«السيسي» وانتخابات الرئاسة 2018.. 3 إرادات وسيناريوهان أحلاهما مر

الخميس 11 مايو 2017 02:05 ص

التضارب والتناقض يسيطران على رسائل الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، بشأن مستقبله السياسي، وفرص البقاء في سدة الحكم لولاية رئاسية ثانية تمتد حتى 2022.

ووسط دعوات مدنية لدعم مرشح توافقي، يخوض غمار المنافسة على كرسي الحكم في مواجهة «السيسي» الذي تنتهي ولايته الأولى يونيو/ حزيران 2018، يبدو أن خيار تمرير تعديل دستوري من خلال مجلس النواب المصري، لإطالة فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، لا يجد دعما قويا من مؤسسات الدولة.

ويعيش المصريون أوضاعا اقتصادية متدهورة منذ الانقلاب العسكري على «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في 3 يوليو/تموز 2013، وشهد الجنيه المصري انهيارا كبيرا أمام الدولار، وسط موجة جنونية من الغلاء وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة، وانهيار السياحة، وتفاقم الفساد، فضلا عن إجراءات قمعية ضد معارضي السلطة، أسفرت عن اعتقال عشرات الآلاف، وفرض قيود على حرية الرأي والتعبير، وإعادة البلاد إلى حكم الطوارئ.

حتى كتابة هذه السطور، تخيم أجواء من الضبابية على موقف المؤسسة العسكرية في مصر، إزاء السباق الرئاسي، وملامح إخراجه، وما إذا كانت ستُبقي على رجلها الذي منحها نفوذا متصاعدا في البلاد، أو ستتجه إلى دعم بديل آخر ينتمي للمؤسسة، ويحافظ أيضا على إمبراطوريتها الاقتصادية، على أن ينزع فتيل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تحكم الشارع المصري منذ أكثر من 3 سنوات.

ولاية ثانية محفوفة بالمخاطر

الولاية الثانية لـ«السيسي» الذي جدد مؤخراً حديثه عن أنه سيترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، «حال توافر الإرادة الشعبية لذلك»، سيناريو محفوف بالمخاطر، ويحمل نذر انفجار غضب شعبي، جراء تدهور الأوضاع المعيشية بشكل كبير، وغلاء في الأسعار لم يحدث منذ 30 عاما، وتهديدات متكررة بقرب اندلاع «ثورة جياع».

وكان تقرير أمني، حذر «السيسي»، منذ أشهر، مما أسماه «ثورة جياع» إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية في الانحدار، راصدا للمرة الأولى تراجعاً في شعبيته إلى أقل من 50%، بحسب ما نقلت صحيفة «الأخبار» اللبنانية.

وقال التقرير، الذي شاركت في إعداده المخابرات العامة والمخابرات الحربية وجهاز «الأمن الوطني» (جهاز استخبارات داخلية)، وتم رفعه إلى مستشار الرئيس للشؤون الأمنية، «أحمد جمال الدين»، الذي قدّم ملخّصاً عنه إلى «السيسي»، إن «ارتفاع الأسعار هو السبب الرئيسي للاحتقان، إضافة إلى امتداد الغضب صوب قطاعات شعبية مؤثرة بسبب تدنّي رواتبها».

«السيسي» أكد في أبريل/ نيسان الماضي، أنه لن يبقى في الحكم لفترة رئاسية ثانية إذا أراد المصريون ذلك، وقال «السيسي»، في رده على سؤال لأحد المشاركين في مؤتمر للشباب بمحافظة «الإسماعيلية» عن سيناريو إخفاقه في الانتخابات المقبلة: «أقسم أني لن أبقى ولو لثانية لو رفضني المصريون».

