قانون لـ«توثيق الخطوبة» بمصر.. اقتباس كنسي يثير جدلا ورفضا دينيا واجتماعيا

السبت 13 مايو 2017 01:05 ص

أثار مشروع قانون بالبرلمان المصري، يدعو إلى «توثيق الخطوبة» قبل الزواج، الجدل داخل المجتمع، دينيا وبرلمانيا واجتماعيا.

مشروع القانون الذي تقدمت به نائبة وفدية، لاقى ترحيبا محدودا بين الفتيات، في ظل حديث متصاعد عن كونه مقتبسا من تعاليم الزواج في المسيحية.

كما أثار المشروع رفضا دينيا وانتقادا برلمانيا، وغضبا بين الشباب، باعتباره يخالف تعاليم الدين الإسلامي والتقاليد والأعراف المجتمعية.

مشروع قانون

النائبة «عبلة الهواري» عضو لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، هي من تقدمت بمشروع القانون الجديد إلى المجلس، يشمل بمواده إعادة صياغة شؤون الأسرة، ومعالجة ما أسمته ثغرات قانون الأحوال الشخصية.

المشروع تضمن مادة لتقنين «الخطوبة»، مؤكدة أن اقتراحها هدفه ضمان الجدية والحفاظ على حرمة البيوت، والحفاظ على كرامة الأسرة.

وأضافت «الهواري»، خلال تصريحات صحفية، أن هذا المشروع سيكون بناء على عقد موثق بين أهل العروسين، ويثبت فىه مدة الخطوبة، وقيمة الشبكة والمهر، مضيفة: «في حالة الانفصال سيكون هناك شرط جزائي على المتسبب في فسخ الخطوبة».

ولفتت إلى أن الشكاوى المقدمة يوميًا من النساء إلى المجلس القومي للمرأة، ومدى المعاناة التي تشعر بها إحداهن من آثار مترتبة على فسخ الخطبة، هي ما دفعتها لوضع هذه المادة.

وتابعت: «حينما بحثت في قانون الأحوال الشخصية، لم أجد شيئًا يتعلق بالخطبة، منذ عام 1920 حتى الآن، فلم يتم صدور تشريع أو إدخال مادة تنظم عمليه الخطبة وتقنينها، وهو ما حثني إلى إرفاق تلك المادة ضمن مشروع القانون».

وعن أهدافها من هذه المادة، قال «الهواري»: «أسعى إلى حماية حقوق الفتيات، ومنع التلاعب بالعائلات، واستسهال الخطوبة، فلقد شاهدت الكثير من التلاعب من خلال واقع خبرتي، ولذا رأيت ضرورة وضع قيود للخطوبة كالزواج والطلاق، وتكون بناءً على اتفاق، لإنصاف الطرفين، فتقنين الأمر ووجود الرادع سيكون هناك التزام كامل، علاوة على اعتراف الدولة بمرحلة الخطوبة والعقد الموقع، وحماية حقوق الطرفين وتطبيق مواد القانون عليهم».

وأشارت إلى أن المادة تتضمن كافة التفاصيل المتعلقة بتقنين الخطوبة من جهة التعريف بماهيتها، وضوابطها، وما الذي يجب توافره فيها حتى تصير خطوبة سليمة، وعلاوة على تحديد مدة أقصى للخطوبة وهي «عام كامل»، وقواعد فسخ الخطوبة، وتوضيح الآثار المترتبة على الفسخ من رد الشبكة والهدايا، وفرض العقوبات والغرامات المالية في حالة وجود أي ضرر لأي من الطرفين، والتي سيتم تحديدها بعد إجراء نقاش مجتمعي حولها.

وقالت «الهواري» إن هناك عادت غير شرعية، وليس لها سند شرعي تقع فيها الأسر مثل قائمة المنقولات التي تحرر من قبل الزوج لزوجته قبل عقد القران، ليس لها سند في الشريعة الإسلامية.

ردود أفعال

طرح الفكرة، ومشروع القانون، أثار ردود أفعال متباينة بين برلمانيين وعلماء دين ومواطنين.

وانتقد نشطاء مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، الفكرة، مؤكدين أن «أعباء الزواج لا تتحمل مسؤوليات إضافية»، في الوقت الذي أيد عدد من الفتيات المقترح، مؤكدات أنها ستحد من حالات «فسخ الخطوبة»، معتبرين أنها مادة ستدعم احترام مشاعرهن.

ولفتت الفتيات إلى أن الأشخاص الجادين في الزواج هم من سيتقدمون للخطبة عقب تفعيل هذه المادة في القانون المصري.

اقتباس مسيحي

المحامي المسيحي «أمير نصيف» قال إن النائبة «الهواري» اقتبست فكرة مشروع قانون الخطوبة من «الجبنيوت الكنسي» (الخطوبة المسيحية).

وأضاف: «أؤيد هذا القانون بشدة، فهو يحافظ على سمعة البنت المصرية، ويحافظ على حقوقها في حالة فسخ الخطوبة».

وتابع: «هذا القانون يحافظ على البنت المصرية، والرجل المصري أيضا، ضد أي تلاعب من أي جهة أو نية سيئة».

يشار إلى أن الخطوبة في المسيحية (الجبنيوت)، تكتب بمحضر رسمي داخل الكنيسة، ويدوّن فيه الاسم والسن والشبكة وقيمتها المادية وموعد إتمام الزواج ثم يتم التوقيع عليه من الخطيبين والوكيلين والشهود ثم يعتمده الكاهن.

