مخاطر غياب الحوكمة والفجوة بين الأجيال والنزاعات تهدد الشركات العائلية الخليجية

الثلاثاء 6 يناير 2015 10:01 ص

تعد الشركات العائلية من أهم أدوات وأركان الاقتصاد في دول الخليج، بل لا نبالغ إذا قلنا أن الشركات العائلية تعتبر النواة التي نشأ منها معظم الاقتصادات الخليجية، ولكن هذه الشركات تواجه في الآونة الأخيرة العديد من المشكلات والتحديات التي تهدد استمرارها والقيام بدورها الاقتصادي المنشود.

ومن بين هذه المخاطر والتحديات، بحسب المحللين الاقتصاديين، غياب الحوكمة وقواعد الإدارة الحديثة بغياب الفصل بين الملكية والإدارة  في الشركات العائلية، وكذلك عدم الفصل ماليا بين مصروفات الشركات ومصروفات أصحابها، كما تعد الفجوة التي تحدث بين الأجيال التي ترث الشركات العائلية من أهم التحديات التي تواجهها حيث تكون الخبرة كبيرة والحماس شديد نحو تطوير الشركات العائلية وزيادة رأسمالها وتوسيع أنشطتها لدى الجيل الأول المؤسس، ثم تقل هذه الخصائص لدى الجيل الثاني ، وتتراجع أكثر لدى الجيل الثالث مما يهدد نجاح الشركات واستمرارها ،خاصة مع الخلافات بين أفراد العائلة على طريقة الإدارة وتوزيع الأرباح واستثمار الفوائض المالية.

وقد أبدي الكثير من المحللين الاقتصاديين مخاوفهم مما تشكله انهيارات الشركات العائلية من تأثيرات سلبية على الاقتصاد القومي والوطني، لأنها تشكل رافداً مهما لدعم الاقتصاد الوطني حال استمراريتها في دعم التوظيف والاستثمارات المنتشرة حيث توظف تلك الشركات 75% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص.

تلك المخاوف نادت بضرورة توجه قطاع الشركات العائلية لاسيما في السعودية نحو التحول إلى شركات مساهمة بطرح جزء من أسهمها في الاكتتابات العامة في سوق الأسهم، بشكل يضمن عدم انهيارها برحيل المؤسسين، وتكشف التقارير أن 70% من الشركات العائلية تواجه خطر الزوال بسبب تعاقب الأجيال، ويدير 33 % من هذه الشركات حسب التقرير الجيل الثاني من العائلة، فيما تدار 15% فقط منها من خلال الجيل الثالث.

ويقدر خبراء الاقتصاد استثمارات الشركات العائلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بنحو 2.5 تريليون ريال، فيما يبلغ حجم أصولها حوالي عشرة تريليونات، تتوزع على نحو عشرة آلاف شركة ومؤسسة تجارية وصناعية وخدمية توظف 75 بالمائة من العاملين في القطاع الخاص، وتشكل الشركات العائلية 98% من مجموع الشركات الخليجية التي تشكل اللبنة الأساسية للاقتصاد في دول الخليج.

ويوضح تقرير اقتصادي صادر في هذا الشأن أن حجم استثمارات الشركات العائلية في السعودية يتجاوز 250 مليار ريال، وتعد 45 شركة عائلية من ضمن أكبر 100 شركة في المملكة تتجاوز عائداتها 120 مليار ريال في عام 2003 م، وتوظف ما يقارب 200 ألف شخص، حيث تشكل حصة هذه الشركات ما يتراوح بين 22% - 30% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

خطر التفكك

مدير عام شركة «نوف إكسبو» في ملتقى عقد بالكويت لبحث أوضاع الشركات العائلية قال إنه من خلال متابعة دقيقة ومراقبة حثيثة ومطولة لمجمل الأوضاع التي تعيشها او تمر بها الشركات العائلية في منطقتنا وللدور الذي تضطلع به، يمكننا أن نلخص نتائج متابعتنا في نقاط رئيسة نذكر منها:

أولا: تقوم الشركات العائلية في منطقتنا الخليجية وفي مجمل دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بدور مهم في اقتصادات هذه الدول ونموها، فهي توفر فرص العمل لما يفوق 70 % من القوة العاملة في شركات القطاع الخاص، والطبيعة العائلية التي تنفرد وتتميز بها مجتمعاتنا تعطي لتلك الشركات المساحة الملائمة للتوسع والنمو.

ثانيا: لقد وفر زخم وجود الآباء المؤسسين وأجيالهم اللاحقة دفعا قويا لهذه الشركات، ولهذا نرى الكثير منها وقد حقق نجاحات تخطت حدود دولها وصولا إلى العالمية، ولكن مع مرور السنين وتشعب المسؤولية العائلية نتيجة ظهور أجيال جديدة وأعداد اكثر من افراد العائلات المالكة فرضت على الشركات العائلية تحديات لم تعرفها من قبل.

النائب الأول لرئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي ورئيس غرفة الشرقية بالمملكة العربية السعودية «عبدالرحمن بن صالح العطيشان»، أكد أيضا بالملتقى على أهمية التصدي للتحديات التي تواجه الكثير من الشركات العائلية في دول الخليج كما يسعى لحمايتها من خطر التفكك نتيجة عدم التواصل والاستمرارية فيما بين الأجيال المتعاقبة على مثل هذه الشركات، مشيراً إلى أن الشركات العائلية الخليجية لعبت دورا مهما ومتميزا وأساسيا في النهضة الحديثة لدول مجلس التعاون الخليجي وساهمت في تحقيق التوجهات الاقتصادية الهادفة لتطوير القطاعات الاقتصادية غير التقليدية في الاقتصاديات الخليجية غير النفطية.

