القتل الوحشي لخاشقجي.. لماذا بات قضية عالمية؟

الخميس 11 أكتوبر 2018 06:10 ص

لم أكن أخطط للكتابة عن القتل الهمجي لصديقي "جمال خاشقجي"، فقد كان من المفترض أن نتشارك في حلقة نقاشية بمؤتمر بعد أسبوعين من الآن.

وتشير دلائل قوية إلى أن الكاتب الصحفي السعودي "خاشقجي"، الذي اختفى قبل أسبوع أثناء وجوده داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أعدم من قبل فرقة اغتيالات بطريقة وحشية على غرار ما يقوم به عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية".

وقد يعتقد البعض أن القتل العمد داخل القنصلية السعودية، التي تعتبر وفقا للقواعد الدبلوماسية أراض سعودية، هي مجرد مشكلة تخص المملكة، لكن خطورة الحادث -في حقيقة الأمر- أنه قد يؤدي إلى خلق تصور عام بأن البعثات الدبلوماسية يمكن أن تكون مسرحا لجريمة محتملة.

المناخ الجيوسياسي

إن الديكتاتوريات والمجازر الإسرائيلية، والتدخلات الأمريكية، والإرهاب والأعمال الوحشية التي تنفذها روسيا وإيران مؤخرا في سوريا، نادرا ما تكون غريبة على الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن قتل "خاشقجي" يجمع بين عناصر مختلفة من كل هذه  الفظائع الوحشية تقريبا.

إن المناخ الجيوسياسي السائد هو ما ساهم في ولادة عقلية "الدولة الإسلامية" في المقام الأول.

وتبعا لذلك، جاءت الأساليب التي يُعتقد أنه تم استخدامها في قتل "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

فقط إذا كنا قادرين على فهم البيئة السامة التي باتت سائدة في المنطقة، يمكننا أن ندرك عقلية الحكم في الرياض، والغطرسة في واشنطن، والتعنت في طهران، والقسوة في موسكو، والعنصرية في تل أبيب، والتعجرف في الخليج.

أولئك الذين يحكمون الرياض -الذين وفقا لتصريحات أدلي بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في وقت سابق من هذا الشهر، سيستمرون فقط لأسبوعين إذا توقفت واشنطن عن دعمهم وحمايتهم- اتبعوا نفس المنطق، ومنحوا "خاشقجي" فترة حياة مماثلة. وعلى هذه الشاكلة قُتل رجل بريء أعزل.

لا يمكن اختزال القضية ببساطة في إسكات "خاشقجي" الذي كان ناشطا وصحفيا بسيطا، ولم يشكل أي تهديد حقيقي للنظام السعودي.

لقد تم ذبح "خاشقجي" بنفس الطريقة التي يرتكب بها تنظيم "الدولة الإسلامية" جرائمه بلا هدف، ويلا يعدو الأمر عن كونه عمليات قتل غوغائية ضد الأبرياء.

إن العقلية السائدة في الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية لا يمكن اعفائها من اللوم على مقتل "خاشقجي"، من خلال تجنب القضايا الجيوسياسية الرئيسية في المنطقة، والهوس بقضية بسيطة مثل قيادة النساء للسيارات في السعودية.

تلك العقلية الأمريكية الأوروبية لعبت دورا هاما في تغذية المناخ الجيوسياسي السام بالمنطقة.

أمير متهور

في ظل تلك الأجواء والبيئة السامة، يتصرف ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" على نحو مماثل للرئيس الأمريكي.

فالأمير السعودي يعيث فسادا في أنحاء المنطقة من اليمن وفلسطين، إلى سوريا ولبنان، وامتد تهوره إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول عندما اختفى "خاشقجي" داخل ذلك المبني.

لا توجد ضمانات بأن عواقب مثل السلوك غير المسؤول ستقتصر على إسطنبول؛ حيث يمكن أن تمتد بسهولة إلى البعثات الدبلوماسية الأخرى في جميع أنحاء العالم.