الغموض سيد الموقف في رسائل «السيسي»، دون تحديد موقفه من الترشح ثانيا، لكن المؤكد أن الرجل الذي طلب تفويضا لفض اعتصامي «رابعة والنهضة»، فيما عرف بـ«جمعة التفويض» في 26 يوليو/تموز 2013، لم يعد يحظى بشعبية تؤهله للبقاء رئيسا حتى 2022.

يعزز ذلك تورط الرئيس المصري في صدامات مع عدد من مؤسسات الدولة الصلبة، أبرزها المؤسسة القضائية، والتي عمل على تقليم أظافرها بإقرار قانون الهيئات القضائية، بالإضافة إلى دعمه وزير داخليته اللواء «مجدي عبد الغفار» في أزمة اقتحام نقابة الصحفيين العام الماضي، وتمرير مجلس النواب الموالي له عدة تشريعات تنال من سلطة النقابات المهنية والاتحادات العمالية.

فشل ذريع في إنهاء الانقسام الداخلي في البلاد، وموت إكلينيكي لملف ومبادرات المصالحة الوطنية، وتعرض الحليف القبطي لضربات مؤلمة، 3 تفجيرات انتحارية خلال أقل من 4 شهور موقعة نحو 80 قتيلا و200 جريح، وخروج الحرب ضد «تنظيم الدولة» في سيناء عن السيطرة، فضلا عن تسريبات خطيرة تحمل نذر صراعات بين أجهزة سيادية في البلاد.

بات «السيسي» غير مقنعا لحلفائه الإقليميين، فقد السيطرة على سيناء، وتخلى عن دعم التحالف العربي في اليمن، وتورط في أزمات مع السعودية والسودان وليبيا والمغرب، وشكل عبئا ماليا على الممول الإماراتي بشكل خاص والخليجي بشكل عام، وتُحمل موسكو نظامه المسؤولية عن ثغرات أمنية تسببت في تفجير طائرتها المدنية ومصرع 217 راكبا كانوا على متنها أكتوبر/ تشرين أول 2015، وترى فيه مؤسسات أمريكية نافذة عدوا لحقوق الإنسان قد يدفع بممارساته القمعية إلى تفجر الأوضاع في مصر بشكل لا تريده واشنطن.

ولاية واحدة وخروج آمن

السيناريو الثاني، وفق مراقبين، أن يتم إقناع «السيسي» بعدم الترشح ثانيا، والاكتفاء بولاية رئاسية واحدة، على أن يحظى بخروج آمن من المشهد، وتكريم لائق كونه رجل المؤسسة العسكرية، وحامل خزانة أسرار انقلابها على «مرسي»، ومن الحكمة عدم التعرض له أو النيل منه.

يعزز ذلك الرغبة في عدم المجازفة بشعبية المؤسسة العسكرية التي تراجعت بشكل كبير مقارنة بمؤشرات عام «تسلم الأيادي»(الأغنية التي كانت حديث الشارع المصري عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان»، لكل الفشل المستمر لـ«المشير» سابقا، أطاح بما تبقى من رصيد المؤسسة لدى الشعب المصري.

في 24 فبراير/شباط قبل الماضي، وخلال خطابه بمناسبة تدشين استراتيجية التنمية المستدامة «مصر 2030 »، تحدث «السيسي» بلهجة حادة وصارمة، قائلا «اسمعوا كلامي أنا بس»، ورددها ثانيًا «أنا بس»، وهو ينظر باتجاه وزير الدفاع المصري، الفريق «صدقي صبحي».

بينما رد الحضور بالتصفيق الصاخب على كلمة «السيسي»، اكتفى «صبحي» بوضع يده على الأخرى، دون أن يصفق، الأمر الذي اعتبره مراقبون آنذاك، إشارة إلى تفاقم الخلاف بين «المشير» و«الفريق»، وظهوره إلى العلن.

