"ستراتفور": روسيا تراجع تحركاتها القادمة في سوريا

الثلاثاء 21 أغسطس 2018 01:08 ص

دخلت الحرب الأهلية السورية مرحلة جديدة منذ استيلاء حكومة النظام السوري على درعا والقنيطرة في جنوب غرب البلاد. والآن، ولأول مرة في تاريخ الصراع الذي دام 7 أعوام، أصبحت كل الأراضي ذات الأهمية الأكبر في سوريا إما تحت سيطرة مباشرة من القوات الموالية لـ "بشار الأسد" أو خاضعة لوجود أجنبي مهم.

وتسيطر القوات الديمقراطية السورية، والقوات الأمريكية المتحالفة معها، على الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، في حين تسيطر القوات التركية على شمال محافظة حلب وإدلب، حيث تتمركز آخر قوات المسلحين.

إلا أن حكومة "الأسد" هي التي تسيطر على معظم سوريا، بمساعدة حلفاء مثل إيران وروسيا وحزب الله. ولدى كل من هؤلاء الشركاء رؤية مختلفة لمسار البلاد فيما هو قادم. لكن موسكو، بعد أن حققت بالفعل هدفها الأساسي المتمثل في تأمين مصالحها، وبقاء حكومة "الأسد"، في البلاد، فإنها تتوق إلى تحقيق الاستقرار في الحرب وجني ثمار مشاركتها في الصراع. ولهذه الغاية، وضعت روسيا خطة متعددة الجوانب، لكنها خطة مليئة بالمخاطر، ونجاحها غير مؤكد.

تحديات إعادة الإعمار

وتعد الخطوة الأولى في خطة روسيا هي تأمين تمويل إعادة الإعمار الضروري للحفاظ على استقرار نظام "الأسد" في السلطة، سلميا. وبدون جهود كبيرة لإعادة بناء واستقرار البلاد، قد تشتعل المعارضة مرة أخرى لتتحول إلى حركة تمرد. وعلاوة على ذلك، فإن دور روسيا في تهدئة وإعادة تأهيل سوريا، سيؤدي في نفس الوقت إلى تعزيز نفوذها وتعزيز شرعية الحكومة السورية، ربما بما يكفي لتشجيع الغرب على رفع العقوبات المفروضة على دمشق. ولن تكون العملية قليلة التكلفة، وتشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تبلغ نحو 400 مليار دولار. ولأن روسيا لا تستطيع أن تتحمل ذلك بمفردها، فإنها تتجه نحو دول أخرى، منها الولايات المتحدة والصين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لأجل المساعدة.

وحتى الآن، النتائج مختلطة. وبينما أبدت الصين رغبتها في الاستثمار في هذا الجهد، فلم تبد الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أي حماسة تجاه الخطة الروسية. وسلمت بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، مساعدات إنسانية إلى سوريا إلى جانب روسيا، لكن أنشطتها بعيدة كل البعد عن خطة إعادة الإعمار التي تضعها موسكو في ذهنها.

وفي محاولة لإغراء أعضاء الاتحاد الأوروبي لدعم رؤيتها، أثارت روسيا احتمال عودة اللاجئين إلى سوريا بعد إعادة بنائها. غير أن الاتحاد الأوروبي يشكك في نوايا روسيا، ولا يزال غير راغب في العمل مباشرة مع حكومة "الأسد".

وثبت أن إقناع الولايات المتحدة بجدارة الخطة أكثر صعوبة. فلن تعمل واشنطن مع الحكومة السورية، في ظل عدم وجود تحول سياسي، بل إنها تبحث أيضا عن طرق لخفض إنفاقها في سوريا. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 17 أغسطس/آب، أنها بدلا من إنفاق مبلغ 230 مليون دولار مخصصة لجهود تحقيق الاستقرار في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات السورية الديمقراطية، فإنها ستطلب من حلفائها العرب أن ينفقوا تلك الأموال بدلا منها.

تجنب التصعيد الإسرائيلي الإيراني

ومع استمرار موسكو في البحث عن طرق لضمان استمرارية إدارة "الأسد"، فإنها تعمل أيضا على منع الصراع في سوريا من تصعيد أي حرب بين الدول المعنية هناك. وكثفت (إسرائيل) هجماتها ضد القوات الإيرانية في سوريا خلال العام الماضي؛ في محاولة لمنع طهران من ترسيخ نفسها في البلاد. وقد تصبح الهجمات، إذا تم تركها بدون ضابط، محل نزاع كامل بين إيران و(إسرائيل)، وهو ما قد يضر بقدرات الحكومة السورية وروسيا كذلك. ولتجنب المزيد من التصعيد، أقنعت روسيا إيران بسحب وحداتها الثقيلة من جنوب غرب سوريا في الوقت الراهن، والابتعاد مسافة كافية عن (إسرائيل) تسمح بتجنب الصدامات العرضية بين القوات الروسية والإسرائيلية.

