«ستراتفور»: اليمن يتجه نحو الانفصال والأزمة الإنسانية تزداد تفاقما

الثلاثاء 17 مارس 2015 02:03 ص

يعيش اليمن حالة من الغليان المستمر. وهناك مؤشرات متزايدة على أن المملكة العربية السعودية وجيرانها يحاولون التفاوض على انقسام بصبغة رسمية في اليمن، حيث تكافح الرياض للحفاظ على الاستقرار في البلاد. وبصرف النظر عن الانقسام السياسي وتفاصيل الصراع، يكاد الشعب اليمني بصفة عامة لا يعرف له طريقا، وستتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب أزمة ندرة المياه التي تتعمق يوما تلو الآخر.

ويعتمد الاقتصاد اليمني المتعثر بشكل كبير على المساعدات الخارجية، واستيراد المواد الغذائية، في ظل انخفاض عائدات الطاقة نظرا للوضع الأمني غير المستقر.

وعلى افتراض أن البلاد ستنقسم إلى دولتين منفصلتين في نهاية المطاف، فإن اليمن الشمالي بالتأكيد سوف يعاني أزمات اقتصادية وأمنية قوية. وسوف تذهب معظم المساعدات الخارجية في إثر الرئيس «هادي» إلى الجنوب، ما يُعطي إيران فرصة لزيادة نفوذها في الشمال. ومع ذلك، فإنه رغم إعطاء إيران للحوثيين حزمة مساعدات اقتصادية في الأيام الأخيرة، فإن طهران لا تملك الوسائل للتعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في المنطقة، كما لن تكون المملكة العربية السعودية قادرة على الجمع بين الجانبين. وسوف يتجاذب الرياض أمران: أخذ زمام المبادرة في القضاء على الأزمة الإنسانية على الجانب الشمالي من الحدود الجديدة، ودعم الحكومة الجديدة في الجنوب.

وليست الاضطرابات بالزائر الجديد لليمن. فقد أدت الجغرافيا الجبلية الوعرة في البلاد إلى ظهور العديد من القبائل التي تتنافس باستمرار على الموارد المحدودة. وقد تم توحيد اليمن الحديث فقط منذ عام 1990، ويبدو من غير المحتمل أن يبقى على هذا النحو لفترة أطول من ذلك. وقبل سيطرة المتمردين الحوثيين على صنعاء، كانت هناك دولة اتحادية مقترحة من ست مناطق مختلفة، ولكن تشير التطورات الأخيرة إلى أن اليمن سينقسم إلى دولتين منفصلتين على الأرجح. وحتى يحدث ذلك، فإن الاضطرابات في اليمن مستمرة، ونتوقع أن نرى الأزمة الإنسانية تتفاقم نتيجة لذلك، وخاصة في الشمال.

أمن مائي متدهور

وتمّ توثيق مشاكل المياه في اليمن أيضا بشكل دقيق. وقد أدى مناخها إلى نمو سكاني سريع، جنبا إلى جنب مع عدم وجود تنظيم، ما تسبب في إفراط شديد في استخدام الموارد المتاحة، وخاصة المياه الجوفية. وضمن الديزل المدعوم ضخ المياه بأسعار معقولة إلى حد ما، ما أدى إلى تفشي الإفراط في ضخ موارد المياه الجوفية. وقد أوصل هذا -بجانب زراعة القات المخدر الذي يحتاج المياه بكثافة- البلاد إلى حافة الكارثة. وسوف ينفد الماء الصالح للاستخدام في العاصمة صنعاء في وقت ما بين 2017 و 2025 وفقا للتقديرات.

وتعاني الحكومة من ضائقة مالية تحول دون وصولها إلى المال اللازم لمعالجة هذه المشكلة. فليست أزمة المياه هي الأولوية في الإنفاق الحكومي، كما تم تخفيض ميزانية السلطة الوطنية للموارد المائية 70% في الآونة الأخيرة. وعلاوة على ذلك، لا يوجد حاليا أي تطبيق للوائح استخدام المياه القائمة.