لم يمهل «السيسي» المصريين، وقتا للتأكد من فحوى رسالته، قال في ذات الخطاب «إنتو فاكرين أنا هسيبها.. لا والله أنا هفضل ابني فيها وأعمر فيها حتى تنتهي، يا حياتي يا مدتي»، وهي الإشارة الأكثر صراحة بشأن رغبته في إكمال مدته الرئاسية الأولى، على الرغم من تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وتردي حالة الاقتصاد المصري. 

في مقابل «مش هسيبها»، خرجت إلى العلن في مارس /آذار قبل الماضي، دعوات إلى طرح بديل مدني، الأولى جاءت عبر الكاتب المصري المعروف بقربه من جهاز الاستخبارات الحربية «عبد الله السناوي»، وقال خلالها إن «هناك ضغوط غربية لعدم إكمال السيسي فترته الرئاسية»، بحسب صحيفة «الشروق» المصرية.

وجاءت الدعوة الثانية عبر الإعلامي المقرب من نظام مبارك «عمرو أديب»، قائلا في برنامجه «القاهرة اليوم» المذاع على فضائية «اليوم»، «حمدين صباحي بيتكلم عن بديل مدني وهناك ضابط يدير الأمر، وأيام مبارك كان هذا الضابط قد جهز البرادعي كبديل لمبارك، أما الضابط الحالي فلم يجهز البديل، ولكن من خلال ما سمعته في لندن وبعض التطورات السياسية أستطيع أن أقول لكم مواصفات رئيس مصر القادم وهي أنه لن يكون من الجيش»، حسب قوله.

ما سبق يتفق مع تسريبات تقول إن قيادات عسكرية رفيعة المستوى، فاتحت «السيسي»، بضرورة عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2018، لكن «السيسي» رفض هذا السيناريو بشكل قاطع، متمسكا بالاستمرار في المنصب والترشح لولاية ثانية تمتد حتى 2022، وفق صحيفة «العربي الجديد».

وقالت المصادر، إن الجيش المصري متمسك بسيناريو الخروج بشكل آمن للغاية؛ لعدم فتح الباب لاضطرابات، أو التورط في أعمال عنف أو خطوات اضطرارية؛ للحفاظ على صورة المؤسسة العسكرية، مضيفة أن «السيسي» أولا وأخيرا، كان وزيرا للدفاع وكان على رأس المؤسسة حتى وقت قريب، ويجب تكريمه وتصديره أمام الرأي العام على أنه المنقذ والمخلص من «الإخوان المسلمين»، ومنحه الكثير من الامتيازات، وفق الصحيفة.

المؤكد أن «السيسي» يخشى انتهاء حلمه السياسي، العام المقبل، ويتخوف بالتأكيد من محاسبته على ارتكاب مجازر دموية وجرائم حرب ضد معارضيه، ولا شك أن سيناريو خروج الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك» من سدة الحكم، بعد 30 عاما، وهو قائد المؤسسة العسكرية، ماثل أمام «السيسي»، وقابل للتكرار.

متغيران و3 إرادات

«يا حياتي يا مدتي»، تحمل إشارة إلى أن «السيسي» يفضل إكمال فترته الرئاسية الأولى حتى يونيو/حزيران 2018، لكن تهديد «مش هسيبها» ربما يعني أن الرجل سيقاتل للبقاء في حكم مصر لولاية ثانية، و«أقسم أني لن أبقى ولو لثانية لو رفضني المصريون» تحمل شعورا بضغوط سياسية يتعرض لها.

«السيسي» في مأزق خلال العام المتبقي من ولايته الرئاسية الأولى، عبر عن ذلك حينما طالب المصريين في مؤتمر الشباب في مدينة «الإسماعيلية»، شمال شرق القاهرة، الشهر الماضي، بالصبر، قائلا: «استحملوا سنة كمان، وبعدين في انتخابات بصراحة كدة، اختاروا ما شئتم وربنا يعين ويوفق اللي يجي».

وأضاف «قسماً بالله الجيش بيقوم بدور تنموي موازٍ للدولة، أنا شغلت الجيش عندكم، ومشغله تحت رجليكم (أقدامكم)، عشان متِقَعْش (حتى لا تقع مصر)».

