تنفيذاً لتوجيهات «بن سلمان»: سعوديون يرحبون بالتطبيع مع «إسرائيل»

الثلاثاء 27 يونيو 2017 03:06 ص

وسمان انطلقا قبل أيام على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يروجان للتطبيع السعودي مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، ولقيا تفاعلاً واسعاً من أصوات سعودية في خطوة غير مسبوقة؛ إذ كان التصريح بهذا الأمر علناً من قبيل «التابوهات» (المحرمات) قبل وصول ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، إلى مثلت السلطة في المملكة، الذي أُطيح بأحد أضلاعه مؤخراً.

الأمر ليس بريئاً ولا من قبيل الصدفة، على ما يبدو؛ إذ كشف حساب المغرد السعودي الشهير «مجتهد»، المطلع على ما يجرى في أروقة العائلة الحاكمة في السعودية، الثلاثاء، أن «بن سلمان» وجه بتنفيذ حملة إعلامية وتويترية لتهيئة الرأي العام لعلاقات معلنة مع «إسرائيل»، بل وخصص مكافأة للإعلامي والمغرد الذي يبدع في هذه الحملة.

ويتزامن ذلك مع زخم متصاعد بشكل غير مسبوق في العلاقات السعودية «الإسرائيلية» منذ زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» إلى المملكة مايو/أيار الماضي، والتي بلغت ذروتها بدعوات صدرت عن وزراء «إسرائيليين»، قبل أيام، للعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل»، ودعوة رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» لزيارة السعودية، وإرسال ولي العهد «محمد بن سلمان» إلى «إسرائيل».  

«سعوديون مع التطبيع»

وسما «#سعوديون_مع_التطبيع»، و«#إسرائيل_ليست_شبح_نخشاه».. انتشرا على نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضي، وإن كان الوسم الأول الأوسع انتشارا؛ إذ احتل اليوم المرتبة الثالثة على قائمة أعلى الوسوم تداولاً في المملكة.

وعبرة حط سيل من التغريدات الداعمة لعملية «التطبيع» مع دول الاحتلال «الإسرائيلي»، وقدم أصحابها المبررات لتلك الخطوة.

ومن هؤلاء حساب «Abdullah» الذي قال: «يجب على الخليجيين التفكير بمصالحهم، وترك كذب وعنتريات الإسلاميين والقوميين مع دول لم نر منها أي خير».

«ماريا الصليبي» أيدت، كذلك، التطبيع مع «إسرائيل»، قائلة: «نعم أنا مع التطبع؛ لأني اتقبل واقع أن إسرائيل موجوده»، مضيفة: «أنا مع حقوق المظلوم وحقك في أرضك، لكن أبي (أريد) من أهل فلسطين يقنعوني أنها أرضهم وليست أرض اليهود!».

كما أيدت «فاتن» عملية التطبيع مع «إسرائيل»، بقولها: « ليش لا؟» (لماذا لا؟).

البعض الآخر حاول اللجوء إلى السفسطة عبر استخدام آيات من القرآن الكريم أو مواقف من السنة النبوية كمبرر على جواز التطبيع مع «إسرائيل»

ومن ذلك حساب «روز الحربي» التي أوردت الآية القرآنية «وَتِلْكَ الايام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس»، قائلة: «آية كريمة توضح أنه ما في شيء (لا شيء) اسمه هذا الأرض لهذا الشعب.. راجعو التاريخ».

على النهج ذاته، قال الكاتب الصحفي والاعلامي  السعودي «هلال الظويهر‏»: «هناك فتوى للعلامة بن باز رحمه الله في جواز الصلح مع اليهود كصلح الحديبية وبشروط».

وأضاف: «اقترحت التطبيع في مقال منذ سنوات، واليوم كالأمس الصلح جائز شرعا إذا كان في مصلحة وطنا».

وتابع: «سيدي ولي العهد معروف عنه سداد الرأي والقوة والنفوذ عالميا، وإسرائيل تسعى إليه راغمة».

آخرون برروا التطبيع مع «إسرائيل» بكون طهران هي العدو وليست تل أبيب؛ وهي النغمة التي عادة ما يرددها قادة «إسرائيل»، وما فتى فريق «ترامب» على ترديدها في سعيهم لما يقولون إنه حلف سني مع «إسرائيل» في مواجهة إيران.

ومن هؤلاء حساب «منشق» الذي قال: «نتمنى ذلك قريباً. تطبيع العلاقات بين البلدين ضربة قاسمه للإرهاب الإيراني».

كما برر فريق رابع الأمر بأن «إسرائيل» دولة حضارية، وأن العرب لم يعرف عنهم سوى الخيانة، في محاولة للتلميح إلى الأزمة في قطر.

ومن بين أعضاء هذا الفريق حساب «esi_isa» الذي قال: «نتمنى تطبيع العلاقات اليوم قبل بكره اسرائیل دولة حضارية.. عما قريب يطير الإسرائيلي إلى الرياض والسعودي إلى تل أبيب».

على النحو ذاته، قال حساب «فيصل الكثيري»: ‏«جربنا العرب وشبعنا خيانات ومؤامراتهم.. لماذا لا نجرب الطرف الآخر؟».

