بين كازاخستان وتركمانستان.. لماذا تستثمر الإمارات بكثافة في آسيا الوسطى؟

الأحد 6 مايو 2018 06:05 ص

تقع آسيا الوسطى شمال شبه الجزيرة العربية ولا تعتبر بعيدة بالنظر إلى وسائل النقل الحديثة وهي تقع بين روسيا والخليج. وقد كانت جمهوريات آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان تنظر إلى دول الخليج كنماذج أثناء جهودها للتخلص من ماضي الاتحاد السوفييتي.

حيث رأى رؤساء الأحزاب الشيوعية السابقة في دول الخليج نموذجا للمستقبل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وفي ذلك الوقت، كانت دول الخليج تنافس تركيا وإيران على النفوذ في آسيا الوسطى وقد شهدت المنطقة منذ ذلك الحين قدرا كبيرا من التنافس في مختلف المجالات، بما في ذلك مشاريع الطاقة والتوعية التعليمية والبرامج الدينية.

النزعة الإقليمية

وبالنظر إلى الجنوب، رأى قادة آسيا الوسطى الجدد (الذين لا يزال العديد منهم في السلطة اليوم) كيف يستخدم الخليجيون ثرواتهم من الطاقة لبناء أنفسهم كجهات إقليمية فاعلة.

ومع نهاية الحقبة السوفيتية، نشأت علاقة بين أنظمة الحكم السلطوية في آسيا الوسطى وبين أنظمة الحكم في دول الخليج وقد عززت التشابهات الثقافية لاسيما في مجالات الصيد والألعاب وأنشطة الفروسية الروابط العميقة المتجذرة في علاقات إقليمية فريدة من نوعها.

كان قادة آسيا الوسطى يرون أنه من الأقرب تكييف نماذج الحكم والتنمية على غرار جيرانهم العرب الجنوبيين خاصة مع تشابه التركيبة الاجتماعية من حيث تنافس القبائل وهيمنة العشائر وحقيقة حيث أن كل صراع سياسي في آسيا الوسطى اليوم لديه قاعدة عشائرية. إنها تقاليد عميقة متأصلة منذ قرون عديدة، ولم تتمكن الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي وروسيا اليوم من محوها.

وترى الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، أن هناك فرصة لوضع نفسها في مكانة راسخة في مستقبل آسيا الوسطى، استنادا إلى استراتيجيات لتحقيق أهداف جيوسياسية أساسية تناسب رؤية أبوظبي وتشمل هذه الأهداف الاستثمار في كازاخستان وتركمانستان، وهما دولتان رئيسيتان لهما موانئ على بحر قزوين ما يجعلهما دولتان بالنسبة للممرات الإقليمية التجارية.

وإضافة إلى ذلك، تسعى كل من الرياض وأبوظبي إلى تحقيق عائد سياسي لاستثماراتهما في آسيا الوسطى من خلال جذب تلك الدول للوقوف في صف دول الخليج ضد إيران مع الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا.

الإمارات وكازاخستان

ترى الإمارات العربية المتحدة كازاخستان كوجهة رئيسية لاستراتيجية البلاد الاستثمارية، ومع وجود أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، فإن الروابط التجارية تصاحب العلاقات السياسية الممتازة بين البلدين. وفي العام الماضي، وافقت شركة مبادلة الإماراتية للتنمية على بناء مجمع كيميائي بمليارات الدولارات في منطقة أتيراو في كازاخستان.

يأتي ذلك بعد أخبار يتم تداولها من بداية عام 2018 أن الاستثمارات الثنائية سوف تمتد بالفعل إلى قطاعات الطاقة والتعدين، وكذلك إلى مجالات أخرى بما في ذلك البنية التحتية والخدمات اللوجستية والزراعة والأمن الغذائي.

في الواقع تعتبر استثمارات الإمارات في كازاخستان موضوعا جديرا بالملاحظة. فقبل عشر سنوات وقعت الإمارات اتفاقية للحصول على حصة 24.5% في حقل بحري في بحر قزوين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008 تم إطلاق صندوق الفلاح في كازاخستان، حيث تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتمويل المشاريع في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة وإنتاج الغذاء والبنية التحتية والموارد الطبيعية والعقارات.

وحاليا نما نشاط الإمارات في كازاخستان بشكل كبير كما يزور مسؤولون كازاخيون أبوظبي ودبي بشكل شهري. ويسافر الزعماء الإماراتيون بهدوء إلى كازاخستان بحثا عن الصيد في الولايات الجنوبية. وقد شهد صندوق الفلاح التابع لـ«مبادلة»، تصاعدا جديدا في نشاطه في الآونة الأخيرة لتعزيز وجود الإمارات في كازاخستان من خلال توفير تمويل إضافي للمشاريع التجارية والسكنية والبنية التحتية في كازاخستان.

