«ذا ديلي بيست»: قصة ظهور «الدولة الإسلامية» من قلب أحد السجون الأمريكية في العراق

السبت 28 فبراير 2015 11:02 ص

من داخل جيش الرعب يشرح الصحفي الأمريكي «مايكل ويس» والمحلل السوري «حسن حسن» كيف نجح متشددو «الدولة الإسلامية» في التحول من مجموعة عراقية متمردة ومهزومة إلى جيش جهادي يضم متطوعين من شتى أنحاء العالم، يقوم بقطع رؤوس رهائنه الغربيين، ويصور عملياته في أفلام فيديو عالية التقنية، كما استطاع غزو مساحات واسعة من الآراضي تعادل مساحة بريطانيا. وتعود بداية تشكيل التنظيم إلى «أبومصعب الزرقاوي» - مؤسس «الدولة الإسلامية» التي تُعرف أيضًا باسم «داعش» – والذي اختار في البداية اسم «القاعدة في العراق»، ويذكر «ويس» و«حسن» أسماء اللاعبين الأساسيين في التنظيم؛ بدءًا من زعيمه المراوغ «أبو بكر البغدادي» وانتهاءًا بضباط بعثيين سابقين في جيش «صدام»، ومن أين جاءوا، وكيف استقطب التنظيم دعمًا من الداخل ومن الخارج، ومن أين يحصل على تمويله.

وتتناول المقتطفات التالية العراق في منتصف العقد الأول من القرن الجاري.

بحسب الجنرال «دوغ ستون» - مدير سجن «بوكا» في البصرة – «لم يستخدم تنظيم القاعدة في العراق والدولة الإسلامية فقط السجون التي أدارتها قوات أمريكية كجامعات جهادية، بل وحاولت عناصرهما التسلل إلى تلك السجون لضم مجندين جدد». وفي عام 2007 تولى «سكوت» مهمة الإشراف على برنامج الاعتقالات والتحقيقات في العراق بهدف إعادة تأهيل السجناء. ولم يؤدِ الكشف عن تعذيب معتقلي سجن أبو غريب والإدانة العالمية لتلك الانتهاكات إلى ترك بصمة دائمة بشأن مصداقية الولايات المتحدة في الحرب، لكن ظهر أن أماكن الاعتقال تمّ استخدامها كمقار لعقد شبكات التواصل الاجتماعي بين الجهاديين. ويُعدّ معسكر «بوكا» من أبرز السجون التي تحولت لبؤرة من المتشددين.

وطبقًا لتقديرات عسكرية أمريكية؛ فقد استضاف معسكر «بوكا» 1350 من الإرهابيين التكفيريين (الذين لا يرون سواهم مسلمًا) بالإضافة إلى  نزلاء عاديين بلغ عددهم 15 ألف معتقل، ورغم ذلك لم تكن هناك رقابة على من يختلط بمن. وبسبب زيادة عدد العمليات العسكرية التي تزامنت مع عملية التطهير، فقد تضاعف تقريبًا عدد نزلاء معسكر «بوكا» حتى وصلوا إلى قرابة 26 ألف نزيل وقت تسلم «ستون» القيادة في عام 2007.

وقال «ستون» خلال لقاء معه: «عند تسلمي إدارة المعسكر كانت عمليات التهديد تتم أسبوعيًا، وجرائم القتل تقع مرتين في الشهر، واستخدم متشددون السجائر وأعواد الثقاب لإحراق خيامهم وفرشهم، وعندما كنا نحاول إعادة تركيب الخيام كانوا يسارعون لإحراقها، وواعتقدنا أنهم عازمون على إحراق وتدمير السجن برمته».

ووضع «ستون» برنامجًا لاجتثاث الراديكالية من جذروها في عقولهم وأفكارهم، واستضاف أئمة معتدلين استعانوا بالقرآن والحديث الشريف لمحاولة ثني المتطرفين عن غاياتهم، وسعوا لإقناعهم بأن تفسيرهم للإسلام مشوَّه ومحرَّف. بدأ «ستون» تقسيم السجناء وتوزيعهم على وحدات إسكان النزلاء. ويقول «ستون»: «قبل ذلك؛ كان لدينا نزلاء مهمتهم فصل من تعرضوا للتهديدات أو للضرب عمن هددوهم أو ضربوهم».