فـ"خاشقجي" كان مواطنا سعوديا ومقيما في الولايات المتحدة، وهو معروف جيدا في أوساط نخبة واشنطن السياسية والإعلامية، وعواقب قتله الوحشية سيتردد صداها في جميع أنحاء العالم.

ومثلما لا يوجد ضمان أن العقلية التي خططت لقتل "خاشقجي" ستتوقف عند هذا الحد، فليس هناك ما يشير إلى أن السعودية، بصفتها حليفا طبيعيا لمحور الجنون المتكون من "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ستبدأ بالتصرف بمسؤولية.

وفاة العلاقات التركية السعودية؟

هذا الحادث من المحتمل أيضا أن ينذر بوفاة العلاقات بين تركيا والسعودية؛ فقد تجاوزنا نقطة اللاعودة على المدي القصير.

فمن الآن فصاعدا، ستحدد خطوات المملكة مصير العلاقة الثنائية بين البلدين، لكن ينبغي ألا ننسي أن أثر مقتل "خاشقجي" يتجاوز بكثير محور أنقرة الرياض.

يجب أن يتحمل العالم مسؤوليته ويتفاعل وفقا لذلك؛  فإن كان "ترامب" أعطي الضوء الأخضر لسياسات ولي العهد المتهورة في الشرق الأوسط، فيجب على بقية العالم ألا يعطي هو أيضا هذا الضوء الأخضر للأمير السعودي.

إن دخول ولي العهد السعودي ساحة السياسية العالمية لم يكن قبل فترة طويلة من انتخاب "ترامب".

لكن على عكس "بن سلمان" كان "ترامب" شخصية معروفة في جميع أنحاء العالم بسبب مشاريعه الضخمة العالمية.

فيما كان ولي العهد، الذي كان يرتبط ذكر اسمه بشركة أرامكو، بمثابة وافد جديد للسياسة العالمية.

في الغرب، كان ينظر لـ"بن سلمان" على أنه حاكم طويل الأمد بقبضة حديدة تلائم منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط، لكن الأهم من ذلك هو أنه كان ينظر إليه أيضا على أنه صاحب فكرة الاكتتاب العالمي لـ"أرامكو"، أكبر منتج للنفط في العالم.

وكان ولي العهد يعتزم بيع 5% من شركة "أرامكو" النفطية السعودية التابعة للدولة.

وكان من المتوقع أن تبلغ قيمة الاكتتاب ما يصل إلى 100 مليار دولار، لكن شكوكا حول مصير الصفقة، منذ أغسطس/آب الماضي، كانت علامة مؤكدة على ضعف الحكومة السعودية.

وعندما تم تنصيب "بن سلمان" وليا للعهد، في يونيو/حزيران 2017، زعم الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، "توماس فريدمان"، أن الربيع العربي في المملكة قد بدأ، وأن الأمير لديه خطط كبيره لمجتمعه.

لقد تحققت الآن خطط الأمير الكبيرة على شكل اكتتاب عام فاشل لـ"أرامكو"، واحتجاز العشرات من رجال المال والأعمال في فندق فخم، وآخرها الجريمة المروعة في إسطنبول.

لقد كان "خاشقجي" الاستثناء في عقلية الحكم في الرياض؛ بحيث منع مصطلح "الصحفي السعودي" من أن يكون متناقضا.

كان "خاشقجي" يحلم بمستقل أفضل، ليس فقط بالنسبة للسعودية بل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ويجب على العالم أن يثبت أن الشرعية لا تقدر بثمن، وينبغي الآن أن نتجمع معا لفرض عزلة على السيد اكتتاب أولي (بن سلمان).

طالع هنا التغطية الخاصة على مدار الساعة لتطورات قضية اختفاء جمال خاشقجي

 

المصدر | ميدل إيست أي - طه أوزان

  كلمات مفتاحية

السعودية تركيا جمال خاشقجي دونالد ترامب محمد بن سلمان