ومع ذلك، فإن خطر المواجهة الإسرائيلية الإيرانية لا يزال قائما. ويمكن لإيران دائما أن تقرر إرسال قواتها إلى المنطقة القريبة من مرتفعات الجولان. علاوة على ذلك، طالما بقي وجود إيران في سوريا مستمرا، فمن المرجح أن تواصل (إسرائيل) هجماتها. وليس لدى روسيا القدرة ولا الإرادة لطرد إيران من سوريا بالكامل. فالجمهورية الإسلامية متجذرة في البلاد، وتأثيرها في دمشق يفوق قدرة روسيا على تهميشها. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال موسكو بحاجة إلى القوات الإيرانية في سوريا، لمهام مكافحة التمرد التي ستستمر لفترة طويلة في المستقبل في المناطق النائية من البلاد التي مزقتها الحرب.

مسألة إدلب

لكن القضية الأكثر إلحاحا التي يتعين على موسكو التعامل معها هي إدلب. وتقع إدلب، وهي معقل المعارضة من الناحية الفنية، ضمن اتفاقية "خفض التصعيد"، التي توصلت إليها روسيا مع تركيا وإيران خلال محادثات السلام في كازاخستان العام الماضي. لكن بنود الاتفاق الخاصة بخفض التصعيد لم تشهد الكثير من الفعالية، على الرغم من أنها مهدت الطريق لتركيا لإرسال قوات لإنشاء 12 نقطة مراقبة على طول الحدود الإقليمية لإدلب. والآن، بعد أن استعادت حكومة "الأسد" سيطرتها على جنوب غرب سوريا، تتوق دمشق إلى شن هجوم على إدلب لاستعادة المزيد من الأراضي. وتحركت القوات الموالية شمالا نحو المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، استعدادا لمثل هذه العملية، مما وضع روسيا في مأزق.

فمن ناحية، تريد موسكو إضعاف قوات المتمردين في إدلب، وخاصة أولئك الذين يقفون وراء الهجمات المؤقتة على قاعدة "حميميم" الجوية في اللاذقية، للتأكد من أنهم لن يشكلوا تهديدا آخر للحكومة في المستقبل. ومن ناحية أخرى، قد يضع ذلك روسيا في صراع مباشر مع تركيا، التي تعارض الانسحاب من إدلب خوفا من فقدان المنطقة العازلة في سوريا، وإطلاق موجة جديدة من اللاجئين إلى حدودها. وليس لدى موسكو أي نية لإثارة مواجهة مع أنقرة. فالتنازع بينهما، بعد كل شيء، قد يسبب قطع علاقاتهما وإعادة تركيا من جديد إلى جانب الولايات المتحدة، بينما قد يشجع أيضا أنقرة على مضاعفة دعمها للتمرد ضد حكومة "الأسد".

وتعد استراتيجية روسيا في سوريا طموحة ولكنها محفوفة بالمخاطر.

ومع أخذ هذه العوامل في الحسبان، ستتبع روسيا نهجا متجانسا في مسألة إدلب. حيث تضغط على تركيا لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن الوحدة الجهادية لقوات المعارضة، بما في ذلك جماعات مثل "هيئة التحرير"، والحزب الإسلامي التركستاني في سوريا (الذي يشكل، باعتباره فرعا لجماعة متمردة من "الإيغور"، مصدر قلق كبير للصين أيضا).

وفي الوقت نفسه، تدير روسيا رؤيتها بشأن دمشق من خلال توضيح أنها لن تدعم هجوما عسكريا كاملا لاستعادة إدلب، طالما بقيت القوات التركية في المحافظة. وبدلا من عملية كاملة، من المرجح أن تبدأ سلسلة من الهجمات الموالية المدعومة من روسيا في الأسابيع القليلة المقبلة، إلى جانب حملة دعائية واسعة النطاق لإقناع المعارضة بإلقاء أسلحتها.

ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج المدروس بعناية سوف ينطوي على مخاطر كبيرة. فلم تدعم روسيا من قبل عملية عسكرية واسعة النطاق في جزء تسيطر عليه المعارضة مع وجود قوات أجنبية. وإذا قررت أن تفعل ذلك في إدلب، فسوف تتعرض لخطر التسبب في خسائر في صفوف تركيا، وهي دعوة للانتقام والتصعيد. وعلى الرغم من أن حكومة "الأسد" استعادت قبضتها على السلطة إلى حد كبير، ربما لن تجد روسيا تنفيذ بقية استراتيجيتها في سوريا أسهل مما مضى منها حتى الآن.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الحرب الأهلية السورية مناطق خفض التصعيد محافظة إدلب القوات التركية الاستراتيجية الروسية