والأهم من ذلك، أن رؤية الإمارات العربية المتحدة للوصول إلى الموانئ كجزء من محور عالمي تبقى حاضرة هنا أيضا، ويمكن رؤيتها في استحواذ دبي العالمية على منطقتين اقتصاديتين خاصتين في كازاخستان على بحر قزوين. وقد اشترت موانئ دبي العالمية حصة بقيمة 51 في المئة في منطقة خورغوس الاقتصادية الخاصة ولها مساهمة بنسبة 49% في منطقة أكتاو التي منحت حقوق الإدارة والحوكمة لموانئ دبي العالمية.

وتعتبر كازاخستان حلقة مهمة في طريق الحرير الجديد وهنا نرى أن المفهوم الإماراتي لدور الموانيء له أهمية مركزية في منطقة آسيا الوسطى.

من المؤكد أن موانئ دبي العالمية تركز على تطوير البنية التحتية الصلبة واللينة التي تدعم روابط النقل متعددة الوسائط التي ستكون أساسية في طريق الحرير. ومن ناحية أخرى، تعتزم شركة بورياليس النمساوية، وهي وحدة تابعة لشركة مبادلة للتنمية (يمتلك الصندوق الإماراتي 64% من أسهم الشركة النمساوية) بناء منشأة بتروكيماويات رئيسية متكاملة مع جهاز تكسير الايثان، بالشراكة مع مع شركة كازاخستان الكيميائية المتحدة.

والأهم من ذلك أنه تم توقيع اتفاقية منفصلة بين مبادلة وصندوق الثروة السيادية الكازاخي لهذا المشروع والذي من المقرر أن يتم تشغيله بحلول عام 2025. وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر المضي قدما في خطط لإنشاء صندوق استثماري مشترك بين كازاخستان والإمارات العربية المتحدة بمبلغ إجمالي قدره 500 مليون دولار.

كما أن خبرة دبي في الأعمال المصرفية الدولية وإدارة المناطق الحرة هي جزء من معادلة العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة وكازاخستان. وشارك مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) في معرض إكسبو 2017 وقد يحول أستانا إلى مركز مالي رئيسي لدول آسيا الوسطى ويعتبر هذا المركز منطقة خاصة مع نظام قضائي منفصل قائم على القانون العام الإنجليزي.

وتركز المنطقة على خدمة أسواق رأس المال والتمويل الإسلامي بهدف أن تصبح واحدة من 20 مركزا ماليا رائدا في العالم. على غرار مركز دبي المالي العالمي ، و يعتزم مركز استانة خدمة الشركات الدولية مع أخلاقيات عالية الجودة والمعايير القانونية.

الإمارات وتركمانستان

يشبه نهج الإمارات تجاه تركمانستان نهجها تجاه كازاخستان حيث تستثمر أبوظبي في مشاريع البنية التحتية مع التركيز على دور عشق أباد المستقبلي كمصدر حقيقي للغاز الطبيعي عن طريق خط أنابيب «TAPI»، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت أبوظبي في تنفيذ رؤية الدفاع والأمن في تركمانستان على غرار سياستها الخارجية في اليمن والقرن الأفريقي.

وتركز العلاقات الثنائية على دور شركة «دراغون أويل» في تركمانستان. وفي العام الماضي قامت شركة توباز للطاقة والملاحة التي تتخذ من دبي مقرا لها بتزويد السفن لشركة دراغون أويل، وهي شريك رئيسي لشركة بترول الإمارات الوطنية (اينوك) ، لتطوير موارد هيدروكربون بحرية في تركمانستان وتبلغ قيمة العقد 100 مليون دولار لمدة خمس سنوات، وتقوم شركة «توباز» أيضا بتشغيل السفن في منطقة تشليكن التي تتكون من حقلي نفط وغاز بحريين.

وفي الأشهر القليلة الماضية، سرعت دولة الإمارات العربية المتحدة سياستها الاستثمارية نحو تركمانستان بطريقة استراتيجية. وزار الرئيس التركماني «قربان قولي بيردي محمدوف» أبوظبي ووقع اتفاقات مهمة مع «مبادلة» للاستثمار في البنية التحتية في عشق أباد. والأهم من ذلك، أن مبادلة وقعت اتفاقيات سرية مع شركة تركمنجاز للتعاون في إنتاج الغاز في تركمانستان.

ومن وجهة النظر الإماراتية، تحظى تركمانستان بأهمية بسبب احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي وموقعها الجيوسياسي الحساس شمال إيران كما أن الحدود المشتركة بين تركمانستان وأفغانستان هي أيضا على رادار أبوظبي نظرا لوقوعها في فضاء معرض للعنف.

وقد التقى «بيردي محمدوف» مع ولي العهد «محمد بن زايد»، وناقش وزير الدفاع التركماني «يايليم بيردييف استمرار توريد المعدات العسكرية الإماراتية إلى عشق أباد، ويشمل ذلك توريد عربات نمر للقوات المسلحة التركمانية، فضلا عن إمكانية تطوير الحرس الرئاسي لرئاسة تركمانستان على غرار الحرس الرئاسي الإماراتي.