أيضاً، تساءلت «د. عبير» مستنكرة: « وش اللي (ما الذي) استفدناه من العروبة والقومية؟ ولا شيء».

بينما ذهب حساب «الذهبي_مسعود» إلى أن المصلحة تبرر التطبيع مع «إسرائيل»، وقال: «نعمل ونتفق ضمن المصالح المشتركة، والأمر هذا ينطبق على كل دول العالم!!». 

كسر «التابوهات»

تعليقات السعوديين على الوسمين ربما وجدت حملة مضادة، ومن يرد عليهم بقوة عبر وسم «#سعوديون_مع_القضيه»، لكن إطلاق دعوات بالتطبيع مع «إسرائيل» وظهورها من كتاب معروفين بهذا الشكل العلني بعد أن كان ذلك من قبيل «التابوهات» يعني أن هناك مسعى لجعل الأمر عادياً في الأوساط السعودية، وربما يكون ذلك تمهيداً لتطبيع سعودي رسمي مع دولة الاحتلال.

والمتابع للأمر يلاحظ أن هناك تحرراً سعودياً من كل حرج تجاه «إسرائيل» منذ زيارة «ترامب» للرياض يومي 20 و21 مايو/أيار الماضي، وهي الزيارة التي توجه منها الرئيس الأمريكي مباشرة إلى «إسرائيل» في رحلة اعتبرتها المتحدثة باسم البيت الابيض «سارة هاكابي» «لحظة تاريخية» في العلاقات بين الرياض وتل أبيب. 

وقبل وصول «ترامب» للرياض جرى الحديث عن بعد في الزيارة يتعلق بمفاوضات السلام بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية، لاسيما أن محطته الثانية كانت «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية للقاء رئيس الحكومة «الإسرائيلية»«بنيامين نتنياهو» والرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، وذهبت بعض الأصوات السعودية للمناداة بضرورة أن تبادر البلدان العربية بخطوات تطبيعية تجاه «إسرائيل» من أجل كسب ود الإدارة الأمريكية».

التسريب تم في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل الزيارة بعدة أيام، وفحواه أن السعودية أوصلت لإدارة «ترامب» استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع «إسرائيل» من دون شروط، وأنها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمة العربية عام 2002، والتي تقوم على إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بـ«إسرائيل» والتطبيع معها.

رسالة ربما لم تكن تحلم بها إدارة «ترامب»، لكن على ما يبدو أن نشوة العرش لها سكرة ولها ثمن، لا يرى «بن سلمان» أي غضاضة في تسديده. 

وزراء «إسرائيليون» التقطوا الخيط

وربما التقط وزراء «إسرائيليون» هذا الخيط مباشرة، واعتبروا أن من يقف وراء هذا الانقلاب في الموقف السعودي من «إسرائيل» هو «بن سلمان»؛ حيث كشفوا عن ذلك علنا خلال «مؤتمر هرتسليا»، الخميس الماضي.

ففي هذا المؤتمر، طلب وزير الاستخبارات «الإسرائيلي»، «يسرائيل كاتس»، من الملك «سلمان» دعوة «بنيامين نتنياهو» إلى زيارة المملكة، وإرسال «بن سلمان» إلى «إسرائيل» لزيارتها.

وقال مخاطباً الملك «سلمان»: «لقد رأينا قدرتك على ترتيب استضافة رائعة عندما زاركم (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب. يمكنك، أيضاً، أن ترسل ولي عهدك، الأمير محمد بن سلمان. هو شخص ديناميكي، ومبادر، ويريد أن يحدث اختراقاً» في العلاقات.

وأضاف: «يمكنك إرساله (بن سلمان) لعقد اجتماع في إسرائيل، وأعدكم أنه سيكون ضيفا مرحبا به جداً».

واستطرد: «بالضبط هذا هو الطريق. هم (السعوديون) يعرفون من تكون إيران، ويعرفون أننا يجب أن نتعاون لمواجهتها».

على النحو ذاته، اعتبر وزير الاتصالات «الإسرائيلي»، «أيوب قرا» أن تعين «بن سلمان» وليا للعهد في السعودية جدد الأمل في إمكانية حدوث تقارب بين السعودية و«إسرائيل».

وقال، في بيان، إن «تعيين بن سلمان يعني المزيد من التعاون الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، لا يقتصر على التعاون النفطي».

وأضاف: «تعزيز العلاقات مع إدارة ترامب هو بداية فترة جديدة ومتفائلة بين السعودية ودول المنطقة، بما فيها إسرائيل والشعب اليهودي».

تطبيع بلا ثمن

الجديد في الأمر، أيضاً، هو انخراط إعلاميين سعوديين، خلال الأيام القليلة الماضية، لعملية التطبيع مع «إسرائيل» بلا ثمن من زاوية أن السعودية ليس لديها أي خلاف ثنائي مع «إسرائيل» يمنعها من إقامة علاقات طبيعية، وأن الخلاف الأهم مع إيران.

ومن هؤلاء «مساعد العصيمي»، الذي كتب مقالاً  في صحيفة «الرياض» (السعودية شبه الرسمية)، بعنوان «إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك».

