مراسلة «التايمز» البريطانية: ترحيلي من مصر كان رسالة «تهديد»

السبت 24 مارس 2018 10:03 ص

نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية، تقريرا لمراسلتها «بيل ترو» التي رحلتها السلطات المصرية واتهمتها بمحاولة «قلب نظام الحكم»، تروي فيه سبب ذلك الموقف تجاهها رغم إمضائها حوالي 7 سنوات عاشتها على الأراضي المصرية.

وفي مقال بعنوان «أعشق مصر ولن أعرف أبدا لماذا لن أزورها مجددا»، تقول «بيل» إن البداية كانت عندما: «خرجت سيارة الأجرة التي تقلني للتو من المقهى الواقع في وسط القاهرة عندما انحرفت علينا حافلة صغيرة من رجال الشرطة الذين يرتدون ملابس مدنية». وأضافت: «قفز خمسة رجال وأخذوني إلى مركز شرطة قريب».

وتشير المراسلة إلى أن السلطات في مصر كثيرا ما ترتاب في المراسلين الأجانب، كما أنها غير متسامحة تماما مع الأخبار السلبية التي ينشرونها. وهو ما جعل الصحفيين الأجانب معتادين على التوقيف جانبا ليشرحوا أنفسهم في بعض الأحيان.

وتابعت أنه مع توقيت الانتخابات الرئاسية وعملية مكافحة الإرهاب الجارية في سيناء ودلتا النيل، كانت «قوات الأمن في حالة تأهب والبلد على حافة الهاوية».

المراسلة والصحفية البالغة من عمرها 40 عاما، قالت «كان عملي في المقهى غير مرغوب فيه: مقابلة مع رجل معدم فقد ابن أخيه، حينما هاجر في سن المراهقة، ويرجح غرقه في البحر أثناء محاولته الوصول إلى إيطاليا. وكان على متن قارب من المهاجرين اختفى منذ عامين». وهي القصة التي عملت لعدة أشهر على تحديد ملامحها وتوثيقها.

وأوضحت: «لكن داخل مركز الشرطة، كانت الأسئلة تأخذ منعطفا مشؤوما. وعلى ما يبدو، أبلغ أحد المخبرين في المقهى، الشرطة، بأنني كنت أناقش تدخّل الدولة المصرية في غرق قارب مهاجر قبالة ساحل روزيتا عام 2016 وهو قارب مختلف تماماً عن ذلك الذي كنا نناقشه».

استطردت «بيل ترو» قائلة: «بحلول الوقت الذي وصل فيه الخبر إلى وزارة الداخلية، تحولت القصة إلى إشاعة مختلفة كليا بأنني كنت أتحقق في حالات الاختفاء القسري للمعارضين، وهو موضوع مثير للجدل في مصر منذ مقتل جوليو ريجيني، أحد طلاب كامبريدج من إيطاليا بالقاهرة. والذي اتهم المسؤولون الإيطاليون الشرطة المصرية بخطفه وتعذيبه حتى الموت أثناء إجرائه أبحاث في شهادة الدكتوراه». إلا أن مصر تنفي هذا، وتنكر علاقتها بجميع الاتهامات بالاختفاء القسري.

وأوضحت في مقالها بصحيفة «التايمز»، أنها امتلكت بالفعل دليلا يثبت براءتها من تلك التهم التي أُشيع تورطها فيها، وقالت «لحسن الحظ، لقد سجلت النقاش كامل في المقهى. وكلمات مثل: الحكومة، الدولة، الجيش، الانتخابات - لم يتم ذكر أي منها. كان لدي التسجيل الصوتي لإثبات ذلك. إلا أن الشرطة صادرته مني».

وتابعت: «للأسف ، هذا لم يقدم أي مساعدة فورية. وبعد 7 ساعات من الاعتقال، تم تهديدي بمحاكمات عسكرية، وهي عملية قانونية غالبا ما تُستخدم ضد المشتبهين بالإرهاب أو المعارضين. وغالبا ما يُمنح المتهمون أحكاما طويلة أو حتى عقوبة الإعدام بعد محاكمات قصيرة مع عدم وجود تمثيل قانوني».

وأوضحت أنه تم حرمانها من الحصول على محامي للدفاع عنها، وأنها التقت فقط مسؤولا بالقنصلية البريطانية في وقت لاحق، في المطار أثناء ترحيلها ومغادرتها البلاد. وهناك علمت أن مسؤولا آخرا حاول العثور عليها والتواصل معها في قسم الشرطة، حيث تم إخباره أنه قد تم نقلها من مركز الشرطة بينما كنت لا تزال حينها في الطابق العلوي.

