(إسرائيل) وغزة بين المصلحة السياسية داخليا و«صفقة القرن» إستراتيجيا

الجمعة 8 يونيو 2018 08:06 ص

تصاعدت المواجهات في الشهرين الأخيرين في قطاع غزة، وعودة الحديث عن إمكانية اندلاع جولة جديدة من العنف بين (إسرائيل) وحركة «حماس»، بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع المحاصر، طرح الحديث عن إمكانية بحث خيارات أخرى للتعامل مع الأزمة.

آراء المحللين في هذا القضية، تباينت وتراوحت في سياقين، الأول وجود خلاف بين المستويين السياسي والأمني في (إسرائيل)، إذ ينظر قادة الحكومة الإسرائيلية إلى مصالحهم السياسية، ويتصرفون بناء عليها، فيما يرى المستوى الأمني القضية من وجهة نظر مهنية، تشير إلى ضرورة التخفيف من الأزمة التي يعيشها قطاع غزة لتجنب التصعيد.

أما السياق الثاني فيرى أن تجنب (إسرائيل) خوض مواجهة شاملة مؤخرا في غزة، جاء في سياق استراتيجي هو تمرير الخطة الأمريكية للتسوية، المعروفة إعلاميا باسم «صفقة القرن» التي يسعى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» إلى فرضها.

في السياق الأول يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الأكاديمي «أنطون شلحت» مدير وحدة «المشهد الإسرائيلي» ووحدة الترجمة في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» في مدينة رام الله، أن أمام (إسرائيل) خيارين كبيرين للتعامل مع غزة، فالمستوى السياسي يميل للحل العسكري ومواجهة مسيرات غزة والطائرات الورقية الحارقة بالمزيد من العنف.

أما الحل الثاني، فهو «موضعي» من خلال تحسين الأوضاع في غزة، وهذا ما يوصي به المستوى الأمني المتمثل بالجيش والمخابرات، اللذين يريان ألّا حل لأزمة غزة بمواجهة عسكرية.

وذكّر «شلحت» بانتقادات مبطنة وجّهها مسؤول في الجيش الإسرائيلي للمستوى السياسي قال فيها: إن على (إسرائيل) أن تكون هي المبادرة للتحكم بالمواجهة العسكرية في غزة، لا أن تنجر لها بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية هناك.

وعن سبب إصرار المستوى السياسي في (إسرائيل) على الخيار الأمني أو العسكري، وقال: إن أبرز متخذي القرار السياسي في (إسرائيل) هم قادة شعبويون، يعملون فقط على رفع مستوى تهديداتهم، ويرفضون الحلول القائمة على تسوية مع القطاع كي لا تحسب سياسيا عليهم.

لكن المشكلة، كما يضيف تكمن في أن من يحسم هذا الجدل هم قادة المستوى السياسي، خاصة رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» ووزير الدفاع «أفيغدور ليبرمان»، وباقي قادة اليمين في الحكومة الذين يميلون إلى الحلول العسكرية، لهذا لا يوجد في الأفق أية خطة ولا حتى مؤشرات أو أفق لحل غير عسكري.

ويتفق المحلل الإسرائيلي في صحيفة «معاريف» العبرية «بن كسبيت» في تحليل له نشر بتاريخ 30 مايو/أيار الجاري مع هذه الرؤية، ويقول إن الحكومة الإسرائيلية لا تملك أي خطة مستقبلية للتعامل مع قطاع غزة، وهو ما قد يتسبب «باندلاع جولة جديدة من العنف في حال استمر تدهور الأحوال الإنسانية في القطاع».

واعتبر«بن كسبيت» أن كل ما تقوم به حكومة «نتنياهو» هو «انتظار جولة العنف المقبلة، دون تقديم ما يمكن أن يخفف من أزمات غزة ويخلق شيئا من الأمل لسكانها».

ومع التصعيد الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة ضد الإيرانيين في سوريا وقصف عدة مواقع عسكرية سورية، قُتل فيها ضباط إيرانيون ودمرت مخازن أسلحة وأنظمة عسكرية إيرانية، سعت (إسرائيل) إلى تجنب الدخول في مواجهة جديدة في غزة جنوبا كما يبدو، للتفرغ سياسيا، -وربما عسكريا إذا اقتضت الحاجة- لقضية التواجد الإيراني في سوريا شمالا.

