«واشنطن بوست»: لماذا يتوسع النظام المصري والسوري في ممارسات الإخفاء القسري؟

الأربعاء 10 مايو 2017 10:05 ص

أفادت منظمات حقوق الإنسان مؤخرًا بأنّ نشطاء في مصر قد اختفوا بعد أن تم إيقافهم عند نقاط تفتيش حكومية. وفي سوريا، أخفى النظام الآلاف في خضم حربه الأهلية الوحشية. ولقد أضافت الدول القمعية في الشرق الأوسط بشكلٍ متزايد «الإختفاء القسري» لمعارضي النظام إلى وسائل العنف التي تنتهجها.

والاختفاء القسري هو رفض الدولة الاعتراف بأنها تحتجز شخصًا احتجزته بالفعل، أو أن ترفض الكشف عن مصير ذلك الشخص. وقد وثقت الأمم المتحدة أكثر من 55 ألف حالة اختفاء قسري في 107 بلدا حول العالم منذ عام 1980، مع انتشار هذه الممارسة عبر البلدان بمرور الوقت.

وقد يبدو الأمر وسيلة لإخفاء عنف الأنظمة ضد معارضيها، وخاصةً في البلدان التي ترصدها دائمًا منظمات حقوق الإنسان. لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة. فهناك أنظمة معروفٌ بأنّها مارست الإخفاء القسري، كما حدث في غواتيمالا والسلفادور، واستخدمت أشكالًا علنية من العنف في نفس الوقت.

تختلف البلدان في كيفية استخدام هذا التكتيك. وقد أخفت الأرجنتين ما لا يقل عن 10 آلاف مواطن من معارضي نظامها العسكري في السبعينات، في حين أخفت الأوروغواي بضع عشرات فقط. فلماذا تبدي بعض الأنظمة استعدادًا للأمر، وينأى البعض الآخر عن إخفاء المعارضين رغم ممارستهم للقمع العنيف؟

أظهرت أبحاثي أنّ الدول تستخدم حالات الإخفاء القسري، بدلًا من أشكال القمع الأخرى، عندما لا تستطيع «قراءة» طبيعة المعارضة. وتستخدم الدول حالات الاختفاء القسري حين ترى أنّ خصومها يحظون بدعمٍ واسع ولكن غير واضح، مما يجعل من الصعب تحديد من يؤيد أو قد ينضم إلى المعارضة. ويحاول النظام بهذا ليس فقط الضغط على عدد قليل من النشطاء، ولكن لممارسة تخويف واسع موجه لكل المعارضين.

ولا تعد هذه الممارسة مجرد عقابٍ لمخالفي القانون. بل يقصد منها تخويف قطاعات واسعة من المجتمع لإسكاتها. ولتحقيق تخويف فعال ودائم، تمارس الدولة نفوذًا قسريًا بالاحتفاظ بالضحية جسديًا، وتقطع السبل الأخرى لتحرير الضحية باستثناء الامتثال، وبهذا تضمن امتثال عائلة الضحية والمعارف والأصدقاء، ويبقى التأثير ما دام يُعتقد بأنّ الضحية على قيد الحياة.

وغالبًا لا تقبل الأسر فكرة أنّ الضحية قد مات دون إثبات. ويعمل عدم اليقين على الحفاظ على أمل العائلة في أن يكون قريبهم على قيد الحياة، وهو ما يجعل تلك العائلة تخضع لنفوذ الدولة مع مرور الوقت. ولأنّ الأسرة تبقى في الظلام بالنسبة لمصير الضحية، يميل الأقارب إلى الاعتقاد بأنّ الضحية قد يكون حيًا وربما لا يزال يعاني. ويترددون بذلك في مقاومة الدولة.

وكثيرًا ما يعيش أفراد أسر الضحايا في ثقافة الخوف ويتجنبون السياسة. ويعد الإخفاء القسري وسيلةً فعالة، لأنّ اختفاء فرد واحد يمكن أن يخيف العديد من المعارضين. وتكون فعالة أكثر مع أسرة الضحية وأصدقائه، فالخوف يبقى قائمًا ما دام مصير الضحية لا يزال مجهولًا.

