ازدياد استيراد الغاز المسال في الشرق الأوسط

الاثنين 19 يونيو 2017 02:06 ص

أشارت النشرة البحثية الدورية للشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب)، إلى أن البحرين في صدد تشييد منشأة لاستيراد الغاز المسال، المخطط بدء العمل فيها خلال عام 2019. وتبلغ طاقتها نحو 4.1 مليار متر مكعب سنوياً. وتشكل المنشأة نموذجاً للتعامل والتكيف مع العوامل المتغيرة في المنطقة، من زيادة في الطلب على الغاز ومحاولة إشراك القطاع الخاص المحلي والدولي، فضلاً عن القطاع العام في تغطية النفقات الباهظة لمنشآت الغاز المسال، خصوصاً مع الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها دول في الشرق الأوسط.

وتفيد «أبيكورب» بأن دول المنطقة تحاول جاهدة توفير إمدادات الطاقة وتحديداً الغاز، لملاقاة الزيادة في الطلب بسبب ازدياد عدد السكان وارتفاع مستويات المعيشة، والحاجة الملحة إلى رفع الطاقة الكهربائية.

وتتشكل المنشأة البحرية لاستيراد الغاز من وحدة (سفينة) عائمة لتخزين الغاز، ما يؤمّن للبحرين المرونة اللازمة للتعامل مع ازدياد الطلب على الغاز في فصل الصيف (حيث استهلاك الكهرباء العالي)، وتقلصه في فصل الشتاء.

كما توفر هذه الوحدة إمكان إعادة تصدير الغاز إلى الأسواق الإقليمية. وستتأسس شركة «البحرين للغاز المسال» بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى المشاركة إما من خلال شراء أسهم في الشركة أو توفير قروض من خلال كونسورتيوم لمصارف إقليمية ودولية. ويُعتبر ذلك سياسات حديثة العهد في الشرق الأوسط، بتولي القطاع العام الاستثمارات الضخمة في هذه الصناعة الباهظة التكاليف.

وتشير «إبيكورب» إلى أن دول الشرق الأوسط تحاول بكل الوسائل تأمين إمدادات الغاز، في ظل ازدياد الطلب على هذا الوقود. ووفق توقعات وكالة الطاقة الدولية، سيصل الطلب على الغاز في الشرق الأوسط إلى نحو 840 مليار متر مكعب بحلول عام 2040، أو زيادة 66 في المئة عن معدل الطلب في المنطقة عام 2015.

ورغم أن احتياط الغاز في الشرق الأوسط يشكل نحو 40 في المئة من ذلك العالمي، لاحظت «إبيكورب» أن دول المنطقة أخفقت في ملاقاة ازدياد الطلب المتوقع أن يستمر في الارتفاع.

بل زاد معدل استهلاك الغاز أكثر من استهلاك النفط أو الكهرباء في الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وتتمثل الأسباب أولاً في أن الغاز بات الوقود المفضل في محطات الكهرباء التي أخذت تزداد أيضاً. وثانياً أعطت دول الشرق الأوسط الأولوية أيضاً لاستخدام الغاز في المصانع البتروكيماوية بهدف تنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد كلياً على النفط.

وثالثاً غطت سمعة دول المنطقة، كالمزود الأهم عالمياً للنفط الخام على مسألة تخلّف إنتاج الغاز لتلبية الطلب المحلي عليه.

ورابعاً أدى النقص في تشييد خطوط أنابيب الغاز الإقليمية، اللجوء إلى الاستيراد، التي تتطلب بناء منشآته وناقلاته بمليارات الدولارات.

من ثم، نشأت العوامل الاقتصادية والأمنية لتشييد صناعة الغاز إقليمياً.

وتلفت «إبيكورب» إلى أن الطلب على الغاز المسال في الشرق الأوسط كان أعلى من أي منطقة أخرى في العالم عام 2016. مع العلم، أن هذه الصناعة حديثة العهد نسبياً في المنطقة، وكانت موجهة سابقاً لدول العالم الصناعية عبر البحار والمحيطات. وازداد بالفعل استيراد الغاز المسال من 13 مليار متر مكعب عام 2015 الى 23 مليار متر مكعب عام 2016.