وخلال فترة إدارته للمعسكر؛ والتي دامت 18 شهرًا قاد «ستون» أو أشرف أو شارك في أكثر من 800 ألف تحقيق مع سجناء، مدونًا ملاحظاته حول وجود مختلف الميول لدى نزلاء القاعدة. وفي عرض «باور بوينت» أعده لصالح القيادة المركزية للجيش الأمريكي يلخص ما توصل إليه، أيَّد «ستون» معظم ما أدلى به الملا «نجم الجبوري» لضباط الجيش الأمريكي حول تلك الفترة، وخاصةً عدم رضا المقاتلين الأجانب عن محاولات النزلاء العراقيين تولي مناصب قيادية. وكان البعثيون يحاولون استخدام راية «الدولة الإسلامية» لاستعادة السيطرة على بعض المناطق، وأن الجهاديين كانوا يولون اهتمامًا أكبر بمدنهم أو مناطقهم المحلية أكثر من اهتمامهم بالإرهاب العالمي أو الإقليمي. كما أثار استخدام القاعدة في العراق للنساء والأطفال في تنفيذ تفجيرات انتحارية اشمئزاز البعض وسخطهم. وكان المال - وليست الإيديولوجيا - الحافز الرئيسي وراء انضمام القاعدة في العراق. وفي نهاية المطاف، لم يعد أمير القاعدة في العراق - «أبو أيوب المصري» - شخصية مؤثرة بالنسبة للشباب الأصغر منه، وهو الذي قال إن «كنت تريد تشكيل جيش من الجهاديين فأفضل مكان هو السجن».

وفي وقت مبكر من قيادته؛ لاحظ «ستون» ظاهرة غريبة تخصّ بشكل حصري المحتجزين التكفيريين؛ حيث إنهم بمجرد دخولهم معسكر «بوكا» كانوا يطلبون الانضمام إلى كتلة تنظيم القاعدة في العراق، وكان ذلك يحدث في كثير من الأحيان مع معرفة مسبقة بكيفية عمل السجن وآلية توزيع المعتقلين على أماكنهم. «في بعض الأحيان كان يتعمد بعض الرجال إيقاع أنفسهم في الأسر، وعند دخولهم إلى السجن كانوا يطلبون وضعهم مع أفراد بعينها أو مجموعات تضم الكثير من عناصر تنظيم القاعدة. وكانوا التكفيريون على أعلى درجة من النظام داخل معتقل «بوكا»؛ حيث كانوا يرتبون أين ينام الناس، وكيف وإلى أين يتحركون لصلاة الجمعة في الأماكن الخاصة بهم. وقد أطلقوا على أحد الزنازين الكبيرة اسم «معسكر الخلافة». ومع سماع ذلك مرارًا وتكرارًا بدأت أفكر ماذا لو لم يحصلوا على ما يريدون، فإنهم سيعانون».

وكانت ثقافة السجن في العراق متمثلة في أن أي شخص تعتقله القوات الأمريكية من دون معرفة هويته فإنه يقدّم نفسه ثم يتم عمل بياناته الحيوية. ويتم عمل مسح لقزحية العين وجمع بصمات الأصابع وأخذ عينات من الحمض النووي من جميع المعتقلين. وغالبًا ما كانت الأسماء التي تُعطى عند الدخول إلى السجن وهمية وغير صحيحة. ويضيف «ستون»: «بعض المعتقلين كان يختار لنفسه اسمًا مع كل استجواب. وكانت المقاييس الحيوية هي طريقنا لتتبع معدلات العودة إلى الجريمة وتكرار الاعتقال».

وفي وقت مبكر؛ وجد «ستون» - عن طريق المصادفة - مُعتقلاً يُلقب بـ«البغدادي». لم يكن الأمر بمستغرب؛ حيث إن المتمردين غالبًا ما يعطون لأنفسهم لقب مُشتقًا من مدينتهم أو بلدهم ويجعلون ذلك اسمًا حركيًا لهم. ولكن هذا البغدادي كان استثناءًا عن الآخرين. قال «ستون»: «جاء اسمه ضمن قائمة أشخاص معي. لقد وضعوه على القائمة باعتباره الرجل الذي له صلات كبيرة مع تنظيم القاعدة. قيّمه علماء النفس بأنه رجلُ ذو شخصية قوية بالفعل ويخفي الكثير من الأمور الخطرة. أطلق على نفسه لقب إمام، وظهر منه توجهًا دينيًا متشددًا، ولم يتحدث عن كونه من نسل النبي محمد كما كان يتحدث عدد قليل من المعتقلين في بوكا. وتولى زمام المحكمة الشرعية وانبرى لخطب الجمعة وإمامة المصلين في الصلاة».

