«ميدل إيست آي»: أزمـة الخـليج والغاز.. لماذا تزيد قـطر من إنتاجـها؟

السبت 8 يوليو 2017 06:07 ص

يقول رودي بارودي، المدير التنفيذي لمؤسسة الطاقة والبيئة القابضة، وهي مؤسسة استشارية مستقلة تتخذ من الدوحة مقراً لها: "الأساس في ذلك أنه قرار تجاري بحت. وإذا كان للسياسة دور فيه، فربما كان ذلك في التوقيت: من المحتمل أن يكونوا قد استعجلوا باتخاذ هذه الخطوة كإشارة على عزم البلاد وتصميمها، ولضمان أنه فيما لو استمر الحصار فسوف تتوفر لدى الدولة عائدات أكثر حتى تخفف من وطأة الضربة التي توجه إليها."

النزاع الأسترالي الأمريكي القطري

كانت قطر قد أشارت في وقت مبكر من هذا العام بأنها تنوي زيادة إنتاجها من الغازل الطبيعي المسال بما يقرب من 15 مليون طن، ولكنها قررت مؤخراً مضاعفة هذا الرقم إلى 33 مليون طن. وهذا يعني أن إنتاجها السنوي سيرتفع من إنتاجها الحالي البالغ 77 مليون طن – والذي يعتبر رقماً قياسياً على مستوى العالم – إلى 100 مليون طن.

بشكل عام، ينزع المحللون الاقتصاديون إلى التقليل من أهمية توقيت الإعلان، والذي يتصادف مع رفض الدوحة لمطالب الرياض وحلفائها.

إلا أن التحرك يشير بوضوح إلى أن قطر، على المستوى العالمي، لديها نفوذ يعتد به حينما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي المسال. يقول كلوديو ستيوار، مدير سي إنرجي، وهو مكتب استشاري يتخذ من بريطانيا مقراً له ويركز اهتمامه على قضايا الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال: "توقيت قطر مثالي، وذلك لاستغلال ضعف النمط التجاري الحالي للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة الأمريكية، واستباق التنافس مع كل من روسيا وإيران وشرق أفريقيا وشرق المتوسط."

من المفروض أن تصبح أستراليا خلال العامين القادمين أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، ولكن يتوقع أن تعود قطر إلى تصدر القائمة بحلول عام 2022 بمجرد أن يبدأ الإنتاج الجديد من حقلها الأوفشور الضخم الذي يسمى حقل الشمال.

كما أن الولايات المتحدة ستزيد من إنتاجها ويتوقع أن تصبح ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2020، وخاصة أن أرصفة تصدير الغاز الطبيعي المسال باتت جاهزة وأن إدارة ترامب تدفع باتجاه تصدير الطاقة.

سوف تتفادى قطر من خلال زيادة إنتاجها مثل هذا التنافس، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى انخفاض تكاليف استخراج الغاز من حقل الشمال وإلى ما تمتلكه من مرافق تسييل، وخاصة إذا ما قورن ذلك بعمليات التكسير المائي (فراكينغ) التي يتم اللجوء إليها في الولايات المتحدة.

سوف تتمكن الدوحة بفضل ذلك من كسب حصة في السوق في البلدان التي يزداد فيها الطلب على الغاز الطبيعي المسال، وخاصة في آسيا، والتي يتوجه إليها حالياً ما يقرب من ثلثي صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال.

يقول ستيوار: "على الرغم من الدعاية الأمريكية القوية، إلا أن النموذج التجاري الحالي وتكاليف مشاريع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة ليست منافسة في الأسواق المتنامية في جنوب شرق آسيا."

ويقول أيضاً إنه بحسب التقديرات الحالية، فإن التكاليف المرتفعة لاستخراج الغاز الطبيعي المسال في أمريكا تصبح منافسة فقط فيما لو تجاوزت أسعار النفط ما بين60 إلى 70 دولاراً للبرميل، الأمر الذي سوف يحد من مستوى الارتفاع المتوقع في صادرات الغاز الطبيعي المسال الواردة من الولايات المتحدة. ومن باب المقارنة، يذكر أن أسعار النفط خلال العام المنصرم تراوحت ما بين 40 إلى 50 دولاراً للبرميل.