وتسلّمت مصر والأردن إمداداتهما الأولى من الغاز المسال عام 2015، ضاعفا حجم استيرادهما في 2016. وأخذت أبو ظبي تستورد الغاز المسال ببناء وحدة عائمة للتخزين والتسييل.

كما بادرت الكويت، وهي الدولة الأولى في مجلس التعاون الخليجي التي تستورد الغاز المسال، إلى تخصيص 3.3 مليار دولار لتشييد مرسى دائم ومصانع لتحويل الغاز المسال إلى طبيعته الغازية بطاقة 15 مليار متر مكعب سنوياً. وأدت هذه المبادرات إلى اضطلاع الشرق الأوسط بدور بارز في صناعة الغاز المسال، تصديراً واستهلاكاً.

وبالنسبة إلى البحرين التي تملك احتياطاً نفطياً محدوداً قياساً إلى بقية دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذه الصناعة استهلكت نحو 41 في المئة من إنتاج الغاز المحلي عام 2015. واستهلكت شركة «البا» (المنيوم البحرين) نحو نصف ما استهلكه القطاع الصناعي.

ويُعتبر مصهر مصنع ألمنيوم البحرين الأكبر من نوعه في العالم، ويستعمل الكهرباء من مصنعه الخاص به، والذي يستهلك نحو 2 غيغاواط. وتوجد خطة لتوسيع المصنع ومن ثم الطلب على الغاز بنحو 40 في المئة بحلول عام 2019. كما توجد خطة لتوسيع مصفاة «بابكو» التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز، لكن بحجم أقل من مصنع الألمنيوم.

وتوضح «إبيكورب» أن زيادة الطلب على الغاز تعتمد إلى حد كبير على حجم الدعم الحكومي في المدى الطويل.

إذ تبنت الحكومة بعض الإصلاحات الاقتصادية مطلع عام 2015. ومن ثم، رفعت البحرين سعر الغاز للقطاع الصناعي في نيسان (إبريل) 2015، إلى 2.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من 2.25 دولار لمليون وحدة حرارية بريطانية.

كما تبنت الحكومة برنامجاً لزيادة سنوية لسعر الغاز 0.25 دولار لمليون وحدة حرارية بريطانية، ليصل إلى 4 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية كحد أعلى في بداية عام 2022. يُذكر أن البحرين تنتج 19.5 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي، إضافة الى 2.6 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز المنتج صناعياً.

وتسأل دراسة «إبيكورب» القيّمة، لماذا لا تتوافر الإمدادات الغازية الكافية إقليمياً على رغم وجود احتياط ضخم من الغاز؟ لقد تم الاعتماد خلال القرن العشرين على الغاز المصاحب بدلاً من الغاز الحر. كما كان الطلب على الغاز محدوداً، إذ كانت مصانع الكهرباء والصناعات الثقيلة التي تغذى بالغاز قليلة.

ولا يُغفَل هاجس جيوسياسي يحوم في الشرق الأوسط، لأن تجربة استعمال خطوط الأنابيب للتصدير إقليمياً أو عبر دول الترانزيت محفوفة بالأخطار، كما تدل على ذلك أمثلة كثيرة.

وفي ما يتعلق بتصدير الغاز بالذات، يتطلب توافر ضمانات أمنية كافية أو ثقة متبادلة بين دول المنطقة، لأن الغاز يغذي محطات الكهرباء، وغياب الطاقة يؤدي الى معاناة كبيرة للمواطنين وخسارة ضخمة للاقتصاد.

* وليد خدوري كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة.

  كلمات مفتاحية

البحرين محطات الكهرباء خطوط أنابيب الغاز الإقليمية الغازية الغاز المسال احتياطات الغاز بالشرق الأوسط الدعم الحكومي الطلب على الغاز