رغم تكرار استهداف الأقباط.. 3 أسباب تمنع إقالة وزير الداخلية المصري

السبت 27 مايو 2017 07:05 ص

4 حوادث دامية، استهدفت الأقباط في مصر، خلال أقل من 6 شهور، موقعة نحو أكثر من 100 قتيل، و300 جريح، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتقصير الفادح، دون أن تطال الإقالة وزير الداخلية المصري، أو أي مسؤول أمني رفيع في البلاد.

اللافت أن أغلب العمليات الإرهابية التي استهدفت تجمعات قبطية، أو مقار كنسية، خلال الأشهر الماضية، سبقها صدور تحذيرات من وقوع هجمات، إما من تنظيمات مسلحة مثل «تنظيم الدولة»، أو من سفارات أجنبية في القاهرة، لكن يبقى اللغز وراء بقاء وزير الداخلية المصري اللواء «مجدي عبد الغفار»، في منصبه، حتى إشعار آخر.

هجوم «المنيا»، جنوبي مصر، الذي وقع أمس وأسفر عن مقتل 26 قبطيا، وإصابة 25 آخرين، جاء قبل مرور أقل من شهرين على هجومين استهدفا كنيستين بمدينتي «طنطا»(وسط)، والاسكندرية(شمال)، في «أحد الشعانين»، الذي يحتفل به الأقباط في مصر، أبريل/نيسان الماضي، ما أسفر عن مقتل 47 شخصا، وإصابة أكثر من 120 آخرين.

ويعد هجوم المنيا، الرابع من نوعه، الذي يستهدف الأقباط بشكل عنيف، بعد تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية (شرقي القاهرة)؛ في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما أسفر عن سقوط 29 قتيلاً، بينهم منفذ العملية، بخلاف عشرات الإصابات، وبعدها بساعات قرر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر تنتهي منتصف يوليو/تموز المقبل.

ومنذ أشهر، تسود مخاوف قبطية، جراء تهديدات تضمنتها تسجيلات مصورة منسوبة لـ«تنظيم الدولة»، تتوعد باستهداف المسيحيين داخل مصر، بالإضافة إلى عمليات ذبح طالت أقباطا في محافظة «شمال سيناء»، شمال شرقي البلاد، ما تسبب في موجة نزوح قبطي من المدينة إلى محافظات مجاورة طالت المئات منهم.

صرع أجهزة

لغز نجاة «عبدالغفار» من الإقالة، رغم وجود ثغرات أمنية فادحة تسببت في دخول مصر إلى حزام العمليات الانتحارية، يمكن تفسيره في المقام الأول بحاجة الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إليه، في وزارة سيادية تؤمن أركان حكمه، وتدين له بالولاء، خاصة في ظل تقارير متداولة عن وجود صراع داخلي بين مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية.

ولا يحظى «السيسي» بالولاء الكامل له من قبل جهاز المخابرات العامة المصرية، يفسر ذلك توالي قرارات الإقالة أو الإحالة للمعاش لقيادات بارزة «بناء على طلبهم»، والتي تكررت نحو 10 مرات خلال عهده، وأطيح بموجبها حتى الآن بـ119 مسئولا من جهاز المخابرات العامة، بحسب إحصائية أعدها «الخليج الجديد».

وفيما بدا أنه تكتيك متبع لتقليم أظافر المخابرات العامة، دأب «السيسي» منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013 على إجراء تعديلات واسعة في هيكل الجهاز الأخطر في مصر، والذي تراجع دوره لصالح «المخابرات الحربية» الجهاز الأكثر ولاء للرئيس المصري، والذي كان يترأسه «السيسي» قبل ترقيته وزيرا للدفاع بقرار من «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

ومؤخرا عين «السيسي» نجله الأكبر «محمود» كمسؤول كبير في جهاز المخابرات العامة، وأسند إليه المسؤولية عن ملف «الأمن الداخلي» في المخابرات العامة، حيث بات يوصف بأنه الرجل القوي في الجهاز، وفق «مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة» القريب من دوائر صنع القرار في تل أبيب.

وأشار المركز، الذي يرأس مجلس إدارته وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق «دوري غولد»، إلى أن «محمود السيسي بات يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده»، مؤكدا أن «أوثق مقربي السيسي باتوا يسيطرون على المخابرات العامة، بعد تنفيذ عمليات تطهير واسعة داخل الجهاز».

ويصعب في ضوء استقراء تلك المعطيات، أن يتخلى «السيسي» عن وزير يؤمن ظهره، ويعد ذراعه اليمنى لإحكام السيطرة على الأوضاع الداخلية، فضلا عن أنه لا يهوى الظهور الإعلامي مقارنة بسلفه، اللواء «محمد إبراهيم»، الذي أقيل من منصبه مارس/آذار 2015، بدعوى التقصير الأمني.

تصفية المعارضين

يصنف وزير الداخلية المصري اللواء «مجدي عبدالغفار»، باعتباره واحدا من رواد سياسة التصفية خارج إطار القانون، ونجح خلال عامين من توليه المهمة، في تصفية العشرات من معارضي الانقلاب العسكري، مع الإعلان عن تصفية الضحايا في اشتباكات مع قوات الأمن المصري.