إيرادات الطاقة والتدهور الاقتصادي

وكان اليمن قبل حقبة الثمانينيات من القرن الماضي يعتمد - معظم اعتماده - على تحويلات العاملين في الخارج لدعم الاقتصاد. وبعد اكتشاف واستغلال احتياطيات النفط، أصبح اقتصاد اليمن يعتمد بكثافة على قطاع النفط والغاز (الذي وفر 25% من الناتج المحلي الإجمالي و63% من الإيرادات الحكومية)، وبلغ الإنتاج ذروته محققا حوالي 440 ألف برميل يوميا في عام 2001 ثم عاد لينخفض مجددا إلى حوالي 133 ألف برميل يوميا بحلول عام 2013.

وإلى جانب الانخفاض الأخير في أسعار النفط، فقد انخفض الإنتاج بشكل ملحوظ في الإيرادات المعتمدة على صادرات الطاقة. وفي عام 2008، قامت اليمن بتصدير ما قيمته حوالي 5.9 مليار دولار من النفط الخام، وبحلول عام 2013 - قبل الانخفاض الحاد في أسعار النفط - انخفضت صادرات النفط الخام إلى 3.25 مليار دولار. وأظهر تقرير صادر عن البنك المركزي اليمني أن عائدات صادرات النفط انخفضت بنسبة تقارب المليار دولار في عام 2014، مشيرا إلى أن الصادرات قد انخفضت إلى أبعد من ذلك. وبدون استثمارات كبيرة لاسترداد الإنتاج عافيته أو حتى الحفاظ عليه، فسوف تستمر هذه الأرقام في الانخفاض.

وعلى الرغم من أن صادرات الغاز الطبيعي المسال يمكنها أن توفر مصدرا آخر للدخل، إلا إن القضايا الأمنية تهدد سلامة خطوط أنابيب التصدير. وعلاوة على ذلك، فإن احتمالية جني 300 مليون دولار سنويا من خلال صادرات الغاز الطبيعي المسال ليست كافية في حد ذاتها لتعويض تناقص عائدات النفط. وتفاقمت مشكلات الكهرباء محليا بسبب التخريب المتعمد والمتكرر لشبكة الكهرباء. وزادت فاتورة استيراد الغذاء الضخمة -يستورد اليمن حوالي 90% من المواد الغذائية الأساسية- بسبب تعقيدات الاضطراب الاقتصادي.

احتياطيات اليمن من العملة الأجنبية آخذة في الانخفاض هي الأخرى، فقد تراجعت إلى 4.6 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 من 5.1 مليار دولار في سبتمبر/أيلول عام 2014، وذلك راجع في جزء منه إلى استيراد منتجات بترولية. ويكفي هذا المبلغ لاستيراد الغذاء والوقود لبضعة أشهر فقط. وقد فاقم انخفاض المساعدات إلى اليمن من سوء الأوضاع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وباتت البلاد في وضع اقتصادي غير مستقر بالمرة. ويتردد أن المواطنين سحبوا أموالهم من البنوك، ما يجعل إنهيار الريال وشيكا، وهو تطور من شأنه أن يترك الحكومة - التي تكافح بالفعل - غير قادرة على دفع الرواتب.

دور المساعدات الإنسانية

ويعتمد اليمن إلى حد كبير على المساعدات الإنسانية الخارجية، حيث يحتاج ما يزيد على 1.6 مليار دولار سنويا لمجرد تجنب حدوث أزمة في ميزان المدفوعات. وفي عام 2012، بلغ صافي المساعدات الإنمائية الرسمية إلى اليمن من أعلى 15 مانحا لها (باستثناء المساهمات من المملكة العربية السعودية) حوالي 445 مليون دولار أمريكي. وكانت ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة أكبر الداعمين الغربيين، في حين أن الإمارات العربية المتحدة كانت أكبر داعم إقليمي، وفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأشارت المنظمة إلى أن المملكة العربية السعودية -أكبر المانحين بصفة عامة- كانت تمنح اليمن سنويا ما بين مليار إلى ملياري دولار، فيما وُصف ذلك بأنه محاولة للحفاظ على الوضع الأمني هناك. تقديم الرعاية لعدد من القبائل المحددة يتيح للسعوديين ممارسة نفوذ على الحكومة اليمنية.