ويمكن لقمع الدولة في تركيا أن يوضح هذه الديناميكيات. وفي انقلاب عام 1980، حاول الجيش التركي سحق المعارضة بعنف، لكنّه لم يقم بحالات إخفاء ممنهجة، حيث تم توثيق ست حالات فقط خلال عامي 1980 و1981. وعلى النقيض من ذلك، في القمع الواسع في أوائل التسعينات لسحق تمرد حزب العمال الكردستاني، سجلت حالات اختفاء قسري ممنهج لما لا يقل عن 850 شخصًا خلال ذروة النزاع في الفترة من عام 1992 إلى عام 1995.

وجاء الانقلاب في عام 1980 ردًا على عدم الاستقرار السياسي، وأعمال العنف في أواخر السبعينات التي شنتها العديد من الجماعات اليسارية والقومية المتطرفة والانفصالية. وفي الفترة ما بين 1976 و 1980، قُتل 5042 شخصًا نتيجة العنف بين هذه الجماعات وقوات الأمن. وشهدت الأعوام السابقة للانقلاب مستوىً غير عادي من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وازداد القمع الذي تمارسه الدولة التركية في المحافظات الكردية في التسعينات من القرن الماضي، حيث حاولت احتواء التمرد من قبل حزب العمال الكردستاني. وكان حزب العمال الكردستاني قد هاجم الدولة لأول مرة في عام 1984، مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في المقاطعات ذات الأغلبية الكردية في عام 1987. ووقعت معظم انتهاكات حقوق الإنسان بين عامي 1992 و1995. وبالإضافة إلى حالات القتل التي بلغت 850 حالة قتل، كان هناك 2441 عملية قتل غير محددة الهوية، و1373 عملية قتل خارج نطاق القانون، و403 حالة وفاة أثناء الاحتجاز خلال هذا العقد.

وما يختلف بين فترتي القمع هو مدى وضوح المعارضة للنظام. ففي انقلاب عام 1980، كان من السهل أن نرى المعارضة. وقد نشأ العنف السياسي في أواخر السبعينات من قبل جماعاتٍ طلابية جامعية ماركسية وقومية متطرفة. وظل دعم الجماعات اليسارية محصورًا في الدوائر الجامعية دون دعم واسع من الأحزاب. ولقد حظيت الجماعات القومية بدعمٍ أوسع، لكنّها كانت حليفًا حقيقيًا للجيش. واعتمد الجيش على قوائم الأعضاء لاستهداف المعارضة، مما يدل على أنه كان يفهم خصومه. وكانت المعارضة واضحة وجلية للدولة، لذلك لم تكن بحاجة لتخويف مجموعات الطلاب بحالات الاختفاء القسري.

لكن بدا أنّ تمرد حزب العمال الكردستاني في أوائل التسعينات كان مختلفًا. وواجهت الدولة التركية حركةً ذات دعمٍ واسعٍ ولكن غير واضحة المعالم، حيث دعم العديد من الأكراد حزب العمال الكردستاني ولكنّهم لم ينضموا إلى الجناح المسلح. وكان هناك دعم كبير للنزعة القومية الكردية، كما يتضح من الاحتجاجات الكبيرة لدعم حزب العمال الكردستاني، والتي أغلقت المدن وسمحت لحزب العمال الكردستاني بإعلان سلطته في العديد من المدن. ولم تتمكن الدولة من فهم المعارضة بدقة، لذلك تحولت إلى استخدام التهديد «الفعال والدائم» بممارسة الإخفاء القسري.

وتؤكد الحالة التركية على أنّ الدول تستخدم حالات الاختفاء القسري كورقة فعالة عندما يصعب عليها فهم المعارضة. وفي الوضع الحالي في الشرق الأوسط، يمكننا أن نتوقع المزيد من حالات الاختفاء القسري حيث تواجه الدول اضطرابات مستمرة، وتعاني الدول الضعيفة من معارضة أكثر انتشارًا.

لكن قد تأتي حالات الاختفاء القسري بنتائج عكسية. حيث قد تتسبب في زيادة المقاومة ولفت الانتباه إلى عنف الدولة. ومن خلال استهداف تخويف الأسر، يمكن للدول أن تعبئ عن غير قصد مقاومة أقوى ضد الدولة بسبب الآثار المروعة للعنف على الأسر، وقد يغير ذلك من معادلة القمع.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

مصر سوريا إخفاء قسري

تقرير حقوقي: 131 ألف معتقل ومختف قسريا لدى نظام الأسد