يقول تريفور سيكورسكي، رئيس قسم الغاز والكربون في مؤسسة إنرجي آسبيكتس، إن منتجي الغاز في الولايات المتحدة سيحتاجون إلى ما يقرب من 8 إلى 8.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية – وهي الوحدة المعيارية التي تستخدم للغاز – لتغطية تكاليف إنفاقهم الرأسمالي وتحصيل بعض العائد من استثماراتهم.

أما القطريون، حسبما يقول، فيحتاجون إلى نفس الأرقام لتغطية استثماراتهم في قطارات التسييل الجديدة – وهي جزء من معامل تسييل الغاز الطبيعي المسال مهمتها تقليص حجم الغاز بواسطة تبريده وتحويله إلى سائل.

"إلا أن تكاليف ذلك في الولايات المتحدة تزيد بدولار أو اثنين عنها في قطر. إنه سباق على الأسعار حتى القعر، ولا مفر من أن تخسر الولايات المتحدة."

المخاطرة المتوقعة

إلا أن ثمة مخاطرة واحدة تواجهها قطر: إيجاد مشترين بعيدي المدى لغازها الطبيعي المسال لضمان التمويل اللازم لإنجاز التوسع المطلوب.

كانت مشاريع الغاز الطبيعي المسال السابقة قد أعطيت الضوء الأخضر للتوسع بناء على أسعار للغاز كانت ضعف ما عليه السعر الحالي والذي يتراوح من 5 إلى 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ما من شك في أنهم الآن يعانون.

لقد تمكنت قطر من إطلاق بعض المشاريع، مثل قطار راس غاز 6 – وهو واحد من ثلاثة عشر قطار تسييل تشغله شركتا راس غاز وقطر غاز المملوكتان للدولة – دون وجود مشترين بعيدي المدى لضمان الإنفاق الرأسمالي، الأمر الذي ييسر ظروف التمويل.

وما تفعله بدلاً من ذلك هو التشغيل على "أساس التاجر" الذي يقدم تطمينات للمولين مستمدة من توقعات بارتفاع الطلب.

نجحت مقامرة قطر تلك في عام 2009 عندما بدأ راس غاز 6 في الإنتاج. وفي عام 2011 حصل على تقوية عندما استخدم السعة الاحتياطية للاستجابة إلى طلب مفاجئ على الغاز الطبيعي المسال من قبل اليابان بعد كارثة المفاعل النووي في فوكوشيما.

يقول سيكورسكي: "لقد جازفوا من قبل ونجحوا. إذا كان هناك من يملك المجازفة فإنهم القطريون."

لن تتمكن الرياض ولا أبو ظبي من استخدام نفوذهم مع شركات النفط العالمية لمنع الاستثمار في قطر. فالشركات الكبرى مثل رويال داتش شيل، وتوتال، وإكسون موبيل – والتي تستثمر بكثافة في قطر – أشاروا إلى أنهم يلتزمون الحياد في أزمة مجلس التعاون الخليجي.

يقول ستيوار: "لا أرى ما يمكن أن يحول دون رغبة قطر في زيادة إنتاجها. فكافة الشركات الكبرى في مجال هندسة الغاز وتقديم الخدمات سترحب بفرصة الحصول على مجالات عمل جديدة في قطر."

يعزز التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال علاقات قطر مع شركات النفط الرئيسية بينما يوجه رسالة إلى المشترين أن الدوحة بإمكانها إبقاء الصنابير مفتوحة، على الرغم من الأزمة.