وفي حالة سار اليمن في طريق اتفاق حل الدولتين، فإن المملكة العربية السعودية وإيران وباقي القوى الإقليمية سوف تستمر في استراتيجية الحامي أو المناصر. وسوف تركز إيران دعمها على الحوثيين في الشمال، بينما سيتجه دعم دول مجلس التعاون الخليجي إلى حكومة «هادي» في الجنوب. لكن في الوقت ذاته سيحتاج الراعي القبلي السعودي إلى تسييج اليمن الجنوبي والشمالي - على حد سواء - إذا ما أرادت الرياض الحفاظ على مصدات أمنية وقائية.

النازحون

ساهم الوضع الأمني في اليمن في زيادة عدد النازحين في البلاد. ويعيش حوالي 335 ألف نازح في الداخل و245 ألف لاجيء يعيشون داخل حدود اليمن منذ بدء سنوات الصراع عبر منطقة البحر في منطقة القرن الإفريقي. وتحمّل الجزء الشمالي من البلاد العبء الأكبر من هذه الهجرات. ويعيش أكثر من 100 ألف نازح في محافظة صعدة، وأكثر من 81 ألف في محافظة حجة.

وقد عاد العديد من النازحين من جنوب اليمن إلى قراهم ومناطقهم منذ نهاية الاضطرابات عام 2011. ومع ذلك، فإن الجزء الشمالي من البلاد - حيث ينزح الناس منذ بدء الصراع 2009-2010 - لم يعد نازحوه بعد إلى ديارهم. وسوف تكافح البلاد لدعم ما يقرب من 450 ألف من اليمنيين الذين عادوا عبر نقاط دخول مختلفة منذ يناير / كانون الثاني عام 2013.

مستقبل اليمن

ومن المرجح أن تستمر كل هذه الأزمات نفسها أو تزداد سوءا، وخاصة في شمال اليمن. وعلى افتراض أن البلاد سوق تنقسم إلى دولتين واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب - مع انقسام الدول في دعمها بين الدولتين الجديدتين - فإن تقسيم عائدات النفط سيكون مهما في البداية. ومع ذلك، سوف تستمر تلك الإيرادات في الانخفاض المتزايد، كما لن يكون هناك في الغالب استثمار خارجي نظرا للوضع الأمني الفقير على مدى فترة تمتد من خمس إلى عشر سنوات مقبلة. عائدات الغاز الطبيعي المسال منخفضة نسبيا، وليس هناك ما يدعم نموها بشكل كبير. وهناك آمال عريضة ملقاة على عملية توزيع المساعدات الدولية لتحقيق النجاح النسبي لليمنيين في البلدين الجديدين.

وليس من المرجح حتى بعد الانقسام وجود حكومة مركزية قوية في الشمال. وعلى الرغم من أن الزيدية حكموا ما نطلق عليه الآن اليمن الشمالي لعدة قرون، فإن الحوثيين لا يريدون بالضرورة أن يحكموا مجمل ما يمكن أن يكون اليمن الشمالي. وعلاوة على ذلك، فإنه يمكن أن يكون هناك استمرار للاضطرابات في مأرب ومقاومة من الفصيل القبلي المعروف باسم «بني الأحمر» واتحاد «حاشد»، على الرغم من أن الحوثيين قللوا معظم المقاومة في أراضيهم التقليدية.

ومن دون إرادة قوية من الحكومة المركزية لبدء مشاريع البنية التحتية وإنفاذ اللوائح الخاصة بالمياه (والدعم الخاص بالوقود)، فستصل أزمة المياه إلى ذروتها في اليمن خلال السنوات الخمس المقبلة. ومن دون الوصول إلى طاقة تحلية المياه في البلاد، فسوف يستمر السكان في المناطق الحضرية في فقدان ما لديهم من الموارد المائية القليلة على مدى فترة تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات مُقبلة، وسوف تكون هناك زيادة في عدد السكان النازحين على الأرجح.

وحتى إذا تمت عملية تسوية النزاع من خلال الانقسام إلى دولتين، فإن اليمن - الذي يعتمد أصلا على المساعدات الدولية ليقيم صلبه - سوف يحتاج إلى مزيد من الدعم. ويمكن للمنظمات الإنسانية الدولية أن تعمل في بيئات معادية - مثل الصومال وسوريا - وتساعد الأفراد هناك، لكن احتياجات اليمن تعاني نقصا هائلا في التمويل بالفعل. وبما أن الحاجة إلى المساعدات الإنسانية تزداد، فإنه لن يتحقق سوى القليل جدا من تلك الاحتياجات.

