«دويتشه فيله»: السلطوية والرضى الدولي طريق «بن سلمان» للحكم

الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 06:09 ص

ما يجري في السياسة السعودية داخليا وخارجيا، يمكن اعتباره تغييرات تحضيرية لتهيئة انتقال السلطة للأمير «محمد بن سلمان»، حيث يشهد الحكم في المملكة اتجاها واضحا نحو السلطوية، والاقتراب نحو شرعية الرضى الدولي، على حساب الشرعية التقليدية المبنية على المرجعيات الدينية وقواعد توارث الحكم.

هكذا خلص رأي «دويتشه فيله»، التي قالت في تقرير لها، إن ولي العهد السعودي يعمل على تعزيز سلطته في السياسة والاقتصاد، عبر استراتيجية مزدوجة، وهي التصدي لأي معارضة، واستقطاب الجيل الشاب إلى حلقة طموحاته.

واتخذ «بن سلمان» منذ تعيينه في منصبه كولي للعهد، في يونيو/حزيران الماضي، إجراءات سياسية وأمنية عديدة، بهدف توسيع نفوذه في المملكة، التي بات يعرف فيها بأنه الحاكم الفعلي، قبل أن يتوج في المستقبل، ملكا، خلفا لوالده «سلمان بن عبدالعزيز».

ويرى المحلل والخبير في الشأن السعودي «سامح راشد»، أن الاهتمام الإعلامي بولي العهد السعودي ليس بالجديد، لكن تزايد التسريبات حول قرب استلامه السلطة رسميا، كان وراء تركيز وسائل الإعلام على طريقته في إدارة الأمور، خاصة بعد أن أصبح له اليد الطولى تقريبا في المملكة، وظهرت تغييرات ملموسة في السياسة السعودية داخليا وخارجيا بفضله.

تحضيرات

ويضيف «راشد» أن معظم ما يحدث من تغييرات في المملكة، يمكن اعتبارها تغييرات تحضيرية لتهيئة انتقال السلطة لـ«بن سلمان»، ومنها الاعتقالات التي جرت مؤخرا لرجال دين ومغردين وغيرهم، وتصعيد جيلي الوسط والشباب إلى مواقع قيادية على حساب جيل الكبار الذي يدين بالولاء للكبار أيضا في العائلة الملكية «الحرس القديم».

وخلال الأسبوع الماضي، اعتقلت السلطات السعودية عددا من العلماء والدعاة البارزين، أمثال «سلمان العودة» و«عوض القرني»، وما يزيد على 35 آخرين، يمثلون علماء المملكة وأستاذة في الفقه والحديث، وسط أنباء متداولة عن قرب الإعلان عن خلية استخبارية، بعد رفضهم التعاطي مع الأزمة الخليجية أو عدم تأييدهم ما ينوي له الأمير «بن سلمان» بتنصيب نفسه ملكا.

ويلفت إلى أنه «بالرغم من أن هذه الإجراءات تحمل في طياتها إصلاحا وتطويرا لبعض القطاعات، مثل الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف ودعم دور الشباب، إلا أن هذه التغيرات ليست الهدف الأساس، بل أن هذه التغييرات تهدف بالغالب إلى مغازلة صناع القرار في العالم الغربي، وتحمل رسائل إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل».

هوية وطنية

وبحسب التقرير، فإنه يصعب تحديد التوجه السياسي لـ«بن سلمان» حاليا، لكن توجد مؤشرات رمزية تساعد في قراءة طالع هذا الحكم.

لعل أهمها تحركاته المنفردة وظهوره وحده دائما، فنادرا ما يظهر مسؤولون آخرون برفقته، وكذلك صدور عدد من القرارات الاقتصادية بشكل مركزي، ثم تعديل بعضها لاحقا.