وكان هذا «البغدادي» مُفرطًا في التأمل ويكاد لا يُثير مشاكل إلا نادرًا. «كان لدينا المئات من أمثاله»؛ هكذا قال «ستون» مُشيرًا «توقفنا عن وصفه بغير المسالم أو الخطير، لدرجة أنه صار لا فرق بينه وبين الأئمة المعتدلين الذين كانوا يزورون المعسكر؛ نظرًا لهدوئه وتواضعه ووجهة نظره الدينية القوية جدًا». لكن ما الذي حدث؟ بدأ يقابل «الجنرالات». وأعني بذلك أنه كان لدينا الكثير من المجرمين والرجال الذين كانوا في الجيش العراقي أطلقوا على أنفسهم الجنرالات، ولكنهم كانوا ضباطًا من ذوي الرتب الدنيا أو المتوسطة في جيش «صدام». «كل المسئولين رفيعو المستوى في الجيش العراقي السابق والبعثيين المتشددين - بما في ذلك «صدام» نفسه - اعتُقلوا في معسكر كروبر؛ وهو المعتقل الثاني الذي كانت تديره الولايات المتحدة ومقره في مطار بغداد الدولي». وكان معسكر كروبر هو الذي يجهز المعتقلين لمعسكر «بوكا»، «بعض الجنرالات تبنوا نفس المنظور الديني للبغدادي وانضموا للتكفيريين حيث أطلقوا لحاهم وساروا على نفس المنوال».

وقال «ستون» إنه يعتقد أن هذا الرجل كان في الحقيقة طُعم أو شَرَك أرسلته «الدولة الإسلامية» ليقدم نفسه على أنه «أبو عمر البغدادي» لاختراق «بوكا» واستخدام وقته هناك لتجنيد مجاهدين جدد. «إذا كنت تبحث عن بناء جيش فالسجن هو المكان المثالي للقيام بذلك. قدمنا لهم الرعاية الصحية وطب الأسنان وقدمنا لهم الطعام، والأهم من ذلك أننا حافظنا عليهم من أن يكونوا عُرضة للقتل خلال القتال. من ذا الذي يحتاج إلى منزل آمن في الأنبار وهناك سجن أمريكي في البصرة؟».

وأكد عضو سابق في «الدولة الإسلامية» التقى صحيفة الجارديان البريطانية تقييم «ستون». «قد لا يمكننا أن نكون جميعًا معًا في مكان واحد مثل ما كان يحدث في بغداد أو في أي مكان آخر»، هكذا قال أبو أحمد للصحيفة والذي أضاف «لم نكن في أمان فحسب، ولكننا كنا على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من قيادة القاعدة بأكملها».

وروى «أبو أحمد» كيف أن المعتقلين الجهاديين يكتبون أرقام هواتف وعناوين على أحزمة مرنة في ملابسهم الداخلية، ويخرجون من السجن فيجدون معهم شبكة اتصالات جاهزة. وقال «عندما خرجنا اتصلنا. كل رقم مهم بالنسبة لي كان مكتوبًا على نسيج أبيض مرن. كانت أرقام هواتفهم معي بالإضافة إلى عناوينهم. وبحلول عام 2009 عاد الكثير منا إلى ما كان يفعله قبل الاعتقال. ولكن هذه المرة كنا نفعل ذلك على نحو أفضل».