وعبر مقاله، الذي نشره بتاريخ 6 يونيو/حزيران الجاري واحتفى به موقع حساب «إسرائيل بالعربية» (الحساب الرسمي لدولة إسرائيل المزعومة على تويتر)، يبرر «العصيمي» التطبيع مع «إسرائيل» قائلا إن «الفلسطينيين قد أبرموا اتفاقات ومعاهدات صلح ورضوا بالقليل الذي أعطتهم إياه تلك المعاهدات وهي قضيتهم وهم أدرى بها وأصحاب المسؤولية عنها.. وهنا حق لي أن أسأل: هل علي أن استمر مستنفراً وجلاً متوتراً من إسرائيل بعد أن رضوا هم وأهل الدار الأصليين بالسلام ومازالوا يتفاوضون عليه؟!».

ومواصلا التبرير يتساءل: «هل هناك عدو أشد من أيران علينا وعلى بلادنا.. وهل إسرائيل كما إيران في التهديد والتأثير والإقلاق وبث الحقد والكراهية؟.. لذا فلنركز على عدونا الحقيقي ولا نتخذ من غيره بعبعا يقلق أجيالنا وهو ليس كذلك، لنعمل كل ما في وسعنا لدحر هذا العدو والأهم ألا نقف مكتوفي الأيدي تجاه من يعملون بوجهين.. فصديق عدوي هو عدوي، حتى لو كان عربياً خليجياً».

واختتم مقاله قائلا: «إذا لنحكم العقل ونديره نحو مصالحنا ونعيد تداول المسائل اقتصاديا وسياسيا وتعامليا وحتى تاريخيا في إطار حسابات الربح والخسارة وحسابات المصالح والاستقرار كي نعلم من أشد خطرا إيران أو إسرائيل، ومن يدعم عدوي ضدي وحين تعرفون النتائج لتكن مصالحكم هي الأهم؟».

كذلك، ولأول مرة يظهر باحث سعودي علنا على شاشة التليفزيون «الإسرائيلي» على الهواء مباشرة من المملكة.

وهو الأمر الذي احتفى به، أيضاً، حساب «إسرائيل بالعربية»، قائلاً: «للمرة الأولى في التاريخ يجري تلفزيون القناة الثانية الإسرائيلية مقابلة حية مع الباحث السعودي عبد الحميد حكيم، والذي تحدث عن ضرورة التعايش بسلام في المنطقة».

خطورة الأمر

خطورة الأمر، وفق مراقبين، أن ظهور دعوات التطبيع من السعودية بهذا الشكل الفج ربما يفتح كل الأبواب العربية التي كانت موصدة أمام تل أبيب؛ فنظراً إلى موقع السعودية العربي والإسلامي فإن خطوة من هذا القبيل قد تشكل تحولاً سياسياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط.

وليس سراً أن هناك أصواتاً سعودية نادت في السابق بالتطبيع مع «إسرائيل»، وثمة من ذهب إلى هناك، والبعض التقى صهاينة علناً، كما حصل أكثر من مرة مع الأمير «تركي الفيصل»، وكذلك مع «أنور عشقي»، مستشار مجلس الوزراء السعودي الأسبق.

لكن أن تبدأ دعوات التطبيع وإقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل» بالتحول إلى حفلة يومية في الصحافة السعودية مثل «عكاظ» و«الرياض»؛ فهذا يعني أن هناك قراراً سياسياً من أعلى المستويات بتدشين مرحلة جديدة، وهذه بالطبع هي مرحلة «بن سلمان» ولي العهد الجديد الذي يستعد لاستلام الحكم كأصغر ملك في تاريخ السعودية، وأول ملك من غير أبناء الملك «عبد العزيز».

والفترة الأخيرة الأخيرة شهدت تقارباً غير رسمي بين الرياض وتل أبيب؛ حيث زار رجال أعمال ومسؤولون سعوديون سابقون «إسرائيل»، والتقطت عدسات الكاميرات مصافحات بين مسؤولين «إسرائيليين» وأمراء سعوديين؛ وهو أمر غير مسبوق.

كما يتشارك البلدان النظرة إلى إيران على أنها «تهديد استراتيجي» لهما، وكلاهما حليفان وثيقان للولايات المتحدة.

ودعمت «إسرائيل» الحصار الحالي الذي تفرضه السعودية والإمارات على قطر.

كما دعت تل أبيب مرارا وتكرارا الدوحة إلى عدم استضافة الشخصيات الفلسطينية البارزة، وهو الأمر الذي باتت تشاركها فيها الرياض وأبوظبي.

ومنذ قيام ما يعرف بـ«دولة إسرائيل» عام 1948، رفضت السعودية الاعتراف بها، ودعمت حقوق الشعب الفلسطيني في السيادة على الأراضي التي تحتلها «إسرائيل» منذ عام 1967.

ومع ذلك، فإن المملكة الخليجية لم تشارك في أي من الحروب العربية ضد «إسرائيل».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية إسرائيل تطبيع محمد بن سلمان العلاقات السعودية الإسرائيلية