«ذا ديبلومات»: ماذا نعرف عن العلاقات العسكرية بين مصر وكوريا الشمالية؟

الخميس 31 أغسطس 2017 08:08 ص

في 22 أغسطس/آب 2017، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بما يصل إلى 300 مليون دولار. وفي الوقت الذي ذكر فيه مسؤولون في وزارة الخارجية أن تدهور حقوق الإنسان في مصر هو السبب الرئيسي وراء هذه التخفيضات غير المتوقعة في المساعدات، فقد تكهن العديد من المحللين بأن العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية كانت وراء قرار واشنطن المفاجئ بخفض المساعدات المالية عن القاهرة.

وعلى الرغم من أن مصر كانت حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ السبعينيات، إلا أن القاهرة لا تزال واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لبيونغ يانغ في العالم العربي. ويمكن تفسير الروابط الوثيقة بين مصر وبيونغ يانغ بالعلاقات التاريخية التي نتجت من تجارب الحرب الباردة المشتركة بين البلدين كحلفاء سابقين للاتحاد السوفييتي، ومصلحة الجيش المصري منذ زمن طويل في شراء التكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية.

شراكة دبلوماسية طويلة الأمد

وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية المصرية قد خضعت لعمليات إعادة تنظيم عديدة منذ تولي «جمال عبدالناصر» السلطة عام 1952، غير أن العلاقة الوثيقة بين القاهرة وكوريا الشمالية ظلت سمة ثابتة لاستراتيجية مصر في آسيا والمحيط الهادئ منذ الأيام الأولى للحرب الباردة. ويمكن تفسير استمرار العلاقات الودية بين مصر وكوريا الشمالية بانضمام البلدين إلى حركة عدم الانحياز والتضامن المشترك مع الاتحاد السوفييتي خلال الخمسينيات والستينيات.

واستطاع «ناصر» فرض نفسه كشخصية بارزة داخل حركة عدم الانحياز نفسها بطريقة مذهلة بالتعبير الخطابي البليغ عن المشاعر المعادية للغرب، خلال أزمة تأميم قناة السويس عام 1956. وقد حظي قرار مصر بتأميم القناة على دعم متحمس من بيونغ يانغ. وبعد أن نجح «ناصر» في صد التدخل العسكري من المملكة المتحدة و(إسرائيل) وفرنسا، وافق زعيم كوريا الشمالية «كيم إيل سونغ» على التبرع بمجموعة صغيرة ولكنها رمزية من المساعدات المالية لمصر، لإثبات موافقته على تحدي «ناصر» للإمبريالية.

وقد مهدت أزمة تأميم قناة السويس الطريق أمام تحالف معزز بين القاهرة وبيونغ يانغ خلال الستينيات. وفي عام 1961، وصل وفد دبلوماسي كوري شمالي إلى مصر بهدف إقامة علاقات قنصلية. ومن أجل تعزيز المواءمة مع القاهرة، قدم صناع السياسة في كوريا الشمالية دعما دبلوماسيا لجهود مصر الرامية إلى دفع القوات البريطانية إلى الخروج من جنوب اليمن، وأدانوا بشدة السلوك الإسرائيلي خلال حرب الأيام الستة عام 1967. وأدت هذه الإجراءات إلى زيادة الثقة بين مصر وكوريا الشمالية، وشجعت أبرز قائد للقوات الجوية المصرية، «حسني مبارك»، على تجنيد الطيارين الكوريين الشماليين لمساعدة جهود مصر الحربية ضد (إسرائيل) عام 1973.

استمرار الشراكة

وعلى الرغم من التناقض الشديد بين الشراكة الاستراتيجية المصرية مع الولايات المتحدة والتعاون مع كوريا الشمالية، إلا أن الشراكة الدبلوماسية بين القاهرة وبيونغ يانغ قد نجت بسبب استمرار الاتصالات بين قادة البلدين والمصالح الاقتصادية المشتركة. وأدى وجود صلات شخصية بين الحكومتين المصرية والكورية الشمالية، التي عززتها الزيارات الأربع التي قام بها «مبارك» إلى بيونغ يانغ في الفترة من عام 1983 إلى عام 1990، إلى وضع حجر الأساس للاستثمارات المصرية اللاحقة في الاقتصاد الكوري الشمالي.

وكان أبرز ما أظهرته القاهرة كدليل على استعدادها للاستثمار في كوريا الشمالية هو تأسيس شركة أوراسكوم العملاقة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية لشركة كوريولينك، وهي شبكة الجيل الثالث الوحيدة للهاتف المحمول في كوريا الشمالية، عام 2008. وقد أعطت هذه الصفقة التجارية، التي قادها الملياردير المصري «نجيب ساويرس»، شركة أوراسكوم 300 ألف عميل جديد في كوريا الشمالية. وأبرزت هذه الصفقة إمكانية إقامة روابط اقتصادية ذات منفعة متبادلة بين البلدين، وساهمت زيارات «ساويرس» اللاحقة لبيونغ يانغ في زيادة الاستثمارات المصرية في الاقتصاد الكوري الشمالي.

وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية التي أعقبت الإطاحة بـ«مبارك» عام 2011، ظلت الشراكة الاقتصادية بين القاهرة وبيونغ يانغ دون تغيير. وفي الوقت الذي يبقى فيه ميناء بورسعيد في مصر نقطة شحن حاسمة بالنسبة لصادرات الأسلحة الكورية الشمالية إلى أفريقيا، أيد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» سياسة أسلافه مع كوريا الشمالية، ورفض الالتزام بعقوبات «الأمم المتحدة» المفروضة على بيونغ يانغ.

تكنولوجيا عسكرية

بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية القيمة مع كوريا الشمالية، اعتبر صناع السياسة المصريون أن كوريا الشمالية أحد الموردين الحاسمين للتكنولوجيا العسكرية منذ السبعينات. ومن أجل مكافأة كوريا الشمالية على مساهماتها في الحرب المصرية عام 1973، أذن الرئيس «أنور السادات» ببيع صواريخ سكود-بي سوفييتية الصنع إلى كوريا الشمالية منذ عام 1976 وحتى عام 1981. وقد رد الجيش الكوري الشمالي على ذلك من خلال تقديم المساعدة التقنية لجهود إنتاج سكود-بي في مصر.

وعلى الرغم من إقامة سلام بارد بين مصر و(إسرائيل) عام 1979، وتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة ومصر في ظل حكم «حسني مبارك»، لا تزال القاهرة من كبار المشترين للتكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية. ويمكن تفسير قرار مصر بالحفاظ على العلاقات الأمنية مع كوريا الشمالية من خلال عاملين استراتيجيين.

أولا، أسهمت حكومة كوريا الشمالية في تدريب العلماء المصريين على إنتاج أنظمة الصواريخ الخاصة بهم، مقابل دفعات من العملة الصعبة من القاهرة. وتساعد اتفاقية «السلاح مقابل العملة الصعبة» هذه على الحد من اعتماد مصر على واردات الأسلحة الأجنبية، وتسمح لمصر بتحديث جيشها دون الاعتماد فقط على الولايات المتحدة وروسيا.

وقد استفادت صناعة الصواريخ في مصر بشكل خاص من الروابط العسكرية الوثيقة مع كوريا الشمالية. وخلال التسعينات، تعززت قدرات مصر الدفاعية من خلال شراء مبارك لصواريخ سكود-سي من كوريا الشمالية. وشجعت هذه المشتريات العلماء من كوريا الشمالية على مساعدة برنامج إنتاج الصواريخ سكود-سي في مصر خلال أواخر التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي الآونة الأخيرة، تسببت تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية في دفع المسؤولين العسكريين المصريين نحو الاهتمام بشراء أنظمة صواريخ أرض أرض جديدة لأغراض دفاعية وانتقامية. وفي الوقت الذي تواصل فيه كوريا الشمالية تصدير أنظمة الدفاع الجوي وتكنولوجيا الصواريخ الموجهة عبر الأقمار الصناعية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، ظهرت بيونغ يانغ مرة أخرى كشريك أمني مفيد للقاهرة، حيث تسعى مصر لمساعدة حليفتها السعودية عسكريا ضد إيران.

ثانيا، تسبب استمرار رفض الحكومة المصرية قبول عمليات التفتيش الدولية الشاملة لبرنامجها لإنتاج الطاقة النووية في زيادة المخاوف في واشنطن من أن مصر قد تسعى إلى الردع النووي الخاص بها، إذا ما انتهكت إيران الاتفاق النووي لعام 2015. وهذه النظرية مدعومة بقيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية باكتشاف اليورانيوم العالي التخصيب في «أنشاص» شرق القاهرة في عامي 2007 و2008، والذي حدث على الرغم من التزام «مبارك» الخطابي بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

وبما أن الولايات المتحدة وروسيا تعارضان شراء مصر للأسلحة النووية، قد تكون كوريا الشمالية موردا مفيدا للمواد النووية إلى مصر، إذا ما سعت القاهرة إلى إحياء برنامجها لتخصيب اليورانيوم. كما يعتقد العديد من المحللين الدفاعيين أن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة ومصر في ظل نظام «السيسي» يزيد من خطر قيام مصر بشراء رادع نووي خاص بها، وقد يدفع قرار «ترامب» بخفض المساعدات لمصر «السيسي» إلى توسيع الشراكة الدفاعية طويلة الأمد مع كوريا الشمالية. وستؤكد هذه النتيجة عدم فعالية العقوبات الدولية المفروضة على جمهورية كوريا الشمالية، وقد تؤدي إلى رد فعل سياسي عميق ضد استخدام ترامب للدبلوماسية القسرية مع مصر.

وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة القوة العظمى الحليفة لمصر منذ أربعة عقود، إلا أن مصر قد رفضت التخلي عن الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية القائمة منذ زمن طويل مع كوريا الشمالية. وبالتالي، يترك قرار ترامب غير المتوقع بخفض المساعدات الخارجية لمصر «السيسي» أمام خيارين غير مريحين، إما الخضوع على مضض للمطالب الأمريكية، أو المخاطرة بتدهور الشراكة الأمنية طويلة الأمد بين واشنطن والقاهرة.

المصدر | ذا ديبلومات

  كلمات مفتاحية

مصر كوريا الشمالية الولايات المتحدة ترامب