لقد أضحى الكثير والكثير من الأفراد مشردين بسبب أزمة المياه، وسوف يفاقم الفقر المتزايد الوضع الأمني ​​في ظل ازدياد التنافس على الموارد المحدودة. ومن المرجح أن تزيد المملكة العربية السعودية استثماراتها في أمن الحدود (بجانب جهودها الحالية في إنفاق مليارات الدولارات) في الوقت الذي يسعى فيه اليمنيون للجوء عبر الحدود. كما تشير التوقعات إلى أن الرياض غالبا ستعطي نوعا من الدعم المالي لشمال اليمن، حتى لو أعلنت وقوفها مع جنوب اليمن، نظرًا لأنه سيكون في مصلحة السعوديين تأمين تلك الحدود، والحد من نفوذ إيران المتزايد قدر المستطاع.

  كلمات مفتاحية

اليمن ميليشيات الحوثيين السعودية إيران

«فورين بوليسي»: هل تصبح اليمن سوريا ثانية؟

2015 في عيون «ستراتفور» (2\2): الخليج إلى الأمام .. اليمن مشتعل .. و«السيسي» في مواجهة الجهاديين

الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي على أبواب صنعاء

فورين بولسي: الانهيار المالي في اليمن مثير للدهشة

اليمن الحزين !

«ديلي ميل»: اليمن الممزق ينزف في حرب بالوكالة بين إيران والسعودية

ما الذي تهدف إليه أبوظبي برعايتها لمؤتمر قادة فصائل اليمن الجنوبي؟

اليمن: عبء البنية والجغرافيا

«هادي»: عودتي ليست تشبثا بالسلطة والشعب اليمني لن يقبل التجربة الإيرانية

الطائفية والانفصالية والقاعدة والفقر.. مخاطر تؤرق اليمن

«فورين بوليسي»: اليمن .. نهاية القصة الأمريكية ”الناجحة“ في مكافحة ”الإرهاب“

دول الخليج تتطلع لإدراج نجل «صالح» وزعيم «الحوثيين» على القائمة السوداء لمجلس الأمن

أوكسفام: الحرب والحصار يهددان اليمن بكارثة إنسانية

«الفاو»: نحتاج 8 مليون دولار بشكل عاجل لإنقاذ 11 مليون يمني من خطر المجاعة

18 أكاديميا من جامعات بريطانيا وأمريكا يطالبون مجلس الأمن بوقف «عاصفة الحزم»

اليمن .. معاناة إنسانية غير مرئية

«فورين بوليسي»: في اليمن .. محاولة إنقاذ الناس من دون خيانتهم

«معهد كارنيجي»: الفشل الخليجي في اليمن

بعد 25 عاما من الوحدة .. الانفصاليون يحققون مكاسب على الأرض في اليمن

«واشنطن بوست»: الحرب في اليمن تدفع منشآت الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار

التفاوض بشأن السلام اليمني: انقسامات عميقة وحقائق صعبة

«بلومبيرج»: إطلاق الرصاص على السلام في اليمن

اليمن: أحدث كارثة إنسانية في العالم .. كيف ساعدت بريطانيا في خلقها؟

«الجارديان»: الجهاديون هم المستفيدون من الحرب العبثية الدائرة في اليمن

في اليمن.. لا تعطوا الأولوية لفظائع جانب دون جانب آخر

السعودية بين وحدة اليمن وانفصالها

اليمن.. بداية التحرير تبعث مخاوف الانفصال

«ستراتفور»: الصراع الداخلي على النفوذ في اليمن لن ينتهي مع توقف الحرب

هل يؤدي النصر على الحوثيين لانفصال جنوب اليمن؟

«الجارديان»: بريطانيا أصبحت وكيلا لترويج السياسات السعودية

القيادات الجنوبية تجتمع في أبوظبي لبحث الانفصال في اليمن ‏⁦‪

استهجان واسع لترحيل يمنيين شماليين من عدن

السعودية توجه رسالة حادة لـ«علي سالم البيض» بعد تصعيد تحركاته الانفصالية باليمن

أبوظبي تدعو بشكل سري قائد الجيش اليمني و3 جنرالات لزيارتها