وكشفت «بيل» أنه لم يتم الكشف عن الاتهامات التي وجهت إليها أبدا. وفي حوالي الساعة السادسة مساء، يوم21 فبراير/شباط الماضي، أخبرتها الشرطة بأن السفارة البريطانية ترغب في ترحيلها لبلادها، الأمر الذي لم يكن له أي معنى قانوني، بحسب الصحفية، وتابعت أنه تم إيداعها سيارة شرطة دون معرفة ما إذا كان أي شخص يعرف أين هي، أو ما إذا كنت ذاهبة إلى المطار أو إلى مكان ما «أكثر شرا». وسخر الضباط منها حينما بدت خائفة وبدأوا في تصويرها بهواتفهم المحمولة.

وقالت: «لم أتضرر جسديا، لكن من المعروف أن المعتقلين في هذه الظروف معرضون لخطر التعرض للأذى. وبعد أقل من 24 ساعة من احتجازي للمرة الأولى، كنت متوجهة إلى طائرة دون متاعي، سوى الملابس التي كانت علي».

وأكدت : «كان الخيار أمامي إما البقاء ومواجهة محاكمة عسكرية أو الترحيل لبريطانيا، لم يكن لدي أي خيار آخر».

وتابعت «بيل ترو» أن مثل هذا سوء الفهم الواضح كان بالإمكان تصحيحه بسهولة، موضحة: «كنت صحفية معتمدة في مصر، ولدي تأشيرة عمل سارية المفعول، كما عشت في مصر لسنوات ولم أقع في مشكلة من قبل».

ولفتت إلى أن صحيفة «التايمز» بدورها حاول التدخل وتوضيح هذا الخطأ للسلطات». فجاءتها بوادر مشجعة، حيث تم الاتصال بها ليتم إخبارها بأنه يمكن اعتمادها لتغطية الانتخابات.

واستنكرت عدم استخدام السلطات المصرية للتسجيل الصوتي الذي صادرته منها، والذي أظهر النقاش الذي أجرته في المقهى، ويظهر بشكل قاطع عدم ضلوعها في أي مما اتهمتها به الشرطة.

واعتبرت أن ما تم بحقها خلال هذا الموقف، يظهر بما لا يدع مجالا للشك أنها شخص «غير مرغوب فيه بالبلاد»، مع وجود احتمالية لاعتقالها إذا ما عادت إلى منزلها الذي امتلكته في مصر لسبع سنوات كاملة، بينما لا يمكن لأحد أن يخبرها لماذا حدث كل هذا، على حد قولها.

وتابعت «بيل» أن وسائل الإعلام المصرية أصبحت حاليا تتماشي إلي حد كبير مع سياسات الدولة. حتى أن الإعلاميين على القنوات التليفزيونية الموالية للنظام أنفسهم، قد تعرض البعض منهم للاستجواب، في وقت يحظر فيه الإبلاغ أو التناول التام لأي حصيلة قتلى من قوات الأمن تتناقض مع الأرقام الرسمية. و«في جو من الخوف والترهيب، العديد من الإعلاميين يمارسون الرقابة الذاتية».

وأوضحت الصحفية هناك حالات لم يتم الإبلاغ عنها للمراسلين الذين طردوا أو تم رفض دخولهم مصر. كما تم استهداف المراسلين المحليين وسجنهم.

واختتم مقالها بالتعبير عن أسفها لاضطرارها للرحيل عن مصر، البلد الذي أحبته وعاشت فيه 7 سنوات، وقالت: «سأترك وراءه سبع سنوات من حياتي، أصدقائي، شقتي واثنين من قططي»، مضيفة: «هي بلد كان بيتي ومكان أعشقه بشدة».

وكانت مصادر أمنية رفيعة المستوى قد قالت للصحف المحلية في مصر، إنه تم ترحيل مراسلة صحيفة «التايمز» البريطانية في القاهرة «بيل ترو» إلى بلادها، لقيامها بـ«العمل بدون تصريح، واستغلال التجمعات الشعبية لجمع معلومات، وإعداد تقارير سلبية عن البلاد»، وهو ما تم نفيه من قبل الصحيفة البريطانية لاحقا.

  كلمات مفتاحية

مصر بريطانيا التايمز صحفية حرية الصحافة

بعد ترحيل مراسلتها.. «التايمز» تصف مصر بالبيئة القمعية للإعلام