فيلم «جرح أمي»: هل يتناسى البوسنيون آلامهم دون قصاص؟

الخميس 13 يوليو 2017 09:07 ص

فيلم «جرح أمي أو Annemin Yarasi» فيلم تركي إخراج «أوزان أتشيكتان» يجسد مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك، وهي المعاناة التي مرت بالأمة العربية الإسلامية هذه الأيام وسط صمت لا يناسب مأساوية وجلال الذكرى الثانية والعشرين ﻟﺤﺮﺏ ﺍﻹﺑﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﺮﺏ وغيرهم ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ والهرسك .. ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ عشرات الآلاف من المسلمين، ﻭﺍﻏﺘﺼﺒﺖ آلاف النساء المسلمات.. ﻭتم تﻫﺠّﺮ أكثر من ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻭﻧﺼﻒ مليون مسلم .. ومرت في هدوء قاتل ذكرى «مذبحة سربرينيتسا».

فيلم الليلة التركي تم طرحه في تركيا  11 من مارس/أذار الماضي، وفي برلين، حيث ولدت ونشأت بطلته التركية الأصل «مريم أوزرلي» أو «السلطانة هويام»، كما عُرفتْ في مسلسل «حريم السلطان»، طُرِحَ الفيلم في برلين في 18 من مارس/أذار الماضي، مستبقًا الذكرى بنحو 4 أشهر، ليثبت اهتمامًا تركيًا بفترة عصيبة من تاريخ البوسنة والهرسك بل المسلمين بوجه عام، كما تهتم تركيا بتاريخها الحديث في أعمال درامية عن «أرطغرل» والسلطان «عبد الحميد» وغيرهما، وإن كان الاهتمام الأخير على نحو أكثر رسمية واحتفاء.

سينما الحياد

اختار مؤلف الفيلم «فوندا شيتين» موقف الوسط أو الحياد حيال الحدث التاريخي، فظهر خلال الفيلم الذي استمر تصويره لمدة 7 أسابيع بين إسطنبول وبلغراد، وتردد بقوة أنه لم يحقق النجاح الجماهيري المناسب، ظهر أن المخرج والمؤلف عمدا إلى تخطئة جميع الأطراف بلا استثناء، وفي مقدمتهم المسلمين المُعتدى عليهم المُستشهد والمُغتصب من رجالهم ونسائهم والمُهجر مئات الآلاف.

ظهر في الفيلم توجه منتجوه إلى الصناعة السينمائية، ومخاطبة الغرب بما يستهوية، والابتعاد عن خطاب المظلومية، فـ«مرصد أو أمان» (المُمثل أوكان يالابيك، البطل المسلم الذي حضر الحرب، المقطوع القدم الذي يُصلح أحذية القرية البوسنية الصغيرة «خان سيمين» لم يصب أثناء الحرب بل أثناء الفرار، فالمسلمون، بحسب الفيلم، لم يدافعوا عن أرضهم وعرضهم وأنفسهم جيدًا، هذا بالإضافة إلى إقرار الفيلم بالجرائم الصربية.

لقطة النهاية .. لقطة الصفر

لقطة الختام للفيلم تلغي كامل مشاهد الفيلم، ففيها تنطق البطلة المسلمة «تمارا» أو(بيشلم بيلاغين)، المُغتصبة منذ 19 عامًا باسم ابنها «صالح»، من الصربي الجار «يوريسلاف ميلتيش» أو (أوزان غوفين)، (رستم باشا في حريم السلطان)، تنطق بالاسم في الظلام فيما يُكتب على الشاشة السوداء: «مستقبل سعيد لماض تعيس لكل الأطفال الذين لن نضحي بهم»..

وهكذا تُقر لحظة النهاية أن المستقبل السعيد للاطفال البوسنيين الذين ملأوا الملاجئ منذ ذلك التاريخ في نسيان آبائهم، وعدم نبش أخطاء الحرب، فلكأن الفيلم إذًا لم يكن من الأساس!

في ظلال من الكآبة والموسيقى التصويرية المُخففة للأحداث عبر روعة الألحان المتضافرة مع الطبيعة الخلابة في إسطنبول وبلغراد، تدور الأحداث حول «صالح» (الممثل بورا أكاش) أو الطفل المسلم اللقيط الذي يبلغ 18 عامًا، بحسب الفيلم؛ فيختار ترك «ملجأ سربرينيتسا»، ليخبره معلمه أن أهله في قرية مجاورة، وهناك يتعرف إلى  «تمارا» أمه التي تعاني من أثر تناول جرعات مكثفة من الأدوية لتنسيها ذكرى اغتصابها، أما زوجها «مرصد أو أمان» فلا يدري عن الأمر شيئًا، وتبقى أمه «مولودة» (سابينا أجيرلا)، مخزن سر القصة، فزوجة ابنها «تمارا» تم اغتصابها منذ 19 عامًا من جانب ضابط صربي، وبالتالي احتجازها في معسكر حتى وضعت «صالح»، وسئل عن سبب ذلك في الواقع سياسي صربي فقال:

ـ «نريد أن نجد أبناء صربيين من أمهات مسلمات ( Serb babies )»!