«راشد»، يرى أيضا، أن التحركات الداخلية الأخيرة تحمل مؤشرا يفيد أن هناك نية لتخفيف الطابع الديني وحصر ارتباط اسم المملكة بالدين بشكل عام، إذ ستتجه الأمور إلى درجة أعلى من التركيز على الهوية الوطنية للمملكة كدولة وطنية. والاهتمام بالنواحي الدنيوية، مثل الرياضة والتكنولوجيا.

ومن إشارات ذلك حضور «بن سلمان»، مباراة السعودية واليابان في تصفيات كأس العالم لكرة القدم.

ويتابع: «لذلك يمكن بسهولة توقع أن تحدث تغييرات أخرى في المؤسسات الدينية، مثل هيئة كبار العلماء، في اتجاه تقليل سطوة رجال الدين والحد من وزنهم النسبي في السياسة وتركيبة الحكم».

واصطدمت قرارات سعودية أخيرة، بالثقافة والأعراف المجتمعية السائدة في المملكة منذ عقود، لتمس بصورة مباشرة دور رجال الدين الرسميين والمستقلين في المجال العام.

توجه رأسمالي

وفي الاقتصاد، تكشف «رؤية السعودية 2030»، عن توجه رأسمالي عام، دعمه اتخاذ إجراءات لتخفيف العجز المالي، مثل رفع رسوم بعض الخدمات، والحد من مخصصات بعض الأمراء.

وبحسب مراقبين، فإن الصعود السريع لسلم السلطة، بحساباته وتعقيداته وحتى بجرأته، يحمل في طياته أبعادا مثيرة، مثل لحظة تعيينه في منصبه خلفا لابن عمه الأمير «محمد بن نايف»، الذي خرج بشكل مفاجئ من الحكم.

مغازلة الغرب

ويتابع «راشد»: «يؤكد ذلك تصريحات الشيخ عبدالرحمن السديس قبل أيام، التي غازل فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو موقف غير مسبوق من جانب أحد أهم رجال الدين في المملكة».

وتداول مغردون، مقطع فيديو، لـ«السديس» خلال كلمة له على هامش مؤتمر نظمته رابطة العالم الإسلامي في نيويورك، قال فيه إن «السعودية والولايات المتحدة قطبا هذا العالم في التأثير، ويقودان العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والازدهار»، حسب قوله.

كما يرى دبلوماسيون غربيون، أن الأمير «بن سلمان»، يبرهن أنه قادر على حكم السعودية لنحو نصف قرن على الأقل.

إلا أن النمو الاقتصادي البطيء والبطالة، قد تقوض محاولات الأمير الذي يسعى إلى وقف الارتهان للنفط، وتطوير القدرات الصناعية للمملكة، وتعزيز الاستثمارات الخارجية فيها، بهدف خلق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص للجيل الشاب.

تحديات

كما يرى الخبير «راشد»، أن السعودية تواجه بالفعل تحديات تصل أحيانا إلى درجة التأزم، خاصة من المنظور الجيواستراتيجي، «حيث التحديات الإقليمية خطيرة وملحة وقائمة على الحدود مباشرة خصوصا في اليمن والبحرين».

ويضيف: «الأخطر أن لها امتدادات داخلية تتصل بالبعد المذهبي، وهذا عبء كبير لا يزال من غير الواضح كيف سيتعامل محمد بن سلمان معه. خاصة مع بوادر تخليه عن الاعتماد على رجال الدين».

وعلى الصعيد الاقتصادي، يتابع «راشد»: «توجد تحديات كبيرة وهيكلية، تتمثل في الاعتماد المستمر حتى الآن على النفط، ولا توجد إشارات إلى قدرة ولي العهد على التخلص من هذه الاعتمادية».

ويختم: «لكن نتائج هذا الوضع لن تظهر سريعا. فالأصول والوفرة المالية المتاحة للرياض كبيرة وبإمكانها تغطية الاقتصاد لعدة عقود».

المصدر | الخليج الجديد + دويتشه فيله

  كلمات مفتاحية

بن سلمان السعودية الحكم سلطوية هوية دينية هوية وطنية مغازلة الغرب