الجهاز الوقائي.. دحلان وعباس وحماس

الأحد 9 يوليو 2017 06:07 ص

بات هذا رياضة وطنية. ليس عندنا بل عند الجيران: أن نرى كيف يضرب ابو مازن حماس. يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع جاءت الضربة الدورية: فقد قررت حكومة السلطة أن تخرج الى التقاعد المبكر 6.145 موظف دولة “في المحافظات الجنوبية”، أي في قطاع غزة. الاف المعلمين، الاطباء، الممرضات والموظفين سيتلقون من فصاعدا راتبا أدنى بعدة عشرات في المئة، سواء واصلوا العمل أم تقاعدوا.

كم مرة يخرج الانسان الى التقاعد في حياته؟ مرة واحدة، تقريبا، على فرض أنه عمل لدى رب عمل واحد. بعد أن بعثت الاف العاملين الى التقاعد، أعلنت السلطة انه اذا ما وعندما ستسوى الامور مع حماس، سيعودون الى سوق العمل. في هذه الاثناء ستعيش عائلاتهم وفقا لارجوحة جنونات ابو مازن، وكل شيء وفقا لمستوى التوتر مع حماس وحالة النوبة الوطنية.

شرح لي مصدر في محيط ابو مازن هذا الاسبوع ما الذي ألم بالرئيس، ولماذا في السنة الـ 83 من حياته لا يزال مصمما على تنفيذ خطوات تجلب عليه كراهية سكان القطاع. إحالة العاملين الى التقاعد سبق قرار السلطة وقف الدعم الحكومي بالثلث للكهرباء التي تبيعها اسرائيل لغزة.

وبالتوازي، أجرت السلطة تقليصا بملايين الشواكل في الشهر مما تخصصه لتمويل العلاجات في اسرائيل للمرضى بامراض خطيرة من غزة. وقبل بضعة ايام من ذلك قررت ايضا تناول السجناء. 277 عائلة سجناء حماس من القطاع، ممن يتلقون دعما ماليا من السلطة، وجدت نفسها بلا مخصص.

خلف سلسلة الاجراءات هذه يقف رجال مخابرات ابو مازن. وما كان ينبغي لهم أن يجتهدوا كثيرا. فقد كان يكفي ان يعرضوا عليه التقارير المالية مع تفاصيل المبالغ التي تدعم بها السلطة اقتصاد القطاع: تمويل شبكة الكهرباء، دفع رواتب لـ63 الف موظف دولة، تمويل توريد المياه التي تضخ من اسرائيل، دعم عائلات السجناء. بالاجمال، 480 مليون شيكل في الشهر. 

وقد ضربوا له هذا المبلغ في السنة، وبعد ذلك في عشر سنوات، كعدد السنوات التي مرت منذ استولى مسلحو حماس على الحكم. فوصل الرقم الى 60 مليار شيكل. وعندما واصلوا وذكروا لابو مازن بان حماس ترفض بعناد السماح لممثلي فتح السيطرة على معابر الحدود، بل واقاموا مؤخرا هيئة حكم خاصة به منقطعة عن حكومة الوحدة برئاسته، وانهم يتسكعون مع خصمه محمد دحلان، فقد تنحنح وطلب أن يتوقفوا. قالوا له: “يا رئيس، نحن آلة سحب المال بالنسبة لهم”.

كل هذا حصل قبل نحو ثلاثة اشهر. ومنذئذ تبلور في قلب رام الله قرار بقتل حماس برقة. الى الالاف الذين اخرجوا على التقاعد هذا الاسبوع يخطط ابو مازن ان يضيف بنبضات متواترة عدة عشرات الاف آخرين من زملائهم. ويقول المصدر ذاته انه في قيادة السلطة هجروا حلم الوحدة مع حماس، فكرة ان ينفصل جناحا فلسطين الواحد عن الاخر تماما لا تبدو لهم فظيعة جدا. في اروقة المقاطعة همس مؤخرا على سبيل التداعي، باسمي الكوريتين.

لا شك أنه امام ناظرينا تتم خطة متعددة المراحل، من انتاج م.ت.ف هدفها تركيع حماس. في مرحلة ما، هكذا يسمون في قيادة السلطة، سيحصل واحد من سيناريوهين: إما أن تهزم حماس وتقول: “اريد أنا”، وتقبل إمرة السلطة عليها، أو يصعد الجمهور الغزي على الباستيل ويثور على حماس. حتى قبل اسبوعين – ثلاثة اسابيع واصل رجال ابو مازن في خطتهم، وشاهدوا باستمتاع كيف يتلوى قادة حماس وهم يطالبون بان يشرحوا لجمهورهم لماذا لا يضخ تيار الكهرباء الى منازلهم الا لثلاثة أو أربع ساعات في اليوم فقط.

كان واضحا ان لاسماعيل هنية ورفاقه، المحاصرين والمعزولين، توجد أوراق قليلة جدا ضد خطة التعذيب التي اعدها لهم اخوانهم في رام الله. وهنا في هذه الصفحة كتبت، قبل اسبوعين فقط، بانه حين تكون حماس قريبة من اسفل البرميل، من شأنها أن ترى في الحرب مع اسرائيل مدخلا للنجدة، ولهذا فان خطوات ابو مازن ضدهم تعرض أمن اسرائيل للخطر. ولكن في حينه، مثلما في السيناريو الجيد، طرأت نقلة في الحبكة.