وتعد سياسة التصفية بدم بارد، وسيلة فعالة خلال حكم «السيسي» للتخلص من المعارضين، بعيدا عن أروقة المحاكم وساحات القضاء، والتي تستغرق أعواما للبت بشكل نهائي في قضايا، أغلب المتهمين فيها قيادات بارزة من جماعة الإخوان.

في يوليو/تموز 2015، وقبل مرور أقل من 3 أشهر من تولي «عبدالغفار» منصبه، قام الأمن المصري بتصفية 13 من قيادات وكوادر جماعة الإخوان داخل أحد المنازل بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة «الجيزة»، غرب القاهرة.

والعام قبل الماضي، قالت منظمة «هيومن رايتس مونيتور» (حقوقية غير حكومية)، إنها وثقت «مقتل 79 مدنيا خارج القانون، في مختلف محافظات مصر».

ونفذت السلطات المصرية عمليات تصفية عديدة طالت عددا من النشطاء والمعارضين، أغلبهم من الشباب، وتبين لاحقا أنهم من المختفين قسريا.

وفي العادة توجه السلطات الأمنية في مصر، لمن تتم تصفيتهم دون محاكمة، اتهامات بالتخطيط لتنفيذ سلسلة من الحوادث الإرهابية، وتبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، دون أن تسفر الاشتباكات عن إصابة أو مقتل أحد أفراد قوة المداهمة.

يعزز من أسهم «عبدالغفار» للبقاء في منصبه، نجاحه في منع التظاهر، والاحتجاجات الشعبية، وتكميم أفواه القرى والمدن المناوئة للانقلاب، «ناهيا»(الجيزة)، «دلجا»(المنيا)، «الميمون»(بني سويف)، «البصارطة»(دمياط) نموذجا، وإرهاق جماعة الإخوان بحملات اعتقال متواصلة، وحصار الجامعات، ومطاردة التيارات الليبرالية واليسارية المعارضة، ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، بما يجهض أي حراك شعبي يلوح في الأفق ضد النظام الحاكم.

مصائب قوم

على غرار  بيت الشعر لـ«المتنبي»، «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإن الرئيس المصري يبقى أكثر المستفيدين من تكرار وقوع حوادث الإرهاب في بلاده، كونه يسوق نفسه أمام العالم باعتباره زعيما يواجه التطرف والعنف، وبالتالي يطالب بمزيد من الدعم المالي والعسكري لنظامه الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير.

ويشكو المصريون من تفاقم الغلاء وارتفاع الأسعار، وانهيار قيمة الجنيه بعد قرار التعويم في 3 نوفمبر/تشرين ثان الماضي، ما تسبب في تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، واعتماد الاقتصاد المصري على المنح والقروض، في ظل هروب الاستثمارات الأجنبية وتراجع إيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين من الخارج، لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن «السيسي» تمكن من توظيف حوادث الإرهاب في فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر تنتهي منتصف يوليو/ تموز المقبل، وقد تكون عرضة للتمديد.

الإشارة الغريبة التي تضمنها خطاب الرئيس المصري، أمس الجمعة، عقب اجتماع أمني مصغر لبحث تداعيات هجوم المنيا، تعزز تلك الحقيقة، «السيسي» خاطب صراحة في خطابه المتلفز، الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، قائلا له: «فخامة الرئيس.. أثق فيك في أن مكافحة الإرهاب تمثل أولوية لك، فخامة الرئيس.. أثق في قدرتك على تحقيق ذلك بالتعاون مع كل الدول المحبة للإنسانية والسلام»، في إشارة واضحة على طلب الدعم الأمريكي، واستجداء التدخل الخارجي لدعم نظامه، بدعوى حماية الأقلية القبطية.

ناشطون مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروا أن الضربة التي نفذتها القوات المصرية على مواقع في مدينة «درنة» الليبية، أمس الجمعة، هدفها دعم قوات الجنرال المنشق «خليفة حفتر» المدعوم من القاهرة وأبوظبي، عبر استغلال الهجوم الذي جرى في محافظة «المنيا»، كمبرر لتلك الضربة.

السياسي المعارض «وائل عباس» كتب معلقا على الضربة المصرية عبر صفحة على موقع التدوينات «تويتر»، قائلا: «أنا أضرب مجلس شورى مجاهدين درنة علشان (كي) أساعد حفتر، وأقول إني ضربت داعش (الدولة الإسلامية) مع أنهم ضد داعش، وكده (وبذلك) أبقى ضربت عصفورين بحجر واهو عندي شعب بيصدق أي هذيان».

يظل إذن «الإرهاب» ورقة رابحة يلعب بها نظام «السيسي»؛ لاستجداء الدعم الدولي من ناحية، وتبرير سياسات القمع وتردي الأحوال المعيشية أمام شعبه من ناحية أخرى، ورغم التقصير الأمني الفادح، والثغرات المتكررة، يبقى «عبدالغفار» كذلك واحدا من أبرز المستفيدين من استمرار النزيف القبطي في البلاد.

  كلمات مفتاحية

مجدي عبدالغفار هجوم المنيا تفجير الكنيستين عبدالفتاح السيسي وزارة الداخلية المصرية وزارة الداخلية المصرية

فيديو.. 7 أسباب وراء «صراع الأفاعي» بين أجهزة المخابرات المصرية

وزير الداخلية المصري يتهم قطر وتركيا بزعزعة استقرار بلاده