يزيد من الضغوط عليه، متغيران في حاجة إلى وقت وحراك لإنضاجهما، الأول، حراك شعبي وثوري يمثل ضغطا سياسيا على المؤسسة العسكرية للتخلي عن «السيسي» الذي بات عبئا عليها، ويبرق رسالة مفادها أن مصر لا تتحمل ولاية ثانية لقائد الانقلاب العسكري.

عبر عن ذلك بوضوح، الكاتب الصحفي المعروف، «أنور الهواري»، قائلا عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «مصر لا تتحمل ولاية ثانية للرئيس الحالي».

وحذر الأكاديمي المصري الدكتور «يحيى القزاز»، أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان(حكومية)، من اقتراب الانفجار، مطالبا بالحفاظ على المؤسسات واختيار مجلس رئاسى انتقالى، قائلا فى تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «نذر الانفجار وغروب شمس السيسى وسلطته تلوح فى الأفق.. فاستعدوا»، على حد قوله.

المتغير الثاني، تأسيس القوى السياسية والحزبية «جبهة وطنية موحدة»، بهدف اختيار مرشح للدفع به في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل 2018، من أجل استكمال وتحقيق أهداف ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

«حمدين صباحي»، المرشح الرئاسي السابق في مصر، قال إن هذه الجبهة يجب أن تضم قادة العمل الوطني والحزبي في مصر، وأن تكون بمثابة «تنظيم للثورة» مهمتها التفكير والإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وهاجم «صباحي» نظام الرئيس «عبد الفتاح السيسي» أثناء مؤتمر حضره سياسيون وحزبيون مصريون، أعلن خلاله حزب «الكرامة» المعارض الاندماج مع التيار الشعبي، قائلا: «آن أوان التغيير ومواجهة سلطة فاشلة عاجزة. نظام السيسي بات خطراً على الدولة المصرية».

وحقق «صباحي» المركز الثالث في انتخابات الرئاسة عام 2012، وذلك بعد الرئيس المنتخب حينها «محمد مرسي»، و«أحمد شفيق» الذي حل في المركز الثاني.

لكنه حصل على أقل من 3% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في مايو/ أيار من عام 2014، مقابل أكثر من 96% للرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي»، واعتبر وقتها أنه لعب دور «المحلل».

ويرى سياسيون مصريون أن خوض «صباحي» تلك الانتخابات منحها شرعية، لم تكن لتحصل عليها لو أحجم عن ذلك مثلما فعل غيره من المرشحين السابقين.

ربما يصعب تكرار تجربة «المحلل»، أو يصعب إقناع الناخب المصري بها؛ لإخراج ماراثون الانتخابات الرئاسية، على غرار الانتخابات الماضية، وسط رغبة في البحث عن مرشح جديد يقود الدفة، وينقذ البلاد من حافة الإفلاس، لكن الأمر يظل مرهونا ببوصلة القوى الإقليمية والدولية، وإرادة المؤسسة العسكرية، وحراك الشعب المصري، خلال ما تبقى من الولاية الأولى لحكم الجنرال.

وشهدت مصر أول انتخابات رئاسية تعددية عام 2005، في عهد الرئيس المخلوع «حسني مبارك»، وتلتها انتخابات عام 2012 التي أعقبت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وفاز بها «محمد مرسي»، ثم انتخابات عام 2014 التي تنافس فيها «صباحي» فقط مع الرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي».

وكان الرؤساء المصريون يتولون منصبهم قبل عام 2005 عبر استفتاء شعبي على مرشح واحد دون منافس، وتبقى انتخابات 2018 تحمل إما أملا في التغيير، أو بقاء البلاد على حالها حتى إشعار آخر.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي انتخابات الرئاسة حمدين صباحي الجيش المصري أحمد شفيق