هذا «البغدادي» كان يقوم بعملية التجنيد من صفوف الكوادر المتوسطة أو الدنيا من الجيش العراقي السابق؛ بحسب «ريتشارد» المسئول السابق في البنتاجون والذي أضاف «نميل إلى الحديث عن الجيش العراقي بالمزاح والضحك، لكنه كان جيشًا محترفًا وكبيرًا جدًا. في الجيش العراقي خاصة والجيوش العربية عامة تجد أصحاب المهارة العالية والكفاءات في النقباء والرواد وضباط الأوامر. كلما ارتفعت إلى الرتب العالية؛ مثل الجنرالات الحقيقيين في جيش صدام تربطهم علاقات القبيلة والمال الأسري. أما ضباط الرتب الوسطى والدنيا هم من تحتاجهم الدولة الإسلامية وأمثالها، وهم أيضًا يحتاجون أموال هذه التنظيمات؛ حيث يبدأون بتنفيذ عمليات لصالح الجهاديين أو يقومون بتصنيع المتفجرات لهم، وفي نهاية المطاف يحدث الانضمام إلى الجماعات المتمردة المختلفة؛ بما في ذلك تنظيم القاعدة».

حوالي 70% من سجناء «بوكا» في عام 2008 مرّ عليهم عام أو نحو ذلك. وكتب «كريج وايتسايد» - ضابط سابق في الجيش حارب في العراق ومدرس في كلية الحرب البحرية الآن - «ما يعنيه هذا في الواقع أن معظم معتقلي بوكا كان قد مر على حبسهم عام أو اثنين قبل أن يطلق سراحهم، رغم تورطهم في أعمال عنف خطيرة إلى حد ما ضد التحالف أو الحكومة العراقية. وهناك أمثلة حتى من المتمردين الذين تم إرسالهم إليه ومن ثم أُطلق سراحهم من بوكا عدة مرات رغم تخصصهم في صنع العبوات الناسفة».

تم إغلاق معسكر «بوكا» في عام 2009 طبقا لاتفاقية وضع القوات (صوفا) الموقعة بين واشنطن وبغداد، والتي نصت على أن المعتقلين في سجون خاضعة للولايات المتحدة إما أن يُطلق سراحهم أو يُنقلوا إلى السجون العراقية، وأن القوات الأمريكية التي ستنسحب من المدن العراقية بحلول 30 يونيو 2009 سوف تقوم بتسليم جميع المسئوليات الأمنية إلى نظيرتها العراقيين. وفي ديسمبر 2008 وقع الرئيس «بوش» ورئيس الوزراء «المالكي» اتفاقية (صوفا) في بغداد في حفل لا يتذكره من شاهده إلا بالحذاء الذي رماه أحد الحضور في وجه «بوش»

  كلمات مفتاحية

العراق الولايات المتحدة الدولة الإسلامية جورج بوش

60 يوما قابلة للتجديد لكشف المسؤولين عن سقوط مدينة الموصل بيد «الدولة الإسلامية»

اتهامات لـ«الدولة الإسلامية» وميليشيات شيعية وكردية بتجنيد المراهقين لاستخدامهم في المعارك

«أبوبكر البغدادي» يحتل المركز 54 على قائمة الشخصيات الأكثر نفوذا في العالم!

أحمد مطر يعود بقصيدة عن "الدولة الإسلامية": رُسُلُ التَّخلُّفِ في بلادِ الضّادِ يَستنكرونَ «خِلافةَ البغدادي»

خليل العناني يكتب: أمريكا و «داعش» بين الأخلاقي والسياسي

الدولة الإسلامية تعلن قيام "الخلافة" وتبايع "البغدادي" خليفة للمسلمين

«داعش» وشيطنة الإسلام

وثائق «دير شبيجل»: القصة الكاملة لـتأسيس «الدولة الإسلامية» على يد ضابط مخابرات عراقي

«واشنطن بوست»: لماذا يصعب قمع ”التمرد الجهادي“؟

ليس بالبندقية وحدها يحيا «القاعدة»

الحزب الجمهوري: تقدم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق مسؤولية «أوباما» وليس «بوش»

حقوقي: اعتقال طائفي وتعذيب مروع وقتل خارج القانون داخل سجون العراق

الخليج الجديد في السيناريو الغربي

لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تحقق بشأن انتهاكات في العراق

«ستراتفور»: كيف يؤثر حزب البعث العراقي على تنظيم «الدولة الإسلامية»؟

«ناشيونال إنترست»: ثلاث أساطير ضخمة (وخطيرة) بشأن «الدولة الإسلامية»

لماذا لا يمكن أن نعتمد على «القومية العربية» لهزيمة «الدولة الإسلامية»؟

النسخة الإسلامية من نهاية العالم: لماذا ينضم المقاتلون إلى «الدولة الإسلامية»؟