استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العراق: «قتل المجتمع» ـ الأمير الاتحادي

السبت 28 فبراير 2015 03:02 ص

إن الجهود المميزة التي بذلها الباحث ديريك غريغوري في دراساته الجيوسياسية، تضيء على الواقع العراقي بشكل نموذجي، لا سيما من خلال أطروحته المثيرة للسجال «تخيّلات جغرافية»، والتي استلهمها من الدراسة الفذة للراحل ادوارد سعيد حول الاستشراق.

هنا يدقّ «غريغوري»، ساعي البريد الاجتماعي، باب الاحتلال مرتين: الأولى حين يعلن فشل المحتل في تنفيذ رغباته في العولمة. والثانية حين يدون انحطاط برامج الاحتلال الفكرية. والمشكلة التي ستظل جثة معلّقة في مشنقة العطب الاحتلالي، هي تلك الخاصة بولادة «أمراء» فدراليين جشعين في محمياتهم الطوائفية والعرقية.

هؤلاء سيشكلون حجاباً حاجزاً بين إمكانية «التسوية» مع الاحتلال من جهة، وتحقيق الاستقلال والسيادة للبلاد وأهلها. فهذه المحميات تسيخ في رمال الأساطير والأكاذيب، وحيلها تفسخت لأنها تكررت على شعب كان بين الحين والآخر شديد الثقة بهذه القيادات، سواء كانت في الحكم أو خارجه.

العوامل الأميركية والأعراض العراقية

بيد أن الاحتلال يبقى العنصر الأقوى في المعادلة. وأعراضه الحقيقية لا تظهر إلا في حقب السيادة والاستقلال. كما أن بروز «الآلام المتصلة» قد يزداد في ظل غياب الدولة والشرعية، وعبر عمليات تفاقم العنف وتورم السلطات المحلية وتكالب النهب واحتكار الطاقة، وآخرها توسّع الهجرات الداخلية والنزوح البشري العام وتعميم مفهوم المخيم بدلاً من الدولة.

وما دامت الاستراتيجية العامة التي جاء على ضوئها الاحتلال هي السائدة، فلا خلاص على يد السناجق.

لأن هذه الاستراتيجية القائمة على «خطر التضحية بما هو في المتناول، لمصلحة ما هو ممكن»، تنتقل آلياً إلى أمراء السناجق في صيغة «توسيع التضحية بما هو متوفر، لمصلحة ما هو مطلوب ومستمر ودائم». والعلة الاميركية تاريخية بقدر ما هو فشل أمراء الطوارئ في العراق المعاصر.

فأميركا لم تعثر منهجياً على النموذج الأمثل من «الحكام» للتحالف معه. والحكام لم يعثروا مدرسياً على نموذج من الادارة للتعاون معها، بل وجدوا من يعتمدون عليه في إدارات مختلفة. وكانت النتيجة صفراء كما ينعتها أحد السياسيين: بقيت اميركا سنين تخشى على الحكام، وسنين تخشى منهم، والعكس هو الصحيح أيضاً.

لقد وفرت لاشرعية الاحتلال كما الفراغ الأمني الأسلحة الفكرية أيضاً لأمراء السناجق، وليس فقط للمقاومة أو من يدّعيها ضد الاحتلال. كما أن تعدد القوى الصغيرة في ظل شجرة الاحتلال لم يلغِ قوتها ولا منع نموَّها. وهنا نلمس الخطأ الفادح عند الاحتلال.

فهل كان ينبغي عليه ضمن أطروحات الذرائعية التقليدية ألا يحصر تفكيره في فترة حكمه المباشر، المرحلة البريمرية؟ وهل كان عليه أن «يتنبّأ» بما سيحدث لاحقاً، على ضوء أخطاء سلفه الذي أباده في الاحتلال؟

إن قصوره في معرفة نقاط ضعف وقوة أمراء السناجق سمحت لها بالتطوّر السلمّي من دون اللجوء إلى تغييرات حادة في المنعطفات الخطرة. إن القاعدة المهتزّة للعلاقة بين الاحتلال والأمراء لا تصلح نهائياً لتحقيق أغراض الجميع، لأن المعارضة «السابقة» لن تسكت إذا ما اكتشفت أن الأميركيين سارعوا إلى الخداع، وأميركا لن تسكت إذا ما تأكد لديها بأن هذه «المعارضة» السابقة قد لجأت إلى الخداع بدورها، وقد تتجاوز سقف التسويات والاتفاقيات المزوّرة، لاسيما أن حجم التدخل الخارجي قد ازداد في ظل أمرين:

أولهما الفشل المدوّي للعملية السياسية، وثانيهما الصعود الحاد لاحتكار السلاح في «حاكميات» اجتماعية سياسية عديدة.

حتى أن التسويات المطلوبة أو التي يطمح إليها الطرفان قد تنهار تحت وطأة آليات الصراع المعقدة، وزيادة عدد الأطراف في المعادلات المتحولة.

