الصفقة الإيرانية الأمريكية تُطبخ على ”نار يمنية“ حامية

السبت 28 مارس 2015 03:03 ص

 جهود إدارة أوباما الضخمة لتحصين الصفقة الكبرى المُحتملة مع إيران، بالكاد خرجت مؤخرا (ولو بشكل مؤقت) من ثقوب إبر حملات الليكوديين الإسرائيليين والجمهوريين الأمريكيين عليها. فهل تنجح الآن في الخروج من عنق زجاجة الحرب الخطيرة التي اندلعت في اليمن فجر يوم الخميس 26 مارس/أذار الحالي؟

السؤال يبدو مبررأ لأسباب عدة. فالغارات الجوية الكثيفة التي شنها سلاح الجو السعودي، بدعم من تحالف ضم تسع دول أخرى كما أعلنت الرياض، والتي دمّرت على ما يبدو مُعظم القواعد والمطارات الجوية التابعة للقوات الموالية للرئيس السابق«علي عبد الله صالح» والحوثيين، ستكون بداية لحرب أوسع. فالحوثيون هددوا بنقل الحرب إلى الأراضي السعودية، كما فعلوا حين خاضوا مع المملكة حربا محدودة دامت بضعة أشهر في عام 2009 كبّدوا خلالها القوات السعودية نحو 140 قتيلا. في المقابل، أعلن السعوديون، على لسان «عادل الجبير»، سفيرهم في واشنطن أنهم «لن يُوقفوا العمليات العسكرية إلا بعد استعادة السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي».

وفي الوقت نفسه، أعلنت مصر دعمها للعمليات السعودية و«استعدادها لإرسال قوات بحرية وبريّة وجوية لقتال الحوثيين إذا تطلب الأمر». هذا في حين تواترت أنباء عن أن باكستان والأردن والمغرب ربما تشارك أيضاً في هذه العمليات. وعلى رغم أن الولايات المتحدة لم تنضم للغارات، إلا أن البيت الأبيض أكد دعمه لها وأعلن أن الرئيس «أوباما» أمر بمنح التحالف الجديد دعماً استخبارياً ولوجستيا.

سنّة وشيعة

ماذا يعني هذا التحالف الجديد وإلى أين يُمكن أن تؤدي هذه الحرب الجديدة؟

يجب الإلتفات، بادىء ذي بدء، إلى أن هذا التحالف سيضم القوى السنيّة الرئيسة في المنطقة، وسيُواجه في الدرجة الأولى النفوذ الشيعي الإيراني الذي يقف بقوة وراء الحركة الحوثية التي اجتاحت معظم مناطق اليمن مؤخرا. وهذا يعني أن الحرب الباردة المستترة بين السنّة والشيعة، والتي تتمثّل في الجولات القتالية المتنقلة بين العراق وسوريا ولبنان، قد تدخل مرحلة جديدة تنغمس فيها الدول المعنية، خاصة المملكة السعودية، في لجج حرب مباشرة.

وفي المقابل، ستكون إيران في وضح حرج للغاية. فهي ستتجنب على الأرجح التورط مباشرة إلى جانب حلفائها الحوثيين في الحرب الجديدة في اليمن، لكنها لن تكون قادرة على تركهم يُواجهون مصيرهم منفردين في وجه هذا التحالف السنّي الواسع، لأن ذلك سيُفقدها مصداقيتها لدى بقية حلفائها في المنطقة، من جهة، ولأن ذلك سيضعف إلى حد كبير مواقعها التفاوضية العامة مع واشنطن، من جهة أخرى.

كل هذا من شأنه خلق أوضاع غاية في التوتر في المنطقة ككل، خاصة إذا ما قرر هذا التحالف السنّي الجديد تمديد هجومه المعاكس ضد إيران إلى سوريا ولبنان. إذ أن ذلك قد يحوّل حرب اليمن إلى حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط ربما تشارك بها إسرائيل.

حتى الآن، لم تصل الأمور إلى هذه المرحلة الخطرة. لكنها ستقترب منها بقوة إذا ما قررت أطراف الصراع الإقليمي رمي كل أوراقها على الطاولة. وفي هذه الحالة، لن تكون تطورات اليمن سوى جزء من لعبة شطرنج أكبر بكثير، هدفها الرئيس هو التحكّم، أو محاولة التحكّم، بتوجهات سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، بوصف هذه الأخيرة القوى العظمى الوحيدة التي لاتزال تُمسك وحدها معظم مصائر دول المنطقة، ومعها مصير النظام الإقليمي الشرق أوسطي العتيد.