أما «عاموس هارئيل» فكتب في صحيفة «هآرتس»، قول إن الاتفاق الضمني بين «حماس» و(إسرائيل) لوقف إطلاق النار في غزة بعد التصعيد الأخير لا يزال قائما، لسبب واضح هو التحدي الذي يشغل رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه وهيئة الأركان العامة، أي النفوذ الإيراني في سوريا.

وعن ذلك، يقول المحلل الإسرائيلي في صحيفة «معاريف» إن وزير الدفاع «أفيغدور ليبرمان»، حين كان يشغل منصب وزير الخارجية كان من دعاة اجتياح قطاع غزة عام 2014، لكن مع توليه وزارة الدفاع واضطراره للتعامل بشكل مباشر، عبر هذا المنصب، مع التحديات العسكرية التي تواجهها (إسرائيل) فإن «ليبرمان» نفسه بات يقول: «إن (إسرائيل) سترد على إطلاق الصواريخ من غزة، بقصف المواقع التي تطلق من الصواريخ فقط»، دون الحديث عن اجتياح لغزة ونزع لسلاح «حماس» وغيره من التهديدات.

ويذكّر «بن كسبيت» بوعود «نتنياهو» التي أطلقها بداية حرب 2014، حينما تعهد بـ«انتصار الجيش، وبالقضاء على حماس في غزة، وبوضع حد للإرهاب»، ويقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي فشل في تحقيق أي من هذه الأهداف، وحاليا فإن «كل ما تستطيع (إسرائيل) فعله هو الرد على مصادر النيران فقط».

في السياق الثاني، يرى «محمد بركة» العضو العربي في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عن القائمة المشتركة أنه لا يجوز قراءة التعامل الإسرائيلي مع غزة من خلال ما يقال عبر وسائل الإعلام، بل يجب قراءته بناء على «المصالح الإستراتيجية كما تفهمها الحركة الصهيونية اليمينية المتطرفة التي تقود (إسرائيل)».

ويضيف «بركة»: «هذا الأمر لو ترك لبعض المسؤولين لذهبوا باتجاه اجتياح غزة أو تنفيذ اغتيالات لقيادات فيها، لكن (إسرائيل) في عهد (الرئيس دونالد) ترامب تعيش في مرحلة ذهبية في العلاقات بينهما، وهذا بات المعيار الأساسي وحجر الزاوية في سلوك (إسرائيل) حاليا، والذي يقضي بترسيخ المبايعة الشاملة من قبل إدارة ترامب للصهيونية المتطرفة في (إسرائيل)».

ويضيف العضو العربي في الكنيست: «يجب أن نقرأ كل خطوة بالأساس في سياق (خطة) صفقة القرن، وما جرى التفاهم عليه بين نتنياهو وبين ترامب، وليس سرا أن هناك من يبني على إقامة دولة فلسطينية في غزة، وسلطة مدنية على المواطنين في الضفة الغربية من أجل الاستيلاء على أراضيها والتخلص من المسؤولية عن السكان فيها».

لذلك يقول: «أنا لا أرى أن الحسم العسكري في غزة هو رأس سلم أولويات الحكومة الإسرائيلية وفق هذا الفهم، فقد تكون هناك محاولات لقص أجنحة حماس في غزة لكن دون كسر رأسها، اعتقادا من (إسرائيل) أن هذا قد يمكنها من تمرير صفقة القرن».

ويضيف أنه «يجب أن نقرأ موقع الأردن في الخريطة السياسية وما يتعرض له الآن، ويجب أن نقرأ خارطة الاستيطان، وكذلك إعلان ترامب فيما يخصّ القدس، كل هذه الأمور تسير نحو هدف واحد هو إنزال القضية الفلسطينية عن الطاولة، وخلق مسخ يسمونه دولة فلسطينية لكن ليس فيه الحد الأدنى من قواسم الإجماع الفلسطيني خاصة في قضايا الثوابت (حق العودة والقدس وحدود عام 1967)».

ويكمل: « لذلك، لا يمكن قراءة الأمور من خلال تهديدات أو مزاج ليبرمان أو نتنياهو، بل يمكن أن نقرأها من ناحية ما يصدر عن أجهزة الأمن الإسرائيلية، وفي ذات الوقت يجب أن تكون القراءة الاستراتيجية من خلال عنوان هذه المرحلة وهو (صفقة القرن)، وكل ما يخدم هذه الصفقة ستقوم به (إسرائيل)».

  كلمات مفتاحية

فلسطين غزة حماس مواجهات عنف إسرائيل أوضاع إنسانية حرب نتنياهو ليبرمان