قتلُ المجتمع: الاحتلال والأمراء

إن «قتل المجتمع» هنا بالمعنى الفيزيائي في نسق التحليل السياسي سيظل غامضاً في فكرته الأولى، لأن المجتمعات حتى وهي تعاني العسف المتواصل، الداخلي أو الخارجي، تظل تحتفظ بحيويتها على المستوى الفردي أو حتى في الميدان العائلي. لكن المعنى الاجتماعي في السياق العام للصراع سيطرح نقاطاً وهاجة، لأن الصراع هذا يلبس معطفاً عديد الألوان، وينتقل بشفافية في غابة الأسلحة المشرعة نحو سماء المصالح المتناقضة.

هنا يأتي دور الشرعية مرة ثانية. ذلك أن الشرعية هي في العُرف التاريخي هي أساس النظم السياسية، بما فيها الديموقراطية، وبغض النظر عن خصائصها الأيديولوجية، لأن الحاجات الوظيفية للشرعية تتصل أساساً بمعالجة العنف وتحقيق الأمن. وفي العراق، بدأت المحميات تتحارب حول حدودها أكثر من عنايتها بحدود الوطن المستباح. وهي متوازنة في رفض امتداد سيطرة الآخرين على سطوتها الخاصة، بالترافق مع رفضها الحاد لفرض «استقلاليات» شكلية لبعض القوى ضمن حدود هيمنتها الجغرافية في المحمية.

والمثال مُقرِف في الصراع المحتدم بين المحافظات حالياً، نجده بين الأنبار وكربلاء وكركوك وديالى، ومؤخراً اهتزّ العرش البارزاني حين عرف أن المنطقة المحرّرة «سنجار» قد شرعت في تشييد سلطتها الذاتية الخاصة، وهو الذي يعتبرها جزءاً من مجاله الحيوي العرقي. إن هذه الصراعات لا تنتهي في ظل سلطة من دون دولة، وفي مجرى إعادة إنتاج الاحتلال بكل مظاهره، من تصفية السيادة والاستقلال إلى التدخلات العسكرية الخارجية الشاملة بالتعاون مع الاحتلال الأميركي وبمؤازرته.

يفضل بعض الذين درسوا الاحتلال في شقه الاجتماعي عدم المبالغة في الحلول الإدارية والتركيز دائماً على البرامج السياسية المفتوحة. لكن هؤلاء من خلال خبرتهم الخاصة الذاتية أو المدرسية، يشكون من استهتار الاحتلال بالقيم العامة للحكومات الشرعية التي يعرفها التاريخ، حتى لو كانت وليدة الغزو أو حصيلة الاحتلال.

نجد هذه الصيغ المفعَمة بالتمحيص والتعب في دراسات المحلل العسكري أحمد هاشم، المتفرّغ في «كلية الحرب الأميركية – البحرية»، والذي عاش فترات طويلة في العراق وكان يتمتع بعلاقات مهمة وغير عادية مع معظم قيادات المقاومة المسلحة في الأعوام الأولى للاحتلال، خصوصاً في سنوات 2003 – 2006.

لقد كتب المحلل المذكور ونبّه مبكراً إدارة الاحتلال من أن أميركا «ستندم» على محاربتها القوى الأساسية السابقة في «الدولة والجيش»، وستضطر إلى العودة إليهم في ظروف أخرى مغايرة. علماً أنه هو الذي ابتكر مفهوم «الوطنية الإسلامية» المعتدلة، والتي من دونها لا يمكن أبداً مواجهة السلفية الإسلامية التكفيرية.

وهذا ما يحدث الآن فعلاً، حين نشاهد نشاطات الاحتلال في تدريب القوى الطوائفية «المعتدلة» وكذلك المجموعات القبلية المعادية سابقاً لـ «القاعدة» أو حالياً لـ «داعش». علماً أن هذه الجهود ملغومة، لأنها تنمو خارج رحم «الدولة» المفترض تشييدها، وهي تشجع أكثر على النزعات الانقسامية وبناء المحميات الطوائفية والعرقية. وبهذا تتكرر الدوائر المغلقة ذاتها.

الاحتلال يمنع عملياً رجوع الدولة، والمترسّب منه يمنع نهايته أيضاً. ولكي نربط النقاط التي تصل بين هذين المقطعين، لا مناص من أن نستنتج أن دراكولا الاحتلال لا يستطيع أن يحيا إلا بغذاء المحميات الطوائفية والعرقية النفطية، وأن «داعش» هي جزء أساس من هذه المعادلة «الدموية»، والتصريحات المتضاربة لقادة الاحتلال هي انعكاس بليغ عن مجرى الصراع الدائر وآليات مساراته المتعرجة. ولا يمكن أن ننسى أن هذه العوامل كلها تمّت بوشائج عضوية متينة مع العنصر الأساسي في استراتيجية الاحتلال الكونية، وهي السيطرة على العراق والمنطقة ومنع انحدار هيمنته العالمية على حقول الطاقة فيها.

* طارق الدليمي كاتب ومحلل عراقي

  كلمات مفتاحية

العراق الولايات المتحدة الاميركية داعش السلاح

المعضلة "السنّية" في العراق

العراق: الأمير الأمريكي وقتل المجتمع

العراق: تضخم «دولة الميليشيات» لمصلحة من؟

فتوق العراق أكبر من الترقيعات الجارية !

حول الدولة العميقة والدولة السطحية في العراق

"مناطق القتل" في العراق .. تطهير طائفي وإحراق منازل وإعدامات ميدانية

أين المجتمعات المدنية في النظام العربي ؟