وبالعودة إلى الفيلم ..تطرد والدة الزوج «صالح» بل تخبره بقصته المأساوية واسم مغتصب أمه، (وجدتْ النسوة نقطة دم مكان استحمامها ليلة عرسها ليعرفن بجرحها ويهبنها على جمالها للرجل الجريح المسلم مرصد او أمان المُتولي الهارب لحظة المواجهة).

حب الحياة .. البحث عن الحقوق

وفي بريغيدور الصربية المتحضرة، تتنازع «صالح» رغبتان: استمرار الحياة كما هي عليه، والبحث عن حق أمه، من جانب آخر، فهو ليس مسلمًا بالمعنى المعروف فلا التزام لديه بتعاليم، وإنما هو مثل أمه وزوجها يشرب الخمر وزاد بمعاشرة الفتيات، لكنه غير قادر على التجاوز فيبدأ في حصر أسماء الرجال الذين لهم نفس اسم أبيه محاولًا الوصول إليه لقتله.. هذا مع تقبل المجتمع الصربي المسيحي له دون حساسية.

وفي مزرعة خاصة لرجل يحمل اسم أبيه يجد حنانًا واهتمامًا بخاصة أن «ماريا» الزوجة المسيحية، كما هو واضح من اسمها، لا تنجب، ويفشل الابن في التعرف على أبيه في الرجل، كما يفشل في الفرار من المزرعة، ليبقى مؤرقًا لا ينام مثله مثل أمه على الجانب البوسني، ويكاد الجميع يفشلون في الاهتداء إلى أصل «صالح» ليحيوا في سلام، كما في الفيلم المفترض الذي تفسده لحظة الختام بالاعتراف بأن «تمارا» الأم لم تصل إلى «صالح» الابن ولم يعرف الجميع القصة المضنية المجهدة المنهية لحياتهم.. يكاد الجميع يتقبلون الواقع لولا محاولة «ماريا» المُضنية كشف السر، فتتصل بالملجأ في سربرينيتسا لتصل إلى عنوان «صالح» ورقم الهاتف الأرضي وتأتي بأمه لتتعرف على مغتصبها ليتم إفساد حياة الجميع .. فتقتل «ماريا» نفسها ثم يقتل الزوج، المُغتصب سابقًا، نفسه، وتفسد حياة «صالح» وأمه «تمارا» وزوجها «مرصد أو أمان».

دعوة للتصالح .. دعوة للشقاء

ظلم الفيلم المسلمين بداية من تصويرهم بالحقودين نهاية بصفعة «ماريا» المسيحية على خد «تمارا» المسلمة المغتصبة الفاقدة لحياتها، كما حاول الفيلم إبراز رغبة التعايش وحب الحياة بتجسيد البطل المغتصب حريص على إنقاذ طفل من حريق في ملجأ «بريغيدور» الصربي، كما ظهر ذلك في بوهيمية حياته المُحببة لدى الغرب ..

وقام الفيلم في الأساس على أنه يتوجه إلى مشاهد معادٍ للصرب فحاول التخفيف من هذه النظرة عوضًا عن أن يظهر مدى عمق جراح المسلمين ..

طريق واضح أبداه الفيلم لمأساة البوسنة والهرسك .. هو الهرب من مجرد تذكرها والتعالي عليها وعلى آلامها!

جاء أداء «صالح» أو الممثل الشاب «بورا أكاش» مُفتقدًا إلى الخبرة بطيء الإيقاع حتى ليخيل إلى المشاهد وهو يهرول صامتًا في نهاية الفيلم على صوت رصاص مقتل أبيه وزوجته أنها اللقطة الحقيقية التي وُفق في تمثيلها.. كما جاء أداء الممثل «أوزان غوفين» أو «يوريسلاف ميليتش» المُغتصب بالغ الروعة حتى ليشعر المُشاهد بالرثاء له عوضًا عن كرهه وفعله الذي أضنى جميع أبطال الفيلم، وحرص المخرج على عدم إظهار لقطة انتحاره أو زوجته لتبقى النقطة المضيئة في ذهن المشاهد عنهما حاضرة بعكس جميع أبطال الفيلم المسلمين الانسحابيين الحيارى السلبيين..

فيلم «جراح أمي» أبرز قدرات السينما التركية على الإنطلاق نحو مكانة عالمية أفضل، وتناول واقع المسلمين في البوسنة والهرسك من منظور مأساوي غلبت عليه الحيادية ومحاباة النظرة الغربية المحبة للحياة، إلا أن هذا لا ينفي مجهودًا سينمائيًا حاول التذكير بمأساة مسلمة شهيرة في العصر الحديث وإن لم يكن ناجحًا تمام النجاح..!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

فيلم البوسنيون تناسي آلام قصاص