اللعبة الآن إلى طريقٍ مسدود وسقف سعري لن يتخطاه النفط. إذا وصل السعر إلى 50 دولارًا للبرميل فأكثر، تزيد الولايات المتحدة من إنتاج النفط، وهو ما يساعد على خفض السعر مرة أخرى. ويمكن لموسكو أن تتحمل خفض إنتاجها على المدى القصير إذا ما ساهم خفض الإنتاج في رفع الأسعار إلى 70 دولارًا و80 دولارًا للبرميل. بيد أنّها لن تستطيع تحمل خفض الإنتاج على المدى القصير والذي من شأنه أن يغلق مرافق الإنتاج بسبب مدى اعتماد بعض المناطق في روسيا على النفط. كما سيكون من الصعب على روسيا الحفاظ على الإنتاج طويل الأجل لمنع انهيار أسعار النفط. وبعد كل هذا، هي بالفعل على وشك استنفاد جزءًا من أموالها الاحتياطية هذا العام.

ومع عجز روسيا عن تحمل التخفيض على المدى القصير، يقع الجزء الأكبر من مسؤولية خفض الإنتاج على السعودية، والتي تمتلك مبلغًا كبيرًا من المال لتغطية الخسائر. وبذلك تسير توقعات «جيوبوليتيكال فيتشرز» بشأن روسيا على الطريق الصحيح، حيث توقعت أن يكون عدم الاستقرار في الداخل الروسي دافعًا رئيسيًا لوضعها الجيوسياسي في عام 2017. وينطبق الشيء نفسه على توقعاتها بخصوص المملكة العربية السعودية، حيث توقعت أن تقف المملكة على حافة أزمة سياسية جوهرية لن تتمكن من تجنبها من خلال اكتتاب شركة أرامكو السعودية أو من خلال «رؤية 2030».

لقد كسبت منظمة أوبك لنفسها بعض الوقت حين وافقت على خفض الإنتاج في ديسمبر/كانون الأول. لكنّها تواجه الآن الخيار الصعب لإنهاء تلك التخفيضات ومشاهدة انخفاض الأسعار، وهو ما يمثل كارثة للدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك، أو مواصلة تلك التخفيضات لإبقاء الأسعار عند مستوياتها الحالية، وهو أمرٌ يصعب ضمانه على نحوٍ متزايد، بالنظر إلى تاريخ الالتزام باتفاقيات الأوبك. وعاجلًا أم آجلًا، فإنّ النتيجة ستكون انخفاض أسعار النفط، وعند هذه النقطة، ستبدأ العديد من توقعات «جيوبوليتيكال فيوتشرز»، والتي حددتها في بداية العام، بالتشكل بسرعة أكبر.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا النفط الصخري أوبك أسعار النفط