وإذا اتفق الطرفان على تأجيل موعد الزواج، فيجب إثبات التأجيل في العقد، وإذا فوت أحد الطرفين موعد الزواج بمبرر غير مقبول يعتبر فاسخًا للعقد ويسترد الطرف الآخر هداياه والخاطب شبكته، إذا كانت الفتاة هي الفاسخة للعقد، ولا يحق للطرف الفاسخ للعقد استرداد هداياه أو ما قدمه خلال الفترة، وترد جميعها إلى الطرف الآخر المتضرر.

رفض ديني

أما النائبة «آمنة نصير» أستاذ العقيدة والفقه بجامعة الأزهر، فقالت إن «الخطوبة بداية للتعارف وتوثيقها يعقّد الأمر كثيرًا»، كما أن «توثيق الخطبة لا يحل ولا يثبت حقوقًا، وكذلك لم يرد في الشريعة الإسلامية».

وتساءلت: «هل التوثيق سيكون في الشهر العقاري!؟، وعندما يذهب الأهل سيقولون أسماء مخطوبة لأحمد أم ماذا سيقولون!؟»، مشيرة إلى أن الكثير من نواب البرلمان المصري يخرجون بقوانين وهم ليسوا على دراية بالشريعة الإسلامية أو بالعادات والتقاليد المصرية.

وأضافت في تصريحات صحفية، أن رد الهدايا للخاطب عقب فسخ الخطوبة أو تنازل الخاطب عن الهدايا في حال فسخه للخطبة، لا يحتاج إلى توثيق، وإنما هي عادات وتقاليد متعارف عليها في الشارع المصري، وتدخل ضمن المروءة والفضل وعلاقة الأسر المصرية مع بعضها البعض، بالإضافة إلى المستوى الاقتصادى والاجتماعي.

وأكدت أن «القانون ستكون له آثار سلبية على المقبلين على الزواج»، مؤكدة أن تلك المادة سوف «تجعل الشباب يخشى التفكير في الزواج من الأساس».

واتفق معها الشيخ «ظهر شاهين» إمام مسجد عمر مكرم، حين قال: «إذا نص القانون على توقيع غرامة حال فسخ الخطبة، فهو أمر غير جائز شرعا»، وأضاف: «أنا مش مأجر عربية أو مأجر توك توك».

وتابع: «أما إذا تضمن شروط الزواج ومواصفاته وفترة الخطوبة دون غرامة فلا شيء فيه».

ولفت «شاهين» إلى أن الخطبة هو وعد غير ملزم بالنكاح، منوها إلى أن هذا القانون إذا تضمن غرامة مالية على  من يفسخ العقد قد يؤدي إلى العزوف عن الزواج.

وأضاف: «الأصل في الخطوبة والزواج هو التراضي، وليس توقيع الغرامات».

العرف لا يوثق

من جانبه، قال المستشار «محمد سليم» عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن «الأعراف لا توثق»، مضيفا: «هناك شروط شرعية يمكن النظر إليها، أما عملية التوثيق فهي عملية مدنية، ولا يمكن أن نوثق كافة الأعراف».

وتابع: «فرض عقوبة على فسخ الخطوبة يزيد المشاكل والقضايا، كما يحدث الآن فى قضايا الطلاق».

واتفقت معه، النائبة «زينب سالم»، التي قالت إن مشروع القانون «مرفوض لصعوبة تطبيقه على أرض الواقع».

وأكدت ضرورة أن تكون التشريعات مفيدة للمجتمع، مضيفة: «الخطوبة عبارة عن اتفاق عرفي غير موثق، ومن الصعب معاقبة الناس على عدم توثيقه خصوصاً أنه ليس بجريمة».

فيما اعتبرت الدكتورة «رشا عطية»، الاستشاري النفسي وخبيرة العلاقات الأسرية، السعي لتشريع قانون ينظم الخطوبة أمرا غير قابل للتنفيذ.

وأوضحت، أن الخطوبة عادة اجتماعية والمجتمع لن يقبل أن تتحول إلى قانون وعقد، مشيرة إلى أن «المجتمع المصرى يدير تلك الأمور بالأعراف والمروءة، وليس الالتزام بعقد موقع بين الطرفين، وإلا تحول لزواج».

وأوضحت أن أغلب الخطبات التى يتم فسخها لا تكون الخسارة فيها مادية قدر ما تكون خسارة نفسية وإنسانية.

يشار إلى أن نسبة العنوسة في مصر، وصلت إلى نحو 13.5 مليون شخص، ممن تجاوزت أعمارهم 30 عامًا، منهم 2.5 مليون شاب و11 مليون فتاة، بحسب بيانات رسمية.

ويرجع خبراء، ارتفاع نسبة العنوسة لمستويات تاريخية في مصر؛ بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية، وتراجع مستوى الدخل في ظل ارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة، ما يدفع الشباب للإحجام عن الزواج.

وتسببت العنوسة، بحسب الخبراء، في بروز عدد من الظواهر غير المقبولة اجتماعيًا أو دينيًا، مثل ظاهرة الزواج السري والعرفي بين الشباب في الجامعات، والشذوذ الجنسي بين الفتيات، والإصابة بأمراض نفسية أدت إلى الإقبال على الانتحار، كما دفعت بعض الشباب والفتيات إلى إدمان المخدرات من أجل النسيان، وهو ما يؤدي بحياة الكثير منهم إلى الموت.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

زواج خطوبة مصر مشروع قانون رفض ديني البرلمان مجلس النواب عادات تقاليد الأعراف