وتعد مثل تلك القوة متعددة الأغراض هي الحل الأمثل للبلاد التي تمر بتحديات اقتصادية وأمنية، ونظرا لأهمية تركمانستان الاستراتيجية في مستقبل أسواق الطاقة فإن الإمارات تقر بضرورة مساعدة تركمانستان خلال الأوقات المضطربة الحالية. وترى إيران أن نشاط الإمارات في تركمانستان يجعل عشق أباد تفقد «حيادها الإيجابي».

إن توجه أبوظبي نحو الشمال مع التركيز على كازاخستان وتركمانستان له معنى جيوسياسي حيث أصبح منع إيران من اكتساب مزيد من النفوذ في آسيا الوسطى شاغلا جيوسياسيا مهما، يختلط بمستقبل أسواق الغاز الطبيعي وومصالح الطاقة وطرق النقل.

والسعودية أيضا

وبطبيعة الحال، تتبع المملكة العربية السعودية خطى الإمارات في آسيا الوسطى، وذلك تماشيا مع رؤية 2030 التي تهدف لتوسيع الاستثمارات الاستراتيجية. وتعد المملكة العربية السعودية من بين أكبر المستثمرين في الاقتصاد الكازاخستاني وقد مولت العديد من المشاريع بما في ذلك المرافق الاجتماعية.حيث مولت المملكة العربية السعودية بناء مبنى مجلس البرلمان الكازاخي وجزء من شبكة الطرق السريعة ومستشفى للأطفال، ومركز أمراض القلب في أستانا ومسجد في بتروبافلوفسك.

كما زودت المملكة المركز العلمي لطب الأطفال والمركز الوطني للأمومة والطفولة في أستانا بالمعدات في السنوات القليلة الماضية.

ويعمل نهج القوة الناعمة هذا مع قيادة كازاخستان، التي ترى ضرورة إشراك المملكة العربية السعودية في وقت يمر فيه البلدان بتحولات مهمة في اقتصادهما ومجتمعاتهما حيث يعمل كلاهما على إعادة تشكيل ثقافتيهما وبناء مفاهيم القومية.

وتعترف المملكة بدور كازاخستان في أسواق الطاقة خاصة وترى المملكة العربية السعودية فائدة للعمل مع كازاخستان حول مستقبل الطاقة و يدرس صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية وصندوق الاستثمارات العامة طرق الاستثمار في صناعة الطاقة في كازاخستان كجزء من استراتيجية استثمارية أوسع في آسيا الوسطى لا تتصادم مع روسيا.

وفي الوقت نفسه، تركز تركيا على أوزبكستان غير الساحلية، الواقعة بين كازاخستان وتركمانستان. وكان الهدف من زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى طشقند هذا الأسبوع هو تعزيز الوحدة الإسلامية بين أنقرة وطشقند والأهم من ذلك مدينة بخارى. وتعد الجهود التي يبذلها الرئيس الأوزبكي «شوكت ميرزيوييف» لعزل مسؤولين سابقين من عهد الرئيس «إسلام كريموف» مهمة أيضا حيث يقوم بإعادة هيكلة الطريقة التي تدير بها الحكومة الأوزبكية علاقاتها التجارية.

وتشهد العلاقات الأوزبكية الإماراتية حاليا فتورا بسبب هذه التحولات في الحكومة الأوزبكية، فضلا عن التغيرات في مراكز القوى بسبب مكافحة الفساد في القطاع المصرفي.

وتعد «غولنارا كاريموف» ابنة الرئيس السابق، الذي كان يشتهر بسلوكه غير المشروع جنبا إلى جنب مع شخصيات أوزبكية أخرى سببا للمضاعفات والتوترات بين طشقند والإمارات. ويمكن الآن رؤية رحلة «أردوغان» إلى أوزبكستان من خلال النظر الى المنافسة التركية الإماراتية التي شهدت في الآونة الأخيرة إنهاء الإماراتيين لمهمتهم العسكرية في الصومال بسبب حملة أنقرة الأكثر إقناعا للقلوب والعقول هناك.

خاتمة

توضح قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على الاستثمار في كل من كازاخستان وتركمانستان وجهة نظر أبوظبي في آسيا الوسطى باعتبارها مناطق مترابطة جيوسياسيا كما إن المصالح الإماراتية في هذه المنطقة المجاورة والاستراتيجية تتعدى مجرد الاستثمار، وهنا يتضح سبب الاهتمام الإماراتي بأستانة وعشق أباد المهتمين على بحر قزوين.

ويبدو أن دولة الإمارات، التي تعتبر علاقتها مع أذربيجان وروسيا ممتازة أيضا، لا تتطلع إلى بحر قزوين ودعم البنية التحتية والصناعة على طول خط طريق الحرير الصيني فحسب بل تنظر أيضا في أفضل السبل لتوسيع العلاقات. وبهذا المعنى، ترتبط سياسة دولة الإمارات بشكل جيد مع دول آسيا الوسطى التي تبذل قصارى جهدها لتقليد دول الخليج.

المصدر | تيودور كاراسيك - جلف ستيت أناليتيكس

  كلمات مفتاحية

الإمارات تركيا السعودية كازاخستان تركمانستان

لماذا تسعى السعودية لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى؟

اتفاق إماراتي مع كازاخستان للتعاون في بناء أسطول بحري