واشنطن ستقدم مساعدة «لوجستية ومخابراتية» في عملية اليمن، حيث أعلن البيت الابيض ليل  الخميس (26 مارس/أذار) أن الولايات المتحدة تنسق بشكل وثيق مع السعودية وحلفاء عرب آخرين في إطار العملية العسكرية التي تشنها هذه الدول ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وجاء في بيان لـ«برناديت ميهان» المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن «الرئيس (باراك) اوباما سمح بتقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية في العمليات العسكرية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي».

وأعلن سفير السعودية في واشنطن مساء الأربعاء 25 مارس/أذار أن المملكة نفذت عملية عسكرية في اليمن بمشاركة أكثر من عشر دول للدفاع عن الرئيس اليمني المُعترف به دوليا «عبد ربه منصور هادي» في مواجهة تقدّم الحوثيين الشيعة.ونددت«ميهان» مُجدّدا بالهجوم الذي يشنه الحوثيون مشددة على أن الولايات المتحدة تبقى على اتصال وثيق مع «هادي». وتابعت أن القوات الأمريكية لا تشارك في العملية العسكرية الجارية في اليمن بشكل مباشر بل «تقيم شبكة تخطيط مشتركة مع السعودية لتنسيق الدعم الأمريكي».(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 26 مارس/أذار 2015)

بكلمات أوضح: سيكون الهدف الأول لهذه الحرب المفترضة، من جانب السعوديين وحلفائهم، تقويض (أو على الأقل تعقيد) الصفقة الكبرى الأمريكية - الإيرانية، من خلال إجبار واشنطن على الانحياز علناً إلى جانب «أصدقائها القدماء» في الشرق الأوسط، ما سيترك مضاعفات سيئة على المفاوضات حيال هذه الصفقة، كما على الداخل الإيراني. هذا في حين قد تعمد طهران إلى استخدام هذه الحرب نفسها لإبلاغ واشنطن بأنها القوة الأكثر تأثيراً على لعبة الحرب والسلام في المنطقة، وبالتالي السماح لها أمريكياً بممارسة «الدور الإمبراطوري» الذي تحدث عنه مؤخراً أحد مستشاري الرئيس روحاني، كجزء من الصفقة النووية.

أكبر من اليمن

كما يتضح من هذه المعطيات أن التطورات المحتملة في اليمن مفتوحة على احتمالات ضخمة تتجاوز بكثير مصير الصراع على السلطة في هذه الدولة التي تعتبر من أفقر الدول في العالم.

فالأزمة الجديدة قد تكون الصاعق الذي سيحوّل الإستقطابات الحالية الحادة السعودية - الإيرانية، والسنّية - الشيعية، إلى حريق إقليمي خطير يفوق بكثير الحرائق الأخرى الآن المندلعة على قدم وساق على الأرضين السورية والعراقية (وربما قريباً اللبنانية).

وحينها سيكون التساؤل محقا حول ما إذا كانت الصفقة الكبرى المحتملة بين أمريكا وإيران، ستكون قادرة على الصمود أم لا؟ وحينها أيضا، سيكون الجمهوريون الأمريكيون والليكوديون الإسرائيليون أكثر من جاهزين لمحاولة تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في الجولة الأولى من معركتهم ضد هذه الصفقة، عبر جرّ إدارة «أوباما» إلى المعركة إلى جانب حلفائها التقليديين ضد إيران.

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي اليمن السعودية الحوثيين العراق سوريا عاصفة الحزم

«رفسنجاني» يحذر من عواقب «عاصفة الحزم» .. وتصريحات منسوبة للحرس الثوري تتوعد

«رويترز»: مكانة السعودية على المحك .. وأكاديمي إماراتي يعتبر «عاصفة الحزم» ”مخاطرة“

«فورين بوليسي»: «عاصفة الحزم» .. المقامرة السعودية الكبرى

«الإخوان» وفصائل سورية معارضة يدعمون «عاصفة الحزم» للتصدي لـ«نفوذ إيران»

«أردوغان» يوسع المواجهة: قد ندعم «عاصفة الحزم» لوجيستيا .. وعلى إيران الانسحاب من المنطقة

«ذا إيكونوميست»: إيران تواصل تمددها في المنطقة رغم ضعفها

الخليج العربي .. وتداعيات الاتفاق النووي

دبلوماسي أمريكي: إيران رفضت تسليمنا مقاتلي «القاعدة»