منفعته عقيدته

في الاسابيع الاخيرة دخل وخرج مسؤولو حماس من والى مكتب خالد فوزي، رئيس المخابرات العامة المصرية. ببطء وبالتدريج بدأت تنسج الصفقات. الثقة بين حماس ومصر في اسفل الدرك، وطريق المصالحة طويل، ولكن الاختراق تم.

الشرخ بين القاهرة وبين قيادة القطاع لم يكن أبدا مطلقا. دائما حافظ الطرفان على خيط رفيع، وعرفا كيفية النجاح مع الوقت على تعزيزه. بالنسبة لمصر كانت غزة وما زالت البنت المهملة. أما نحن الاسرائيلين فنعتبرها تحديا أمنيا. المصريون يعتبرون أهل غزة جيران لهم. وحسب صيغة المصالحة المتبلورة سيقوم المصريون قريبا بفتح معبر رفح أمام البضائع وخروج المرضى والطلاب والسياح والمسؤولين. 

واذا حدث هذا الامر فسيكون تخفيفا دراماتيكيا للحصار على القطاع. وفي المقابل، تحافظ حماس على الحدود في وجه أعداء مصر. العلاقة مع مقاطعة سيناء، التابعة لداعش، لن تستطيع حماس قطعها، لكنها ستضطر الى اضعافها، هذه العلاقة التي لم تكن سوى تحالف مصالح.

الاتصالات والمحادثات مع الجنرال فوزي، قام بها رئيس مكتب حماس السياسي في القطاع، يحيى السنوار. ولكن حلقة الوصل والشخص الذي قام بتليين موقف السيسي واقناعه بجدوى الصفقة هو محمد دحلان.

دحلان هو الخصم الاكبر لأبو مازن. دحلان ولد وتربى في القطاع، وهو يقوم في السنوات الاخيرة بتمويل النشاطات السياسية. وبالنسبة للسيسي يعتبر دحلان الشخص الذي يستطيع تطبيق التفاهمات مع حماس. وبالنسبة لأبو مازن يعتبر دحلان متآمر كبير.

يتميز دحلان بصفتين بارزتين: 

- الأولى لا يمكن معرفة اذا كان يتحدث بصدق أو بكذب. 

- والصفة الثانية هي أنه لا يمكن معرفة من يمثل عندما يقوم بعقد الصفقات، اذا كان يمثل نفسه أم أنه يعمل باسم طرف آخر. 

مهنته هي الأمن التنفيذي، كان رئيس جهاز الامن الوقائي اثناء وجود عرفات في غزة. وقام ببيع خبرته لحكومات كثيرة وأصبح ثريا.

الزعماء المطلقون الذين نعرفهم في منطقتنا يحتاجون الى القوة الحديدية من اجل البقاء. ودحلان له خبرة في ارشاد وحدات حماية الافراد والامن الوقائي. وفي مقابل ذلك حصل على مئات الملايين وعلى ثقة هذه الانظمة. قسم كبير من امواله قام بجمعها في دولة الامارات التي تبنته كابن لها. وتوجد له علاقات تجارية مع دول البلقان، وخاصة صربيا، التي منحته الجنسية. 

وفي السنوات الثلاث الاخيرة تقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكانت حلقة الوصل بينها رجل الاعمال محمد رشيد الذي كان المستشار الاقتصادي لعرفات في السابق، والذي يعيش في القاهرة. وتوجد للاثنان استثمارات مشتركة. ومشكوك فيه أن يكون السيسي قد كان يعرف عن مشكلات مصداقية دحلان. يبدو أنه قد عرفها، ورغم ذلك قرر الاستفادة من هذا الامر.

العجوز والبحر

التطورات التي تلوح تحتاج الى المزيد من التشاور بين غزة والقاهرة، لكن الامور الاساسية تم وضعها على الطاولة. والسؤال هو كيف سترد القدس. عندنا يعرفون كيفية مواجهة حالة الاسود والابيض. وفي القصة التي أمامنا توجد ألوان كثيرة. فمن جهة ستتوقف مصر عن كونها شريكة في الحصار على غزة، كما فعلت على مدى عقد. ومن جهة اخرى ستقوم بحماية حماس والتأثير عليها بشكل قد يخدم اسرائيل مستقبلا.

ومن خلال تقريب حماس اليها، تقلل مصر من امكانية التدهور. الرغبة في مواجهة مع اسرائيل تتراجع.

ومن يخشى من كل زيارة لمبعوثي حماس في القاهرة هو أبو مازن. هذا العجوز يجلس في مكتبه في رام الله ويرى كيف أن الرئيس المصري يقوم باغراق خطته لاهانة حماس في بحر غزة.

واذا نجحت الصيغة فسيتحسن وضع حماس الاقتصادي وستعود لتكون حليفة لمصر، ولن تحتاج الى الاموال من السلطة. ماذا أراد أبو مازن من حماس على مدى السنين؟ أن لا يكون لها أي شيء وأن تتوسل.

المصدر | معاريف العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

حماس محمود عباس مصر محمد دحلان إسرائيل