«صحيفة»: مناوشـات المـلك والأحـزاب في المـغـرب

الأربعاء 9 أغسطس 2017 09:08 ص

حمل خطاب محمد السادس ملك المغرب في عيد العرش بتاريخ 29 تموز/يوليو الماضي رسائل قويّة للجهات السياسية والإدارية الفاعلة في البلاد مشيرا إلى أن التطور السياسي والتنموي في المغرب لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين منتقدا «انتهازية» الأحزاب والطبقة السياسية التي حملها الجزء الأكبر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، بسبب المصالح الشخصية والصراع الحزبي وتصفية الحسابات السياسية متهما إياهم بالانحراف عن الجوهر النبيل للسياسة مؤكدا أنه لم يعد يثق في الأحزاب والممارسات السياسية السائدة.

لم يكتف الملك المغربي بالانتقادات بل هدد بإقالة جميع المسؤولين الذين ثبت تورطهم في عرقلة المساعي التنموية واعتبر أفعالهم وتصرفاتهم خيانة للوطن والشعب.

ولا تتعلق أهمية خطاب الملك بالانتقادات الشديدة للطبقتين السياسية والإدارية فحسب بل بمجيئه بعد الحراك العنيف الذي كانت مدن شمال المغرب مسرحاً له وما تزال، وهو، بهذا المعنى، إزاحة للمسؤولية عن عاهل المؤسسة الملكية ووضعه على الأحزاب السياسية والإدارة البيروقراطية للبلاد.

الردود على خطاب العرش كانت كثيرة غير أن اثنين منها لافتان للنظر، الأول جاء من الأمين العام المستقيل لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عبد الإله بن كيران، والثاني كان من الأمين العام لحزب المعارضة الرئيسي «الأصالة والمعاصرة» إلياس العماري الذي استقال بدوره.

ومع الاختلافات الأيديولوجية الكبيرة والخصومة بين الزعيمين السياسيين فإنهما اتفقا على نقطة واحدة على الأقل، وهي نقد موقف الأحزاب السياسية على «ابتهاجها» بمؤاخذات الملك لها، بحسب بن كيران، وعلى «تناقضها» في تثمينها، كلّها، للخطاب الملكي، بحسب العماري.

وفي حين تملّص العماري من ربط استقالته بالخطاب الملكي فإن بن كيران أعاد الكرة بذكاء إلى المؤسسة الملكية بقوله إن أزمة الأحزاب سببها تدخّل النافذين في القصر الملكي، مستخدماً مطالب الملك بتفعيل الأحزاب بمطالبته بوقف التدخل لأن الأحزاب تحتاج الحرية والاستقلال، بل إن بن كيران مشى خطوة أوسع بهذا الاتجاه حين قال إنه مستعد للذهاب للسجن للدفاع عن استقلالية حزبه.

السياق الحالي للأحداث، يدلّ إذن على أن انتقادات الملك محمد السادس القويّة أتت أكلها، ففي حين قام زعيم المعارضة بالاستقالة من منصبه السياسي (لكنه احتفظ بمنصبه الإداري كرئيس لجهة طنجة تطوان الحسيمة، وهي المناطق التي جرت فيها الأحداث!) فإن الزعيم المستقيل للحزب الرئيسي الحاكم قال بصراحة إنه يتقبّل نقد الملك ويحمّله، في الوقت نفسه، جزءاً من المسؤولية، ليس عن ضعف الطبقة السياسية فحسب بل عن تعطّل المشاريع التنموية بسبب فترة الاستعصاء السياسي التي عطلت البلاد.

تكشف هذه الدينامية الجارية في المغرب عن حيوية عالية كما تظهر اهتمام الأطراف السياسية كافّة بمحاولة تقديم الحلول لأزمات المغرب، لكنّها تكشف ايضاً عن وجود توتّر كبير بين الأطراف الفاعلة في البلاد. يتحرك خط التوتر هذا على ركيزتين رئيسيتين:

- الأولى هي الحراك الشعبي الكبير الذي بدأ يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2016 (مع حادثة مقتل بائع السمك محسن فكري البشعة في الحسيمة)،

- والثانية هي التأزم السياسيّ بعد تصدر حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وتلاه حزب «الأصالة المعاصرة» المعارض وما تبع ذلك من مناورات أخّرت تشكيل الحكومة وأدّت، في النهاية، إلى خروج بن كيران من الحكم.

يرتبط خطّا التوتّر الشعبي والسياسيّ في المغرب بخلفيّات قديمة تتشابك وتنفصل لكنّها كلّها تحيل إلى مسائل النظام السياسيّ المغربيّ الذي تعامل مع الحراكات الشعبية في الشمال منذ 1958 بالقوة مما خلق تراثاً من التهميش والإقصاء والغضب لكنّه، من جهة أخرى، خلق معادلة فريدة بين العرش والطبقة السياسية.

لقد سارت المؤسسة الملكية والنخبة السياسية المغربية طريقا طويلاً نحو نظام سياسيّ أكثر ديمقراطية وحداثة، وآمال عربية كثيرة متعلّقة بهذه التجربة وتتمنى نجاحها.

  كلمات مفتاحية

المغرب الملك محمد السادس المؤسسة الملكية الأحزاب المغربية حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران استقالة إلياس العماري حراك الريف المغربي