يقول بارودي: "فوق كل اعتبار، يتوجب على قطر للبترول أن تكون متأكدة من أن بإمكانها تزويد زبائنها بدون انقطاع. وهم لا يتخذون هذه الخطوة فحسب، بل لقد دخلوا في شراكات مع بعض أصحاب الأوزان الثقيلة في القطاع."

صفعة للمملكة العربية السعودية؟

ثمة خلاف في الرأي عما إذا كان إعلان قطر سيزيد من المخاطر الإقليمية في مجال التحول العالمي بعيداً عن النفط باتجاه الغاز. 

سوف تعاني المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واللتان لا تصدران الغاز، في سعيهما للحاق بإنتاج الدوحة. 

يعتبر الغاز الطبيعي المسال وقوداً أنظف من النفط. وما لبثت الدول ذات الاقتصاديات الكبرى مثل الصين والهند وجنوب كوريا تتحول عن محطات توليد الطاقة بالفحم إلى الغاز سعياً منها لتقليص التلوث. 

يقول ستيوار: "بما أن الغاز هو الوقود الحفري الوحيد الذي يعتبر مضمون الاستمرار على مدى الأعوام الخمسة والعشرين القادمة، فإن ذلك يعزز من التوترات الحالية بين المملكة العربية السعودية وقطر." 

"ومع انخفاض الطلب على النفط وتراجع أسعاره، فإن القوة الاقتصادية تتحول بالتدريج بعيداً عن الدول الغنية بالنفط إلى تلك الغنية بالغاز وبالغاز الطبيعي المسال. ومن شأن هذه اللعبة أن تغير من توازن القوة السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط." 

تعتبر أسعار النفط عاملاً أساسياً في ضبط ميزانية الدولة في المملكة العربية السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة. تحتاج كل واحدة منهما لكي تتمكن من ضبط دفاترها إلى أن يكون سعر برميل النفط تسعين دولاراً للأولى وستين دولاراً للثانية في عام 2017، وذلك بحسب ما أورده المعهد الدولي للمال. 

تعتبر آسيا هي أرض المعركة بين قطر والمملكة العربية السعودية حين يتعلق الأمر بصادرات الطاقة. 

يقول التميمي: "أظن أن السعوديين سيخسرون أكثر من القطريين، حيث أن القطريين يعتمدون على الغاز ويكثفون أكثر من النفط، الذي لا يعتبر من صادراتهم الأساسية." يشكل النفط ما يقرب من 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية وما يقرب من 85 بالمائة من عائدات صادراتها، بحسب الأرقام المتاحة من أوبيك. 

في ديسمبر / كانون الأول، سبقت روسيا المملكة العربية السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم. كما أن روسيا ما فتئت توسع حصتها من السوق في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم وثالث أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال. 

يقول التميمي: "كانت المملكة العربية السعودية تحظى بما يقرب من 20 بالمائة من السوق الصيني في عام 2011. ولكن حصتها تراجعت خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2017 إلى 11 بالمائة. وسيكون صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، عليها استعادة ذلك."

ولكن بينما تعادل الزيادة المستهدفة في الغاز الطبيعي المسال القطري ما يقرب من 10 بالمائة من السعة العالمية للغاز الطبيعي المسال، يعتقد سيكورسكي بأنه من المبالغة القول بأن الغاز سيحل محل النفط.

ويضيف: "بالنسبة لي، نحن إزاء وضع يقول فيه القطريون لمجلس التعاون الخليجي: انظروا، لسنا معتمدين عليكم في سبيل إنجاح اقتصادنا. فبإمكاننا أن نتوسع في تصدير الغاز إذا ما حاولتم الضغط علينا وحشرتمونا في الزاوية، وسوف نستمر في جني أموال طائلة من ذلك. تلك كانت الرسالة حسبما أرى، وليس المقصود القول إن الغاز الطبيعي المسال هو المستقبل وأن النفط قد مات."

  كلمات مفتاحية

قطر الغاز القطري المسال النزاع الأسترالي الأمريكي القطري الحصة السوقية دول الحصار تكاليف الإنتاج