حتمية الحوكمة الفعالة

كما شدد العطيشان على حتمية تطبيق الحوكمة الفعالة في الشركات العائلية الخليجية لأنها ستساعد على إنشاء مجموعة من القيم للعيش أو العمل المشترك دون تناقضات كثيرة بين العائلة والشركة التي تمتلكها، وهنا يبرز موضوع الدساتير العائلية التي يمكن أن تكرس في جوهرها مبادئ الحوكمة وفقا لسياسات مقبولة ومفهومة بشكل جيد تستخدم كمجموعة من الإرشادات لأعضاء المؤسسة بشأن الخلافة وتوزيع الأدوار فيما بينهم والسلوك الواجب عليهم اتخاذه، أو ما يجب عليهم القيام به في ظروف معينة.

وتتمتع الشركات العائلية بفوائض كبيرة من السيولة والأصول شبه السائلة على شكل ودائع وغيرها، وبحسب العطيشان فإن هذه الفوائض تؤهلها للمساهمة مع الحكومات وصناديقها السيادية والاستثمارية لوضع خطط إنقاذ استثماري بتوفير التمويل ضمن أسس تجارية للمشاريع المعطلة أو المتأخرة أو التي قطعت عنها خطوط الائتمان، كما أن الفرصة مواتية للشركات العائلية الخليجية في إعادة هيكلتها من خلال استحواذات جريئة واتباع استراتيجيات إبداعية كي تعود بفائدة مزدوجة على أفراد العائلة المؤسسين والمستثمرين الخارجيين، مؤكدا على ضرورة أن تتبنى دول مجلس التعاون نظاما موحداً لحوكمة الشركات العائلية الخليجية يتضمن محكمة خليجية متخصصة في حل النزاعات التي تنشأ في الشركات العائلية والتي تهدد استمراريتها.

فجوة بين الأجيال

الرئيس التنفيذي لشركة «NBK كابيتال»، «صلاح الفليج» يرصد في ورقة بحثية بعض الإحصائيات حول استمرارية الشركات العائلية، مشيراً إلى  نجاح 30 % فقط من الشركات العائلية من خلال الجيل الثاني مقابل 15 % للجيل الثالث، لافتاً إلى أن الشغف الذي يوجد لدى المؤسسين يقل كثيراً عند الأجيال اللاحقة، وأن الكفاءات والمهارات تكون أقل في تلك الأجيال ما يُعد أحد أهم التحديات أمام استمرار الشركات العائلية في مسار النجاح.

وكشف «الفليج» أن البنوك في السابق كانت تقرض الشركات العائلية من خلال الأسماء إلا أن الوضع الآن يختلف كثيراً، فالبنوك في الوقت الراهن تنظر لعمل الشركات من خلال أسس وقواعد يجب اجتيازها من أجل الحصول على التمويل اللازم لاستمرار الأعمال. وبيّن أن دخول الشركات العائلية للسوق يتطلب فتح الصندوق الخاص بالشركات العائلية ما يمثل عائقاً أمام الشركات العائلية التي تمتاز بالخصوصية في أعمالها ما يجعل دخول المساهمين على خط تلك الشركات بالغ الصعوبة.
ولفت إلى أنه وبرحيل المؤسس الأول للشركات العائلية وتوزيع المهام بين الأخوة تحدث فجوة إذا لم يكن هناك تنسيق بين الأخوة في تلك المهام واختيار رئيس لحسم القرارات عند الاختلاف.

أربعة حلول للإنقاذ

«الفليج» يرى أنه كي تستمر تلك الشركات العائلية في النمو والتي يضمن لها الجيل الأول العيش في رغد، فلابد من الأخذ بالعديد من الحلول ووسائل الإنقاذ.

أولها: الفصل بين الارتباط العاطفي وبين العمل المهني المبني على أسس وقواعد يجب عدم تجاوزها لأي سبب من الأسباب.

ثانيها: وجود إدارة مهنية تعمل على جذب المهارات في حين تترك المجال للرئيس التنفيذي الذي تختاره في تنفيذ استراتيجيته كي تستمر تلك الشركات في النجاح، وكذلك ضرورة توافر عامل الشفافية لدى الشركات العائلية حتى تنتقل النجاحات إلى الأجيال المتعاقبة أو إلى الجيل الثالث على أقل تقدير.

ثالثها: فصل مصارف الشركات العائلية الخاصة عن المصارف الشخصية لضمان عدم التداخل بين الأموال وحتى تنجح الإدارة في تقييم عملها بشكل سليم.

وأخيرا: فصل الملكية عن الإدارة. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشركات العائلية القطاع الخاص الحوكمة

«صندوق النقد»: التركيز على النفط والشركات العائلية يعرض بنوك «مجلس التعاون» للانكشاف

السعودية تستحوذ على 48% من الشركات العائلية في الشرق الأوسط

«نزاهة» السعودية: الانضباط في الشركات أفضل بكثير من الجهات الحكومية

السعودية: 67% من الشركات العائلية مهددة بالانهيار

الإيكونوميست: العائلات الثرية في الخليج بحاجة إلى قوانين الإرث الحديثة